يمكننا أن نبدأ في عد إنجازات العلماء المسلمين منذ القرن الثاني الهجري، حيث ظهرت الكتابة بشكل واسع بين العلماء وبدأت الكتب بالتداول بين الناس، وقد سبق العلماء المسلمين بعض علماء الغرب في بعض الاكتشافات والاختراعات كما سنذكر في المقال التالي مثل الاكتشافات الطبية لابن سينا الطبيب العربي الكبير، واكتشاف ابن ملكا لقوانين الحركة قبل نيوتن واختراع بندول الساعة وغيرهم، وستدرك أيضًا بعد القراءة معنى تراكمية العلم وأن العلماء يعتادون على الاستعانة بالمعلومات السابقة ووضعها تحت التجربة لمعرفة مدى صحتها وتطابقها مع نظرياتهم وأفكارهم، سنتعرض ببعض التفصيل إلى حياة أهم العلماء العرب والمسلمين مثل الرازي والبيروني والجزري وغيرهم من الرواد في العلوم الطبيعية.
تعرف على أهم إنجازات العلماء المسلمين على مر التاريخ
أبو البركات ابن ملكا البغدادي : مكتشف قوانين الحركة قبل نيوتن
القوانين الثلاثة الخاصة بالحركة والجاذبية هي أحد أهم الأسس العلمية التي قام عليها العلم الحديث، وببساطة فهي النواة التي خرجت منها فروع علمية هامة مثل الميكانيكا البصريات والصوتيات والكهرباء، بل قد تكون هي القوانين الأولى التي بدونها لم يكن ليوجد العلم الحديث، لكن عادةً وربما دائمًا يتم الإشارة إلى العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن باعتباره صاحب الفضل في اكتشاف القوانين الثلاثة، لكننا إذا نظرنا بدقة في مؤلفات العلماء المسلمين وإنجازاتهم، سنجد أن ابن ملكا البغدادي كتب نصًا تلك القوانين قبل نيوتن بحوالي خمسة قرون في كتابه الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية. وإذا بحثنا سنجد أن بعض الكتب العربية ومنها مؤلفات ابن ملكا كانت موجودة في مكتبات أوروبا بترجمات إنجليزية وفرنسية في عصر نيوتن.
ولد ابن ملكا في البصرة لأسرة يهودية، لكن بعد نشأته وتلقيه العلوم الأساسية وذهابه إلى بغداد تحول إلى الدين الإسلامي، وأخرج لنا مؤلفات علمية أصيلة وغير مسبوقة في عدد من الفروع العلمية وتحديدًا الطب والفيزياء والفلك، وفي الطب كانت لديه طريقة نفسية في معالجة عدد كبير من المرضى الذين يتوهمون إصابتهم بالأمراض، كان متقد الذكاء لدرجة أنه جعلهم يقتنعون بعدم إصابتهم بأي مرض من خلال المنطق.
ابن سينا : مكتشف دودة البلهارسيا والالتهاب السحائي
رصد ابن سينا كوكب الزهرة في القرن الخامس هجريًا بعينه المجردة قبل أي شخص آخر، وهو أول من كتب في علم الديناميكا الحديثة، وفي علم النبات قام بتصنيفات لعدد كبير من النباتات بتفاصيلها. أما في الطب فهذا أمر آخر، حيث أن إنجازات ابن سينا الطبية ظلت مؤثرة لقرون طويلة في مختلف الحضارات في العالم، واعتبر كتاب “القانون” واحدًا من أهم الكتب الطبية على الإطلاق، وظل المرجع العلمي الأول في أوروبا طوال القرون الوسطى وعصر النهضة والتنوير والعصور التالية بجانب أهم الكتب مثل كتب أبقراط، وقد اكتشف بعض العقاقير الجديدة والأمراض أيضًا مثل اكتشافه للدودة المستديرة (التي تعرف باسم البلهارسيا الآن) واكتشافه الالتهابات السحائية وغيرها من الإنجازات السابقة لأوانها.
تميز ابن سينا بحدة التفكير والفراسة المتقدة، وتذكر الآثار أنه في إحدى المرات كان هناك مريض يعتقد أنه بقرة! وفي كل يوم يطلب من أهله أن يذبحوه لأنه لا يريد أن يستمر في العيش كبقرة وامتنع عن الأكل، وعندما أتى ابن سينا لمعالجته، بدأ بفصح قلبه وأخبر الحضور أن هذه البقرة مريضة وتحتاج إلى أن تأكل كميات كبيرة حتى تكون جاهزة للذبح، وقد صدق المريض هذا وبدأ يأكل بانتظام في الأيام التالية حتى نسي المشكلة وعاد بعدها إلى حالته الطبيعية، هناك الكثير من الأمثلة الأخرى التي برع فيها العرب فيما يخص الطب النفسي وإقناع المرضى المتوهمين بعدم إصابتهم، وهذا فن لم يتقن الكثيرون.
