أدب الأطفال هو نوع أدبي يستهدف توعية الأطفال وتنمية ثقافتهم والحفاظ على أخلاقهم وتطوير مهاراتهم في التفكير والاستنتاج وذلك عبر الدروس التوعوية التي تحملها تلك القصص، ومع ذلك فإن هذا النوع يعجب الكبار أيضًا في الكثير من الأحيان بسبب مهارة الكتاب وبلاغتهم بالرغم من بساطة عقدة القصص، وهذا الموضوع هو مخصص لكل ما يتعلق بهذا النوع الأدبي، حيث سنذكر لك أهم الكتب التي ألفها الأدباء وقد وضعنا في الاعتبار الفترات الزمنية المختلفة التي تم تأليف الكتب فيها حيث سنذكر قصص مثل بامبي وسموكي الحصان ومذاق التوت الأسود وهايدي وغيرهم، وفي الفقرات الأخيرة سنتحدث عن أهم الأدباء العرب الذين اهتموا بأدب الطفل وتطوره على مدار العقود الماضية، لتكون لديك في النهاية نظرة شاملة عن أدب الأطفال .
أهم وأشهر كتب أدب الأطفال
بامبي، حياة في الغابة
نشر الكتاب لأول مرة في سنة 1923 وهو من تأليف الكاتب النمساوي فليكس سالتين وهو كاتب وناقد معروف لمع نجمه في أوروبا في مطلع القرن العشرين بسبب أسلوبه المميز، وقد ولد في هنغاريا وتوفى في سويسرا ومر بالكثير من البلدان الأوروبية وعاش في مناطق ريفية جميلة أعطت له الروح القوية للإبداع وبالتحديد في أدب الأطفال ، ولكن في البداية لم تلق القصة رواجًا كبيرًا في دول العالم ومضت خمس سنين حتى تمت ترجمتها إلى الإنجليزية، وبعد سنين اجتاحت العالم وتم ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة، بطل القصة هو حيوان اليحمور الأوروبي (ولكن الأطفال لا يميزونه ويعتبرونه من الغزلان)، وقد فقد اليحمور والدته في سن مبكرة وعاش طفولة صعبة، وفي صفحات القصة سنجد المثابرة في مواجهة الواقع الأليم والمحاولة المستمرة نحو إيجاد شريك الحياة، والأهم هو الدروس الحياتية المهمة التي تعلمها من والده وبالتحديد طرق الهرب من مخاطر الحياة والهرب من أيدي الصيادين من البشر، وقد كتب المؤلف بعد 16 سنة قصة أخرى لاستكمال حياة اليحمور الذي تزوج بحب حياته وأنجب صغاره وحولهم تدور القصة وحول طريقة التربية التي تعلمها اليحمور من والده وتعليم أبناءه الشجاعة في مواجهة المخاطر والاعتماد على أنفسهم، وترجع الشهرة الكبيرة للقصة إلى شركة ديزني التي حولتها إلى فيلم رسوم متحركة باسم بامبي في سنة 1942 وكذلك تم تحويلها إلى مسلسل رسوم متحركة وتم دبلجته إلى العديد من اللغات منها اللغة العربية، وبشكل عام فإن القصة تعتبر من أكثر أعمال أدب الأطفال المحببة إلى القلوب.
