العظماء لا يتم نسيانهم، أما العظماء الفارقين في الحياة مثل إنريكو فيرمي فلا يتم نسيانهم وأيضًا يجب ذكرهم باستمرار، فما فعله إنريكو فيرمي يجعلنا جميعًا نُصنف العالم صنفين، صنف ما قبل إنريكو وصنف ما بعده، وهذه ليست مُبالغة بقدر ما هي مُحاولة مُستميتة لإعطاء عالم كبير مثل إنريكو فيرمي حقه، والذي ربما يكرهه بعض اليابانيين بالذات، ويجعلونه عدوهم الأول، لكن باقي العالم مدين له بما حظي به من سلام، بسبب تلك القنبلة النووية التي أنهت شلالات الدم المُنفجرة في الحرب العالمية الثانية، فدعونا نتعرف في السطور الآتية على إنريكو فيرمي، صانع أول قُنبلة نووية.
تعرف على حياة إنريكو فيرمي مخترع القنبلة الذرية
من هو إنريكو فيرمي؟
وُلد المُعجزة إنريكو فيرمي في سبتمبر القابع في العام الأول بالقرن العشرين،1901، ورغم ما هو شائع عن كون إنريكو أمريكي إلا أنه هذا من ناحية الجنسية فقط، أما الولادة فكانت في مدينة روما بإيطاليا، أي أنه في الحقيقة إيطالي أمريكي، وهذا ما قيل أثناء إعلانه فائزًا بجائزة نوبل.
كان إنريكو، قبل أن يُسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يعيش بأحد الضواحي المتوسطة في روما، فهو في الأساس يتبع أسرة ميسورة الحال، لذلك لم يُمانعوا في تعليمه، عكس باقي الأسر التي أرهقتهم الحرب العالمية الأولى ولم يستطع أبنائهم إكمال تعليمهم، وهو الأمر الذي شكّل نقطة فارقة في حياة إنريكو.
إنريكو فيرمي والتعليم
بدا على إنريكو حبه للتعليم، وللرياضيات خاصةً، منذ بلوغه العاشرة، فقد كان دائمًا ما يُحاول إيجاد حلول للمُعادلات الصعبة والمسائل الرياضية التي لم يستطع أحد التوصل إلى الصحيح له، ثم بدأ في المرحلة الثانوية التعلق بعلوم الفيزياء والكيمياء والأحياء، واستمر ذلك الشغف في سنوات الجامعة حتى تدرج منها وأصبح مُدرسًا بجامعة روما في علم الطبيعة، وقبل ذلك كان يُحاول مع أصدقائه الجامعيين إجراء بعض التجارب الصعبة، التي ربما لم يُفكر المُتخصصون فيها، أهمها مثلًا احتساب كثافة أحد الصنابير الموجودة في المدينة وعد قيمة التعجيل، وقد كان كل ذلك بمثابة تأهيل لإنريكو المُخترع.
إنريكو فيرمي والقنبلة الذرية
منذ أن أصبح فيرمي مُدرسًا للطبيعة بإحدى جامعات روما ظهر عليه تأثره الشديد بالذرة، وقد بدا ذلك الاهتمام من خلال أبحاثه التي أجراها حول الذرة، والتي بلغت في خلال خمس سنوات فقط 38 بحثًا، كلها تدور حول الذرة وأسرارها وعناصرها، حتى جاءت السنة السادسة وحملت معها الحدث الأول الفارق في حياة إنريكو فيرمي.
إنريكو فيرمي والشهرة
استطاع إنريكو من خلال تلك الأبحاث الكثيرة اكتشاف ما يُسمى بالعنصر الذري رقم 93، وهو أحد عناصر الجدول الدوري، الذي بدأه أحد العلماء الروس قبل قرنين ويدعى مندليف، وقد كان لهذا الاكتشاف الكبير أثرًا أكبر في حياة إنريكو، حيث اشتهر في إيطاليا والعالم أجمع باسم خليفة مندليف، وحظي بمكانة مرموقة جعلته يُرشح لتولي رئاسة الجامعة التي كان يعمل بها مُدرسًا، وقد كان هذا حال حدوثه أشبه بمعجزة، بسبب صغر سن إنريكو، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن تمامَا.
الهرب إلى أمريكا
أثناء الحرب العالمية الثانية طغت الفاشية الإيطالية بقيادة موسوليني، وأصبح جميع العلماء في غير مأمن من بطش هذا المجنون، خاصةً مع كرهه الشديد لهم، لذلك آسر البعض منهم الهرب، إلا أن إنريكو رفض ذلك في البداية، حتى تعرض بعدها لضغوطات ومضايقات كثيرة، اضطر على إثرها الهرب والإفلات بأُسرته وأبحاثه، ولم يجد بالطبع مكان أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تستقطب جميع العلماء في كل المجالات، والتي أيضًا كانت تعرف بشهرة إنريكو التي نالها باكتشافه العنصر 93.
