تُعتبر عملية إشعال النار من أصعب التحديات التي واجهها الإنسان عبر تاريخه، وإن كنا سنولي الإنسان القديم الاهتمام الأكبر لصعوبة الأمر في بدايته مقارنةً بالإنسان الذي تلاه وكان عمله الوحيد هو تطوير هذه الطريقة البدائية، والتي جاءت صدفة للغرابة، لكن، المفاجأة الحقيقية، والتي ربما ستُثير حيرة البعض، أن إشعال النار يُعد أول اكتشاف في تاريخ البشرية والاختراع الأكثر أهمية وتأثيرًا بها، ولكي لا نُسهب في التمهيد، دعونا نقترب أكثر ونتناول سويًا في السطور القادمة الإنسان وعلاقته بالنار، وكيف تمكن بعد الكثير من المحاولات إشعالها وجعلها قابلة للتطوير فيما بعد.
وسائل إشعال النار عند الإنسان البدائي
ماهية النار
قبل أن نخوض في طرق وأساليب إشعال النار وعلاقة الإنسان القديم ومحاولته بهذا الصدد، دعونا نتعرف أولًا على بطلة هذه السطور وأهم ما فيها، النار، تلك المجموعة من المواد الغريبة التي تنُتج تفاعلًا كيميائيًا غريبًا يُخرج لنا في الناهية لهيب أحمر قادر على التوهج والتسخين والإذابة والتدفئة، وهي غالبًا تكون باللون الأحمر الأقرب إلى الأصفر الشمسي، وقد تأخذ مقدمتها اللون الأزرق في بعض الأحيان كدلالة على لهيبها وشدتها.
غرابة النار الحقيقية تكمن في موادها وتكويناتها، والتي يُمكن اعتبارها ببساطة مواد هوائية بحتة، تعتمد على الأكاسيد وغيرها من الغازات التفاعلية التي تُسهم في تكوين الضوء والتوهج والحرارة، وهذه بالطبع يقودنا إلى البحث خلف هذا التكوين الكيميائي الغريب، ومعرفة فوائده وأضراره.
النار، فوائد وأضرار
إشعال النار ليس كل شيء فيما يتعلق بذلك الخليط الغريب من المواد الكيميائية، فأيضًا ثمة الكثير من الفوائد والأضرار التي يجب وضعها في الحسبان عند التحدث عن عنصر هام في الحياة البشرية، وأن كانت الأضرار في الحقيقة لا تنتج إلا عن الاستخدام الخاطئ من البشر لهذا الخليط العجيب.
فوائد النار مثلًا، والتي يعرفه كل شخص ينبض على هذا الكوكب، هي الدفء والإنارة والطهي والتسخين والتسييح والتدوير، كل هذه عمليات تحتاج النار في المقام الأول، إضافةً إلى بعض المواد الأخرى التي لا تقل أهمية عن ذلك، لكن، إذا ما تناولنا الأضرار، فسنجد كلمة كبيرة تتصدر المشهد بلا منازع، وهي الحرائق، فالحرائق تقريبًا هي العيب الأول والرئيسي لاختراع النار، وقد تكون للأمانة بسبب تقصير من البشر أو بسبب طبيعي كحرائق الغابات مثلًا.
الإنسان يكتشف النار
التدرج الطبيعي لمحاولة إشعال النار هو الحاجة إليها ثم بعد ذلك اكتشافها، وهو ما حدث بالضبط، حيث احتاج الإنسان إلى في البداية للفوائد الكثيرة التي سبق الإشارة إليها، ثم بعد ذلك، وكنوعٍ من الحب الإلهي للبشر، تم اكتشاف النار، لكن، هل كان ذلك الأمر عن طريق الصدفة فعلًا كما يدّعي البعض أما أن الإنسان كان له حضور واضح في الحدث الكبير؟
الرأي الأول
يرى أصحاب الأول أن الوصول إلى النار، أو طريقة إشعال النار تحديدًا، كان مجرد صدفة بحتة، تدخلت فيها الطبيعة بشكلٍ أو بأخر، فالإنسان، كان يُراقب البرق والرعد وهو يضرب الأشجار فيُشعلها ويُدمرّها، ومن هنا توصل إلى وجود قوة كبيرة في هذا الكون قادرة على فعل أشياء لم تكن في حسبانه من الأساس، ومن هنا يتضح أن صحاب الرأي الأول قد نفوا عن الإنسان القديم أي دور رئيس في اكتشاف النار، وهو ما خالفه أصحاب الرأي الثاني.