الطفل الذي كونته الكتب
تم إصدار الكتاب في سنة 2002 وهو للمؤلف الإنجليزي فرانسيس سبوفورد وهو عضو في الجمعية الملكية للأدب في المملكة المتحدة، ولم ينشغل بكتابة القصص في مسيرته الأدبية واعتمد على الكتب المباشرة لتوجيه رسالته، ومنها هذا الكتاب المميز الذي صنفته جريدة الديلي تلغراف البريطانية ضمن أفضل 15 كتاب من كتب أدب الأطفال وتضم القائمة كتابين فقط تم نشرهما في الألفية الجديدة، وهذا يعطينا فكرة عن مدى أهمية وجودة الكتاب، فهو ليس قصة للأطفال، ويمكن أن يقرأه الكبار والصغار، فهو عبارة عن رسائل حب وامتنان للكتب، ببساطة فإن المؤلف يطرح اعترافات شخصية لأهمية الكتب في حياته، فقد كانت بمثابة والدته ووالده ومدرسته وأصدقاءه، والكتب هي التي أوصلته إلى المرحلة المرموقة التي وصل إليها، وتحديدًا فإن قصص المغامرات هي التي ساهمت في توسيع خياله وقد ذكر العديد من الكتب مثل كتاب سجلات نارنيا، ويوضح المؤلف للصغار والكبار على حد سواء الطريقة التي تمكننا الكتب من خلالها الهروب من الألم والواقع البشع والأحداث المؤسفة وكيف بإمكان الكتب أن تعبر حواجز اللغات والثقافات لتسمو بالإنسان من الناحية الأخلاقية وما يتعلق بقوة الشخصية وبالإضافة إلى الناحية العلمية بالطبع، كما يوضح لنا الفرق الكبير بين سماع القصص وقراءتها لكنه في نفس الوقت لا يهمل أسلوب الحكي الذي يطور مخيلة الطفل، لكن القراءة تجعل الإنسان يدرك معاني الكلمات المختلفة ويحلق في فضاء اللغة ويكتسب العديد من المهارات، وتكثر الاستعارات الموجودة في الكتاب وهذا ما يجعلنا نعتبره عمل أدبي بامتياز بالرغم من أنه مجرد نصوص، كما يطرح الكتاب بعض القضايا الهامة الأخرى بأسلوب سهل وبسيط ليجعلنا نعتبره من أهم أعمال أدب الأطفال .
مذاق التوت الأسود
هي رواية قصيرة كتبتها المؤلفة الأمريكية دوريس بوتشنان سميث ونشرت في سنة 1973، وقد واجهت مشكلة كبيرة عند محاولة نشرها الكتاب ولم يتخيل الناشرون الذين رفضوا كتابها أنه سيحقق هذا النجاح المبهر، فقد اعتقدوا أن مادة الكتاب لا تناسب أدب الأطفال وأنها تحتوي على بعض الأفكار التي قد تجرح مشاعر الصغار خاصةً أجزاء الذكريات الموجودة بكثرة في القصة، كما أنها احتوت على عنصر موت أحد الشخصيات وهو عنصر غير محبب في قصص الأطفال، لكن بعد أن عرضت الكتاب على دار النشر العملاقة هاربر كولينز التي تعتبر من أكبر دور النشر في أمريكا والعالم فقد وافقوا بسرعة وفهموا أن هذا الكتاب يختلف عن غيره من كتب أدب الأطفال ، وباختصار فإن القصة يتم حكيها عبر راوٍ لم يتم تحديد اسمه (ولعل عامل الغموض في القصة يجعلها مختلفة عن الكثير من القصص الأخرى من هذا النوع) ويبدأ الراوي القصة بحكاية عن ذهابه لقطف فاكهة التوت الأسود اللذيذة أو المعروفة باسم العليق وذلك مع صديقه المفضل جيمي، ثم يواجه الأبطال مغامرات خطيرة بعضها يتم ذكره بصيغة الحاضر وبعضها عبارة عن ذكريات في صيغة الماضي، وهذا يتيح للقارئ أن يشارك الأبطال تجربتهم المميزة، ثم تأتي الفاجعة والعامل الأهم في القصة وهو موت أحد الأبطال بسبب لدغة نحلة، ثم يكمل لنا الراوي محاولاته الصعبة في استكمال حياته مع شعوره بالندم والحزن والفكرة الأبرز هي شعوره بالذنب بسبب اندفاعه طوال الوقت مع صديقه في المغامرات الخطيرة، ومن الجدير بالذكر أن أحداث القصة تقع في إحدى ضواحي واشنطن العاصمة نفس مكان ميلاد المؤلفة.
