لا شك طبعًا أن استخدام الآلة الحاسبة في عملية التدريس بالوقت الحالي تُعتبر واحدة من الأخطاء الكُبرى التي تُمارس ضد التعليم وضد الشخص الذي يقوم بعملية التعليم نفسها، فنحن الآن في القرن الحادي والعشرين، ومن الممكن جدًا أن يتخيل البعض بأن وصولنا إلى هذا الوقت ومرور زمن طويل على اختراع الآلة الحاسبة يجعلنا أمام حتمية استخدامها وإلا يتم تصنيفنا بالمتأخرين، والحقيقة أن هذا الأمر يُمكن أن يكون معقولًا إذا كنا نُطالب بعدم استخدام الآلة الحاسبة من الأساس، لكن نحن فقط نتحدث عن توقيت استخدامها وإمكانية تحول هذا التوقيت من توقيت مناسب لاستخدام الآلة أو وقت غير مناسب يجعل من الاستخدام فعل خاطئ بنسبة مئة بالمئة، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على استخدام الآلة الحاسبة ولماذا أصبح يُعامل على أساس كونه استخدام خاطئ لا يُمكن الاستمرار فيه، وخصوصًا عند تدريس مادة في غاية الأهمية مثل الرياضيات لمرحلة فارقة مثل الطفولة.
استخدام الآلة الحاسبة
بداية عزيزي القارئ عليك أن تعرف بأن الآلة الحاسبة كانت طفرة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ عند ظهورها للمرة الأولى، أما الآن فمن الغريب أن نقول كذلك بأن الوضع لم يختلف ولا تزال الآلة الحاسبة تُمثل طفرة كذلك، فهي قد خرجت للنور منذ ما يقترب من النصف قرن ولا تزال تُستخدم في العمليات الحسابية، سواء المكتبية الكبرى أو البسيطة مثلما هو الحال مع بعض المدارس والجهات التعليمية، وهنا حديثنا لا يزال مُجرد عن تلك الآلة، فلا يُمكننا أن ننكر أبدًا دورها في إنجاز الكثير من المهام الحسابية الصعبة، ولا يُمكن لأي عاقل إنكار دورها الحيوي والمؤثر في العمل المكتبي التجاري وفي أماكن كثيرة تتعامل بالحسابات الكثيفة التي يُرجح فيها الآلة الحاسبة أكثر من أي عقل بشري يُمكن الاعتماد عليه في مثل هذه النوعية م الحسابات، لكن عندما تقترب من استخدام الآلة في المدارس، وتحديدًا في عملية تدريس مادة الرياضيات، فإن الوضع سيختلف تمامًا وستظهر بعض الأصوات التي تُنادي بعدم استخدام الآلة وتعتبره استخدامًا خاطئًا، فلماذا يا تُرى؟
لماذا يُعد استخدامًا خاطئًا؟
بعد أن تعرفنا على الآلة الحاسبة واستخدامها في المدارس وفي جهات كثيرة هامة فإن الوقت الآن بالتأكيد هو وقت الإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفًا، وهو المُتعلق بالأسباب التي تجعل من استخدام هذه الآلة استخدامًا خاطئًا، وتلك الأسباب كثيرة، لكن أهمها على سبيل المثال عرقلة تنمية المهارات الحسابية.
عرقلة تنمية المهارات الحسابية
لا خلاف طبعًا على كون السبب الأول والبديهي، خلف اعتبار استخدام الآلة الحاسبة في تدريس مادة الرياضيات أمر خاطئ، هو كون تلك الآلة في الأساس تقطع الطريق أمام تنمية المهارات والقدرات، فالطفل في سنٍ صغير يكون منفتحًا على العلم بصورة كبيرة ويكون بحاجة إلى من يُحرك ذلك من خلال الدراسة والطرق على الحديد وهو ساخن، والحديث هنا طبعًا عن المعلم، ثم يأتي كذلك دور الكتب الإرشادية والأشياء المرجعية، لكن ما يتم فقدانه وسط ذلك حال استخدام الآلة الحاسبة هو الطفل نفسه، فإن حدث واعتمد ذلك الطفل على شيء خارجي مثل الآلة فبكل تأكيد لن يلجأ فيما بعد إلى قدراته التي لن يكتسبها أساسًا، فهو بات يعرف بوجود آلة بمقدورها القيام بوظيفته، فهل سيقوم بوظيفته يا تُرى؟ هذا ما تفعله الآلة باختصار.
