يُعتبر فن التكلم البطني فن الغرابة الأسمى بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، فإذا ذُكرت كلمة الفن يكون من البديهي تمامًا أن تُتبع هذه الكلمة بشيء جميل ساحر، لكن أن تتحرك عضلات البطن وتُصدر أصواتًا غريبة فإن هذا ليس فنًا بقدر ما هو رُعبًا، وربما لهذا السبب كان التكلم البطني يُعامل في البداية على أساس كونه شكل من أشكال السحر وأمر مُقتصر على الكهنة والدجالين، لكن مع الوقت أخذ التكلم البطني مكانته وأصبح يُعامل بما هو لائق به، فهو فن، من الصعب تعلمه، ومن الصعب عدم الاستمتاع به عند مشاهدته، كما أنه في نفس الوقت جاذب جدًا في قراءته، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نقترب أكثر من فن التكلم البطني ونعرف ما يُقصد به وأهميته وكيفية تعلمه وكيف كانت بدايته، والأهم من ذلك أننا سنجرب معكم تعلم هذا الفن، فهل أنتم مستعدون لبدء هذه المغامرة المميزة، حسنًا لنبدأ سريعًا.
فن التكلم البطني
المقصود بفن التكلم البطني هو ذلك الفن الذي يتم من خلاله ابتكار شكل جديد من أشكال الكلام، وهو الكلام من البطن والتلاعب بمخارج الحروف، بحيث يكون الشخص أمامك مُغلقًا شفتيه لكنه في نفس الوقت قادر على إخراج الأصوات بشكل خفي يجعلك تشعر بالاندهاش، وربما الدهشة لا تتوقف عند إخراج الأصوات بهذه الطريقة فقط وإنما أيضًا إمكانية تغيير الأصوات، وهذه موهبة أخرى أكثر اختلافًا وتفردًا، فالوضع الطبيعي أن الأصوات تخرج من البطن بشكل مختلف كليًا عن الشكل الذي تخرج من خلاله في الوضع الطبيعي، لكن هنا في التكلم البطني لا تكون بهذه الطريقة، وفي الواقع، وقبل توضيح ما يحدث بالضبط، نحن مُطالبون بمعرفة بداية هذا الفن وتدرجه.
بداية التكلم البطني
ربما سيكون ذلك الأمر مدهشًا بالنسبة لبعضكم إلا أن التكلم البطني في السابق لم يكن فنًا وموهبة مثلما هو الحال في الوقت الحالي، بل على العكس تمامًا كان يُعتبر مصدرًا للرعب والخوف، حيث أنه كان يُعامل على أساس كونه نوع من أنواع السحر، فمن يستخدم التكلم البطني هو بالتأكيد شخص يقوم بتعويذة أو بأي شيء آخر خطير، وبالتالي فإن تجنبه أمر لا خلاف عليه، وربما البعض قد استغل هذا الأمر في تخويف الناس ومنعهم من الذهاب إلى أماكن معينة، كان يُقال إنه ثمة صوت للشيطان هناك وكان هذا كافيًا، أيضًا كان الروحاني أحد الأشخاص الذين يستخدمون هذا الطريقة في تحقيق استفادة مادية، بيد أنه في القرن الثامن عشر تغيرت الأمور تمامًا وعادت مجددًا إلى نصابها الصحيح، أو ما يبدو صحيحًا الآن.
التكلم البطني حاليًا
منذ بداية القرن الثامن عشر بدأ الشخص الذي يُجيد التكلم البطني يتواجد في السيرك ويختلط بالناس وينتزع ابتسامات الأطفال، بات أيضًا يتواجد في العروض المسرحية وباتت ترتبط به الدُمى والأشياء المُحببة للأطفال على وجه التحديد، ببساطة، اقترب التكلم البطني من القلوب أكثر وبدأ الناس ينظرون له بخوف وليس برعب مثلما كان يحدث في السابق، وقد أفاد ذلك الوضع الجديد أولئك الذين يتقنون التكلم البطني، حيث أنه قد أصبح مصدر للكسب وليس مجرد فن واستعراض، بمعنى أكثر دقة، لكن أصبح فنان التكلم البطني مثل فنان الغناء، كلهما له جمهوره وحفلاته ومترقبوه.
التكلم البطني والموهبة
هل التكلم البطني موهبة؟ ربما هذا هو السؤال الذي يدور في أذهانكم الآن بعد أن قرأتم الكثير عن التكلم البطني ووقفتم على طبيعته وشكله وكيفية ممارسته، لكن الحديث عندما ينتقل إلى هذا السؤال ونبحث عن إجابة مناسبة له فبكل تأكيد سوف نحتاج إلى وقفة لمعرفة حقيقة ما نبحث عنه، فبما أن عدد قليل جدًا من البشر يتحدثون بلغة البطن أو يُجيدون فن التكلم البطني فالبديهي تمامًا أن نكون بصدد الحديث عن موهبة، فبالأساس تعريف الموهبة هو شيء نادر يُجيد القيام به فئة صغيرة من البشر، لكن، وعلى الرغم من هذه التقدمة، فإن كثير من المحللين والخبراء لا يزالون على اعتقادهم بأن التكلم البطني ليس موهبة، وإنما هو مُجرد فن تجريبي أكاديمي بحت، بمعنى أدق، شيء قابل للتعلم بسهولة.
