تُعتبر الكلبة لايكا واحدة من مشاهير العالم على مدار تاريخه، فلا أحد تقريبًا يعيش على هذه الأرض ويتنفس بها إلا ويعرف ما فعلته هذه الكلبة وما جعلها تقتحم أبواب التاريخ من أوسع أبوابه، فقد كانت أول كائن حي يصعد إلى الفضاء، أي أنها أول من رأى وشعر بالعالم الآخر الذي ظل مجهولًا عن الجميع آلاف السنين، لكننا بالطبع نلاحظ أن الحديث عن هذه الكلبة المعجزة دائمًا لا يُعطيها حقها، وإنما يقتصر فقط على الرحلة الفضائية التي شاركت بها، لكن بالطبع، ثمة حياة وأشياء أخرى يجب أن يعرفها على العالم عن الكلبة المُعجزة، وهذا بالضبط ما سنحاول التعرف عليه سويًا في السطور القليلة القادمة، حيث الكلبة لايكا وقصتها كاملة.
الكلبة لايكا أول كائن حي يخرج من الأرض!
من هي الكلبة لايكا؟
قد يضحك البعض الآن عندما يقرأ هذه السطور ويعرف أننا بصدد التحدث عن السيرة الذاتية لبطلة قصتنا الكلبة لايكا، لكن الأمر في الحقيقة ليس للسخرية أو الهزل، فقد كان للكلبة لايكا حياة فعلًا، بدأت قبل ثلاث سنوات من الرحلة التي انطلقت عان 1957، أي أنها وُلدت تقريبًا في عام 1954، وبالتأكيد لن نخوض في الحياة الأسرية والطفولة المُزرية التي عاشتها لايكا، لأننا في هذا الحالة سنكون قد بدأنا في السخرية والهزل بالفعل، ولكن يكفي أن نقول أنها كانت مُجرد كلبة ضالة تعيش في شوارع موسكو، وأنها لهذا السبب تحديدًا كانت الاختيار الأنسب لهذه الرحلة.
الاختيار الأنسب
كانت الكلبة لايكا، أو الكلاب عمومًا، الاختيار الأنسب لهذه الرحلة الفضائية، وذلك لأنها ببساطة تتطلب كائنات ذات طبيعة خاصة وقدرة على التحمل، وبالطبع لا يتوافر ذلك في كائنات أكثر من الكلاب، والذين تحملوا صقيع موسكو القارص وناموا وسط الجليد الغير مُحتمل من البشر.
بعد الاستقرار على الكلاب للمهمة تم تجميع أكبر عدد منهم، وبعد إجراء الفحوصات والاختبارات تمت المفاضلة بين ثلاثة كلاب، لايكا واثنين آخرين، إلا أن الاختيار وقع على لايكا من قبل العلماء وبدأ تجهيزها للرحلة بالفعل، لكن، قبل ذلك دعونا نتعرف على أسباب هذه الرحلة من الأساس.
أسباب الرحلة
أراد الاتحاد السوفيتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن يُثبت للعالم أن وجود الاتحاد السوفيتي ما زال قائمًا، وأنهم ما زالوا يحتفظون بمكانتهم كدولة عُظمى قادرة على سيادة العالم، لذلك قرروا القيام بشيء يُثبت تفوقهم على مُنافسهم الرئيسي، الولايات المتحدة الأمريكية، فجأوا إلى الفضاء حيث الساحة الفارغة.
أبهر الاتحاد السوفيتي العالم نهاية الخمسينات ومطلع الستينات بامتلاكه لشيء هام لم يسبقه أحد إليه، وهو القدرة على اقتحام الغلاف الجوي والصعود للفضاء، حيث يتواجد العالم الآخر الذي لم يره أحد من قبل، وبالطبع كان صعود البشر في هذه الرحلة أشبه بعملية انتحارية، ولذلك تم اختيار الكلبة لايكا.
انطلاق الرحلة
انطلقت أهم رحلة بتاريخ البشرية في اليوم الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر القابع في عام 1957، وقد سبق ذلك وضع بطلة الرحلة، الكلبة لايكا، في المكان المُخصص لها بالمكوك الفضائي، وذلك من أجل مراقبة انفعالات الكلبة وحركاتها، الغريب، أنه بالرغم من التدريب الطويل الذي تم مع الكلبة لايكا، والتي من المفترض أن يكون شعورها أقل من الإنسان، لوحظ زيادة كبيرة في معدل ضربات القلب ورخو في الأعصاب، مما يدل على تمكن الخوف منه، لكن، بعد أقل من ساعات عاد كل شيء إلى طبيعته، مما يدل على التعود وزوال الخوف.
