يُعتبر عمل الصاروخ من أكثر المُعضلات التي حيرت العالم، فمنذ اختراع هذا القاذف الطائر لأول مرة وحتى وقتنا هذا سادت حالة من الاندهاش وسط البشر، وبالطبع ثمة مُبرر لذلك، لأنه ليس من المنطقي أبدًا أن تتطاير قُنبلة على شكل طولي تحمل قوة مُدمرة هائلة، والأكثر إدهاشًا هو توقيت الانفجار التي تكون تلك القنبلة على دراية به، مثلما هو الحال مع المكان الذي يقع فيه الأمر، وكلها أشياء تدفعنا بالتأكيد إلى الوقوف والتفكير في كيفية عمل الصاروخ والطرق التي يتمكن من خلالها إنجاز المهام المُحددة له بتلك الدقة المتناهية، وهذا بالضبط ما سنحاول تبسيطه في السطور التالية، لكننا لن نتناول ذلك بالطبع قبل أن نعرف أولًا المقصود بالصاروخ وكيفية دخوله للحياة البشرية.
تعرف عن قرب على مبدأ عمل الصاروخ
ما هو الصاروخ؟
كما أشرنا، قبل أن نتناول عمل الصاروخ سوف نتعرض أولًا لتعريفه، وهو ببساطة ودون تعقيد مجرد جسم معدني طائر، أيًا كان هذا المعدن، وهو يعتمد في عمله على قاعدة الاندفاع، والتي تتم غالبًا في غرفة تُسمى بغرفة الاحتراق، ويتم فيها تجهيز الصاروخ وتأهيله حتى وقت الانطلاق.
يأخذ الصاروخ عدة أشكال، لكنها دائمًا تكون أشكال طولية، وذلك حتى تتناسب مع قوة الدفع واتجاه الهواء، وتختلف تلك الأشكال الطولية باختلاف الشركات المُصنعة له، فتارة يأخذ شكل طول مع رأس مُستقيم، وتارة يكون نفس الشكل لكن مع رأس عريضة، وهكذا، لكن مع مراعاة أن يكون الاختلاف في شكل الرأس والذيل فقط.
الصاروخ يدخل حياة البشر
عمل الصاروخ بدأ في القرن الثالث عشر الميلادي، وللأسف لم ينتهي، بل استمر وأخذ يتطور حتى أصبح بالشكل والقوة الحالية، فقد بدأ في التاريخ الذي أشرنا إليه على يد الجيوش الإسلامية، وذلك أثناء صد الغزو الصليبي على مصر والشام، وكان المسلمين قبل ذلك قد طوره من خلال سلاح المجانيق، أثناء حروب الفرس تحديدًا.
النقلة الكبرى فيما يتعلق بعمل الصاروخ كانت على يد الصليبين بعد انقضاء الحملة، حيث أخذوا السلاح إلى أوروبا وقاموا بتطويره وتحديثه على مدار قرون طويلة، حتى أصبح في النهاية شبه الصاروخ الموجود الآن، إلى أن جاءت الخطوة الأخيرة والأهم في تطوير عمل الصاروخ أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا على يد الألمان، والذين استخدموه في دك حصون الفرنسيين وقتل ملايين البشر، ليُصبح بعدها الصاروخ سلاح الردع والهجوم الأهم في كافة الحروب.
كيفية عمل الصاروخ؟
تختلف أنواع الصواريخ ويختلف تباعًا طريقة عملها أثناء الحرب، لكننا سنذكر الكيفية السائدة المعروفة عن عمل الصاروخ في الغالب، حيث يتم أولًا نقل الصاروخ إلى موضع إذن التفجير والانطلاق، وهو غالبًا يكون في طائرة أو حوامة أو قاعدة مُتنقلة في البحر، وعلى ذلك يكون عمل الصاروخ وانطلاقة متنوعًا حسب كيفية الانطلاق.
انطلاق جو-جو
وهو نوع واضح من عمل الصاروخ، ويكون بانطلاق ذلك الصاروخ من شيء يُحلق في الجو كالطائرة مثلًا باتجاه هدف آخر يُحلّق في الجو أيضًا، والغالب أن يكون طائرة كذلك، وإذا أرنا أمثلة لذلك النوع فليس هناك أشد من معركة جوية بالكامل مثل التي حدثت في بداية حرب أكتوبر عام 1973.
انطلاق جو-أرض
وهو يختلف مع النوع السابق من الانطلاق في كونه يستهدف هدفًا أدنى منه، أو يتمركز على الأرض بمعنى أدق، لكن انطلاقه يكون كما اتفقنا من نقطة جوية كالطائرة، وأهداف هذا النوع من الانطلاق ببساطة تكون الثكنات والمواقع الحيوية والدبابات المُتحركة أو المستقرة.
