تسعة اولاد
الرئيسية » تاريخ وحضارات » كيف تعامل أسلافنا في الحضارات القديمة مع علم الفلك؟

كيف تعامل أسلافنا في الحضارات القديمة مع علم الفلك؟

الحضارات القديمة

يعتبر علم الفلك من العلوم شديدة القدم، و الحضارات القديمة لها العديد من الإسهامات في هذا العلم المهم، هنا نستعرض أهم منجزات الحضارات القديمة في الفلك.

اهتم أسلافنا في الحضارات القديمة بعلم الفلك بشكل كبير، وسابقًا كان التنجيم هو الحاضر في الثقافات، لكنهم حاولوا جاهدين أن يصلوا إلى الملاحظات الدقيقة عن أوقات وحركة الشمس والقمر وبعض الكواكب والنجوم، وبالتحديد فإن الحضارة المصرية القديمة وحضارة المايا والحضارة الإغريقية كانوا هم الرائدين في الاكتشافات الفلكية، ومع توالي السنين فإن العلماء اكتشفوا العديد من الآثار التي تدل على أن معلوماتنا السابقة عن الاكتشافات القديمة كانت ناقصة، وفي الفقرات التالية سنذكر لك أهم الاكتشافات التي خلبت لب العلماء، مع العلم أن هناك الكثير منها لم يكتشف سابقًا أو لم يعرف غرضها بشكل دقيق.

أهم إنجازات الحضارات القديمة في علم الفلك

آلة الأنتيكيثيرا

هذه الآلة الفريدة وجدت في اليونان القديمة، وسميت على اسم الجزيرة التي وجدت فيها، وتم اسكتشافها في سنة 1901 خلال البحث في حطام سفينة يرجع تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، وكانت السفينة مليئة بالكنوز مثل الأحجار الكريمة والأواني الفخارية والتماثيل التي تعود إلى الحضارتين اليونانية والرومانية وبعض المخطوطات التي كانت محفوظة داخل صناديق خشبية ولم تتعرض إلى التلف، ومرت سنين دون أن يفهم العلماء طبيعة وغرض الآلة، إلا أنهم عرفوا فيما بعد أنها تستخدم كمفكرة أو تقويم لقياس مواقع الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وكانت موجهة إلى الفلاسفة وطلابهم، وطبقًا للمخطوطة التي وجدت في الآلة والتي تتكون من ثلاثة آلاف وخمسمائة حرف فقط، والتي تمثل ربع النص الأصلي، فإن الغرض منها لم يكن البحث العلمي أو الحسابات الفلكية، بل كانت عبارة عن مرجع يستخدمه الطلاب لزيادة المعلومات في علم الفلك، وينظر إليها الآن باعتبارها الساعة الفلكية الأولى في تاريخ الحضارات القديمة ، ودقتها ممتازة جدًا، كما أنها يمكن أن تحسب مواقيت كسوف الشمس وخسوف القمر، وقديمًا كانت الآلة تسمى بسفايروبويا (sphairopoiia) واللفظ المعروف لها الآن هو المبيان، إلا أننا لا نستخدمه بالطبع لوجود آلات أخرى أدق ويمكنها أن تعطينا معلومات مفصلة عن أشياء أكثر.

المقابر المحدقة في النجوم

في سنة 2006 تم اكتشاف تاريخي داخل المناطق الأثرية في البرتغال، حيث تم اكتشاف مقابر تعود إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وتختلف هذه المقابر عن غيرها لأن غرضها كان دفن الموتى باتجاه نجم الدبران والذي يعتبر ضمن مجموعة برج الثور، وهو من النجوم التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة في التطور حيث تحولت غازات الهيدروجين فيه إلى غازات الهيليوم ثم الكربون، وكتلته تساوي ضعفين ونصف كتلة شمسنا، وقطره حوالي خمسون ضعف من قطرها، وهو من أكثر النجوم اللامعة التي استطاع العرب والفرس وغيرهم من الحضارات القديمة تحديدها، ويتميز بتوهجه باللون الأحمر في السماء الصافية، وهذه المقابر تشبه تليسكوب بدون عدسات، فهناك العديد من الأنفاق التي تهدف إلى تكوين منظور متجه نحو نجم الدبران، ولعل السبب يرجع إلى أن هذا النجم كان يفيد رعاة الأغنام والماشية في توجيه الحيوانات في فصل الصيف تحديدًا، ويكون مظهره مهيبًا إذا تصادف مع شفق الصباح، وهذا يظهر لنا أن أسلافنا في الحضارات القديمة وحتى قبل آلاف السنين كانوا شغوفين بالأجسام السماوية.

