مما لا شك فيه أن القادة الأطفال قد تمكنوا من تحطيم أسطورة صِغر السن الخالدة، فالناس يقولون دائمًا للشخص الذي لم يُنجز شيء في حياته أنه شخص معذور، فهو لا يزال صغير السن، لكن منذ فجر التاريخ وحتى الآن تمكن بعض الأطفال من تسجيل حضورهم كقادة عظام على الرغم من أنهم كانوا لا يزالون مُجرد أطفال لا حول لهم ولا قوة، لكن الظروف التي مروا بها والأحداث الغريبة التي تعرضوا لها قد تمكنت من خلقهم أشخاص آخرين مُختلفين تمامًا عن السواد الأعظم من الأطفال، فمن هم أشهر الأطفال الذين عُرفوا في التاريخ كقادة كِبار؟ وما هي أهم الإنجازات التي حققوه في طفولتهم؟ هذه هي الأسئلة هي محور حديثنا في السطور المُقبلة، حيثُ لن يكون لدينا شيء سوى التحدث عن هؤلاء وإعطائهم قدرهم الذي يستحقونه، فهل أنتم مستعدون لذلك الموضوع الشيق الهام؟
القيادة والأطفال
طبعًا شيء لا خلاف عليه أن كل أب وأم يُريدان لطفلهما منذ الصغر أن يكون قائدًا، والحقيقة أنها ليست مجرد إرادة أو رغبة فقط، بل يُمكننا القول أنهما يسعيان إلى ذلك سعيًا تامًا ويبذلان قصارى جهدهما، لكن في أحيانٍ كثيرة لا يفلح ذلك الأمر، ويستمر الطفل طفلًا مستهترًا وغير متحمل للمسئولية كما هو حتى يأتي سن مُعين، عادةً ما يتبع سن المراهقة، ثم تتغير كل طباع وخصال الطفل ويبدأ شيئًا فشيئًا يتحمل المسئولية، لكنه أيضًا لا يكون قائدًا، بل مجرد شخص يتحمل مسئولية نفسه، فقد أشخاص قليلين لا يمرون بتلك الدائرة، وإنما يُصبحون قادة منذ اليوم الأول لهم.
شهد التاريخ طوال خط سيره الكثير من الأطفال الصغار الذين خلقتهم الظروف قادة، فهناك من قاد ممالك وهناك من تزعم جيوشًا وهناك من أنجز الكثير من الاختراعات التي لم يستطع الكبار فعله، عمومًا، كيلا نُطيل في التقديم، سوف نبدأ معًا استعراض أبرز هؤلاء القادة الذين نتحدث عنهم، ولتكن البداية مثلًا مع الصحابي الجليل أسامه بن زيد.
أسامة بن زيد، القائد الصغير الكبير
عندما نقول مثلًا أن الأطفال قد يحملون سلاحًا ويخوضون الحرب فإن أول شيء سوف يتبادر إلى أذهان الجميع في ذلك الوقت أننا نتحدث عن حرب العلم، وأن ذلك السلاح هو القلم، لكن مع الصحابي الجليل أسامة بن زيد فإن الأمر يختلف تمامًا، فقد حارب ذلك الرجل فعلًا وهو لا يزال طفلًا في الخامسة عشر من عمره، وذلك بغزة شهيرة تُدعى غزوة مؤته، ويُقال أن والده استُشهد أمامه في هذه الحرب، وربما يكون ذلك سببًا في خوف الطفل وابتعاده عن أي شيء يتعلق بالحرب من قريبٍ أو بعيد، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، حيث أنه قد خاض المزيد والمزيد من الحروب حتى جاءت السنة الحادية عشر من الهجرة وحملت بُشرى للقائد الطفل أسامة بن زيد، ألا وهي قيادة جيش المسلمين والبدء في الفتح.
كان أمرًا مُدهشًا بحق، فقد كان عمر أسامة في ذلك التوقيت لا يتجاوز الثامنة عشر عام، والأكثر دهشة أن جيش المسلمين كان يضم بين جنباته صحابة عظام أغنياء عن التعريف مثل عمر بن الخطاب وأبي بكرٍ الصديق وعلى بن أبي طالب، لكن هذا كان أمر الله ونبيه، وهو أمر نافد لا محالة، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى نحبه مع تحرك الجيش وأصبح أبي بكر خليفته، لكنه لم يُفكر حتى في تغيير ما أمر به النبي في حياته، ليُسجل أسامة بذلك اسمه ضمن القادة الأطفال الذين لم يُكررهم التاريخ ولا يجد الناس سوف الوقوف لهم إجلالًا فور ذكرهم.
