تُعتبر النقود الورقية أحد أهم الابتكارات العبقرية التي توصل إليها الإنسان منذ نشأته وحتى تقدمه، فلا أحد يعلم قدر المُعاناة التي كان يعيشها الجميع أثناء الاعتماد على العملات المعدنية، سواء الذهب أو الفضة، والتي كانت، بخلاف إعاقتها للحركة، مدعاة للسرقة والنهب، لكن، كما ذكرنا، مع تتطور العقل البشرية، ووجود العناية الإلهية، اخترع الانسان النقود الورقية سهلة الحمل والتنقل، وجعل منها ما هو كبير القيمة وما هو صغيرها، لكن، قبل أن نخوض في هذا التفاصيل، دعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على النقود الورقية من حيث النشأة والأسباب التي أدت إليها.
كيف بدأنا في استخدام النقود الورقية ؟
النقود الورقية
ضرب من العبث والاستهتار أن نذكر ما تعنيه النقود الورقية، فهي علَم قائم بذاته، لكن هذا لا يمنع من التحدث عنها سريعًا كي لا نغفل أي جانب في هذا الموضوع، ببساطة شديدة، النقود الورقية ليست مجرد ورقة عادية، بل هي كل شيء على هذه الأرض، فكل ما هو مادي لا يُمكن مقارنته بالمال، فهي تتوقف فقط أمام بيع وشراء البشر، وإن كان يحدث بصورة أخرى لا مجال للحديث عنها، ما يعنينا، أن نؤكد على أن النقود الورقية هي التي تحكم العالم، بمعنى أدق، تحكم التعاملات التي تجري بين أي فرد أو مؤسسة على هذه الأرض، هي كل شيء كما ذكرنا ولا خلاف على ذلك.
ما قبل النقود الورقية
ما قبل النقود الورقية لم يكن سوى العملات المعدنية، فهي التي كانت تحكم العالم وتتولى المهمة التي تتولاها النقود الورقية الآن، لذلك لم يكن هناك صوت يعلو فوق الدينار والدرهم، ولمن لا يعلم، الدينار هو قطعة من الذهب الخالص، والدرهم هو قطعة بنفس الحجم لكن من معدن أقل قيمة وهو معدن الفضة، فكان الدينار مثلًا يساوي عشرة دراهم أو يزيد، وكان كل ما يحتاجه الرجل، حتى يأكل هو وأسرته، أن يذهب إلى البائع ويُعطيه قطعة من الذهب أو الفضة ويأخذ بما يساويه الطعام، لكن، قبل أن يُقر التعامل بالذهب والفضة كان هناك تعامل من نوع آخر وبشيء مُختلف تمامًا.
ما قبل العملات المعدنية
التعامل قبل النقود الورقية، وقبل حتى العملات المعدنية، كان يتم بطريقة تبدو أكثر إقناعًا وصعوبة في نفس الوقت، حيث كان يتم التعامل عن الطريق السلع، فمثلًا، إذا أراد شخص شراء مقدار كيلو من التمر، فإنه كان يذهب إلى البائع ومعه كيلو من الشعير أو القمح، أما إذا أراد هذا الشخص شراء قطعة لحم، والذي يعد أكبر قيمة، فإنه كان مُضطر إلى أخذ أكثر من عشر كيلو هات من القمح أو الشعير، وهكذا حتى أصبح الأمر شبه منطقي وعادل، ولم يكن هناك حاجة إلى بيت المال أو ما يُعرف الآن بالبنوك، لكن السؤال المنطقي الذي كان يطرحه الإنسان على نفسه هذا الوقت، ماذا لو لم أكن مُمتلكًا لقيمة اللحم من القمح، أهذا يعني أنني لن آكل اللحم أبدًا؟ إجابة هذا السؤال كانت في اختراع العملات والنقود.
اختراع النقود الورقية
جاء اختراع النقود الورقية بعدما بدأت العملات المعدنية تُصبح أشبه بالكارثة على أصاحبها، ونحن هنا نتحدث عن التجار الصنيين، الذين كانوا يتنقلون كثيرًا بين البلاد لنقل تجارتهم في كل مكان، لكن حوادث السرقة والنهب لم تتركهم، وقطاع الطريق كانوا أكثر مما يتخيلوا، حتى أن تأثير هذا الأمر بدأ يطال الإمبراطورية الصينية بأكملها، لذلك بدأوا بالتفكير في شيء لا يكون ذهبًا أو معدنًا وفي نفس الوقت يمتلك نفس القيمة، باختصار، لقد فكروا في النقود الورقية لكن بشكلها البدائي، والذي عُرف في البداية باسم الوثائق الخطية.