في أمريكا بدأ إنريكو في استكمال كل ما كان ينوي إكماله في إيطاليا، وتحديدًا فيما يتعلق بالذرة، حيث أكمل أبحاثه حتى تخطت الستين، وأقام التجارب وأجرى كل الفحوصات التي يحتاجها، وبالطبع كان ذلك بسبب الإمكانيات الهائلة التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ساعدت إنريكو كثيرًا خلال أبحاثه، لكن بالتأكيد لم تكن تلك المساعدات مجانًا لإنريكو، بل كانت هناك مطالب كبرى تكمن خلفها.
فريق العباقرة
كانت أمريكا في خضم الحرب العالمية الثانية عندما طلبت من إنريكو فيرمي استكمال أبحاثه واختراع القنبلة الذرية، لذلك قامت بتعيينه صوريًا كمدرس بإحدى الجامعات، لكنها في الحقيقة جعلته على رأس فريق من العباقرة يتكون من أشهر الباحثين والكيميائيين في العالم، وطلب منهم مهمة واحدة لإنجازها، صناعة القنبلة الذرية.
كان هذا الفريق يتكون من عشرة أعضاء، أو علماء بمعنى أدق، على رأسهم إنريكو، ثم عالم إيطالي آخر، وباحثين من النمسا، وباحث من السويد وآخر من استراليا وباحثة من بريطانيا وأخرى من فرنسا، واختتمت القائمة بباحثين من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وقد بدأ فريق العباقرة هذا عمله 1945.
مشروع مانهاتن
كان اسم مشروع مانهاتن هو الاسم السريّ الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا جهاز المخابرات، على أولئك الباحثين الذين اشتغلوا بالمشروع منذ مهده، وعلى رأسهم بالطبع إنريكو فيرمي، حيث أخذوا في إجراء التجارب لأشهر كثيرة، قاموا خلالها باستعمال الصحراء الغربية لأمريكا كحقل لها، ثم لم يلبثوا إلا وقد اخترعوا قنبلة قوية تمكنت من إحداث ثقب كبير في الأرض يصل عمقه إلى أكثر من كيلو متر، وعندما وصل التصور النهائي إلى البيت الأبيض تم إقراره، وللأسف كان الاستخدام الأول للقنبلة النووية التي اخترعها إنريكو ورفاقه في مدينة هيروشيما اليابانية.
اليابان وإنريكو فيرمي
استهدفت القنبلة النووية الأولى أحد المقاطعات اليابانية وقامت بتدميرها تمامًا، لكن مع الوقت تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بل ويمكن القول أيضًا أنها قد عادت لطبيعتها وأفضل، أما فيما يتعلق بالعالم إنريكو فيرمي فلم يستطع اليابانيون نسيان فعلته حتى الآن، بل إنهم حملوه المسئولية الأكبر في العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا بفعل قنبلته النووية، والواقع أنهم أيضًا حاولوا اغتياله أكثر من مرة، لكن إنريكو كان دائمًا يمتلك رد واحد لكل تلك الاتهامات والمحاولات، “لست آسف، اقتلوني”.
موقف إنريكو فيرمي
في البداية بدا إنريكو فيرمي منزعجًا من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة النووية التي قام باختراعها بهذه الوحشية، فقد كان عدد الضحايا كفيل بأن يجعل كل الذين اشتغلوا بهذا المشروع يراجعون أنفسهم ويتأكدون فعلًا من استخدام هذه القنبلة استخدامًا صحيحًا أم لا، لكن، مع الوقت، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، تبين للجميع أن تلك القنبلة كانت سبب رئيسيًا في هذه النهاية وتخليص العالم من ويلات الحروب التي كان من الممكن أن يُعاني منها لسنوات طويلة بسبب عناد اليابان الذي لم ينتهي إلا بالقنبلة النووية، ولذلك رأى إنريكو نفسه سببًا في نهاية الحرب وليس قتل هؤلاء الأبرياء كما كان يحاول البعض إيهامه، أما بالنسبة لليابانيين فما زال العداء مُستمرًا.
وفاة إنريكو فيرمي
بعد هذا الجميل الكبير الذي صنعه إنريكو فيرمي للعالم بإنهاء الحرب التي عصفت به، رحل الفيزيائي الفذ عن عالمنا صبيحة اليوم الثامن والعشرين من شهر نوفمبر عام 1954، ليرحل هو، وتُخلّد القنبلة النووية وذكراه معها حتى الآن.
أضف تعليق