تسعة اولاد
الرئيسية » دروس » التفكير العلمي : كيف تفكر بشكل علمي على الدوام ؟

التفكير العلمي : كيف تفكر بشكل علمي على الدوام ؟

التفكير العلمي

التفكير العلمي هو التفكير باستخدام الطرق العلمية للتفكير، والبعد عن الخرافة وكل ما يتعلق بها، نعرفك في هذه السطور على كيفية التفكير العلمي صحيح وراقي.

التفكير العلمي هو منهج وأسلوب فكري ينبني على أسس صلبة وعلمية. في عصرنا الحالي تتعدد مصادر المعلومات وتختلط مع الخرافات أو المعتقدات الخاطئة. وعن طريق اتباع طريقة معينة للنظر إلى المسألة التي أمامك تستطيع تحديد هل هي صحيحة أم خاطئة. كما أن التفكير العلمي يمنحك القدرة على حل أي مشكل يصادفك بأسلوب سليم وبالتالي يساعدك على تجاوز العقبات التي تواجهك في حياتك اليومية، سواء في الدراسة أو في العمل أو حتى في علاقاتك مع الآخرين. وكي تفكر بشكل علمي يجب عليك فهم المعنى الدقيق لهذا الأسلوب ومعرفة تقنياته. كما يجب أن تدرك الأهمية التي يكتسيها التفكير العلمي كي يشجعك ذلك على اتخاذ قراراتك وفق تفكير علمي صحيح.

تعرف على أسلوب التفكير العلمي

تعريف التفكير العلمي

التفكير هو نشاط عقلي لا يمكن مشاهدته فهو غير مرئي، لكن يمكن ملاحظة نتائجه. ويتميز بملاحظة الأحداث والوقائع، معالجتها، تحليلها وربطها ببعضها البعض. وبالاستعانة بالخبرات السابقة يمكن الوصول إلى نتيجة معينة. بعض أنواع التفكير يتسم بالسطحية أو المبالغة أو التقصير، وهذه أساليب خاطئة في التفكير لأنها لا تؤدي إلى نتائج عملية، بل على العكس قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة الأصلية وربما تزيد مشاكل أخرى أنت في غنى عنها. أما التفكير العلمي فهو المنهج الصحيح لحل المشاكل أو بناء رأي شخصي أو اتخاذ قرار ما. ويكفي أن تعرف أن العظماء في كل المجالات لم يكونوا لينجحوا في أعمالهم لولا اتباعهم لهذا الأسلوب.

كيف تفكر بشكل علمي

التفكير بشكل علمي ينبني على خطوات دقيقة ومحددة ومنظمة. فلا يمكن أن تتخذ قرارا قبل أن تمر بجميع مراحل التفكير العلمي الصحيح.

ملاحظة المشكلة

قبل أن تقرر أن عليك التفكير في حل ما يجب أن تلاحظ أن هناك مشكلة تحتاج حلا. هنا تلعب حواسك وإدراكاتك دورها. مثلا إذا كنت جالسا في غرفتك وسمعت صراخا في المنزل. فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو التساؤل حول ماذا يحصل بالضبط. هنا أنت لاحظت أن هناك شيء غير طبيعي يحصل.

تحديد المشكلة

ملاحظة المشكلة لا يعني أنك تعرف ما هي. بل يجب أن تحدد طبيعة المشكلة. إن لم تفهم المشكلة جيدا فأنت لن تحلها. وكما يقال معرفة المشكلة هي نصف الحل. والمشكل هنا يتجلى في السؤال : من يصرخ ولماذا؟

وضع الافتراضات والاحتمالات

بناءا على خبراتك السابقة والمعلومات المتوفرة لديك ستضع احتمالات لفهم المشكل الحاصل. فأنت تعلم أن والدك في العمل. ولا يوجد في البيت أحد غير أمك وأختك. هذه هي المعطيات التي لديك. إذن فالشخص الذي صرخ سيكون أحدهما بالتأكيد. لديك الآن احتمالين. إما أن أمك هي من صرخت أو أختك هي من صرخت.