سموكي الحصان
هي قصة من أدب الأطفال ومن تأليف الكاتب الأمريكي ويل جيمس، وأغلب أعماله يغلب عليها طابع الغرب الأمريكي وحكايات رعاة البقرة، وهذا الكتاب هو أهم أعماله على الإطلاق، حيث أنه حاز بسببه على جائزة ميدالية نيوبيري وهي من أعرق الجوائز الأدبية في أمريكا وأقدم جائزة لكتب أدب الأطفال في العالم كله، تدور القصة حول حيوان كما هو الحال في العديد من قصص الأطفال، فالبطل هو حصان يدعى سموكي ولد في البرية لكن تم أسره بواسطة راعي بقر يدعى كلينت، وقد أُسِر كلينت بذكاء وروح سموكي الحصان المميز عن بقية الجياد ليصبح حصانه الأساسي الذي يمتطيه دومًا، مع العلم أنه يعمل في تربية الجياد ويملك قطيع كامل منها، وهناك نقطة هامة في البداية وهي صعوبة ترويض سموكي، فهو جامح ومن الصعب السيطرة عليه عبر العنف، لذا فإن العلاقة التي تنشأ بينه وبين كلينت علاقة صداقة قوية، وبمرور الوقت يصبح سموكي أقوى الجياد في المزرعة وأذكاها وأسرعها، ثم تأتي نقطة الصراع في القصة عندما يسرق أحد اللصوص بعض الأحصنة منهم سموكي الذي قاوم بشدة واضطر اللص إلى ضربه بشدة حتى يطيعه، لكن سموكي القوي لا يستسلم بسهولة، حيث أنه فاجأ اللص وضربه بحوافره بقوة حتى قتله، وهذا أول صدام عنيف بين سموكي والبشر العنيفين، ومن خلال بقية صفحات الكتاب نرى الظروف المختلفة التي تعرض إليها سموكي وأهمها اقتياده إلى سباقات الخيل حيث أثبت جدارته وأصبح الكل يراهن عليه، لكن هل يستمر هذا طويلاً؟ اقرأ الكتاب لتعرف النهاية الشيقة له، ومن الجدير بالذكر أن القصة تم تحويلها إلى أعمال فنية متعددة مثل الفيلم الأمريكي الذي تم إنتاجه في سنة 1946 باسم سموكي وهو من بطولة فريد ماكموراي وآن باكستر والذي اضطر المنتجون إلى الاستعانة بمدرب خيل ماهر ليستطيع تدريب الحصان القائم بدور سموكي وتوجيهه عبر أدوات مختلفة من وراء الكاميرا حتى يتصرف التصرفات المطلوبة منه.
أن تقتل طائرًا بريئًا
هي من أشهر الروايات في الأدب الأمريكي الحديث، ويقرأها الصغار والكبار مرات عديدة دون ملل، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 40 لغة من ضمنها اللغة العربية بواسطة المترجمة داليا الشيال ومن نشر دار الشروق، الرواية من تأليف الكاتبة هاربر لي وهو الكتاب الوحيد الذي ألفته في حياتها ونشر في سنة 1960، وفي سنة 2015 فقط نشرت كتابًا آخر وهو مسودة قديمة لهذه الرواية، ويُدرس الكتاب الآن في المدارس الأمريكية على نطاق واسع بسبب المواضيع الهادفة التي تحتوي عليها القصة، فهي بشكل أساسي تتحدث عن فكرة العنصرية والتفريق بين البيض والسود في الولايات الجنوبية، وتقع القصة في إحدى تلك الولايات وهي ولاية ألاباما التي عانت كثيرًا من آثار العنصرية، الوقت الذي حدثت فيه الأحداث هو ثلاث سنين بدءًا من سنة 1933 أي في فترة الكساد الكبير في أمريكا الذي عانى فيه الشعب مصائب اقتصادية هائلة وظهرت لأول مرة قوانين منع المشروبات الكحولية وتجارتها وشربها بأي شكل.