توت عنخ آمون، أصغر حكام مصر
مثال آخر من أمثلة القادة الأطفال يتضح كثيرًا في الملك المصري القديم توت عنخ آمون، ذلك الذي اكتُشفت مقبرته خلال القرن العشرين داخل مصر وأثارت جدلًا كبيرًا جعل العالم كله مُنشغلًا بالمومياء التابعة له حتى الآن، لكن تلك المومياء لم تكن الأمر المُثير الوحيد في حياة ذلك الرجل الطفل، فقد كان حكمه الذي بدأ في سن التاسعة واحدة من المُعجزات التي تستحق التحدث عنها أيضًا، والحقيقة أننا إذا سألنا عن الأسباب التي قد تجعل طفلًا في التاسعة يحكم العالم فسوف نجد الكثير من الأسباب والمُبررات التي توضح ذلك الأمر، لكن كل هذا لا يعنينا، ما يعنينا فقط هو النتائج، والنتائج الواضحة للجميع أن طفلًا في التاسعة قد تمكن من حكم مصر قديمًا.
ولد توت عنخ آمون في عام 1341 قبل الميلاد، ثم تولى حكم مصر في عام 1334 قبل أن يلقى حتفه في عام 1325، وطبعًا كلنا نعرف أن العلاقة بين التواريخ قبل الميلاد علاقة غريبة بعض الشيء، لكن هذا أيضًا لا يعنينا، فقد حكم الطفل الصغير بلاد الفراعنة وتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات قبل أن يموت بطريقة غامضة يعجز العالم حتى الآن عن تفسيرها، في النهاية حظي ذلك الطفل بحياة رائعة انتهت في سن التاسعة عشر بالنسبة له، لكنها لم تنتهي أبدًا بالنسبة للتاريخ الذي لا زال يذكر ذلك الطفل المُعجزة كأحد أبرز القادة الأطفال على مدار التاريخ.
علي بن أبي طالب، قائد في بيت قائد
طبعًا كلنا نعرف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب، أو ابن عم النبي ورابع الخلفاء الراشدين كما يُعرف لدى البعض، وما دمنا نعرف عليّ فنحن بالتأكيد نعرف ما قام به هذه الفتى منذ صغره لنصرة الإسلام والمسلمين حتى كبر وتابع تلك الصحوة في سبيل الله ليومه الأخير الذي قُتل فيه مغدورًا، والحقيقة أننا لا يُمكننا أن نتوقع غير ذلك من قائد تربى في الأصل ببيت قائد مثله، وهو النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والذي احتضن عليًّا ورباه حتى أصبح خير ذخر له، حتى أنه قد زوجه ابنته بعد ذلك ثقةً فيه وحبًا له.
وُلد عليّ بن أبي طالب قبل الهجرة بحوالي اثنين وعشرين عامًا، وطوال هذه الفترة كان لعلي الكثير من الإنجازات التي تؤكد على أن النبي لم يكن يُربي في بيته سوى قائد، فعلى سبيل المثال كان عليّ هو أول من أسلم من الأطفال، وهو أمر ليس بالسهل أبدًا في ظل الظروف التي كانت تعيش بها مكة وقت إعلان الدعوة، فلم يكن الفتى صغيرًا إلى الحد الذي يجعله يعرف بأن أمر كهذا يُمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى قتله، لكنه تشبث بالنبي ودعوته بكل حِنكة طفولية يُمكن تصورها، كما أنه أيضًا ضرب مثالًا ولا أروع في التضحية يوم الهجرة، حيث القصة الشهيرة التي مفادها نوم عليّ مكان النبي مع احتمالية قتل في أي وقت، لكن لأنه قائد منذ طفولته لم يضع حسابًا لهذا الأمر على الإطلاق.
