تسعة اولاد
الرئيسية » حقائق » ظاهرة السيلفي : ما هي وكيف ظهرت وهل هي ظاهرة صحية؟

ظاهرة السيلفي : ما هي وكيف ظهرت وهل هي ظاهرة صحية؟

ظاهرة السيلفي

ظاهرة السيلفي ظاهرة قديمة حديثة، حيث ظهرت في عام 1830 ولقيت انتشارًا في عام 2012 وتم على إثر الانتشار إضافتها إلى قاموس اللغة، ويقول العلماء أنها غير صحية.

تعتبر ظاهرة السيلفي أكبر دليل على أن التراث لا يموت، فقبل حوالي قرن ونصف التقط أحد الأشخاص صورة لنفسه، وكانت أول صورة سيلفي في التاريخ، قبل أن يأتي عام 2012 ويشهد الاكتساح الكامل لهذه الصورة، حيث أصبحت تُلتقط من قِبل أكبر الشخصيات العالمية وفي المنافسات الكبرى كذلك، مما أكسبها شهرة وانتشار أكبر في كل شبر من المعمورة، والحقيقة أننا يجب ألا نأخذ ظاهرة السيلفي إلى الجانب الجيد دائمًا، فهي كذلك تتسبب في بعض المشاكل حسبما أظهرت الدراسات والأبحاث التي أجراها العلماء في الآونة الأخيرة على مُدمني السيلفي كما يُطلقون عليهم، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف على ظاهرة السيلفي وكيفية ظهورها وهل هي ظاهرة صحية أم أنها على العكس تمامًا.

معنى كلمة سيلفي بالعربي

أفضل تعريف يمكن الحصول عليه لظاهرة السيلفي يكون بعد أن ترد الكلمة إلى أصلها في الإنجليزية، فسيلفي في الإنجليزية مشتقة من سيلف أو الاعتماد على النفس، وبذلك يمكن تعريف ظاهرة السيلفي كما أضافها قاموس أكسفورد مؤخرًا بأنها التقاط صورة أو أكثر من خلال الاعتماد على النفس ودون الاستعانة بمصور، أي أن الشخص الذي سيتم تصويره هو الذي سيقوم بمهمة التصوير في نفس الوقت.

كلمة سيلفي إذا كانت منفردة فإنها تعني كما ذكرنا الاعتماد على النفس، لكن دون تحديد الشيء الذي سيُعتمد على النفس فيه، وهل هو التصوير أم الطعام والشراب أم العمل، أو أي شيء آخر، لكن، عندما انتشرت الظاهرة أصبح اسم سيلفي علمًا لها، بمعنى أنك إذا ذكرت كلمة سيلفي فلن يُفهم منها سوى شيء واحد فقط، وهو قيام الشخص بتصوير نفسه بنفسه.

ظهور ظاهرة السيلفي

متى سمعتم عن ظاهرة السيلفي؟ سؤال أبعد إجابة عنه سوف تكون في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، حيث الرواية التي يعرفها الجميع بأن إلين ديجينيريس قد التقط صورة سيلفي لأول مرة في عام 2012، وذلك عندما التقط صورة تجمعه مع نجوم الفن العالميين في حفلة توزيع جوائز الأوسكار، مستخدمًا في ذلك كاميرا هاتفه الشخصي، أما المنصفين أكثر فيقولون إنها قد ظهرت في عام 2002 بأحد الحفلات، لكن الحقيقة أن هؤلاء وهؤلاء ليسوا دقيقين، فقد ظهرت ظاهرة السيلفي قبل هذين التوقيتين بكثير.

الظهور الحقيقي لظاهرة السيلفي كان في عام 1839، وهو العام الذي التقط فيه المصور الشهير روبرت كورنيليوس صورة لنفسه وهو يقف بالقرب من محل طلاء، ليتم تسجيل الصورة كأول صورة سيلفي، لكن الناس مع الوقت تناسوها، ثم عاد الحق لأصحابه من جديد بعد انتشار الظاهرة انتشارًا هائلًا والبحث الحثيث خلفها لمعرفة كل شيء عنها.

ظاهرة السيلفي وانتشارها

لم تمضي أشهر قليلة على الصورة التي التُقطت في حفلة الأوسكار حتى بدأ الجميع يتناقلون ظاهرة السيلفي فيما بينهم، والحقيقة أن وصول الصورة إلى أكثر من ثلاثة مليون تغريده قد تسبب في وصول الظاهرة إلى كل مكان، ومنها بدأ الانتشار يطال كل من له علاقة بالمعمورة مهما كان هو أو مكانته التي يشغلها.

