تسعة اولاد
الرئيسية » شخصيات وعلماء » أينشتاين : من هو، وكيف كان عالمه وحياته العلمية ؟

أينشتاين : من هو، وكيف كان عالمه وحياته العلمية ؟

أينشتاين

يعتبر أينشتاين واحدًا من أشهر علماء الفيزياء النظرية والعملية في العصر الحديث، وقد تخطت شهرته الآفاق نظرًا لما حققه من إنجازات كبيرة في مجال الفيزياء.

أينشتاين أحد أشهر علماء الفيزياء الحديثة بسبب ابتكاره نظرية النسبية التي غيرت من طريقة فهمنا للكون تغيرًا شاملا. رسخت في أذهان الناس صورة ذهنية عن العلماء: مظهرهم، طريقة حركاتهم وسكونهم، البيئات التي خرجوا منها.. إلى آخر هذه التصورات التي قد لا تكون صحيحة في كثير من النماذج من الشخصيات العلمية المرموقة ممن نحتوا بأعمالهم جدار الزمن ببصمات لا يأتي عليها غبار النسيان. كان ألبرت أينشتاين أحد هؤلاء الشخصيات التي قلما يجود الزمان بمثلها والتي تغاير كثيرا الصورة التي رسمها الناس للعلماء في أذهانهم. كثيرٌ منا قد تراوده أحلام من قبيل أني أريد أن أصبح عالما مشهورا في مجال من المجالات، لكن قد تعيق تقدمك الصورة الذهنية الخاطئة التي تركها المجتمع في ذهنك عن العلماء وسلوكهم الشاذ ووجوههم المتجهمة ونظّاراتهم السميكة، وخصوصا عندما يكون المجتمع أغلبه من الأميين أبجديا أو أميين ثقافيا أو علميا؛ وبالتالي فهم يرهبون العلم ويرهبون من يبدعونه ومن ثم كانت الصورة الذهنية الرهيبة التي ارتسمت في أذهان الناس عن العلماء والتي تسربت إليك أنت مما جعلك تنفر من مجرد الفكرة وتستصعب الأمر، هذا بالرغم من احتمال وجود بذور العبقرية بداخلك. وربما صورة مغلوطة أخرى عن العلماء قد تعيق تقدمك، وهي أنه لابد لهم أنهم قد أتوا من أسر ثرية وكانت حياتهم مفروشة بالورد ليبدعوا لنا نظرياتهم هذه التي ندرسها في المدارس ومن ثم تبدأ بمقارنة أحوالهم بأحوالك التي ربما يتخللها بعض الصعاب أو المشاكل التي قد تحبطك وتثنيك عن طموحاتك العلمية والفكرية. و أينشتاين نموذج من النماذج التي ستقضي لك على هذه التصورات التي تعرقل سعيك وشغفك العلمي في مجال من المجالات. أينشتاين ..كيف كانت أحوال وحياة هذا الرجل الذي غير مفاهيمنا عن الطبيعة وقلب تصوراتنا عن العالم والكون الذي نعيش فيه رأسا على عقب وما هي أهم النظريات التي قدمها للعلم؟ إنها قصة مثيرة وحياة ثرية سيخلدها التاريخ ما بقي الإنسان على الأرض.

كل ما يخص العالم أينشتاين

حياته

ولد أينشتاين في مدينة أولم الألمانية لأبوين يهوديين في 14 من مارس سنة 1879م، وعندما بدأ يمشي اكتشفوا أنه لا يستطيع الكلام كأقرانه من الأطفال، فقد كان بطيئا في تعلم الكلام حتى إن أبواه لجآ للطبيب، وكان كلما أراد أن يقول شيئا جربه على نفسه أولا ثم أخرجه على مسامع الآخرين، الأمر الذي جعل بعض من حوله يطلقون عليه “المتخلف” أو المغفل، وشاءت الأقدار أن يبدأ الكلام عند سن السادسة من عمره، وصاحبته هذه المشكلة مدى حياته -إذ صار فيما بعد يخرج الكلام من فمه بصعوبة. كان أبوه “هيرمان أينشتاين” يملك مصنع صغير للأدوات الكهربائية لكنه سرعان ما أظهر فشلا كرجل أعمال الأمر الذي جعله يلجأ إلى مصادر أخرى للرزق بمساعدة أخيه، لكن الحياة لديه كانت على حد الكفاف وذلك في الفترة التي ترعرع فيها الابن ألبرت أينشتاين . وفي أحد المرات التي كان فيها أينشتاين الطفل مريضا، أحضر له أبوه هدية كانت عبارة عن بوصلة، وسببت هذه البوصلة لهذا الطفل شعورا بالسعادة على نحو غريب وغامض، إذ أدهشته القوى الغامضة في الفراغ التي تتلاعب بإبرة البوصلة على نحو مغاير للقوى الميكانيكية الاعتيادية التي يبدو مفعولها من خلال اللمس، أي ملامسة الأجسام بعضها لبعض، وكما هو معروف، فالإبرة المغناطيسية تتحرك دون أن يلمسها أي جسم آخر، تتحرك بفعل المجال المغناطيسي للكرة الأرضية. وفي سن مبكرة كانت أسرة أينشتاين قد انتقلت إلى ميونخ، وكان أينشتاين الابن قد أظهر ميلا واضحا نحو تعلم الرياضيات، الأمر الذي لفت انتباه عمه المهندس “جاكوب” بشدة مما جعله يتبناه علميا، وكان يشرح له مقررات الرياضيات وخصوصا الجبر، وقد كان هذا الشاب اليافع بالفعل كما ظنه عمه نموذجا غير عاديا في مادة الرياضيات. وعندما تقدم في السن شيئا التحق أينشتاين بالمعهد الفني بزيورخ الكائن في سويسرا بعد عقبات واجهته كان السن مصدرها، إذ كان يصغر السن التي تقبل بها المعهد بسنتين، وكان هذا المعهد أقل شأنا من جامعة زيورخ المجاورة والجامعات المجاورة الأخرى، اتضح له أثناء دراسته في هذا المعهد أن تفوقه في مجال الفيزياء فاق كثيرا تفوقه في الرياضيات، وستكون الفيزياء بعد ذلك هي الوجهة الصحيحة التي سيتوجه إليها، وستكون موهبته في الرياضيات عاملا مساعدا له لأن مجاله كان الفيزياء النظرية، والفيزياء النظرية هي في أبسط تعريفاتها هي صياغة ظواهر الطبيعة بلغة المعادلات الرياضية.