مضمون الكتاب
بطلة القصة هي الصغيرة جين لويز فينش التي تلقب باسم سكاوت والتي تعيش مع أخيها جيم ووالدها أتيكس وهو محامي في منتصف العمر وقد ماتت زوجته، أول العناصر التي نلاحظها هو الجو العائلي الحميم بين الأسرة دون وجود الأفكار المتكررة والنمطية التي نجدها في تلك القصص، فالوالد يحاول حقًا حماية ولديه من شرور العالم لكنه في نفس الوقت يعرف أن كل الأبناء يكبرون ليعرفوا طبيعة العالم القاسي، لذا فإنه كان يعتمد على توجيهات ذكية ليجعلهم مدركين لما يحدث من حولهم، وهذا ما استطاع أن ينجح فيه حيث كسب محبتهما وفي نفس الوقت لم يخسر أخلاقهما، ثم تأتي نقطة بارزة في القصة وهي شخصية بو، وهو شخص يسكن في منزل شبه مهجور ولا يعرف عنه أي شيء، فكل الشائعات تقول أنه مخبول، لكن يظهر لنا في النهاية أنه طيب القلب وليس مخبولاً كما يظنه الناس، ثم نجد النقطة الأهم في الكتاب وهي قضية لرجل أسود البشرة يدعى توم روبينسون تم اتهامه باغتصاب شابة بيضاء البشرة، ويتم تعيين الوالد أتيكس كمحامي لروبينسون الذي يجد أغلب الناس في البلدة يهاجمونه بسبب دفاعه عن متهم أسود، ثم يطلقون عليه الألقاب الشنيعة ويضايقون أبناءه، لكن الأب يتمسك بالقضية ويقف أمام عنصرية أهل البلدة وهيئة المحلفين والمحامين الآخرين ليحاول جاهدًا إثبات براءة المتهم، وهنا تظهر تعقيدات هامة في القصة تجعلها شيقة للغاية، وعلينا ملاحظة أن هذه القصة تمثل جزء من حياة المؤلفة، بالطبع ليست سيرة ذاتية لكن الكثير من الأحداث والشخصيات مستوحاة من طفولتها في إحدى قرى ولاية ألاباما.
كتاب الأدغال
هل أحببت يومًا مشاهدة مسلسل الرسوم المتحركة ماوكلي؟ لست وحدك الذي أحببته، فهناك الملايين من حول العالم أحبوا تلك الشخصية المميزة التي يوجد أصلها في كتاب كتبه الكاتب الإنجليزي ريديارد كيبلينج الحائز على جائزة نوبل في الأدب في سنة 1907 وهو يعتبر من أبرز الكتاب في العصر الحديث، فبالإضافة إلى كتابته للروايات والقصص القصيرة فإنه داوم على كتابة القصائد الشعرية وعمل في أكثر من صحيفة عالمية، وتأتي نشأة كيبلينج المميزة عاملاً كبيرًا في تطوير شخصيته وأسلوبه، فوالده هو الرسام جون لوكود كيبلنج الذي عمل كذلك كمدرس للفن التشكيلي وشارك بنفسه في رسم الرسومات التوضيحية الموجودة في كتاب الأدغال، وقد قضى أغلب حياته في الهند في الوقت الذي كانت تابعة فيه للإمبراطورية البريطانية، وقد افتتن الطفل ريديارد بأجواء الغابات الهندية وهذا ما دفعه إلى كتابة هذا الكتاب، وجمعه بين الثقافة البريطانية والهندية جعله أحد أبرز الوجوه الأدبية، وبالتحديد كتاب الأدغال الذي نشره في سنة 1894 وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة نشرت في أجزاء متفرقة على مدار سنتين في مجلات للأطفال.