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما كان أحد المساهمين في حملة انتشار السيلفي في البداية، حيث التقط صورة في أحد المؤتمرات الدولية مع بعض الزعماء، ثم توالى بعد ذلك اللاعبون والفنانون والسياسيون وكل المشاهير بشكل عام، وبالطبع لم يكن المشاهد العادي ليترك كل هذه الأحداث تمر أمامه دون أن يتفاعل معها، لذلك بدأ ما يُعرف باسم هوس السيلفي، والذي تتطور إلى عدة تطورات خطيرها أبرزها الدخول في منطقة المرض النفسي.

السيلفي مرض نفسي

ذكرنا من قبل أن العلماء منذ ظهور ظاهرة السيلفي لم يكفوا عن دراستها وإجراء التجارب على الأشخاص الذين يعانون منها، وقد كانت المفاجأة الحقيقية عندما أظهرت الدراسات أن ثمة نسبة من الأشخاص الذين يلتقطون السيلفي، تتجاوز الخمسين بالمئة، مصابون بمشاكل نفسية قد تصل إلى حد المرض الذي يستحق العرض على الطبيب والعلاج.

البروفيسور جيسي فوكس كان أول من أعلن هذه النتائج في مؤتمر دولي، وقد قال صراحةً أنهم إذا لم يكونوا مصابون بالأمراض النفسية فإن احتمالية تعرضهم لهذه الأمراض كبيرة، وبالتالي يكون الأمر أشبه بشر لا يمكن مفاداته إلا بالامتناع عن ذلك النوع من الصور أو على الأقل الحد منه، وقد يتساءل البعض بالتأكيد عن كيفية الربط بين التقاط صورة ومرض نفسي، وهذا تساءل منطقي وإجابته تكمن في الهدف من الصورة والنتائج التي تتسبب بها، فهي في الأساس نابعة من التقدير المبالغ فيه للنفس أو عدم الثقة بها، وهو ما يفتح باب المشاكل النفسية.

ظاهرة السيلفي والاكتئاب

أول المشاكل النفسية التي قد يتسبب بها هوس السيلفي هي الاكتئاب، والحقيقة أن ذلك الاكتئاب لا يأتي دفعة واحدة، وإنما يمر الأمر بعدة مراحل، ففي البداية يلتقط الشخص صورة سيلفي لنفسه ثم يشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك يحظى بالكثير من الإعجاب والتعليقات على هذا الأمر الذي يبدو للجميع غريبًا في البداية، ثم مع الوقت تحدث حالة التعود، ولا يهتم الأصدقاء بتسجيل إعجابهم بتلك الصور المأخوذة بطريقة السيلفي، وهنا تبدأ بوادر الانزعاج على الشخص العاشق لصور السيلفي، لكن يكون الوقت قد مضى بالفعل.

مع تجاهل الآخرين لصور السيلفي التي يرفعها الشخص المصاب بالهوس يبدأ الاكتئاب في مراوغة هذا الشخص ومن ثم الانقضاض عليه وترويضه، ببساطة، يُصبح فريسة سهلة له، فهو يعتقد جهلًا أنه قد أصبح منبوذًا وغير مُرحبًا به، كل هذا فقط من أجل أن أصدقائه قد توقفوا عن تسجيل إعجابهم بصور السيلفي خاصته، وعادة ما يأخذ الأمر وقتًا طويلًا حتى يتمكن ذلك الشخص من التعافي من الاكتئاب الذي سببه له الظاهرة المجنونة، هذا إذ لم يُقدم أصلًا على الانتحار.

الأنا وحب النفس

مع تكرار التقاط صور السيلفي فإنه من المحتمل أن يُصاب الشخص بمرض خطير جدًا يتمثل في زيادة حبه لنفسه، أو الأنا كما يُطلقون عليه، والحقيقة أن ذلك الأمر يُمكن ملاحظته بشدة من خلال وضعية صور السيلفي، فعادة ما يتعمد صاحب الصورة تهميش الآخرين وتركيز الكاميرا عليه فقط، بل إنكم إذا تعمقتم أكثر في الأمر فسوف تجدون أنفسكم أمام سؤال هام ومُلفت، لماذا قد يستغني شخص عن المصور ويُفضل التقاط صوره بنفسه؟ إنه حقًا أمر داعي للتفكير فيما نتحدث عنه، وهو أن السيلفي يفتح أبوابًا أمام أشياء يُمكن وصفها بالأمراض، وعلى رأسها الأنا وحب النفس، لكن، وللغرابة الشديدة، فإن السيلفي كذلك قد يكون بابًا لخطر آخر لا يقل أهمية عما سبقه، وهو عدم التقدير النفس والذات!