معاناة

على كل حال تخرج أينشتاين في هذا المعهد ليواجه معاناته مع عدم وجود فرصة عمل، وكان يراسل العديد من علماء ذلك العصر راجيا إياهم العمل معهم كفيزيائي رياضي مساعد. لكن باءت جميع محاولاته وتوسلاته بالفشل الذريع، حتى إن أباه راعه حال ابنه البائسة فأرسل هو الآخر إلى أحد علماء الكيمياء وهو “أوستفالد” راجيا إياه أن يجد لديه وظيفة لابنه، كما طلب إليه ألا يصل خبر هذه الرسالة لابنه أينشتاين ولبؤس الحظ لم يرد أوستفالد على والد أينشتاين، ومن مفارقات التاريخ الطريفة سوف يكون أوستفالد بعد تسع سنوات أول من يرشح أينشتاين للحصول على جائزة نوبل.وأخيرا وبعد طول معاناة وجد له وظيفة في مكتب براءات الاختراع كخبير فني من الدرجة الثالثة.

وكنشاط ثانوي ترفي، أسس أينشتاين مع بعض أصدقائه أكاديمية أطلقوا عليها “أكاديمية أوليمبيا” للتهكم على بعض الجمعيات العلمية ذات الأسماء الرنانة، كما كانوا يتبادلون فيها أحاديث حول العلوم والفلسفة ويستمعون فيها إلى الموسيقى ويستمتعون فيها بأحاديث الجد حينا والهزل أحيانا، كانت مما يعين على جفاء الحياة وعثرات الطريق. وفي أثناء عمله كموظف بمكتب براءات الاختراع بدأ أينشتاين رحلته الفكرية التي ستنتج لنا إحدى أعظم النظريات التي سيخلدها التاريخ.

أفكار ونظريات

وبينما كان أينشتاين في أحضان مكتب براءات الاختراع الذي كان يعمل فيه، وفي عام 1905م كان عقله يعمل في أربع خطوط على التوازي بالإضافة إلى عمله كموظف يقيّم الاختراعات التي يتقدم بها المخترعون. كان الخط الأول وصف ما يعرف ب”الحركة البراونية” وهي حركة الجسيمات الدقيقة داخل سائل مثل الماء، ومنه معرفة طبيعة الجزيئات وسرعاتها المتوسطة وأحجامها بدقة، وهو ما أكد مفهوم الذرة واعتبار جميع الأشياء من حولنا مكونة من جسيمات دقيقة تسمى الذرات بما في ذلك السوائل والغازات، فحتى سن الشباب لدى أينشتاين لم تكن الفكرة تحظى بقبول غير في نطاق ضيق جدا للدرجة التي جعلت عالما للفيزياء هو “لودفيج بولتزمان” ينتحر ليأسه من تصديق العلماء على فكرته القائلة بالذرة، كان انتحاره هذا بعد أن أتم أينشتاين بحثه حول الذرة وحجمها لكنه لم يكن قد قرأه بعد. أما الخط الثاني الذي كان يعمل عليه أينشتاين هو الطبيعة الكمية للضوء، وهذه الفكرة قال بها قبله العالم الكبير “ماكس بلانك” لكنه حدد نطاق الفكرة لأضيق ما يمكن لدرجة أنه اعتبر الكمات مجرد مقومات رياضية لتسهيل عمل الحسابات الموجية للأشعة، لكن أينشتاين ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله أن هذه الكمات هي كيانات حقيقية ومقوم من مقومات الطبيعة وليس فقط مجرد مقوم رياضي، أي أن الضوء عبارة عن كمات تسمى “الفوتونات”، وكان العلماء حتى هذا الحين يعتبرون الضوء مجرد أمواج تتذبذب في وسط أطلقوا عليه اسم “الأثير”، وهذا الأثير يملأ الكون بأكمله ويغمر ما بين النجوم، وافترضوا فيه من الشروط ما يجعلها شروط بالغة في التعسف والتناقض، كأن يكون هذا الأثير خفيف جدا ومرن جدا بحيث لا يؤثر على حركة الكواكب والأجرام ولا يقاومها، وفي نفس الوقت مطلوب من هذا الأثير أن يكون متماسكا وصلبا بالدرجة التي تجعله ينقل لنا الموجات الكهرومغناطيسية من النجوم البعيدة! وكانت صرخة أينشتاين بالطبيعة الكمية للضوء هي التي حلت الأزمة، إذ لم يعد لافتراض الأثير حاجة ملحة، فطالما أن الضوء عبارة عن كمات (جسيمات) فيمكنه أن ينتقل في الفراغ بدون هذا الكيان الافتراضي “الأثير”. الخط الثالث الذي عمل عليه عقل أينشتاين هو تفسير ظاهرة التأثير الكهروضوئي، وهي الظاهرة التي يؤثر فيها الضوء على شرائح من السيزيوم تأثيرا ميكانيكيا، وذلك بتحرير الإلكترونات من سطح المعدن لتتحول إلى مغناطيس ينجذب نحو لوح من الحديد بالقرب من شريحة السيزيوم. ورابع هذه الخطوط وأهمها هو مسودة لنظرية النسبية التي قلبت موازين الفيزياء رأسا على عقب والتي غيرت مفهومنا عن الفضاء والزمن والكتلة والطاقة إلى الأبد، ثم عمم هذه النظرية فيما بات يعرف بالنسبية العامة والتي كان عمادها فهم الجاذبية باعتبارها انحناء في منظومة الزمكان، ولكن ذلك سوف يحدث بعد عشر سنوات من الزمن أي عام 1915م.