مضمون الكتاب
في كل قصة نجد الحيوانات تتحدث كالبشر لتعطي الأطفال (والبالغين أيضًا) فوائد حياتية أخلاقية، والشخصية الرئيسية في القصة هي ماوكلي الذي يشبه شخصية طرزان الشهيرة حيث أنه نشأ في الغابة وتمت تربيته بواسطة مجموعة من الذئاب، كما أن القصص تبين أهمية التعامل الرحيم مع الحيوانات وأنهم أرواح مثلنا، ومن بين الشخصيات الأخرى البارزة نجد شيريخان النمر الذي يحمل الضغينة لماوكلي والبشر وهو يملك بعض المعاونين مثل مجموعة من الضباع مثل تاباكي الذي يتصرف دومًا تصرفات حمقاء ويفشل مخططات شيريخان، ومن بين أصدقاء ماوكلي نجد بالو الدب وهو يتميز بالحكمة والطيبة ويعتبر الأب الروحي لماوكلي، وقد أثر الكتاب بشكل هائل في مختلف بلدان العالم وترجم إلى عشرات اللغات، لكن شهرة الكتاب الكبرى تعود إلى تحويله إلى العديد من الأفلام والمسلسلات وأشهرها الفيلم الذي أنتجته شركة والت ديزني ومسلسل الرسوم المتحركة الياباني الذي تمت دبلجته إلى العربية باسم ماوكلي فتى الأدغال، ومن الجدير بالذكر أن المؤلف كتب جزء آخر من الكتاب على نفس النحو ونفس الشخصيات.
هايدي
أصبحت شخصية هايدي من أشهر الشخصيات في قصص الأطفال وذلك منذ نشر المؤلفة السويسرية كتابها المعنون باسم “هايدي: سنواتها في الترحال والتعلم” في سنة 1881، وبالرغم من قدم القصة إلا أنها حتى الآن لاتزال تجذب اهتمام الصغار والكبار على حد سواء، والكتاب هو من ضمن أكثر الكتب مبيعًا على الإطلاق وقد ترجم إلى أكثر من خمسين لغة منها اللغة العربية، وتعتبر القصة من علامات الأدب السويسري وربما تكون القصة السويسرية الأشهر على الإطلاق، خاصةً أن أجواء القصة تتمحور حول ترحال الفتاة الصغيرة هايدي في المناطق الجبلية الجميلة في سويسرا خاصةً جبال الألب، وتبدأ القصة بحادثة محزنة تأسر القلوب وهي ترك خالة هايدي لبنت أختها عند جدها في جبال الألب بسبب رغبتها في استكمال حياتها على الطريقة التي تريدها والتفرغ لعملها، ومن هنا يبدأ التشتت الذي يحدث لهايدي وذلك عندما يرفض جدها إرسالها للتعلم فهو لا يدرك قيمة التعليم بالنسبة للبنات، لذا تركها لتتعلم الرعي، وبالرغم من أنها لم تذهب إلى المدرسة في ذلك الوقت إلا أن هذا الوقت كان بمثابة تجربة حياتية مفيدة ومن خلال التجارب المختلفة فقد تعلمت الكثير من الأشياء التي لا تعرفها الفتيات اللواتي في مثل سنها، ثم تقرر خالتها أن تعود فجأة لتنتزعها من تلك الحياة ولترسلها إلى مدينة فرانكفورت لتعيش مع أسرة برجوازية ثرية، وهنا يأتي التخبط في حياة هايدي لتجد الفروق الكبيرة بين الحياة بجوار الماعز في الجبال والحياة داخل منزل ضخم مع أسرة تتبع تقاليد الطبقة البرجوازية بصورة حرفية وتبالغ في اهتمامها بتفاصيل آداب الأكل وارتداء الملابس والتصرف وفقًا لما هو متعارف عليه، وقد سبب هذا انهيارًا لهايدي التي لم تستطع التماشي مع تلك البيئة الجديدة تمامًا لتنتقل القصة إلى نقطة أخرى.
