كريستيان هويجنز هو عالم هولندي، ولد في 14 أبريل 1629 وتوفى في 8 يوليو 1695، في المقام الأول يُشار إليه باعتباره من علماء الفلك الرائدين فيما بعد العصور الوسطى حيث أنه اكتشف الحلقات الدائرة حول كوكب زحل واكتشف قمره تيتان، لكن بجانب اكتشافاته الفلكية فمن الشائع نسبة اختراع البندول له، كما أنه صاحب إسهامات في الفيزياء والرياضيات بشكل كبير، وقد نشر أوراقًا علمية في بعض المجالات الأخرى مثل علم الميكانيكا وعلم البصريات، وله إسهامات رائدة في الألعاب التي تعتمد على الاحتمالات والنسب.
تعرف على حياة علم الفلك الهولندي الشهير كريستيان هويجنز
الطفولة والنشأة
ولد كريستيان هويجنز لأسرة غنية ومعروفة في هولندا، وقد كان الابن الثاني لكونستانتين هويجنز، وتم تسميته على اسم جده من ناحية أبيه، كانت أمه تسمى سوزانا فان بيرل وقد ماتت عندما كان كريستيان في الثامنة عشر من عمره وذلك بعد وقت قصير من ولادة أخته، وقد كان له أربع إخوة وأخوات. كان والده دبلوماسي معروف كما أن له اهتمامات فنية حيث أنه كان يعشق الشعر والموسيقى وألف فيهما، ولعل نشأة الطفل كريستيان في الجو العلمي والفني الذي غلف حياة والده كان له التأثير الأكبر في توجيه حياته نحو العلم والتفكير، فوالده كان صديقًا لكبار العلماء والمفكرين وقتذاك، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العالم جاليليو جاليلي والفيلسوف رينيه ديكارت والرياضي مارين ميرسين، وأراد والده أن يجعل دراسته منزلية حتى يتم سن السادسة عشر، وفي صغره أحب كريستيان هويجنز الآلات الميكانيكية وبالتحديد الطواحين، لذا فإن والده كان يسعى طوال الوقت لإتاحة مساحة كبيرة له حتى يكون تفكيره حرًا وبعيدًا عن أي تقييد يمكن أن تتسبب فيه المناهج الدراسية التقليدية، ولكنه مع ذلك درس العديد من المجالات العلمية والأدبية مثل اللغات والتاريخ والجغرافيا والموسيقى والرياضيات والمنطق والبلاغة وفي نفس الوقت تعلم الرقص وركوب الخيل وهوايات أخرى أفادته كثيرًا فيما بعد، وأحضر له والده أكبر الأساتذة الخصوصيين للإشراف على تعليمه مثل الأستاذ جان جانسز دي جون ستامبيون الذي كان أستاذًا لابن أمير أورانيا.
سنوات الدراسة
ذهب كريستيان هويجنز إلى جامعة لايدن لدراسة القانون والرياضيات وهي أقدم الجامعات في هولندا، ودرس فيها ما بين عامي 1645 و1647، وفي تلك الفترة كان الرياضي فرانز فان شوتن يعمل كمحاضر في الجامعة، ثم عينه والده ليزيد من تعليم كريستيان وأخيه في المنزل، وفي هذا الوقت بدأت عقلية كريستيان هويجنز العلمية بالتفتح خاصةً عندما تعرف إلى أعمال الرياضي بيير دي فيرما في الهندسة التفاضلية، ثم استكمل دراسته في جامعة أورانج في بريدا والتي تم إنشائها حديثًا في ذلك الوقت وكان والده يعمل كمدير إشراف على البناء، وبعد انتهاء الدراسة ذهب في مهمة دبلوماسية إلى مقاطعة بينثيم الألمانية مع الأمير هنري دوق ناسو، ثم ذهب إلى الدنمارك ليزور كوبنهاجن وكان ينوي أن يزور العالم ديكارت أثناء إقامته في ستوكهولم لكن الفرصة لم تتح له، ومع أن والده أراد له أن يستكمل حياته الدبلوماسية إلا أن خطط كريستيان كانت مختلفة تمامًا.
بداية الحياة العلمية والرياضيات
كان هويجنز بطيئًا إلى حد كبير في نشر نتائج اكتشافاته ونظرياته، وأول الأوراق العلمية التي نشرها كانت في حقل التربيع الرياضي وذلك في سنة 1651، وقد ناقش كريستيان هويجنز أستاذه ميرسين سابقًا في مضمون الأوراق والتي تتعلق بطبيعة تربيع الدائرة، وقد أظهر تفضيله للطرق التي اتبعها أرخميدس وفيرما، وفي تلك الفترة كان موضوع التربيع الرياضي من أكثر المسائل العلمية التي يكثر عليها النقاشات بين العلماء، لذا فإن ما كتبه هويجنز خاصةً تعديله على ما كتبه توماس هوبز وتوضيح الأخطاء التي وقع فيها ساهم في رفع مكانته العلمية.