مفكرة النجم الشيطاني

تعرف أيضًا باسم “مفكرة القاهرة”، وتم اكتشافها فيما بين 1237 و1163 قبل الميلاد، ويشار إليها أيضًا باسم “مفكرة رأس الغول” وأطلق عليها المصريون “عين حورس”، وهي من أقدم الآثار المتعلقة بعلم التنجيم في الحضارات القديمة والذي يعتبر الصورة المبكرة لعلم الفلك، حيث كان الغرض الأساسي منها تحديد الأيام التي يكون فيها الإنسان محظوظ أو لا، وكل هذا يعتمد على الأيام التي يظهر فيها النجم ويختفي، ففي اعتقاد المصريين عندما تكون عين حورس ساطعة (يقصدون النجم) فإن الإله حورس غاضب، أما عندما يغلق عينه فإنه قد عفى عن الناس، مع العلم بأن مثل هذا الأثر لم يكتشف في أي من الحضارات القديمة إلا بعد ثلاثة آلاف سنة.

مفكرة المايا

في سنة 2012 تم اكتشاف غرفة في حطام قرية في جواتيمالا، واحتوى الحائط على أرقام عديدة وكتابات، وببساطة فهذه الغرفة عبارة عن سجل كامل لحركة النجوم والكواكب، وهي أقدم الآثار الفلكية التي تم اكتشافها في حضارة المايا، حيث نجد نظام جديد ومتفرد تمامًا في الحساب، ويعود تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي.

كأس النبيذ الإغريقي الكوكبي

لسنين طويلة ظن المؤرخون أن هذا الكأس هو مجرد واحدة من الأواني التي تم اكتشافها في الحضارات القديمة ، وهو يوجد في متحف لاميا في اليونان، ويظهر على الكأس زخارف كما هو الحال في الزخارف الإغريقية التي تتكون عادةً من تصوير لحيوانات، لكن بعد أن فحصه العلماء مجددًا وجدوا أن ما ينطوي عليه بالفعل هو مجموعة من الإشارات إلى مجموعة كوكبات مختلفة، ويعود تاريخ الكأس إلى سنة 625 قبل الميلاد، ومن المرجح أنهم استخدموها كمفكرة.

مخطوطة دريسدين

اكتسبت المخطوطة اسمها من مكتبة ولاية ساكسوني الألمانية التي تقع في مدينة دريسدين، وفي الأصل هي مخطوطة كتبت بواسطة علماء شعب المايا، ومن المعروف عنهم اهتمامهم البالغ بعلم الفلك والتنجيم، بل أن عقيدتهم الدينية مرتبطة بهذه الاهتمامات وقد وضعوا تقويمًا خاصًا بهم ينتهي في سنة 2012 ليبدأ تقويم جديد، وقد وصلت إلى المكتبة في العقد الثالث من القرن الثامن عشر، لكنها لم تلق أي اهتمام من جانب الباحثين إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك على يد عالم الرياضيات الألماني إرنست فورستيمان الذي استنتج من المخطوطة أن ما كتب فيها يدور حول كوكب الزهرة، ومع ذلك فإنه لم يتوصل إلى أية معلومات دقيقة، وذلك لأنه لم يتم فك شفرة اللغة في ذلك الوقت، ولكن في العشرينيات من القرن الماضي استطاع المهندس الكيميائي جون تيبلي فهم أجزاء عديدة من المخطوطة وأدرك أنها توضح نظام معقد حاول تعقب حركة كوكب الزهرة، مع العلم بأن تاريخ المخطوطة يعود إلى القرن العاشر الميلادي، وتم كتابتها بواسطة عالم أو مجموعة من العلماء حاولوا تتبع الكوكب لمدة ربع قرن، وقد حدث كل هذا قبل خمس قرون من تسجيلات كوبرينكوس لحركة الكواكب، لذا فإنها من أهم إنجازات الحضارات القديمة في علم الفلك.

حجر الهندسة الفلكية

الهندسة الفلكية هو علم يستخدم لتوقع حركة الأجسام السماوية، وسابقًا كان يقول مؤرخو العلوم بأن أول من كتبوا في هذا العلم هم علماء الرياضيات الإنجليز في جامعة أوكسفورد في القرن الرابع عشر، إلا أن هذا الحجر الذي وصل إلينا يثبت عكس ذلك، وهو حجر طيني تم صنعه في بابل القديمة فيما بين سنوات 350 ق.م. و50 ق.م. وكتب فيه أساسيات الهندسة الفلكية، وفيه أراد العلماء تعقب حركة كوكب المشترى أو الكوكب الأبيض كما أشاروا إليه، والحجر هو واحد من أربعة أحجار يختصون بالهندسة، لكن لم يستطع العلماء فك شفرتهم حتى سنة 2015، وذلك عندما تم اكتشاف حجر آخر ساعدهم في معرفة أبجدية اللغة، أي أنه بمثابة حجر رشيد البابلي، وهذا الاهتمام الدقيق من علماء الحضارات القديمة يثبت لنا شغف أسلافنا بالفلك ورغبتهم الجادة في معرفة الكون من حولهم بالرغم من وجود الاعتقادات السائدة القديمة مثلما أن الأرض هي مركز الكون وغيرها.

علي سعيد

كاتب ومترجم مصري. أحب الكتابة في المواضيع المتعلقة بالسينما، وفروع أخرى من الفنون والآداب.

أضف تعليق

4 + ثمانية عشر =