البيروني: مكتشف الجاذبية الأرضية
أول من تحدث من العرب عن الجاذبية الأرضية كان أبو محمد الهمداني المعروف بالبيروني، وهو أحد علماء القرن الثالث الهجري، وأشار بدون إثبات واضح إلى فكرة الجاذبية الأرضية، لكن البيروني أول من تحدث بالتفصيل عن تأثير الجاذبية وقال صراحةً أن “الأجسام تسقط على الأرض بسبب قوى الجذب المتمركزة فيها”. وعلى مدار حياته العلمية كتب في الفيزياء والطب والفلك والجغرافيا والرياضيات وغيرها من العلوم، وأشهر مؤلفاته كتاب “الآثار الباقية عن القرون الخالية”، وأهم إنجازاته تفسيره لظاهرتي الخسوف والكسوف، وحساب عجلة حركة القمر ووضع أسس نظرية لقياس نصف قطر الأرض ومحيط الأرض.
تحدث البيروني في مؤلفاته عن الكثير من الأمور السابقة لأوانها، مثل دوران الأرض حول محورها (بالرغم من أنه لم يصل إلى نتائج فاصلة)، وتحدث عن كروية الأرض وعن تحديد خطوط الطول والعرض بالإضافة لتحليل مساقط الخرائط، وقال أن سرعة الضوء أكبر بمراحل كثيرة من سرعة الصوت وسرعة دوران الأرض، وتحدث عن فصول السنة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي وعن المدى الطويل للنهار في القطب في فصل الصيف.
ولد البيروني في قرية صغيرة تابعة لضواحي خوارزم في آسيا، وكان مولعًا بالعلم من صغره، وبسبب حادثة انقلاب سياسي حدثت في البلاد، اضطر إلى السفر للبحث عن المعرفة، وبدأ بتعلم بعض قواعد اللغات السريانية والعبرية بالإضافة إلى معلومات عن علم الأعشاب والعلوم الأدبية أيضًا ثم الرياضيات والفيزياء، وبعد ذلك عاد إلى موطنه بعد استقرار البلاد، لكن فور عودته قام السلطان محمد الغزنوي بيه بغزو لخوارزم وأخذ عدد كبير من الأسرى منهم البيروني الذي أودعه تحت حراسة خاصة للاستفادة من علومه، وفي تلك الفترة وداخل الحبس الجبري ألف البيروني كتابًا عن بلاد الهند، وبعد زوال حكم السلطان أصبح البيروني حرًا وبدأ بالتجول في بلاد الهند والتعلم من علومهم.
ابن يونس المصري : مخترع بندول الساعة
ينسب البعض اختراع بندول الساعة (الرقاص) إلى العالم جاليليو جاليلي في القرن السابع عشر، لكن العالم المصري ابن يونس الصدفي اخترعه قبل ذلك بقرون. وهو يعتبر أحد أهم علماء الفلك في التاريخ القديم، ولد من أسرة ذات أصول يمنية في العصر الفاطمي في القاهرة قديمًا (الفسطاط)، وحظي بمكانة مرموقة لدرجة أن الفاطميين بنوا له مرصدًا في جبل المقطم ليتابع بحوثه في الفلك ورصد الكواكب والنجوم والظواهر الطبيعية، وأمره الخليفة بتأليف كتاب أشبه بالتقويم الفلكي الذي يعتبر مرجعًا لأهم الأرقام الفلكية وتوضيح لأهم الأوقات المتعلقة بالشعائر الإسلامية وفصول السنة وأوقات الزرع والحصاد وغيرها من الأمور الحياتية الهامة، وسمى الكتاب “الزيج الحاكمي” وهو يزيد على ثمانين فصل، وقد رصد خسوف القمر وكسوف الشمس (يعتبره بعض العلماء الرصد الدقيق الأول في التاريخ)، ووضع استنتاجًا لتزايد سرعة حركة القمر، وميل ضوء الشمس.
أيضًا فإن لابن يونس العديد من الإنجازات العلمية، حيث تمكن من إيجاد بعض المعادلات التي ساهمت في تشكل اللوغاريتمات، وأيضًا فإنه قام بحل بعض المسائل المعقدة في علم الفلك الكروي من خلال الاعتماد على المسقط العمودي للكرة السماوية بالاعتماد على مستوى الأفق ومستوى الزوال، وكذلك فقد اكتشف أحد القوانين في الجيوب في حساب المثلثات. وتكريمًا له تم إطلاق اسمه على فوهة صدمية (جزء غير مرئي) في القمر.