اختبار الاحتمالات أو التجربة

هنا ستقوم بالتأكد من صحة فرضيتك. إذا شككت أن أختك هي من صرخت ستذهب إلى غرفتها وتتأكد. إذا شاهدت ما يدعم فرضيتك مثل وقوعها على الأرض أو إصابتها بصعق كهربائي مثلا فهذا يعني أنه احتمال صحيح، وإلا تنتقل إلى الاحتمال الثاني.

الجواب أو الحل

حين تنتهي من اختبار جميع الاحتمالات يُفترض أن تصل لحل المشكل. في هذه الحالة كان المشكل من صرخ ولماذا. والجواب الذي وصلت إليه باستخدام التفكير العلمي هو أن أختك صرخت بسبب إصابتها بصعق كهربائي. هنا يجب تقديم يد المساعدة لها. ولتعرف كيف تفعل ذلك ستستعمل ذات الأسلوب السابق لتصل لأفضل حل لهذه المشكلة.

متى تحتاج لاستخدام التفكير العلمي

التفكير العلمي لا يقتصر على حل المشكلات فقط وإنما يمكن أن يفيدك لاتخاذ قراراتك وتبني آراءك الخاصة بالأحداث والأفكار الفلسفية. لتُكوّن رأيك عن إضراب عمال النظافة ستطرح أسئلة وتبدأ بالإجابة عنها. لماذا أضربوا؟ ماذا يريدون؟ هل مطالبهم مقبولة؟ ولتختار الحزب الذي ستصوت له ابحث عن برنامج الحزب وقارنها مع ما تراه ضروريا وعاجلا، وابحث في ماضيه لتتأكد إذا كان ينفذ وعوده أم أنه يماطل ويخدع المواطنين. وهكذا يكون التفكير العلمي في كل شيء آخر. اطرح السؤال المناسب وابحث عن المعلومة الصحيحة.

خصائص التفكير العلمي

للتفكير العلمي خصائص وشروط لابد من توفرها ليعتبر منهجا صحيحا قائما على أساس متين. وهي عبارة عن خصائص سنتناولها هنا مع شرحها وذكر بعض الأمثلة لتفهمها جيدا.

التراكمية

يحتاج التفكير العلمي إلى الخبرات السابقة والمعلومات والتجارب التي تعرّض لها المرء سابقا. فالمعرفة بمثابة سُلّم، كل درجة تؤدي إلى أخرى ولا يمكن القفز على الدرجات وتجاهل الخطوات المتتالية وهذا ما يسمى بالتراكمية أي تراكم الخبرات على بعضها البعض.

الدقة والتحديد والتجريد

وهي عناصر ضرورية للتحليل والتفكير. فلابد من وضع إطار واضح للمشكل أو المسألة المراد حلها والابتعاد عن التخبط في أمور لا علاقة لها بالمشكل أو استعمال مفردات تحمل معاني متعددة. فالذي يبحث في مسألة علمية لا يمكن أن يستعمل لغة العواطف والمشاعر. فإذا سألتك مثلا عن حرارة الجو لا يمكن أن تجيبني أن الجو بارد بل يجب أن تعطيني درجة حرارتها بالضبط فتقول درجة الحرارة 12 درجة.

الشمولية

وهي أحد خصائص التفكير العلمي، وهذا يعني أن القانون العلمي يسري على جميع أمثلة الظاهرة. الحقيقة العلمية التي تخص الإنسان لا تفرّق بين الإنسان الفقير والغني مثلا. فإذا كان فيروس الإيدز ينتقل عبر استعمال حقنة شخص مصاب فهذا يعني أن أي إنسان، سيصاب بالإيدز إذا استعمل حقنة شخص مصاب بالمرض مهما كان لونه أو جنسيته أو سنه.