أصحاب الرأي الأخير يستندون في هذا الرأي على فكرة عدم وجود سمات أو مُحددات للموهبة الخاصة بفن التكلم البطني مثلما هو الطبيعي في أي موهبة أخرى، فمن يمتلك موهبة التمثيل غالبًا ما يكون لديه حس عالي وقدرة على التجسيد والتعايش مع الشخصية، ومن يمتلك موهبة الكتابة تكون لديه القدرة على التخيل والتعبير، ومن يمتلك موهبة الرسم يكون لديه شغف خاص بالطبيعة، وهكذا الحال في غالبية المواهب تقريبًا، لكن موهبة مثل التكلم البطني ليس لها سمات محددة مثل هذه، إذ أنه ليست هناك حركات معينة للبطن أو تغير فسيولوجي معين يُخبرها بأن الشخص الماثل أمامنا سوف يُصبح مجيدًا لهذا الفن، ومن هذا المنطلق تم اعتبار التكلم البطني علم يُمكن تعلمه بصعوبة مبالغة، بيد أننا سنبقى كما نحن في فكرة اعتبار التكلم البطني موهبة، وبالتالي سنذكر نماذج المجيدين لهذا الفن على أساس كونهم مواهب.
مواهب التكلم البطني
ما بقي الآن هو ما يُمكن اعتباره الجزء الأهم في هذا الحديث، إذ أنه يتعلق بعرض مجموعة من المواهب المجيدة لفن التكلم البطني، بعد ذلك يكون لدينا الخيار لمتابعة أعمال هؤلاء وتحديد إمكانية التعلم منهم وتقليد ما يقدمونه أم لا، على العموم، تلك المواهب في العالم معدودة على أصابع اليد الواحدة، لكن أهمهم على سبيل المثال أبانوب فلكس.
أبانوب فلكس
يُعد أبانوب فلكس من أشهر وأهم مُجيدي فن التكلم البطني في الوطن العربي والشرق الأوسط، فهو مصري الجنسية معتاد الظهور في البرامج التلفزيونية كما أنه يُشارك في العروض المسرحية، وقد كون أبانوب شُهرته من خلال تأديته لأكثر من شخصية عن طريق التكلم البطني العادي لدرجة أنك ستظن للوهلة الأولى أنك أمام أكثر من شخص وليس شخص واحد، أيضًا هو يستخدم العرائس وتحريكها في تنفيذ عروض كوميدية غاية الروعة، لا تفوتوا واحدة من حفلاته.
تيري فاطور
لا يُمكنك أن تدخل مجال التكلم البطني أو تستمتع لبعض العروض الخاصة به وتستمتع تمام الاستمتاع بمشاهدتها دون أن يكون نجم هذا المجال تيري فاطور موجودًا بها، فهو بلا شك يُعتبر الأشهر فيما يتعلق بهذا الصدد، إذ أنه قد بدأ ممارسة الموهبة منذ سنوات طويلة وبرع فيها حتى كون ثروة كبيرة من أسعار تذاكر الحفلات التي يُقيمها، ويُقال إن هذا الرجل قد أصبح أكثر ثراءً وشهرة من بعض نجوم الغناء والتمثيل في العالم، وهو ما يعكس أهمية ما نتحدث عنه.
بول زيردين
النجم الأخير ضمن قائمة مواهب التكلم البطني في العالم هو النجم بول زيردين، وهو ربما الأشهر حتى لو لم يكن الأمهر أو الأكثر تربحًا من هذه الموهبة، ومنبع شهرة هذا الرجل مشاركته في المسابقات الخاصة بالمواهب وظهوره في البرامج التي تدعم الغرائب والطرائف، وهو عادة ما يُسير موهبته ويستخدمها في مجال الكوميديا على وجه التحديد، كما أن مقاطع الفيديو الخاصة به متاحة بكثرة على الإنترنت.
ختامًا عزيزي القارئ، إجادة فن التكلم البطني واحدة من أصعب الأمور التي يُمكنك تجريب القيام بها في حياتك، لكن في نفس الوقت إياك أن تنسى بأن إتقانك لهذا الفن يعني أنك قد حظيت بواحدة من الفنون التي من النادر جدًا تعلمها في هذه الحياة، جرب ولن تندم.
أضف تعليق