الوثائق الخطية
تعتبر الوثائق الخطية هي اللبنة الأولى لما يُعرف الآن باسم النقود الورقية، حيث كان التجار، ونحن نتحدث عن الصنيين أيضًا، يذهبون إلى مكانٍ ما موثوق من الإمبراطورية الصينية، ويقومون بتسليم ما يملكون من ذهب أو فضة ثم يحصلون على ما يساوي قيمته من الوثائق الخطية، والواقع أن هذا الحل العبقري، الذي ابتكره الصينيون في القرن السابع الميلاد على يد الإمبراطور تانج، كان بمثابة نقلة كبيرة في عالم التعاملات، لكن، كما نعلم جميعًا، يأتي الزمن دائمًا ويتمرد على كل الثوابت الموجودة، وهذا ما حدث في القرن السابع عشر على يد الأوروبيين.
تطور الوثاق الخطية
وصلت الوثائق الخطية التي اخترعها الصينيون إلى أوروبا في القرن السادس عشر، وقد استخدموها مدة شهر كامل إلا إنها لم تلقى إعجابهم، الشيء الذي أثارهم فقط هو فكرة التعامل بالأوراق بدلًا من العملات، وهذا ما حاولوا تطويره.
في القرن السابع عشر، وعلى يد سويسرا، قامت أحد المصارف بطبع كميات كبيرة من النقود الورقية، لكن الكارثة الحقيقية كانت عندما اتضح أن هذه الكمية لا تساوي ما تمتلكه سويسرا من عملات ذهبية أو فضية مثلما هو الحال مع فكرة الوثائق الخطية التي ابتكرتها الصين، لذلك كانت هذه النقود ببساطة والعدم سواء، وكان من الممكن جدًا أن يتطور الأمر إلى كارثة حقيقية على الاقتصاد السويسري والأوربي بأكمله لولا أن تم اختراع مُصطلح “ثقة المُتداولين”.
مبدأ ثقة المتداولين
كانت النقود الورقية تُعاني من مشكلة حقيقية في بدايتها، فالأوراق التي تمت طباعتها كانت أكبر بكثير من قيمة المعادن الذهبية والورقية، وقد كاد هذا الأمر أن يُنهي التعامل بالنقود الورقية لولا إرساء مبدأ ثقة المتداولين.
ينص مبدأ ثقة المتداولين ببساطة على أن الأوراق هي القيمة بذات نفسها ولا تحتاج أي شيء آخر كي يمنحها القيمة، وذلك مثل الذهب والفضة، أي أن الثقة بين المتداولين جعلت الأوراق شيء قائم بذاته وليس مجرد بديل ورقي للذهب، لكن، الشرط أو العقدة التي تم وضعها بهذا الصدد، هي أن كل تعامل، بأي عملة من العملات الورقية، يكون مقصورًا على الدولة التابعة لها، فلا يُمكن مثلًا أن يأتي سائح إلى مصر ثم يدفع دولار لأحد أصحاب المحلات ويأخذ سلعة بدلًا منه، هذا بالرغم من القيمة المرتفعة للدولار، لكن مبدأ الثقة في النهاية لا يسري عليه بمصر، وإنما ينوب عنه العملة الرسمية للبلاد، وهي الجنيه المصري، وبالطبع تغير هذا الأمر فيما بعد بابتكار ما يُسمى بتحويل الأموال من عملة لعملة.
أكبر العملات
تتنوع فئات النقود الورقية من مكان إلى آخر إلا أنه قد ظهر في نهاية القرن المنصرم عُملة كبيرة القيمة في دولة الفلبين، وهي تبلغ في العرض فقط خمسة وثلاثين سنتيمترا، أما الطول فهو حوالي واحد وعشرين مترًا، ومع كل هذا الحجم كانت القيمة كبيرة كذلك، فقد كانت تساوي حوالي مئة ألف بيزو، وقد عرف العالم هذه المرة عام 1998، احتفالًا من الفلبين بعيد استقلالها، لكن الحقيقة أن العملة لم يُعتد بها وتم اعتبارها ضمن القطع والتحف الفنية تُباع فقط من أجل المتعة لهواة جمع العملات.
أضف تعليق