الإلهامات الأدبية والفنية
من الجدير بالذكر أن القصة تحولت إلى العديد من الأفلام والمسلسلات على مدار عقود وأول الأفلام التي اقتبست القصة هو فيلم في الثلاثينيات من القرن الماضي من بطولة الطفلة شيرلي تيمبل التي كانت الطفلة البطلة الأولى في تاريخ هوليوود، وهو ما ساعد على زيادة شهرة شخصية هايدي لتقوم شركة ديزني فيما بعد بتحويل القصة إلى فيلم حاز على شهرة كبيرة ثم مسلسل رسوم متحركة ياباني تم دبلجته إلى العديد من اللغات منها العربية، وعلينا أيضًا أن نذكر تطور هام في نقد القصة حدث في سنة 2010 وذلك بعد مرور أكثر من قرن على نشر القصة، حيث اكتشف ناقد سويسري يدعى بيتر بويتينير أن هناك قصة لكاتب ألماني يدعى هيرمان آدم فون كامب نشر قصة تسمى أديلايدي قبل نشر قصة هايدي بحوالي نصف قرن وهناك الكثير من التشابهات بين القصتين في عقدة القصة والأحداث بل وحتى الشخصيات الرئيسية والفرعية، وقد قال بعض النقاد بعدها أن هذا يقلل من قدر الكاتبة إلا أن البعض رأى أن الاقتباس الأدبي هو شيء متعارف عليه وأن كل الكتاب يقتبسون من بعضهم البعض بنسب مختلفة وأن هذا يحدث في كل الفنون والآداب وليس القصص فقط.
الأرنب المخملي
تدور القصة القصيرة حول أرنب مصنوع من القماش المخملي يتحول إلى أرنب حقيقي، ففي البداية يحصل ولد صغير على الأرنب باعتباره لعبة هدية في عيد الكريسماس، لكنه ليس بنفس جودة الألعاب الأخرى، لذا فإن الأرنب اللعبة يشعر بالغيرة ويريد أن يحصل على الحب والحنان من الصبي، وفي إحدى المرات تخبره لعبة أخرى بأنه إذا أصبحت أية لعبة هي اللعبة المفضلة للصبي فإنها ستتحول إلى كائن حقيقي، ومع مرور الوقت يتعلق الولد الصغير بالأرنب حتى يصبح لعبته المفضلة ويتحول الأرنب إلى كائن حي، لكن تبدأ المأساة عندما يصاب الصبي بالحمى المعدية لذلك فإن أهله قاموا بحرق كل متعلقاته ومن ضمنها كل الألعاب باستثناء الأرنب المخملي الذي أتى له جنّي ليأخذه بعيدًا حتى لا يتعرض للقتل، وهنا يحدث الفراق بين الصبي والأرنب، ولكن في وقت لاحق يشاهد الصبي أرنبًا في البرية يبدو تمامًا مثل الأرنب المخملي، وهنا يكمن مغزى القصة في اللقاء بين المتحابين حتى بعد الموت.
نقد القصة
بالرغم من أن بعض النقاد قالوا بأن وجود عنصر الموت في قصة من قصص أدب الأطفال هو غير مناسب، إلا أن نقاد آخرين قالوا بأن الكثير من الأطفال يواجهون بالفعل واقع الموت سواء كان مع أحد أفراد العائلة أو شخص آخر قريب منهم لذلك فإنه من الواجب عليهم أن يتفهموا معنى الموت ولو بمعنى طفولي على الأقل وهذا ما تقوم القصة بطرحه، فالموت يمكن أن يكون هينًا عندما يعلم الطفل أن المتحابين سيتلاقون مرة أخرى حتى بعد الموت، والقصة للكاتبة مارجيري ويليامز التي بدأت مسيرتها الأدبية بكتابة قصص للبالغين لدرجة أنها انغمست في إحدى فترات حياتها في أدب الرعب، واحتوت أعمالها على عناصر سوداوية ومعقدة جدًا، إلا أنها قررت فجأة كتابة قصة للأطفال وهي الأرنب المخملي وقد حققت بها نجاحًا مدويًا طغى على أعمالها السابقة ومن هنا وجدت روحها في كتابة أدب الأطفال حتى انشغلت به لبقية حياتها حتى ماتت في سنة 1944.
