يُعتبر دان براون أشهر كاتب على قيد الحياة الآن، والمقصود بالشهرة أنه يكتب الروايات التي تُحقق أعلى المبيعات وتحظى في نفس الوقت بقراءة نقدية أكثر، والحقيقة أن روايته شيفرة دافنشي هي التي كانت السبب الرئيسي في فتح ذلك الباب الكبير أمام براون ووضعه على الطريق الصحيح للعالمية، وقد أرجع البعض ذلك الانتشار إلى كون براون قد اختار التخصص الأفضل والأكثر جذبًا للجمهور، وهو تخصص الإثارة والغموض، لكنه لم يختاره فقط، وإنما برع فيه كذلك حتى أصبح أحد أعمدته، فإذا ذُكرت الروايات والقصص البوليسية المثيرة الغامضة فلا شك أن دان براون سوف يكون حاضرًا بقوة، لكن على الرغم من كل ذلك فإن قِلة قليلة من القراء العرب ربما لم يُطالعوا كُتب دان من قبل أو أنهم قد فعلوا ولا يعرفوا بعد من هو كاتبها العبقري، لذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على دان براون ورواياته وكيف أصبح خلال عشر سنوات فقط أحد أعظم كتاب العالم وأكثرهم انتشارًا.
من هو دان براون؟
وُلد دان براون في الثاني والعشرين من يونيو القابع في عام 1964، وذلك بولاية نيوهامشير الواقعة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد يعتقد البعض أن كون براون من مواليد أمريكا سوف يُسهل عليه كثيرًا عملية الكتابة والانتشار والشهرة، إلى أن تلك البلاد في الحقيقة تحتوي على أكثر من عشرة آلاف كاتب، ورغم ذلك لم يلمع سوى اسم براون، وهذا يعني ببساطة أنه يستحق ما وصل إليه عن جدارة واستحقاق، وإلا، فلماذا لم يأتي كاتب آخر ليُزحزحه عن تلك المكانة؟
النشأة كذلك كان لها عامل كبير فيما أصبح عليه براون فيما بعد، فوالده مثلًا كان عالم رياضيات كبير، أما والدته فقد عملت كعازفة للموسيقى الدينية، وهي نشأة علمية دينية مناسبة وراقية بكل تأكيد، لكنها كذلك يُمكن أن تتوافر لأي شخص ولا يصل في النهاية إلى ما وصل إليه براون، لكن، الأهم من ذلك أن تكون لديك زوجة تُساندك فيما تفعل وتُساعدك، وهذا بالفعل ما كان من زوجة براون بلايث براون.
الزوجة التي ساندت زوجها
تزوج دان براون من بلايث براون، وهي لحسن حظه كانت شغوفه بالتاريخ والبحث، وطبعًا ساعد ذلك الأمر خلال كتابة براون لروايته، فقد كان يحتاج في بعض الأحيان إلى معلومات تاريخية غامضة أو السفر إلى مكانٍ ما من أجل كشف أحد الأسرار، فحتى ولو كان ذلك السر صغيرًا فإن دان لن يتوانى أبدًا في السفر خلفه، ولو لم تكن زوجته متقبلة تمامًا لذلك الأمر فإنها بالتأكيد سوف تمتعض من العملية برمتها وتكون سببًا من أسباب نهاية ذلك الكاتب الرائع، لكن على العكس تمامًا، كانت بلايث شغوفة ومُساعدة جدًا في هذا الصدد، حيث خرج براون في أكثر من حوار وقال أنها كانت واحدة من أهم أسباب استمراره حتى الآن.
عندما أنهى براون تعليمه اتجه للعمل كمدرس للغة الإنجليزية، لكن ذلك العمل كان متعارضًا مع شغفه في اكتشاف الأشياء والكتابة عنها، لذلك اضطر إلى ترك عمله الذي يضمن له دخل ثابت له ولأسرته، ومن المفترض أن أي زوجة في مكان بلايث كانت لتقف في طريق الزوج الذي يُقدم على مثل هذه الخطوة التي تبدو بالطبع مجنونة، لكن مرة أخرى ضربت الزوجة مثلًا في الوقوف بجوار زوجها وساندته في قراره حتى أصبح فيما بعد أشهر كاتب في العالم.
