طبعًا لا خلاف على كون الصحابي الجليل أسامة بن زيد يُعتبر من أبرز وأهم الشخصيات التي مرت بالتاريخ الإسلامي بأكمله على الرغم من أن ذلك التاريخ لا يذاكر له الكثير من المواقف والوقائع، لكن ربما ما حدث في صباه، عندما كان لا يزال فتى في السادسة عشر من عمره، هو الذي أدى في نهاية المطاف إلى تلك الشهرة الكبيرة التي حصل عليها، فالتاريخ لا ينفك يذكر أسامة بن زيد على أساس كونه أصغر قائد في التاريخ الإسلامي، قائد للجيوش على وجه التحديد، ولأجل هذا الموقف تحديدًا أصبح أسامة قدوةً ومثالًا يُحتذى به من الجميع، وخوصًا الأطفال الذي يصلون إلى سن السادسة عشر دون أن تكون لهم أي إنجازات أو بطولات تُذكر، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نقترب أكثر من حياة أسامة بن زيد منذ ميلاده وحتى وفاته ونعرف ما الذي يُمكن أخذه منه وكيف ضرب نموذجًا من ذهب للأطفال الصغار والشباب في سنه.
من هو أسامة بن زيد؟
نحن الآن لا نتحدث عن صحابي عادي بالمرة، فهو أسامة بن زيد بن الحارثة، والده زيد بن حارثة الذي خدم النبي ووالدته أم أيمن حاضنة النبي، أيضًا كان النبي يكن حبًا خاصًا لهذا الرجل، ولهذا كان يُعرف بزيد بن محمد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في أكثر من موضع، لكن ما جاء في صورة الأحزاب قد أنهى ذلك تمامًا، فمنذ ذلك الوقت لم يُصبح أسامة يُعرف بابن النبي على الرغم من كون النبي قد وقف وقال صراحة أن زيد ابني، يرثني وأرثه، أيضًا كان يُسمى باسم الحب بن الحب، ولا ننسى بأن أسامة من الصحابة القلائل اللذين ولدوا وماتوا في الإسلام، وهي نعمة عظيمة لا ينازعه فيها الكثيرون، فهو لم يشهد أي عادة من عادات الجاهلية ولم يرتكب أي فعل فيه إثم.
طفولته
قضى أسامة بن زيد طفولته في كنف النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من أنه كان أسود اللون إلا أن الإسلام لم يكن ينظر أبدًا إلى مثل هذه الأمور، أيضًا كان يقول دائمًا أن أسامة بن زيد كان من أحب الناس إليه، ويحكي أسامة نفسه العديد من المواقف منها ما كان يحدث مع الحسن والحسين اللذين نشأ أسامة معهم، حيث أنه كان يُجلسهم على فخذيه ويقول اللهم إني أحبهما فارحمهما، وقد تعلم بن زيد الفروسية والقتال وهو في سن صغير، وهو الأمر الذي جعله مؤهلًا للقيام بالجهاد لاحقًا والمحاربة في صفوف جيش المسلمين، بل قد وصل الأمر إلى قيادته لهذا الجيش في سن السادسة عشر كأصغر قائد للجيش الإسلامي، وللجيوش بشكل عام، في التاريخ.
قيادة جيش المسلمين
ليست هناك واقعة يُمكن تذكرها للصحابي الجليل أسامة بن زيد أعظم من قيادته لجيوش المسلمين قبيل وفاة النبي، فقبل أن يصعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بأشهرٍ قليلة ولاه على قيادة الجيوش وهو لا يزال شابًا في السادسة عشر من عمره، وهنا عزيزي القارئ لك أن تتخيل بأن الجيش في هذا الوقت كان فيه الخلفاء الأربعة وعدد كبير من العشرة المبشرين بالجنة والكثير من الصحابة الذين يُمكن أن يُثقل اسمهم بماء الذهب، لكن على الرغم من ذلك اختاره النبي وكان شرفًا عظيمًا وثقة كبيرة، ثم اكتملت تلك الثقة بعد وفاة النبي من خليفته أبو بكر الصديق، فعلى الرغم من كون الصديق أعاد النظر في الكثير من الأشياء بسبب التغيرات الكثيرة التي حدثت بموت النبي وظهور المرتدين إلا أنه لم يُغير ما أمر به النبي من قيادة أسامة للجيش، حتى مع اقتراح عمر بن الخطاب ذلك الأمر خوفًا من صغر سن أسامة، نعود ونُكرر مجددًا، لقد كان في السادسة عشر من عمر، وكان قائدًا لجيش فيه عمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد!
وضمن عملية القيادة هذه دعونا لا ننسى الموقف الذي حدث له مع الصديق أبي بكر، فقد خرج يودع الجيش الذي يقوده أسامة مثلما هو العرف في بقية الجيوش، ولما وصل الصديق مشي بجوار أسامة الذي يعتلي فرسه، وهنا خيره أسامة بين أن ينزل من على ذلك الحصان أو يصعد هو، فقال له أبو بكر أنه لن يفعل هذا ولا ذاك وأنه لا يُمانع من أن يُغبر قدمه في سبيل الله، ثم بعد ذلك أعطاه الوصية التي عمل بها في الجهاد، وهي الوصية التي تُعتبر درس حقيقي في الجهاد والفتح، وبالمناسبة، عاد أسامة من هذه الحرب منتصرًا على الروم الذين كانوا يُعتبرون القوة الأكبر في ذلك التوقيت.
