يقوم الجهاز العصبي بالسيطرة على الغدد العرقية في جسمنا، وهذه الغدد هي عبارة عن أنابيب يظهر فيها العرق، لكن ما هي مكونات العرق وكيف ولماذا يظهر؟ في الفقرات التالية سنجيب عن تلك الأسئلة، وسنخبرك عن سبب كون رائحة العرق كريهة في بعض الأماكن وغير ملحوظة الرائحة في أماكن أخرى في جسم الإنسان، كما أننا سنتعرض إلى أنواع تلك الغدد وحالات إفراط التعرق وغيرها من الأسئلة الشائعة.
من أين يأتي العرق؟
هل جلست يومًا في يوم مشمس وأمامك كوب عصير بارد ولاحظت أن البخار يتكون على الكوب من الخارج. هل تساءلت من أين يأتي هذا البخار؟ هل الكوب يتعرق مثلًا وتخرج بعض جزيئات العصير من بين جزيئات الزجاج؟ لا هذا ليس بصواب، إن البخار المتكون على الكوب يتكثف من الجزء المحيط بالكوب وهذا لاختلاف درجة الحرارة. ماذا عن النبات إذن؟ هل لاحظت تكون قطرات ماء خفيفة على أوراقه ليلًا، هل هذا تعرق أيضًا؟
إن تلك الجزيئات تأتي من الهواء المحيط بالنبات ولا تأتي من داخله. لكن في البشر والحيوانات يكون الأمر مختلفًا بعض الشيء، فإن الماء الذي يتكون على بشرتنا في الأيام الحارة أو عند التعرض للخوف أو الحرج أو حتى عند بذل مجهود رياضي هو عرق نابع من جسدنا وليس من الهواء المحيط. لكن من أين يأتي العرق تحديدًا؟
إن الإنسان الطبيعي لديه ملايين من الغدد العرقية المنتشرة في جسده كله، تحديدًا في الطبقة الثانية من الجلد. هناك أماكن معينة يزداد فيها عدد الغدد عن باقي أجزاء الجسم. تلك الأجزاء هي راحتي الكفين والقدمين وجبهة الرأس. تلك الأماكن هي الأكثر تعرقًا في الجسد لاحتوائها على أكبر عدد من تلك الغدد.
ماهي الغدد العرقية ؟
هي عبارة عن أنابيب مجوفة تقع في الطبقة الثانية من الجلد ويلتف الجزء السفلي منها حول نفسه مكونًا شكل كروي. إذا هي مكونة من جزأين، الجزء الكروي والأنبوبة التي تتصل بطبقة الجلد الخارجية. ينتج جزء محدد من الغدة العرقية العرق والذي ينتقل إلى الأنبوبة المتصلة بالجلد ليصل إلى الخارج، لكنه لا يخرج وحده، فالثقوب الدقيقة جدًا في الجلد المعروفة باسم المسام هي التي تسمح له بالمرور إلى الخارج. تثبت جزيئات العرق على البشرة لتؤدي وظيفتها.
وظيفة العرق
الجسم يفرز العرق عندما ترتفع درجة حرارة الوسط المحيط أو ترتفع درجة حرارة الجسم نفسه بهدف إخراج بعض السموم من الجسد وخفض درجة الحرارة بعض الشيء أو تبريد الجسم، فهو أساسًا عبارة عن ماء. يتكون العرق من 99% من الماء والنسبة المتبقية توزع على عدة جزيئات مختلفة، فهو يشبه في تركيبه الكيميائي تركيب بلازما الدم. حسنًا، إن كان العرق بشكل أساسي ماء فما هي المكونات الأخرى له؟
تركيب العرق
المكونات الأخرى للعرق تختلف من شخص لآخر حسب الطعام الذي يأكله ويشربه والفترة التي استمر تعرقه فيها، فهذا يحدد المكونات الكيميائية للعرق. هناك مكونات أساسية تخرج في العرق بوجه عام وهي الماء والأملاح واليوريا. في المتوسط يفرز الصوديوم بنسبة 9. جرام لكل لتر والبوتاسيوم بنسبة 2. جرام لكل لتر والكالسيوم 015. جرام لكل لتر والماغنسيوم 0013. جرام لكل لتر. المعادن التي يفرزها الجسم في العرق هي الزنك (4. ميللي جرام لكل لتر)، النحاس (من 3. إلى 8. ميللي جرام لكل لتر)، الحديد (1 ميللي جرام لكل لتر)، النيكل (05. ميللي جرام لتر) وأخيرًا الرصاص بنسبة 05. ميللي جرام لكل لتر. هذه هي مكونات العرق الذي يفرزه جسمنا للتخلص من بعض السموم وتبريد الجسم. لكن الغدد العرقية ليست شيئًا واحدًا بل تنقسم إلى أنواع.