رحلة في روايات براون
الجزء الآخر من الحديث عن أي شخصية من الشخصيات الناجحة أن نتناول أبرز ما حققته من إنجازات وننظر هل هي حقًا كانت تستحق ما وصلت إليه أم أن الأمر جاء فقط من خلال المُصادفة، والحقيقة أننا سوف نُطبق تلك القاعدة على براون وكتابته عندما نتناول جميعها بترتيب النشر وننظر كيف كانت كل رواية أشبه بخطوة في طريق النجاح الذي تكلل في النهاية بجعل صاحبه أشهر كاتب في العالم، ولتكن البداية مع العمل الأول في حياة براون، الحصن الرقمي.
الحصن الرقمي، بداية مثالية لكاتب عبقري
من المُدهش بالتأكيد أن تعرفوا بأن الرواية الأولى للكاتب العبقري دان براون لم تُنشر ورقيًا، أي في صورة كتابة، وذلك لأنه لم يقتنع بها الناشرين، بل تم نشره إلكترونيا دون أي ميزانية تُذكر، لكنها بالطبع حققت نجاحًا كبيرًا، والدليل على ذلك أنها قد نُشرت فيما بعد ورقيًا وتمت ترجمتها إلى أكثر من لغة منها العربية، كما يُمكن القول إنها كانت بطاقة التعريف بكاتبنا العبقري، تلك البطاقة تم تسليمها في عام 1998، أي تاريخ نشر الرواية.
الحصن الرقمي كانت كذلك بداية الهوس الحقيقي لكاتبنا بالإثارة والغموض، فقد كانت تتحدث عن وكالة استخبارات خاصة يقوم موظف بها بعمل برنامج سري لا يُمكن الوصول إليه ويضع به كذلك بعض المعلومات الخطيرة، والأمر كما فُسر فيما بعد يتعلق بما حدث في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية ومحاولتهم الانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية، وتسير الأحداث حتى نكتشف في النهاية سر خطير، عمومًا، لم تكن هذه أفضل روايات دان براون، لكنها كانت بالتأكيد التعريف الحقيقي به للجمهور، حيث بدأ الناس وقتها يعرفون أن ثمة كاتب عبقري قادم.
ملائكة وشياطين، بداية البطل الأزلي
من قرأ روايات دان براون يعرف بالتأكيد أن ثمة عادة في تلك الروايات، وهي أن يكون بطلها نفس الشخص، وهو روبرت لانغدون، حيث بدأ ذلك البطل رحلته من الرواية الثانية لدان، وهي رواية ملائكة وشياطين، تلك التي صدرت في عام 2000 وتتحدث عن عالم كبير يقوم في البحث عن علاقة بين الكنيسة وأحد المؤامرات التي تُحاك ضد العالم، وكما هو واضح من الاسم فإن الهدف الأسمى من الرواية هو الكشف عن الملائكة والشياطين في هذه المؤامرة.
أثارت تلك الرواية جدًا كبيرًا بسبب مساسها الكبير بالدين، لكن ذلك الجدل كان مطلوبًا بالتأكيد كي يؤدي إلى زيادة شهرة دان، حتى وإن لم يقصد ذلك من البداية فإن الرواية قد خلقت نوعًا من الترقب لكافة أعماله القادمة، وهو بالطبع هدف أي كاتب من الكتابة، أن ينتظر الناس جديده ويهتمون حقًا بما يُريده، فما بالكم بالتعلق الذي وصل إلى درجة الترقب لمغامرة بطل الرواية الجديدة، مغامرة روبرت لانغدون.
حقيقة الخديعة، هدوء ما قبل العاصفة
كان عام 2001 على موعدٍ مع الرواية الثالثة للكاتب دان براون، رواية حقيقة الخديعة، تلك التي دارت في نفس الفلك الذي دارت به أغلب رواياته السابقة، وهو فلك الإثارة والغموض المُتعلقين بحادثة من الحوادث التي تحمل روح المغامرة بين طياتها، وهذه المرة كانت المغامرة مُتعلقة بتخطيط من وكالة ناسا الفضائية حسبما كان يرى دان، أو بمعنى أدق، حسبما يتخيل، ففي كل رواية من رواياته يكتب تقدمة في البداية يقول فيها أنه لا يقصد الإساءة لأشخاص أو كيانات وأن العمل كله عبارة عن خيال بحت لا يمت للواقع بصلة.