اليقين

ويعني الاستناد إلى أدلة كافية، مقنعة وصحيحة. ولكن لا يوجد يقين نهائي أو مطلق في العلم لأن الحقائق تتغير باستمرار والمعرفة تتطور دائما. فما كان صحيحا بالأمس قد يكون خاطئا اليوم. قبل مئات السنوات كان هناك يقين أن الشمس تدور حول الأرض. وكان هذا اليقين مبينا على المعرفة والتقنيات المتوفرة حينها، فكان تلك الفكرة مقبولة. ولكن مع تقدم العلوم تم التوصل إلى أنه فكرة خاطئة وأن الأرض هي من تدور حول الشمس.

التنظيم

التفكير العلمي يستند إلى التنظيم. فلا يمكن ممارسة العشوائية والانتقال من فكرة إلى أخرى دون وجود رابط بينهما، أو التسرع في الاستنتاج قبل إجراء الاختبار والتجربة. فالتفكير العلمي هو أسلوب منهجي منظم أي له خطوات يجب إتباعها، وبهذا فهو يختلف عن التفكير العادي الذي يمكن أن يتسم بالفوضوية وعدم وضوح الطريق.

البحث عن الأسباب

أحد أهم مميزات التفكير العلمي هو البحث عن الأسباب. وهذا هو سبب التقدم الكبير الذي تشهده التكنولوجيا والطب مثلا. فلولا أن نيوتن بحث عن السبب الذي جعل التفاحة تسقط على الأرض ما كان ليصل مطلقا لقانون الجاذبية والذي غيّر حياتنا بشكل جذري. يهتم التفكير العلمي بفهم الظواهر والأحداث لهذا لابد من معرفة كل المعلومات والحقائق عنها ويتم ذلك بطرح الأسئلة والبحث عن إجابات لها. ماذا وكيف ولماذا تحصل هذه الظاهرة. هذه هي الأسئلة التي يطرحها المفكر ويبحث عن إجاباتها.

أخطاء التفكير العلمي

يرتكب الكثير من الناس أخطاء أثناء التفكير تجعلهم يتخذون قرارات غير سليمة. وذلك عائد إلى جهلهم أو تعوّدهم على هذا النوع من التفكير. هناك أخطاء كثيرة وهذه بعضها.

الانتقائية

وتعني أن المرء ينتقي ويختار المعلومات التي يريد حسب أهوائه ورغباته. تتعدد الأسباب التي تجعله يفعل ذلك وفي الغالب يرغب المرء في تأكيد صحة وجهة نظره أو الانتصار لنفسه كي لا يشعر بالإهانة لأنه هُزِم. لكن يجب تذكّر أن الحقيقة لا تتغير حتى لو تجاهلناها أو أنكرناها.

معلومات خاطئة

صحة كل فكرة تعتمد على الأساس الذي بُنيت عليه. فإذا استعنت بمعلومات خاطئة فإن فكرتك كلها خاطئة. ذلك أن ما بُني على باطل فهو باطل.

أخطاء منطقية

تعني الربط بين معلومتين بدون وجود رابط منطقي أو الوصول لنتيجة بناء على دليل خاطئ. مثلا، شخص يحدث معه مرتين أن يصاب بالزكام ثم ينهزم فريقه المفضل. فيربط بين الاثنين ويقول أن إصابته بالزكام هي السبب في هزيمة الفريق. هذا استدلال خاطئ منطقيا وما حصل لا يزيد عن كونه صدفة. وهناك الكثير من الأخطاء المنطقية يمكن قراءة المزيد عنها في الكتاب الشهير “المغالطات المنطقية” وهو كتاب بسيط جدا ولكنه مفيد في فهم الأخطاء التي يمارسها المرء في التفكير والنقاش.

