تُعتبر النظريات الخاطئة أكبر دليل على أن درجة اليقين التي يطمح الإنسان في الوصول إليها ليست في الحقيقة سوى ترهات وأحلام، فاليقين ليس موجود إلا في الأمور الدينية والثوابت المُتعلقة بها، وما عدى ذلك من نظريات فيُمكن إثبات عدم صحته في أي وقت مثلما حدث مع العديد من الأمور التي ظن العلم أنه صحيحة ولا تقبل النقاش أو التشكيك، ثم جاء بعد ذلك من أثبت أنها ليست كذلك باستخدام أدلة وبراهين أكثر دقة وتثبيتًا في العقل، والحقيقة أن إثبات خطأ بعض النظريات السابقة قد فتح الباب أمام التشكيك في أغلب النظريات التي أقرناها من قبل واستخدمناها في شئون حياتنا المُختلفة، فبالنسبة للعلماء والمتُخصصين، إثبات خطأ نظرية قديمة إنجاز لا يقل أهمية عن إنجاز إيجاد تلك النظرية من الأساس، عمومًا، في السطور القليلة المقبلة سوف نتعرف سويًا على أبرز النظريات الخاطئة في مجال العلم وتأثير ذلك التغير في النطاق الذي كانت تدور فيه النظرية.
الإنسان ووضع النظريات
قبل أن نذكر لكم أبرز النظريات الخاطئة يجب علينا أولًا التعريف بالعلاقة بين النظريات والإنسان، فالعالم في الأصل عالم مُجرد، أو هكذا كانت بدايته، لم تكن تحتوي على أي حقائق أو ثوابت إلى أن بدأ الإنسان في السعي لإيجاد تلك النظريات ووضعها كقواعد ونِبراس يُمكن أن يسير عليه القادمين بعده، ببساطة، كانت هناك محاولات لتنظيم الكون من قِبل من يعيشون به في محاولة لجعله مكانًا أفضل وأصلح للعيش.
واضعوا النظريات كانوا غالبًا أشخاص يثق الجميع بهم، كما أنهم قبل ذلك كانوا يمتلكون الأدلة والبراهين التي تؤكد صحة ما يخرجوا به من النظريات، ولهذا كان يتم الأخذ بما يقولون وتدوينه وتعليمه للأجيال القادمة كثوابت، لكن، في الآونة الأخيرة، وبتوسع المدى الإدراكي والمعرفي أكثر وأكثر، بدأ البعض يكتشف أن ثلة من النظريات التي نؤمن بصحتها ليست كذلك، وأنه لابُد من مراجعتها مجددًا للخروج بما هو صحيح فعلًا، وخاصةً إذا كان الأمر يتعلق بمجال العلم.
النظريات العلمية الخاطئة
كما ذكرنا، علاقة الإنسان بالنظريات وتقديسه لها لأهميتها الشديدة في مجال العلم جعلته لا يقوم بوضعها فقط، بل إنها كذلك قد دفعته إلى إعادة مراجعتها للتأكد من كونها لا تزال على نفس القدر من الصحة أم أن التغيرات التي تحدث في الكون على كافة الأصعدة قد تجعلنا نُغير من تلك الحقائق أو نقول بعدم كونها حقائق من الأساس، وهذا ما حدث بالفعل مع بعض النظريات العلمية التي كانت ثابتة لدينا، وعلى رأس تلك النظريات مثلًا نظرية الأرض وتمددها.
نظرية الأرض وتمددها
كان ثمة نظرية قديمة تقول بأن الأرض في كل فترة تكبر بسبب التمدد، وأنها كانت قديمًا أصغر من ذلك ومُتلاحمة في بعضها، فلم تكن المسافات بين القارات والبحار والجبال هي نفس المسافات الموجودة حاليًا، وإنما كانت المسافات أقل، حتى جاء التمدد وبدأ يُوسع في الأرض إلى أن وصلت مساحتها إلى ما هي موجودة عليه الآن، ليس هذا فقط، بل إنها حسب تلك النظرية سوف تستمر في التمدد حتى تنتج قارة جديدة كل ألف عام، والحقيقة أن تلك النظرية كانت تلقى قبولًا من علماء كبار ومشاهير مثل داروين، والذي أضفى على النظرية صدقًا وقبولًا أكثر، لكن مؤخرًا، وتحديدًا مع بداية القرن العشرين، تمكن البعض من إثبات خطأ تلك النظرية والإشارة إلى ما يُسمى بالصفائح التكتونية، والتي بدت كنظرية أصدق وأقرب دخولًا للعقل، لتكون بذلك نظرية الأرض وتمددها أحد أشهر النظريات الخاطئة في مجال العلم.