ومما هو جدير بالذكر أن أينشتاين حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921م لا على نسبيته بشقيها الخاصة والعامة وإنما على تفسيره لظاهرة التأثير الكهروضوئي، وهي ظاهرة تخضع في تفسيرها لنظرية الكم وليس النظرية النسبية.

وخلال السنوات اللاحقة واصل أينشتاين مسيرته العلمية باحثا عن شيئ غامض، لكنه كان مؤمنا به إيمانا عميقا، أتراه الحقيقة المجردة، أم تراه النظام الخفي الكامن خلف الفوضى الظاهرة؟ والوحدة في الكثرة والتعدد، كان يبحث عن النظرية الموحدة التي تضوي تحت ظلالها العالم السماوي والعالم الأرضي، عالم ما فوق المجرة وعالم ما دون الذرة. إنها رحلة مثيرة حالفة، وعقلية ممتازة قل أن تجود بمثلها الآباد.

وفاته

توفي أينشتاين في 18 أبريل عام 1955م وفي يديه ورقة مكتوب عليها بعض المعادلات تبدو لغير المختصين كنقوش الآشوريين، كانت محاولاته الأخيرة في توحيد قوى الطبيعة، لكن سهام القدر كانت أسرع منه فباغتته قبل أن ينال مأربه.

موعظة وعبرة

كحياة الكثير من البشر لم تكن حياة أينشتاين ممهدة الطريق ولا ميسورة الحال وإنما هي كما رأينا حافلة بالمشاق والمتاعب والإخفاقات، لكن الدافع دوما كان الشغف للعلم، والشعار دائما هو الإيمان والعمل بجد، أي الإيمان بالقضية التي كرست حياتي من أجلها والعمل الجاد وفق هذا الإيمان. فيكفي فقط أن يكون مواطنا يهوديا في ألمانيا النازية واضطراره إلى الفرار منها وهو العالم المرموق، ويكفي قبل هذا تعثره في الحصول على عمل لكي يعيش حياته كباقي البشر، كما يكفي مشاكله مع أساتذته الأمر الذي تطور لطرده من المدرسة الثانوية، ومن المشكلات التي اعترضته أيضا في حياته مشكلات مع زوجه “ميليفا ماريتش” التي تعرف عليها خلال دراسته بالمعهد وأحبها وأنجب منها طفلين.. ثم أفضت هذه المشكلات إلى انفصالهما وإلى معاناته نفسيا. ومن عجيب الأمر في هذا الرجل، أنه كلما ألمت به مشكلة ما كان ينغمس في عمله أكثر وأكثر، بل كان يستعين بعمله على نسيان مشاكله. أينشتاين هو قدوة كل حالم بغد أفضل ومستقبل أبهر له ولمجتمعه وللإنسانية جمعاء برغم كل المشكلات التي قد تعرقل مسارك في هذه الحياة.

وفي النهاية، كانت هذه بعضا من حياة عالم لا أظنها إلا بددت الصورة التي قبعت كثيرا تحت عظام رأسك.

كريم علي

طالب بقسم الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، باحث حر متخصص في الفلسفة، وهاوي مجالات الاجتماع والأنثروبولجيا والعلوم الإنسانية.

أضف تعليق

ثلاثة + إحدى عشر =