المبالغة والتعميم

إذا تعرفت على فرنسي لا يحب العرب فهذا لا يعني أن جميع الفرنسيين عنصريين. فلا يمكن تعميم مثل هذه الصفات على الجميع. كما لا ينفع أن تبالغ في تقدير بعض الصفات وتعطيها أكبر من حجمها. فإذا رأيت أستاذك غاضبا مرة فلا تقل أنه شخص عصبي دائما. لأنك لا تراه كذلك بشكل دائم إنما فقط مرة أو مرتين.

مناقشة أمور فرعية

عند التفكير في موضوع ما يجب ألا تخرج عن نطاق الموضوع إلى أشياء لا علاقة لها بالموضوع، كأن تركز على الأشخاص أو أفكار أخرى. لنفرض أننا نناقش فكرة اقترحها أحمد لإنشاء مجلة خاصة بالمدرسة. لكنك تتذكر خلافاتك مع أحمد فتقول لا يجب إنشاء هذه المجلة لأن أحمد شخص منافق. وإنما يجب التركيز على الفكرة وهي إنشاء المجلة. هناك حكمة شائعة تقول أن العقول التافهة تناقش الأشخاص والعقول البسيطة تناقش الأحداث أما العقول العظيمة فتناقش الأفكار.

عوائق أمام التفكير العلمي

رغم أن التفكير العلمي فعال جدا لحل المشاكل والوصول إلى نتائج عملية مفيدة إلا أنه أقل اتباعا من باقي أنماط التفكير التي تسيطر على مجتمعاتنا. ويعود ذلك بالأساس إلى الانتشار الكبير للأفكار الخاطئة والخرافات والاعتقادات الباطلة. عاملين بمبدأ هذا ما وجدنا عليه آباءنا. فالناس تصرّ أن تتبع نفس العادات التي ورثتها من أجدادنا رغم تطور المعرفة. حيث لا زال السحر والحسد أسبابا للإصابة بالأمراض رغم أن العلم يؤكد وجود أسباب أخرى أكثر منطقية. وبالتالي لجوء الناس إلى السحرة والمشعوذين عوضا عن علاج المرض يحرمهم من فرصة الشفاء فيتفاقم مرضهم أكثر. العائق الثاني أمام التفكير العلمي هو ميل الإنسان لاتباع الفكرة السائدة عوضا عن الفكرة الصحيحة. فإذا كان مجموعة من الناس تؤمن بفكرة خاطئة فإنك ستجد أن أي شخص سيصدقها ولن يفكر في مدى صحتها. فالمرء يتصور أن ما أجمع عليه الناس يكون دائما صحيح وهذه فكرة خاطئة. وأخيرا إنه لمن المؤسف أن يظن الإنسان أن العقل غير قادر على فهم الظواهر وغير كافي للوصول إلى الحقيقة. اعتقادا منهم أن الأمور الغيبية لا يمكن معرفتها إلا من خلال الوحي الإلهي رغم أن الله يحثنا دائما على التفكر والتدبر واستخدام العقل. فالكثير من الآيات القرآنية تدعونا للتفكر في السماء والطبيعة وكل شيء. وقد تكرر استخدام عبارة “أفلا يتفكرون” في القرآن كثيرا للتأكيد على أهمية العقل والفكر للوصول إلى الحقيقة.

في النهاية

الحديث عن التفكير العلمي طويل جدا وقد لا ينتهي. ولكننا حاولنا اختصاره كي تفهم أهم مميزاته وتبدأ بإتباعها. التفكير العلمي لا يقتصر على أمور تتعلق بالعلم كما تظن، فقد رأينا أنه أسلوب تفكير مفيد في جميع المسائل والقضايا. وعليك بالالتزام بما تم ذكره من خطوات وشروط التفكير العلمي كي تستطيع أن تنجح في حياتك وتتقدم دائما إلى الأمام على طريق صحيح.

سناء مخلص

أضف تعليق

17 − 3 =