نظرية الصفحة البيضاء
في الحقيقة لا تُعتبر تلك النظرية علمية أكثر من كونها فلسفية، لكنها في النهاية تُعتبر من أشهر النظريات الخاطئة نظرًا للجدل الكبير الذي أثارته خلفها، حيث تقول النظرية الخاطئة أن الإنسان عندما يولد فإنه يكون أشبه بالصفحة البيضاء الفارغة التي لا شيء فيها تقريبًا، ثم تبدأ الحياة مُتمثلة في الأمور التي تجري حول الطفل في تعليمه وإكسابه بعض المهارات والخبرات، ومن هذا يتضح أنه يأتي بلا أي تاريخ يُذكر، تاريخ وراثي على الأقل، والواقع أن تلك النظرية كانت مُصدقة أكثر من الفلاسفة وعلى رأسهم أحد أهم مشاهير الفلاسفة أرسطو، لكن، فيما بعد، اتضح خطأ تلك النظرية.
خطأ النظرية بات واضحًا جدًا مع تطور علم الجينات والصفات الوراثية، حيث بات الجميع يعرف أن ثمة ذاكرة جينية يُولد بها الجنين ويكون مُدركًا لبعض الأمور التي لا تُكتسب وإنما تُورث من والديه، والدليل على ذلك أن الطفل المُتبنى من قِبل عائلة أخرى لا يكون مُتجاوبًا مع هذه العائلة في البداية وتكون لها عادات وصفات تختلف كثيرًا عن البيئة التي يتربى بها، وهذا يعني ببساطة أنه لم يُولد كصفحة بيضاء، وإنما صفحة تحمل بعض الكتابة البسيطة.
نظرية الكون الساكن
أيضًا من النظريات الخاطئة التي اشتهرت في القرنين الماضيين بصحتها ثم اشتهرت بعد ذلك بعدم صحتها نظرية الكون الساكن، تلك النظرية التي وضعها أحد أعظم من قاموا بوضع النظريات، إنه العالم الذي لم يُعوض بعد أينشتاين، وطبعًا أي شيء يخرج من ذلك الرجل لا يجعلك قادرًا على المراجعة خلفه، خاصةً وأنه كان يُدعم نظريته تلك ببراهين وأدلة، حيث كان يرى أن الكون من حولنا ثابت لا يتغير، وأن كل شيء موجود في الفضاء له نفس الشكل الذي وُجد عليه، بمعنى أن ما يحدث في المريخ سيظل يحدث للأبد، وكذلك في كافة المعالم الكونية المُحيطة بنا.
في عام 1927، وعندما كان أينشتاين لا يزال على قيد الحياة خرج عالم آخر يُدعى هابلر وتمكن من إثبات خطأ نظرية أينشتاين وقدم كذلك بعض الأدلة والبراهين التي لم يقتنع بها البعض نظرًا لكونها تقف في جبهة أخرى أمام عالم كبير معروف عنه صحة نظرياته، لكن الغريب حقًا أن أينشتاين بنفسه هو من أقر بصحة نظرية هابلر التي تُعادي نظريته وتُثبت عدم صحتها، وبهذا تكون نظرية الكون الثابت أحد أبرز النظريات الخاطئة الشهيرة.
نظرية القنوات المريخية
أيضًا من ضمن النظريات الخاطئة التي كان يتم الأخذ بها قديمًا نظرية القنوات المريخية التي ظهرت إلى العالم في القرن التاسع عشر، وقد كانت تلك النظرية بمثابة تأكيد وبرهان على وجود بعد القنوات والأخاديد داخل المريخ، كما أن الوديان والأنهار متوافرة هناك، وهذا ما يجعله كوكب صالح للحياة كما يرى البعض، فوجود الماء والهواء يعنيان ببساطة وجود الحياة، كما أن البعض قد تطرق إلى التدليل على وجود تلك القنوات من خلال المناظير الفلكية التي تمكنت من رصدها، وطبعًا انصاع الجميع خلف ذلك الأمر وأصبح هناك شبه تسليم بوجود القنوات المريخية هذه، لكن في النهاية اتضح أنها لم تكن سوى واحدة من النظريات الخاطئة التي تسرع العالم في الإقرار بها.