عدم تقدير الذات

هذه المرة نحن أمام واحدة من أكبر مشكلات ظاهرة السيلفي بحق، إنها تلك المُتعلقة بعدم احترام الذات المُتفاقم لدى الأشخاص الذين يلتقطون السيلفي بشكل مستمر، والحقيقة أنها ليست مجرد معلومة كي يُمكن الأخذ بها من عدمه، بل إنها تجربة تم القيام بها على زوج وزوجته يتجاوزان الثلاثون عام، حيث قالوا صراحة أنهم لا يقدرون أنفسهم ولا يشعرون باحترامها، وهذا ما يأخذنا إلى مقارنة مع ما سبق تناوله من خطر الأنا وحب النفس المتوقع لظاهرة السيلفي، وكيف يكون ذلك متعارضًا مع عدم تقدير الذات، وبالطبع الجواب يكمن ببساطة في أن عدم تقدير الذات شيء، وحبها شيء آخر مُختلف، لكنهما في النهاية يتبعان من نفس الداء، وهو ظاهرة السيلفي.

السيلفي والعلاقات

شيء آخر خطير يجب أن تعرفوه عن ظاهرة السيلفي، وهو أنه عند إجراء بعض الأبحاث عن العلاقات ما بعد دخول ظاهرة السيلفي عليها تبين أنها تُصاب بحالة تدمر كبيرة، فنجد أن أغلب هؤلاء المهوسون بذلك السيلفي، حسبما تقول الدراسات، يصبحون أكثر عرضة لخسارة أقرب الأشخاص لديهم، ليس هذا فحسب، بل أنهم أيضًا يفقدون بعد العلاقات الشخصية الأخرى كالحب، إضافةً إلى فقدان المكانة العلمية أو تأثرها، حيث يصبحون أقل قدرة على الإدراك والفهم، وبالطبع ما نقوله الآن لا يمكن تصنيفه سوى تحت بند الكوارث والمصائب، إذ لم يكن هناك ما هو أسوأ.

السيلفي والانتحار

لم يعد الحديث عن ظاهرة السيلفي وجنونها ونتيجتها التي قد تصل الانتحار مجرد حديث عابر، فقد ثبت بالفعل أن بعض الحالات قد أقدمت على الانتحار في عامي 2015و2016، مُتأثرة بظاهرة السيلفي أو أثناء التقاطهم لصورة سيلفي، أجل لا تتعجبوا، فقد لقي أحدهم مصرعه في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء محاولته التقط صورة سيلفي لنفسه، حيث سقط من أعلى دور في البناء الذي قرر أن يجعله مسرحًا لأفضل صورة سيلتقطها في حياته، لكنه تحول للأسف إلى مسرح لجريمة قتله التي تعرض لها بسبب هوسه بظاهرة السيلفي!

هل السيلفي ظاهرة صحية؟

في الحقيقة هذا السؤال صعب جدًا الإجابة عليه، فالمنطقية تقول إنه من الجنون أن نتهم شخص يلتقط لنفسه صورة بأنه مريض يحتاج للعلاج، لا يوجد منطق في الكون يرجح هذا الأمر، لكن، مع قليل من التعمق، سنجد أن الإجابة تختلف تمامًا، فالشخص الذي يلتقط الصورة لنفسه ثبت بالبحث أنه مريض نفسي ومنكر لذاته ومُهمش للآخرين، لكن يبقى السؤال، هل السيلفي ظاهرة صحية؟

بالتأكيد لا، فلا توجد ظاهرة صحية في الكون بأكمله يُمكن أن تؤدي للنتائج التي يؤدي إليها السيلفي، أصلًا ما الصحي في أي أن يضرب الشخص نفسه بوابل من الأمراض النفسية والعصبية، ويُصبح فاقدًا لاحترام ذاته وتقديرها، وهذا ليس مجرد كلام عابر، وإنما أمور ثابتة أقرها علماء النفس والمُتابعين لحالات مهووسة بظاهرة السيلفي.

علاج ظاهرة السيلفي

علاج السيلفي في الحقيقة يكمن في عدم اللجوء إليه والعودة للتصوير الطبيعي العائلي الذي يعتمد على وجود مصور، كما أن الحد من العدد المُلتقط من الصور قد يُسهم كذلك في علاج المشكلة، خاصةً إذا كنا نتحدث عن أشخاص بلغة نسبة الهوس لديهم بالتقاط السيلفي عالية، أما الحل والعلاج الأخير الذي اقترحه البعض فهو في الحقيقة قد يكون قاسيًا بعض الشيء، لكنه سوف يسهم بنسبة كبيرة في حل المشكلة، حيث يقترح ذلك الحل ألا يتم اصطحاب الأماكن أصلًا في الأماكن التي لا يُتوقع استخدامه فيها، وبالتالي لا تكون هناك فرصة لالتقاط الصور السيلفي، لكن في الواقع لا يعد هذا الحل عمليًا كما ذكرنا، فمن في هذا الوقت يمكن أن يخرج من بيته دون هاتفه!

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

14 − 6 =