الاتجاه نحو الفلك
بعد انغماسه في الرياضيات لفترة، حول كريستيان هويجنز اهتمامه إلى علم الفلك وذلك في سنة 1654 عندما حصل على تليسكوبه الخاص، وبمساعدة شقيقه تمكن من تطوير طرق جديدة لمسح عدسات التليسكوب وتلميعها لرؤية أفضل، وبدأ بمراقبة دقيقة لكوكب زحل، مع العلم أنه في ذلك الوقت كانت المعلومات المدونة عنه قليلة ومتضاربة، حتى ما كتبه جاليليو لم يكن دقيقًا، أما هويجنز فقد استطاع وصف الحلقات التي تدور حول الكوكب بصورة دقيقة للمرة الأولى، ثم اكتشف قمر ضخم تابع للكوكب وأسماه تيتان، وعندما قامت وكالة الفضاء الأوروبية بإرسال مكوك إلى القمر لدراسة غلافه الجوي في سنة 2005 غيرت الاسم من تيتان إلى هويجنز، ومع ذلك فإنه معروف الآن على نطاق أوسع باسمه الأصلي، أما كتاباته الأكثر تشويقًا فكانت حول وجود الحياة الذكية خارج كوكب الأرض، وهو يعتبر من الرواد الذين كتبوا في هذا المجال في السابق حيث أن أغلب الكتابات كانت عبارة عن خيالات، وقد نشرت الكتابات بعد وفاته مباشرةً.
دراسة الضوء
لهويجنز أيضًا إنجازات عظيمة في علم البصريات، وفي القرن السابع عشر كانت هناك ثلاث نظريات شائعة عن طبيعة الضوء، الأولى تقول أن العين ترسل شيء ما يقدر على إبصار الضوء، والثانية ترجح أن الأشياء نفسها تبعث شيء ما يصل إلى العين فتبصر، أما الثالثة تعرض احتمالية وجود وسيط بين العين والشيء مما يسمح بالإبصار، والنظرية الأخيرة هي التي أثارت اهتمام كريستيان هويجنز وجعلته يفترض أن الضوء ينتقل عبر أمواج بالاعتماد على وسيط مجرد أسماه بالوسيط الأثيري، وقال أن أمواج الضوء تهتز خلال الأثير لتنتقل إلى الشيء ثم العين، وعبر هذا الاستنتاج استطاع هويجنز حساب قوانين انعكاس وانكسار الضوء، ومع أن هذه القوانين صحيحة إلا أنه لا يوجد شيء يدعى بالأثير، وقد رفض السير إسحاق نيوتن نظريته، وقال أن الضوء مكون من أجسام ضئيلة تتحرك، لكننا نعلم اليوم أن طبيعة الضوء تتكون من أمواج وجزيئات.
إنجازات كريستيان هويجنز الأخرى
ساهم هويجنز أيضًا في علم الميكانيكا بشكل كبير، واخترع الساعة التي تعمل بالبندول لأول مرة، وكانت تتأخر بحوالي دقيقة واحدة كل يوم، ثم عمل على تعديل الساعة حتى أصبحت تتأخر عشر ثواني فقط في اليوم، مع العلم أن جاليليو فكر في صناعة ساعة مشابهة وخطط لها إلا أنه لم يصنعها، كما أن هويجنز طور صناعة ساعات اليد، وصمم أيضًا محرك انفجار داخلي في أواخر حياته إلا أنه لم يصنعه، وطور صناعة التليسكوبات ذات العدسات المتعددة وحملت بعض الأنواع اسمه الخاص، وقدم للجمعية الملكية في هولندا ثلاث تليسكوبات بناها، كان طول بؤرة العدسة في التليسكوب الأول 123 قدم والثاني 180 قدم والثالث 210 قدم، وهذا إنجاز لم يسبق له مثيل في ذلك الوقت.
آخر حياته
كان هويجنز محل إعجاب العلماء والطبقة الملكية وطبقة النبلاء باعتباره فرد منهم، وبسبب شخصيته الجميلة واحترامه للناس وابتعاده عن التفاخر كان الكل يكنون له الاحترام والتقدير، أما هو فقد كان معجبًا برينيه ديكارت خاصةً في بداية حياته، وقد حصل على درجة الدكتوراه في سنة 1655، وبعد عشر سنين أصبح مدير الجمعية الملكية للعلوم، وعندما وصل إلى سن الحادية والستين بدأ المرض يشتد عليه لمدة خمس سنين متتالية إلى أن مات في الثامن من يوليو 1695 ودفن في موطنه.
أضف تعليق