أدب الأطفال عند العرب
هناك فرق بين الحركة الأدبية التي ظهرت عند العرب قديمًا وبين الحركة الأدبية في أوروبا وأمريكا، وفي الواقع فإن هناك اختلاف عام بين الشرق والغرب فيما يخص الفنون والآداب، فالاهتمام الحقيقي للعرب فيما يخص الأدب كان منصبًا على الشعر وبالتحديد الشعر الموزون، لذا فإن بعض الأنواع الأدبية مثل الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات كانت غائبة عن المشهد الثقافي العربي، ولم تبدأ تلك الأنواع بالظهور إلا في منتصف القرن التاسع عشر وبدأت بالنضوج والتطور في العقود الأولى من القرن العشرين وفي البداية كانت أغلب الأعمال عبارة عن ترجمات لأعمال غربية أو على الأقل فإنهم اعتمدوا على عقد القصص منهم واستوحوا العناصر الرئيسية، لذلك فإن أدب الأطفال هو غائب عن الثقافة العربية ولم يظهر إلا في القرن العشرين، لكن النقاد يخبرونا بألا نتعجل في الحكم، فالموروث الشعبي العربي مليء بقصص الأطفال التي كان يتم تداولها عبر الألسنة وإن لم تكتب، لذا فإن هناك الكثير من الروايات المختلفة لنفس القصص مثل قصة البحارة العربي سندباد التي يوجد أصلها في كتاب ألف ليلة وليلة، وهناك العديد من الشخصيات العربية الأخرى التي حظيت بالبطولة في مختلف القصص، لكن إذا وضعنا المعايير العالمية التي تحكم على أدب الأطفال فإننا سنضطر إلى القول بأن هذا النوع من الأدب لم يظهر إلا منذ عقود في عالمنا العربي.
بداية ازدهار أدب الأطفال العربي
مع تأخر ظهور أدب الطفل في الثقافة العربية إلا أنه حظى باهتمام العديد من المثقفين والكتاب العرب وأثر على الكثيرين منهم فأخذوا على عاتقهم تحمل مسئولية نشر هذا النوع الأدبي الذي يعمل على تهذيب عقول وأخلاق الأطفال، وبالتحديد فإن ظهور المصطلح بدأ بالانتشار في العقد الثالث من القرن المنصرم، لكنه في البداية كان عبارة عن توجيهات أخلاقية وعلمية بدون ازدهار النزعة الأدبية، لكن بعد ذلك كثر الأدباء المهتمون بهذا النوع مثل الكاتب كامل الكيلاني الذي يعتبر أب أدب الأطفال في العالم العربي، حيث أن أعماله اكتسحت الأسواق وأحبه الأطفال والكبار، واعتبرت أعماله هي النماذج المثالية التي يجب أن يُكتب على نحوها هذا النوع من الأدب، كما أنه افتتح أول مكتبة خاصة بأدب الأطفال، وقد ألف مئات القصص التي ابتكرها بنفسه أو استوحاها من التراث العربي والغربي وأضاف لها الصبغة العربية لتخرج لنا قصص بديعة وسهلة القراءة مثل نوادر جحا ومصباح علاء الدين السحري.
العرب المبدعون في أدب الأطفال
نذكر أيضًا من المبدعين العرب الكاتب يعقوب الشاروني الذي حاز على جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل في سنة 2001 وهي من أعرق جوائز هذا النوع في العالم العربي، ومن أهم أعماله كتاب الرحلة العجيبة لعروس النيل، ونذكر كذلك الكاتب المصري أحمد محمود نجيب الذي يعتبر أول مؤلف يؤلف كتابًا للصغار والكبار في نفس الوقت وبيع منه ملايين النسخ، وقد كتب أكثر من أربعين كتاب فيما بين قصص قصيرة ومسرحيات موجهة للأطفال العرب وأشهرها كتاب “مغامرات في أعماق البحار” الذي يدرس للمرحلة الابتدائية في المناهج الحكومية المصرية، ومن فلسطين نجد الأديبة روضة فهيم الفرخ التي ترجمت وكتبت الكثير من الكتب المبسطة للأطفال مثل سلسلة حكايات الغول وقد حصلت على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، ومن بين الكتاب الآخرين نذكر بالاسم فقط جار النبي الحلو وأحمد فضل شبلول وسليمان العيسى وعبد التواب يوسف وغيرهم الكثيرين ممن كرسوا حياتهم للإبداع في أدب الأطفال .
أضف تعليق