موت الكلبة لايكا
بعد انتهاء الرحلة وتحقيق أهدافها المرجوة كان الجميع مُنشغلًا في هذا الإنجاز الكبير، وربما لم يلتفت أحد إلى الكلبة لايكا إلا بعد فترة طويلة من البحث، لقد سأل أحدهم ببراءة، أين ذهبت لايكا؟ وقد جاءت الإجابة ببساطة أكثر، ماتت.
كان الأمر صادمًا بالفعل، فالكائن الذي ساهم في هذا الإنجاز الكبير، والذي يُعد سبقًا في تاريخ البشرية، لم يعد له وجود في هذه الأثناء، وربما أكثر الذين حزنوا عليه من الممكن جدًا أن يكونوا قد قتلوا كلبًا قبل ذلك، لكن، الأكثر ألمًا، هي الطريقة التي ماتت بها الكلبة لايكا، والتي أبرزت للجميع الفارق بين الكلب والإنسان.
كيف ماتت لايكا؟
اختلفت الأقوال حول موت الكلبة لايكا، لكن جميعها كانت تقول ببساطة أنها قد تعرضت لنهاية مأسوية لم يسبق وأن تعرض لها أي نوع من الكلاب، ولكي نكن عادلين، فسوف نتناول الروايات التي خرجت من الحكومة الروسية والتي أطلقتها الصحافة تحت مُسمى التكهنات، فبالطبع يُمكن أن يكون أحدهما صحيحًا، ويمكن أيضًا أن تكون هناك روايات أخرى، أكثر صدقًا، لكن أحدًا لم يسمع بها.
موت طبيعي، الرواية الأولى
الرواية الأول بشأن وفاة الكلبة لايكا تقول إنها بعد أن تجاوزت الغلاف الجوي شعرت بجرعة خوفٍ كبيرة كانت سببًا في ارتفاع ضغطها وزيادة معدل ضربات قلبها، مما تسبب في قتلها، والواقع أن هذه الرواية لقيت ترويجًا أكبر من الحكومة الروسية والمسئولين عن مشروع الرحلة بشكل عام، وقد تبرأ هؤلاء مُدعين أن ما حدث أمر وارد جدًا، وكان من الممكن وقوعه لأي إنسان يكون في نفس الموقف، ثم يسألون سؤالًا تعجيزيًا ولا يحتمل سوى إجابة واحد، من يستحق التضحية، الكلبة لايكا أم الإنسان؟
خلل غير مقصود، الرواية الثانية
الرواية الثانية فيما يتعلق بوفاة الكلبة لايكا تُبرز إلى حدٍ كبير إخفاق القائمين على المشروع في حماية بطلة موضوعنا، لكنها في نفس الوقت لا تضعهم في قفص الاتهام، لأنها تقوم بكل بساطة على وجود خلل في المحركات أدى إلى انفجارها وبالتالي موت الكلبة لايكا، وبالرغم من أن هذه الرواية مؤلمة إلا أنها لا تُعادل شيء بالنسبة للألم الذي قد تُسببه الرواية الثالثة إن صحت.
قتل عمد، الرواية الثالثة
تقول الرواية الثالثة، والتي خرجت نتيجة لتكهنات الصحفيين وغير التابعين لمعسكر حكومة روسيا، أن المشروع في الأصل، وخط سير الرحلة بأكملها، كان يقوم على قتل الكلبة لايكا بعد ست ساعات من الإقلاع، وذلك بعد أن يكونوا قد أخذوا ما يُريدونه من التجربة، والدليل على هذا الأمر هو تلك الأنباء التي تسربت عن وضع وجبة سادسة سامة للقطة، تموت بمجرد الألم، وبالرغم من وحشية هذا الأمر إن صح إلا أنه قد وجد تبريرًا من بعض المُعترفين به والمؤيدين للحكومة في نفس الوقت، وهو أن ما حدث كان من أجل حرمان الكلبة لايكا من عدد ساعات ألم مُفترضة.
تخليد الكلبة لايكا
لم يستطع العالم نسيان جميل الكلبة لايكا الذي أسدته للبشرية بأكملها، لذلك لم تتوقف المظاهرات المُنددة بقتلها لشهور طويلة أمام السفارات السوفيتية، أما ذكراها فما زالت حاضرة في الأذهان وأمام مركز تدريب رواد الفضاء بروسيا، حيث تم تشييد تمثال لها هناك ووضعه أمام المكان الذي انطلقت منه وكتبت تاريخها.
أضف تعليق