طفل البروج، الطفل المعجزة
طبعًا كلنا نعرف قصة حديث البروج المذكورة في القرآن وما جاء خلال هذه القصة من أمور يشيب لها الشعر، وذلك عندما أمر الملك بأن يتم إلقاء جميع معارضيه في أخدود كبير تنبعث منه النار من كل مكان، والحقيقة أننا لن نتحدث الآن عن ثبات هؤلاء وإقدامهم على الموت ثقة في الله، لكننا سنتطرق إلى جزء محوري في القصة يعود إلى موضوعنا، وهو ذلك المتعلق بالطفل الرضيع الذي نطق في هذا الموقف الجلل وكان قائدًا بكل ما تعنيه الكلمة من معان، وصدقوا أو لا تصدقوا، لقد كان قائدًا لم يتخطى الشهور القليلة.
تقول القصة أن أحد الأمهات عندما رأت الجميع يموت أمامها قررت التراجع والإذعان للملك الظالم حفاظًا في المقام الأول على حياة طفلها الرضيع الذي كانت تحمله بين يديه، إلى هنا يبدو كل شيء منطقي وعادي، لكن ما حدث بعد ذلك كان هو الجنون بعينه، حيث أن الطفل الرضيع في اللحظات الأخيرة قام بمراجعة والدتها ونطق ليردها عما تفكر به وأمرها بالصبر والاحتساب والتضحية من أجل الدار الآخرة، تخيلوا أن طفلًا بعمر الشهور يقوم بهذا الدور العظيم في إنقاذ جماعة من الناس قبل التراجع عن دينهم!
صفات القادة الأطفال
بعد أن ذكرنا بعض النماذج لأغلب القادة الأطفال الذين أثروا الحياة البشرية ونقلوها إلى مكانة أفضل بالتأكيد، دعونا الآن نتعرف على أبرز الصفات والسمات التي يجب أن يتحلى بها القادة الأطفال، أو بمعنى أدق، الصفات التي تحلى هؤلاء القادة السابقين ويجب على الأطفال الحاليين التحلي بها كي يُصبحوا قادة مثلهم، وعلى رأس هذه الصفات مثلًا تحين الفرصة والتمسك بها عند وجودها.
تحين الفرصة والتمسك بها
الذين يعرفون أن الفرص لا تتكرر كثيرًا ليسوا الأطفال بكل تأكيد، فهؤلاء يعيشون حياتهم بكل انفتح ويتوسمون أن يُقبلوا على المصاعب عندما يكبرون ويتخطون سن المراهقة على الأقل، لكن، إن وجدت طفلًا يتحين فرصة ما وينقض عليها فور حدوثها فاعلم على الفور أنك أمام أحد القادة الأطفال، وهذه الصفة ظهرت بشدة في النماذج التي قمنا بذكرها للتو، فقد كان أغلبها منتظرًا للحكم أو لقيادة جيش، ولولا أنه تمسك بفرصته في ذلك لما استمر الأمر معه.
القدرة على اتخاذ القرارات تحت ضغط
هناك صفة من صفات القادة الأطفال ربما لا تتوافر أصلًا في القادة الكبار، أو في بعضهم كي نكون مُنصفين أكثر، لكننا في بعض الأحيان قد نجد أطفال خلقوا كي يكونوا قادة بحق بسبب تمسكهم بالفرصة أولًا وقدرتهم ثانيًا على اتخاذ القرارات الصعبة المصيرية تحت ضغط، وفي تلك النماذج التي تحدثنا عنها قبل قليل كان هناك أطفال قادهم حظهم إلى قيادة جيش وحكم بلد، وفي هذه الظروف إذا لم تكن قادرًا على اتخاذ قرارك المناسب في وقته المناسب سوف تسقط من عباءة التاريخ بكل تأكيد، لهذا فإن ما يجعلنا نذكر هؤلاء القادة هو أنهم قد نجحوا في اتخاذ القرارات المناسبة بكل تأكيد.
الصبر على الشدائد وعدم الانهيار
من صفات الأطفال الرئيسية أنهم لا يستطيعون التحرك تحت ضغط ولا يصبرون على الشدائد وربما ينهارون لأقل الأمور، هذه هي سجية الأطفال ولا عيب أبدًا في أن يكونوا كذلك، لكن الله قد وهب الأطفال القادة صفات أخرى مُغايرة، فهم يستطيعون الصبر عند الشدائد والتحكم في غضبهم بذلك الوقت الذي يكون الغضب فيه آخر طريقة للحل، والأهم من كل ذلك أنهم يستطيعون كبح جماحهم ولا ينهارون عندما يكون الانهيار سببًا في تدمير كل شيء، هؤلاء هم القادة الأطفال وهذه هي أبرز صفاتهم لمن أراد الاقتداء بهم.
أضف تعليق