انطلاق أرض-أرض
وهو ذلك النوع الذي يكون فيه الصاروخ مُنطلقًا من مركز أرضي ويستهدف هدف مُستقر على الأرض أيضًا، وهذا النوع من الانطلاقات هو الشائع في أغلب الحروب الأخيرة لسهولة التحكم به، وأهم أمثاله بالطبع هي الدبابات أو المواقع أو التكتلات البشرية، والتي للحقيقة تكون شبه نادرة في الحروب الكبيرة المُستخدم فيها الصواريخ، فذلك الأمر يتم اعتباره في شريعة الحروب بعملية انتحار جماعي أمام نيران العدو.
انطلاق سطح-سطح
وهو نوع من الانطلاقات يتم العمل به بكثرة في الحروب البحرية التي تكون الأطراف المُتنافسة فيها عبارة عن سفن، حيث تكون نقطة الانطلاق ظهر سفينة ونقطة الاستهداف جسم سفينة أخرى، وربما ليس هناك واقعة أشهر من واقعة تدمير المدمرة إيلات أثناء حروب الاستنزاف التي تلت حرب 1967، حيث ما تزال تلك الواقعة تُدرس في المدارس الحربية حتى الآن باعتبارها أشهر المعارك البحرية التي تم استخدام الصواريخ فيها.
انطلاق سطح-أرض
وهو النوع الشهير الأخير من أنواع الانطلاقات، والنادر جدًا فيما يتعلق بطريقة عمل الصواريخ، ويُستخدم أيضًا في المعارك الحربية التي تكون للأساطيل دور هام فيها، إلا أن استخدامه يكون من قِبل سفينة بحرية أو أي مُسطح، بينما أهدافه لا تكون بنفس الدرجة، حيث تكون أهداف مُستقرة على اليابسة في الغالب، وهي عملية صعبة الحدوث، لذلك يُعتبر هذا النوع من الانطلاق الأندر كما ذكرنا.
صناعة الصواريخ
تقريبًا عمل الصاروخ هي الصناعة الوحيدة التي لا يمكن لأحد القيام بها سوى الجيش المسئول عن الدولة، أو على الأقل، يتم تكليف إحدى الشركات المُختصة بتنفيذ المشروع لكن تحت إشراف من الجيش، وذلك لأنه ببساطة لو كانت صناعة الصواريخ مُتاحة لأي شخص لكان من الممكن جدًا أن يقوم أي شخص عادي يمتلك حفنة من الأموال بصناعة صاروخ وتدمير قرية كاملة مثلًا، وهنا وجب التنويه أننا نتحدث عن صناعة الصاروخ وأنها مُحرّمة على المدنيين والشركات غير التابعة للدولة، وليس فقط لمجرد كونها صعبة الصُنع.
الصواريخ والطائرات
قد يتعجب البعض من تحريم صناعة أو عمل الصاروخ بالرغم من أن صناعة الطائرة تُعد صناعة مدنية منذ البداية، يُمكن لأي شركة صناعية توليها والقيام بها دون عوائق، والرد هنا في الحقيقة يكمن في الهدف البديهي والأول لصناعة الصاروخ والهدف البديهي والأول لصناعة الطائرة، فكلمة صاروخ لا تحتاج إلى تعريف من الأساس، لأنها لا تعني شيء سوى الدمار والهلاك، بخلاف الطائرة، والتي كان الهدف منها في الأساس نقل المسافرين لمسافات كبيرة، والواقع أننا إذا رجعنا بالتاريخ لقرن واحد للوراء فسنجد أن الطائرات الحربية هي التي دخلت على الطائرات المدنية وليس العكس.
أكبر معركة للصواريخ
على مدار فترة عمل الصاروخ الطويلة، لم تشهد معركة استخدامًا للصاروخ بضراوة مثلما حدث في منتصف القرن العشرين، وتحديدًا الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت تلك الحرب مجزرة جوية كما تم تصنفها، كان الصاروخ هو المُسيطر الأول فيها، وكان الفرنسيون هم الضحايا الأكثر تضررًا.
أراد هتلر أن يُعجل بإنهاء الحرب العالمية الثانية على أسرع وجه، وذلك بعدما فشلت قواته البرية والجوية مُتمثلة في الطائرات الحربية، لذلك أطلق العنان لاستخدام الصواريخ على نطاقٍ مُوسَع، وكان له ما أراد بالفعل، حيث تمكن من دك عاصمة النور الفرنسية باريس وجعلها مُجرد أرض مليئة بالأثقال، كما تمكن من تكرار الأمر في روسيا أيضًا، لكن، للغرابة الشديدة، جاءت نهايته على يد الصواريخ أيضًا لكن بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة، لتُسجل الحرب العالمية الثانية بذلك أكبر عملية استخدام للصواريخ في التاريخ، تلاها أهمية بعد ذلك حرب أكتوبر 1973.
أضف تعليق