الرأي الثاني
أصحاب الرأي الثاني يرون أن العملية برمتها، سواء إشعال النار أو اكتشافها، قامت على يد الإنسان القديم، والذي يُعد الأذكى حسب قولهم، حيث أنه استطاع التوصل إلى عملية الاحتكاك، ومن خلالها تمكن من توليد النار وإشعالها، ليترك بذلك إرثًا كبيرًا للإنسان الذي يليه، ليس عليه فقط سوى حفظه وتطويره، وهذا بالضبط ما حدث فيما بعد.
طرق إشعال النار
هناك عدة طرق يمكن من خلالها إشعال النار المُستخدمة في الدفء والإنارة والحريق وكل الأمور التي تم ذكرها من قبل، والواقع أن الطرق الآتي ذكرها هي في الأساس مجرد طرق بدائية، اقتصر استخدامها على الإنسان الأول القديم البدائي فقط، لكن وجب ذكرها لما ترتب عليها من تطوير أدى إلى الوصول إلى الطرق الحديثة الشائعة الآن.
الاحتكاك، الطريقة الأولى
أولى الطرق وأهمها على الإطلاق فيما يتعلق بعملية إشعال النار هي الاحتكاك، فالنار غالبًا تنتج في حالة احتكاك أي جسمين ساخنين جامدين، وقد استخدم الإنسان في بادئ الأمر الخشب والأحجار لاختبار هذه النظرية، حتى أثبتت الحجارة بقوة أنها قادرة على إنتاج النار بعد الاحتكاك فعلًا، أما الخشب فقد رجح ذلك لكن على استحياء، فليست كل محاولات الاحتكاك بين قطعتين من الخشب تُنتج النار مثلما هو الحال مع الأحجار.
التسليط، الطريقة الثانية
الطريقة الثانية التي اهتدى إليها الإنسان في محاولة إشعال النار كانت تعتمد بشكل كبير على الشمس، حيث لجأ الإنسان إليها بعد الاحتكاك مُستغلًا الضوء والزجاج، وبالطبع جميعنا جرّب من قبل عملية حرق الأوراق عن طريق تسليط الزجاج أعلى الورقة نحو الشمس، إلا أن هذه الطريقة لم تكن متوفرة بكثرة قديما لعدم توافر الزجاج، والحقيقة أنها ليست كافية للاعتماد عليها مثل الاحتكاك، لأنه وببساطة لا أحد يضمن الشمس طوال اليوم، وإنما نهارًا فقط، لذلك فكرّ الإنسان ببساطة في كيفية إشعال النار ليلًا حال الاستقرار على هذه الطريقة فوجد أن الأمر غير مُجدي على الإطلاق.
إشعال النار وآخر الصيحات
كما كل شيء في هذه الحياة، أخذت عملية إشعال النار تطور من إنسانٍ إلى آخر حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، حيث دخلت المواد الكيميائية المختلفة داخل العملية وأصبحت تعتمد على الولاعات وأعواد الثقاب والآلات الحديثة التي انتجها تطور الإنسان وموارده وفكره.
لماذا تطورت النار؟
قد يسأل البعض سؤالًا منطقيًا إلا أنه ليس مُستساغًا في هذا الوقت، وهو ليس سؤال كيف تطورت النار، بل سؤال لماذا تطورت من الأساس، وفي الأمر بالطبع إشارة إلى الهدف من هذا التطور، وهو تساؤل يمتلك إجابة أكثر منطقية تكمن في تطور حاجة الإنسان كذلك، فذلك الشخص القديم البدائي لم يكن يستخدم النار سوى في التدفئة أو الإنارة أو الطهي، لكن هل كان يعرف المفاعلات النووية؟ هل كان يحلم يومًا بوجود ما يُسمى بمركبات الفضاء؟ كل هذه أشياء تحتاج النار بشدة، وكلها لن يصلح معها هاتين الحجرين أو ورقتيّ الشجر، لذلك كان لا بد من التطور في طرق إشعال النار.
لعنة النار
ذكرنا فيما سبق أن إشعال النار لم يكن أمرًا جيدًا على الدوام، فقد كان في بعض الفترات بمثابة لعنة كبيرة أصابت بعض البلاد بأسرها، ونذكر مثلًا حريق لندن الذي وقع عام 1666، والذي تسبب كما نعلم في قتل عدد كبير من السكان وحرّق بعض المعالم الأثرية، مما جعله الحدث الأسوأ في تاريخ المدينة بأكمله، وهو تقريبًا نفس الأمر الذي حدث مع المدينة الإيطالية الشهيرة روما بعد أربع وستين عامًا فقط من ميلاد المسيح، وقد حدث هذا الحريق كما تقول الكتب التاريخية بأمر من حاكمها في هذا الوقت نيرون، لتُسَّجل بهاتين الواقعتين أسوأ ذكريات النار على الإطلاق.
أضف تعليق