أبو بكر الرازي : مخترع خيوط الجراحة
الرازي هو أحد أكبر الأطباء في التاريخ القديم، وهو أول من اخترع الخيوط المستخدمة في العمليات الجراحية، واستخرجها من أمعاء القطط، وبالرغم من غرابة هذا، إلا أن تلك الطريقة هي التي استخدمت لقرون فيما بعد في العالم الإسلامي وفي أوروبا، بل أنها انتقلت أيضًا إلى بعض المجالات الأخرى مثل الموسيقى وتم استخدامها في كل الآلات الوترية مثل العود لقرون طويلة حتى اختراع الخيوط المعدنية. وهو رائد في علم الصيدلة حيث اكتشف بعض الأدوية الجديدة مثل مرهم الزئبق والأعشاب الملينة لعلاج الإمساك، وأهم كتبه في الطب كتاب “الحاوي في علم التداوي” الذي أصبح مرجعًا أساسيًا في أوروبا في العصور الوسطى، وتزيد كتبه عن مئتي كتاب.
أيضًا فإن الرازي له إسهامات في علوم أخرى مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات، وقد شرح طريقة الرؤية والإبصار في العين، وذلك حتى قبل الحسن بن الهيثم بوقت طويل، وذلك في كتابه “طبقات الإبصار” وقال أن الرؤية تحدث بسبب الضوء الخارجي الذي ينعكس على العين، لكن ابن الهيثم هو من وضح بالتفصيل نظريات الانعكاس. كذلك ففي الكيمياء كانت له إنجازات كبيرة، منها عمليات التقطير والتخمير لبعض أنواع النباتات لاستخراج الكحول لاستخدامه في العمليات الطبية وتوضيح تفاصيل تلك التفاعلات بدقة، وهو أول من قسم المواد إلى أربعة أنواع وصنف أنواع المعادن المختلفة، وهو أول عالم في التاريخ يتحدث عن مركب حمض الكبريتيك.
بديع الزمان الجزري : مخترع فكرة المحرك
ولد الجزري في منطقة تابعة لسوريا حاليًا وعمل في بلاط الخليفة باعتباره كبير المهندسين، وخلال حياته التي امتدت سبعين عامًا ابتكر العديد من الأجهزة التي لم يسبقه إليها أي عالم من قبل مثل المضخات المائية وآلات رفع المياه وغيرها من الآلات التي طورت من آليات الزراعة وزادت عمليات الإنتاج أضعافًا، بل أنه بدأ محاولات جادة في استخدام مصادر المياه الطبيعية في توليد الطاقة الكهربية، وهو ما فعله بالضبط العالم نيكولا تسلا بعد ذلك في القرن العشرين في شلالات نياجرا، ووضع تصنفيات للكثير من الآلات الميكانيكية ليعتبر بذلك واحدًا من أهم المهندسين الميكانيكيين في التاريخ القديم، بالإضافة إلى بعض أنواع الساعات كالساعات الشمسية، وأهم كتبه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل” الذي ضم أكثر من 100 آلة ميكانيكية خاصةً الساعات وطرق حساب كميات معينة من الأوقات باستخدام أدوات مختلفة مثل الشمع والتأثير الحراري، والحيل هو المصطلح العربي الذي كان يطلق على علم الميكانيكا.
لكن أهم إنجازاته هو اختراعه ما يعرف بعمود الكامات الذي يبدأ بالدوران عند الضغط عليه، وهي نفس فكرة المحرك الذي يستخدم في السيارات والأنواع الأخرى من المركبات، أي أنها كانت المحاولة الأولى الناجحة في تاريخ العلم للحصول على طاقة حركة قوية بدون الاستعانة بالحيوانات كعربات الخيول.
ابن البناء المراكشي : عالم الرياضيات البارز
ولد في مراكش في المغرب العربي، وهو صاحب إسهامات كبيرة في الرياضيات خاصةً في العمليات الحسابية والكسور تحديدًا، وقد وضع حلولاً لأصعب المسائل الرياضية في وقته، ووضع قوانين منظمة وسهلة لحل المسائل، أهم كتبه “مقالات في الحساب”، وقد أطلق اسمه على جزء غير مرئي في القمر تقديرًا لإنجازاته.
محمد الفزاري : صانع الأسطرلاب
ولد في العراق في القرن الثاني الهجري، وهو عالم فلكي كبير وصانع أول أسطرلاب في تاريخ العرب والمسلمين، والأسطرلاب هو آلة قديمة قد تكون صغيرة الحجم وقد تكون ضخمة، وهي تستخدم بشكل أساسي في معرفة الأوقات في أماكن معينة بالإضافة إلى حركة الشمس والكواكب والنجوم، وبالرغم من وجود بعض الوثائق التي تثبت وجود الأسطرلاب عند اليونانيين القدماء، إلا أن التطوير الشامل الذي تم في الآلة كان على يد محمد الفزاري.
أضف تعليق