ما بعد القيادة
مرة أخرى يعود أسامة بن زيد لينطلق في سباق الجهاد، وعلى الرغم من أنه هذه المرة لم يكن قائدًا في جيش المسلمين لكنه حارب كجندي مخلص في حروب الردة وبقية الحروب، أيضًا شارك في المعارك الخاصة بالخلفاء التاليين للصديق، هذا على الرغم من أن التاريخ لا يذكر له سوى دوره في قيادة الجيوش، عمومًا، كان لأسامة مواقف أخرى مع الخلفاء لا تتعلق بالحروب هذه المرة، وأهمها موقفه مع عمر بن الخطاب.
أسامة بن زيد والفاروق
أغلب الناس الذين قرئوا سيرة عمر بن الخطاب يعرفون جيدًا الموقف الشهير الذي وقع بين أسامة وعمر، ففي مرة من المرات كان الخليفة عمر يُقسم الغنائم بين المسلمين، وكان بين من ينتظرون الغنائم عبد الله بن عمر و أسامة بن زيد ، وقد أعطى عمر أسامة ضعف ما أعطاه ابنه عبد الله، وهذا طبعًا ما أثار اعتراض ابن الفاروق، ليس لأن أسامة قد أخذ منه، ولكن لأن التقسيم في الأساس يتم في الغنائم على أساس الأكثر إسهامًا وفضلًا في الإسلام، وهنا قال عمر لابنه جملته الشهيرة بأن أسامة أحب إلى الرسول منه ووالده أحب إلى الرسول من والده، وهو يقصد هنا نفسه بالطبع.
الفتنة الكبرى
أيضًا من المواقف التي يُسجلها التاريخ بقوة للصحابي أسامة بن زيد موقفه من الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان، ففي وقت الفتنة أغلق أسامة بيته على نفسه ولم يأخذ أي جانب من الجانبين، هذا على الرغم من أنه كان يُحب علي بن أبي طالب جدًا، لكنه أرسل له يُخبره بأنه مستعد لفعل أي شيء من أجله إلا الوقوف في صفه أمام مسلم آخر، ولما استقرت الأمور وأصبح معاوية الخليفة بمبايعة الجميع ذهب وبايعه مثلهم تمامًا.
وفاة أسامة بن زيد
هناك اختلاف في السنة التي مات بها أسامة بن زيد ، فهناك من يقول إنه قد مات في السنة الرابعة والخمسين من الهجرة وهناك من يقول إنه قد مات سنة 61 هجريا، في النهاية هو قد لحق بكل الصحابة والتابعين المخلصين، وربما أكثر ما تركه لنا أسامة هو إرثه فيما يتعلق بالدروس والعبر التي بلا شك لا نزال ننتفع بها حتى وقتنا الحالي.
دروس وعبر من حياة أسامة
الآن بعد أن استعرضنا الكثير من المعلومات والتفاصيل حول الصحابي الجليل أسامة بن زيد فبكل تأكيد سوف يحين الوقت لأخذ بعض الدروس والعبر من هذا الرجل، والحقيقة أنه إذا لم نأخذ الدرس من هذا الرجل على وجه التحديد فليس هناك من هو أصلح منه بذلك، وأول هذه الدروس بالتأكيد عدم التحجج بعامل السن.
عدم التحجج بعامل السن
ربما الأمر الأهم الذي نتعلمه من سيرة أسامة بن زيد هو كون هذا الصحابي الجليل والفتى الرائع لم يتحجج أبدًا بالاسم، وبالتالي نحن أيضًا يجب علينا ألا نتحجج بالسن في أي أمر نقوم به، فليس هناك شيء مُرتبط بالسن في حقيقة الأمر، بل كل شيء يرتبط بالتأهيل، أنت مؤهل لذلك؟ حسنًا فلتفعله دون تردد.
الشخص المؤهل يفرض نفسه
أيضًا قصة أسامة بن زيد تُخبرنا بما لا يدع مجالًا للشك أن الشخص المؤهل للقيادة هو الذي يستطيع في النهاية الظفر بالمكان الذي هو مؤهل له في الأساس، فالآن الشباب، وعلى الرغم من كونهم مؤهلين بدرجة كبيرة وجاهزين، إلا أنهم لا يُفكرون غالبًا في الظفر بأماكن القيادة لأنهم يعتقدون تمام الاعتقاد بأن هذا الأمر بعيد جيدًا عنهم، فقط عليهم أن يتعلموا من أسامة بأن تأهيلهم هو نصف الترشيح، والنصف الآخر للنصيب والقدر.
الابتعاد عن الفتنة واجب
من المواقف التي قام بها أسامة بن زيد وتُعطينا درسًا في غاية الأهمية ذلك الموقف المتعلق بالفتنة، فعندما نشب الصراع بين علي ومعاوية كان من الممكن جدًا أن يتحيز أسامة لأقرب الفريقين إلى قلبه، لكنه كان يُدرك جيدًا أنه بصدد فتنة، وأن أفضل شيء يُمكن القيام به في هذه الظروف هو تجنب الفتنة تمامًا، فلا أحد الآن بات يعرف الصواب أو الخطأ بشكل قاطع.
القيادة لا تعرف السن
بعيدًا عن الشخص نفسه وتفكيره في مسألة القيادة فربما الدرس الذي يجب ألا نغفله أبدًا هو كون القيادة أساسًا ليس لها سن معين، وهو أمر لا نتعلمه من أسامه بن زيد بقدر ما نتعلمه من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي منح القيادة أساسًا لذلك الصحابي عندما رأى أنه مناسب لها، هكذا يتم الأمر، أو هكذا يجب أن يتم.
ختامًا عزيزي القارئ، الصحابي الجليل أسامة بن زيد لا يزال يُعتبر حتى وقتنا الحالي مضرب للأمثال بسبب توليه لقيادة جيش المسلمين الكبير وهو لا يزال فتى في السادسة عشر من عمره، أنت أيضًا يجب أن تفعل ما يجعلك تحظى بنفس المكانة، فهل تقدر على ذلك؟
أضف تعليق