مع مطلع الألفية الثالثة وزيادة الرحلات الفضائية إلى الكواكب المجاورة بات بالإمكان الكشف أكثر عما هو موجود وما ليس له أي وجود، وللأسف كانت تلك النظرية خاطئة لأن الرؤية لم تكن أصلية، بمعنى أنه ما تم رصده لم يكن سوى نوع من الذكاء الأحمر الذي يُرسل إشارات تخيلية تُولد إيحاءات خاطئة، عمومًا، يحاول البعض الآن التشدق بتلك النظرية والسعي بأي طريقة ممكنة إلى إثبات صحتها، لكن فكرة الذكاء الأحمر لا تزال هي الأقرب للعقول حتى الآن.
نظرية انبعاث الحياة
من ضمن النظريات التي ربما لا يُصدق البعض أنها كانت نظرية من الأساس هي نظرية انبعاث الحياة، والحقيقة أن تلك النظرية كانت قديمًا مصدر احترام وتقدير من كافة العلماء والفلاسفة، وعلى رأسهم الفيلسوف الشهير أرسطو، والذي كان يقول بما تقوله هذه النظرية من حيث أن الحياة على هذه الأرض مجرد انبعاث عادي للطبيعة، بمعنى أدق، حياة الأشياء التي نراها حولنا تُعد في الأصل نتاج لحياة أخرى، أو نتاج لنهاية حياة أخرى، في النهاية تؤكد النظرية على أن الحياة تراكمية وليست مُستقلة، وهو ما أثبتته النظريات العلمية وليست الدينية بكل تأكيد.
أصحاب تلك النظرية تمكنوا من إثبات صحتها للناس من خلال بعض الأمور التي قد تبدو منطقية، فمثلًا الدود كان يخرج من جثة الكائنات الميتة أمام أعين الجميع، ولا نعني بهذا أن الدود قد دخل وخرج من الجثث، وإنما هو كما تقول النظرية قد انبعث كنتيجة لوجود الجثث، ومثله الكثير من الحيوات الأخرى كما تقول تلك النظرية التي تم إثبات خطئها مطلع القرن العشرين وكانت صدمة للعلم والعلماء، لتُضاف بذلك إلى قائمة النظريات الخاطئة الأخرى.
نظرية الجاذبية والشك من أشهر النظريات الخاطئة
من يُصدق يا سادة أن تلك النظرية الخالدة المُتعلقة بالجاذبية، والتي أُثير عليها لغطًا كبيرًا منذ ظهورها، قد جاء البعض في الآونة الأخيرة وقام بالتشكيك بها وتقديم بعض البراهين والأدلة على كونها نظرية خاطئة ضمن مئات النظريات الخاطئة التي لا نعرف بها، أو نعرفها لكنها لم تُعلن للعالم بعد، فكما نعلم جميعًا، وضع أينشتاين نظريته التاريخية واستخدم فيها بعض الأمور المتعلقة بالفيزياء ثم خرج بها علينا قبل أكثر من مئة عام، والحقيقة أن العالم كله تلقف تلك النظرية بنهم وتم قياسها على الكثير من الأمور في الحياة، لكن هل انتهى الأمر عند ذلك الحد؟
بعد أكثر من مئة عام، وتحديدًا مطلع الألفية الثالثة، خرج رعيل من الفيزيائيين وقال إنه بإمكانه قلب الطاولة رأسًا على عقب والإتيان بأدلة تُثبت عدم صحة هذه النظرية، الأدهى أنه هؤلاء قد قالوا بأن الكواكب الأخرى والفضاء من حولنا يُشير إشارة واضحة إلى عدم صحة ما قاله صاحب نظرية الجاذبية، وطبعًا إن صحت هذه الأقوال في النهاية وأصبح يقينًا حدوثها فإنه من المتوقع المرور بثورة في علم الفيزياء لن تُبقي أو تذر شيء من الثوابت لدينا.
من يُحدد صحة النظريات وخطئها؟
بعد أن استعرضنا خلال السطور الماضية أبرز النظريات الخاطئة فلابد أنه ثمة سؤال يدور في الأذهان الآن، وهو يتعلق بهوية المحدد لتلك النظريات من حيث الصحة والخطأ، والحقيقة أن الإجابة ببساطة تكمن في التاريخ، التاريخ يا سادة هو من يفعل كل شيء، وإذا قال إن نظرية ما خاطئة وتناقلها حتى وصل بها إلى أجيال بعيدة فإن تلك النظرية سوف تصبح خاطئة لا محالة، حتى ولو كانت في الأصل صحيحة، وإذا قال التاريخ العكس فهو العكس، لكن السؤال الأذكى، من يكتب التاريخ؟ الإجابة ببساطة، نحن.
أضف تعليق