في الحقيقة كانت حقيقة الخديعة هي أقل روايات دان براون من حيث المستوى، لكنها لم تكن أبدًا الأقل من حيث المبيعات والتوزيع، فقد حققت هي الأخرى نجاحات كبيرة وتم إعادة طبعها في أكثر من مكان، كما أنها كانت سابقة لأشهر رواياته على الإطلاق وأكثرها انتشارًا في كل رقعة بالعالم، إنها الرواية المعجزة شيفرة دافنشي.
شيفرة دافنشي، براون يجتاح العالم
في عام 2003 حلت العاصفة التي تحدثنا عنها بنشر الرواية الرابعة لدان براون والأكثر نجاحًا بلا مُنازع، وهي رواية شيفرة دافنشي، والتي قيل أنها قد باعت وحدها ستين مليون نسخة وحققت مبيعات تقترب من النصف مليار جنيه، هذا بالطبع بالإضافة إلى النجاح النقدي والجماهيري الذي حصل عليه براون والذي جعله يدخل كل بيت يعرف ما الذي تعنيه القراءة، ببساطة، لقد عرف الرجل طريقها إلى العقول والقلوب معًا، وهذا بالتأكيد نجاح كبير لا يُمكن لأي أحد الاقتراب منه، وفعلًا لم يحدث ذلك الأمر منذ تاريخ نشر الرواية في عام 2003، ولم يقترب أحد من بيع خمسين مليون نسخة على الأقل، إنه بحق أمر حصري لكاتب عبقري مثل براون.
الرواية كالعادة في كل روايات الرجل كانت تتحدث عن مؤامرة يتولى روبرت لانغدون مسئولية كشفها، فهي تبدأ بجريمة قتل غامضة في متحف، ثم بعد ذلك تتشابك كل الخيوط وتتولى الحبكات حتى تكشف لنا وجود تخطيط من منظمة دينية تنتمي للكنيسة من أجل إحداث خرق في العالم، وطبعًا على بطلنا لانغدون في النهاية أن يوقف ذلك العبث، وهو ما ينجح به بالفعل ويُثبت قدرته وتفوقه الدائم على الأعداء بذكائه وحسن تصرفه.
روايات أخر ى على الدرب
بعد رواية شيفرة دافنشي التي اجتاحت العالم بنجاحها صدر لبراون بعض الروايات الناجحة، لكنها بالطبع لم تتجاوز شهرة ونجاح رواية شيفرة دافنشي، ومن ضمن هذه الروايات مثلًا رواية الجحيم ورواية الأصل التي صدرت مطلع العام 2017، والحقيقة أن روايات دان براون قد أصبحت الآن أشبه بحدث ثقافي جلل قادر على زلزلة العالم، فاليوم الذي تصدر فيه رواية لهذا الرجل هو يوم عيد بالنسبة للقراء، وغالبًا ما تُباع أكثر من خمسة ملايين نسخة في يوم الصدور، ناهيك عن الترجمة التي أصبحت تحدث تزامنًا مع طباعة الرواية باللغة الأصل.
دان براون والسينما
فتح دان براون باب السينما ودخله بقدميه مُتبخترًا، حيث نُفذ أكثر من ثُلثي أعماله في صورة أفلام سينمائية ناجحة للغاية، وقد ببطولة تلك المجموعة من الأفلام الممثل الشهير توم هانكس، والذي كان يُجسد دائمًا الشخصية المُتكررة في روايات براون، روبرت لانغدون، والحقيقة أن الأفلام التي نُفذت كانت لا تقل روعة عن الروايات بسبب التكلفة الإنتاجية الكبرى لها وبراعة طاقم التمثيل والإخراج، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من كون الأفلام مأخوذة عن روايات براون إلا أنه كان لا يقوم بكتابة السيناريوهات بنفسه، أو على الأقل لا يقوم بذلك وحده، وإنما يُشرك معه من يُساعده في ذلك الأمر، فهو يعترف دائمًا بالتخصص وقدرة كل الشخص على تحقيق البراعة في المجال الذي يُفضله.
ختامًا، من حسن حظنا أننا نتحدث عن كاتب لا يزال على قيد الحياة، أي أنه بوسعنا انتظار المزيد والمزيد من الأعمال الناجحة، ما زال بإمكاننا التمتع أكثر بعالم براون الذي يخلقه ويُكدّسه بالإثارة والغموض إلى الحد الذي يجعل من الصعب، بل من المُستحيل، أن يُمسك أحد برواية له ثم يتركها دون أن ينتهي منها كاملة.
أضف تعليق