أنواع الغدد العرقية
تنقسم تلك الغدد إلى نوعين: غدد إكرين وغدد أبوكرين. معظم الغدد في الجسم هي من نوع غدد الإكرين، وهي تفرز عرق عديم الرائحة، سائل نظيف يساعد الجسم على تجنب ارتفاع درجة الحرارة وهذا عن طريق توجيه الحرارة إلى تبخير العرق من على البشرة وبذلك تظل درجة حرارة الجسم ثابتة. النوع الثاني من الغدد وهو الأبوكرين يوجد في أماكن معينة مثل الإبط ومنطقة الأعضاء التناسلية. غالبًا ما يخرج هذا النوع من العرق عن طريق شعيرات وليس مسام، فهو يميل أكثر للوجود في أماكن نمو الشعر، كما أن الشعر بيئة خصبة للبكتيريا ولهذا ينصح الأطباء دومًا بالتخلص من لشعر لتجنب الرائحة السيئة للعرق. هذا النوع من الغدد ينتج سائل غليظ بعض الشيء، أي ذو لزوجة أعلى من السائل الآخر. عندما يتعرض هذا السائل للبكتيريا على الجلد ينتج رائحة معينة للجسد. إذن الرائحة ليست بسبب العرق نفسه وإنما بسبب تفاعل العرق مع البكتيريا على البشرة، وليس كل العرق أيضًا بل العرق الناتج من غدد الأبوكرين فقط.
كلا النوعين يتم تحفيزهما لإنتاج العرق عن طريق إشارات عصبية تأتي من المخ بأن الجسد حرارته مرتفعة أو بسبب بعض الهورمونات أو المشاعر مثل التوتر والخوف والقلق أو بسبب نشاط رياضي. في حالة زيادة إفرازات العرق عند بعض الأشخاص تكون الغدد العرقية ذات نشاط زائد وبذلك تنتج عرق أكثر من اللازم.
يمكننا القول أن الأشخاص الذين يعانون من إفراط إفرازات الغدد العرقية هم أشخاص غددهم العرقية تعمل دائمًا بدون وجود محفز مثل ارتفاع درجة الحرارة أو التوتر. مرض زيادة إفرازات العرق ليس بسيطًا في كل الأوقات، فقد يكون هذا إشارة لأمر خطر، وينقسم هذا إلى حالتين.
الحالة الأولى لإفراط التعرق
الحالة الأولى يكون الإفراط في التعرق ليس عرض جانبي لعلاج كيميائي ما أو مصاحب لحالة مرضية معينة وإنما يكون هو نفسه الحالة المرضية، هذه الحالة يكون فيها التعرق الزائد في أجزاء محددة في الجسم مثل اليد أو الإبط أو القدم، يكون هذا ذو تماثل، أي أنه لا يصيب يد واحدة وإنما كلتا اليدين. كذلك بالنسبة للإبط والقدمين وغالبًا ما تصيب زيادة التعرق أكثر من منطقة. فمن الشائع جدًا أنها إن أصابت اليدين تصيب القدمين أيضًا، وغالبًا ما يصاب الأشخاص بإفراط إفرازات العرق في مرحلة الطفولة. الشيء المثير للاهتمام أيضًا هو أن الأشخاص المصابين بها والتي تأتيهم زيادة الإفرازات مرة أسبوعيًا على الأقل لا يحدث لهم زيادة التعرق أثناء النوم. وقد يكون المرض وراثيًا في العديد من الحالات.
الحالة الثانية لإفراط التعرق
الحالة الثانية هي إفراط التعرق الثانوي وتكون هذه الحالة عرض جانبي لعلاج ما أو عرض مصاحب لحالة مرضية أخرى، يصاب الأشخاص بهذه الحالة في سن متقدمة وليست الطفولة أو المراهقة. أيضًا تصيب الحالة أماكن أكثر في الجسم أو أماكن مختلفة عن حالة التعرق الأولى، ويمكن أن يحدث للمصاب تعرق مفرط أثناء النوم. علاج هذه الحالة يكون بالرجوع للحالة المرضية الأصلية أو العقار الذي نتج عنه زيادة التعرق الثانوي، وإما استبدال العلاج أو معالجة الحالة الرئيسية، يتوقف هذا على سبب الإصابة طبعًا.
خاتمة
نكون في نهاية هذا المقال قد عرفنا ماهية الغدد العرقية وشكلها وأماكن تواجدها في الجسم، إن العرق عبارة عن ماء محتوي على مجموعة أملاح ولهذا فهو حامضي قليلاً ولكن ليس به سموم، وعلينا تذكر أن سبب كون رائحة العرق كريهة هو اختلاط البكتيريا مع العرق الناتج عن غدد الأبوكرين التي تقع في منطقة الإبط والأعضاء التناسلية. أخيرًا فإن العرق ليس بعدو للإنسان، فهو يعمل على حفظ درجة حرارة أجسادنا والتخلص من الأملاح الزائدة وهو بشكل أساسي مكون من المياه.
أضف تعليق