قتل الاعتماد على النفس
أيضًا من الأمور التي تجعل استخدام الآلة الحاسبة أمرًا خاطئًا وخصوصًا في عالم الرياضيات هو كون هذه الآلة تقتل تمامًا فكرة الاعتماد على النفس، فأنت بكل تأكيد عندما تجد أمامك آلة بمقدورها القيام بالعمليات الحسابية التي تحتاج إلى وقتك ومجهودك وتفكيرك فإنك قبل كل شيء سوف تترك فكرة الركون إلى نفسك بشكل تام وستبدأ في الاعتماد على الآلة، بمعنى أدق، سوف تقتل الاعتماد على نفسك، وهذه مشكلة بالنسبة لك عزيزي القارئ وكارثة بالنسبة للأطفال الصغار، فهؤلاء الأطفال إذا تعودوا في هذا السن عدم الاعتماد على أنفسهم في العمليات الحسابية التي تنمي عقولهم فلن يكون هناك وجود لعلم الرياضيات من الأساس، أرأيتم كيف هو الأمر خطير ويستحق كل ذلك؟
إغلاق العقل أمام المجالات الأخرى
ربما بعد الناس لا يعرفون ذلك ولا يدركونه، لكن استخدام الآلة الحاسبة أو عدم الاستعانة بالرياضيات في حياتنا يجعلنا أمام كارثة كُبرى تتمثل في إغلاق عقولنا، بمعنى أننا لن نتعود على القيام بالأمور المنطقية في المواد الأخرى بالشكل الطبيعي لها، وهذا سيكون فقط لأننا قد أغلقنا الباب عليها وأوقفنا مفاتيحها، أو هذا ما سيحدث بصورة غير إرادية ودون تعمد منا، وربما يُمكن إدراك ذلك فقط بمجرد رؤية مستوى الطالب في المواد الأخرى عندما يكون متفوقًا في الرياضيات وعندما يكون غير متفوقًا بها، فمن هذه النقطة يتضح التباين الشديد ويُصبح من الواضح جدًا تأثير الرياضيات، لذلك إذا جئنا وسألنا عن تأثير هذه العمليات الحسابية البسيطة وتأثير عدم تواجدها فسنجد أنفسنا أمام كارثة.
المشكلة الأكبر من ذلك أن من يقومون بهذا الأمر ويُضيعون الطالب ومستقبله أقرب الناس إليه في الحقيقة، فإما أن يكونوا من ذويه، أي والديه، وإما أن يكونوا من مدرسيه، ومن المفترض أن هؤلاء شغلهم الشاغل المحافظة على عقل الطفل في هذا السن تحديدًا، لكن من قبيل الاستسهال يدخلون الآلة الحاسبة في حياته!
عدم التعرف على بديهيات الرياضيات
في دراسة تم إجرائها في العشر سنوات الأخيرة تم الاستدلال على أمر في غاية الأهمية، وهو كون تعلم الرياضيات أو بديهيات الرياضة في سن صغير أمر يُسهم كثيرًا في زيادة إدراك الطفل، ونحن هنا لا نتحدث عن الإدراك في مجال الرياضيات فقط، وإنما الإدراك بشكل عام، فلمن لا يعرف فإن الرياضة شيء ضروري جدًا وهام إذا ما كنا نُريد تفتيح وتنوير عقولنا، فالمدرس عندما يدخل الفصل ويجد التلاميذ في حالة خمول فإنه من الكافي جدًا أن يقوم بسؤال الأطفال عن مسائل جدول الضرب لكي تتفتح عقول الأطفال مجددًا وهذا ما يُثبت أن التعرف على بديهيات الرياضة في هذه المرحلة أمر في غاية الأهمية، لكنه قد يضيع بسبب استخدام الآلة الحاسبة أو الاعتماد عليها بشكل كلي.
من الدلائل التي تؤكد ما نتحدث عنه الآن أن الجيل الذي سبق اختراع الآلة الحاسبة لا يزال الجيل الأبرز والأهم في القرون الخمس الأخيرة على الأقل، فقد تمكن هذا الجيل من القيام بالكثير من الأمور الهامة التي أفادت البشرية، ونحن هنا نتحدث عن اختراعات كثيرة وفارقة وتجارب ودراسات وأشياء كثيرة من هذا القبيل، بينما الجيل الحالي، والذي شهد استخدام الآلة الحاسبة بكثرة فلا يزال الجيل الأقل من حيث القدرات العقلية، فهو لم يخترع شيئًا هامًا أو يقوم بطفرات في غاية الأهمية، فالأمر ببساطة أنه لم يمتلك مجموعة القواعد والأمور البديهية في علم الرياضيات، ولهذا لم يكن على المستوى المطلوب.
ختامًا عزيزي القارئ، ليس هناك أدنى شك في كون هذه الكلمات لا تتعمد أبدًا مهاجمة استخدام الآلة الحاسبة بشكل عام، فلو جلسنا لنعدد فوائد تلك الآلة الصغيرة فبكل شك سوف نحتاج إلى أكثر من مقال، بل لن نبالغ إذا قلنا إنه ثمة أشياء كثيرة ما كانت لتكون موجودة من الأساس لولا وجود الآلة، الأمر وما فيه الاعتماد عليها في العمليات الرياضية بالنسبة للأطفال وما يُمكن أن يتسبب فيه ذلك من مخاطر ذكرنا أبرزها بالتأكيد في السطور الماضية.
أضف تعليق