كانت حياة إرفين شرودنجر حافلة بالإنجازات التي جعلت مفهومنا يختلف تجاه الجسيمات والطبيعة الموجية للمادة وغيرها من مبادئ فيزياء الكم التي تعتبر أهم التقدمات العلمية في القرن العشرين، في المقال الآتي سنتعرض إلى طفولته ونشأته ودراسته ثم رحلاته إلى مدن أوروبية مختلفة للبحث عن العلم والعمل في التدريس ثم هروبه من ألمانيا النازية التي كرهها وكره سياسات زعيمها، كما أننا سنوضح بعض أهم أفكاره وتجاربه المثيرة مثل التجربة المعروفة باسم قطة شرودنجر.
تعرف على حياة العالم إرفين شرودنجر
طفولة ونشأة إرفين شرودنجر
ولد شرودنجر في يوم 12 أغسطس من سنة 1887 في فيينا عاصمة النمسا، وكان الطفل الوحيد لوالديه، والده كان نمساويًا وعمل كمدير لمصنع صغير لأرضيات المنازل ولكنه كان يملك نصيب كبير من الثقافة والعلم حيث أنه درس الكيمياء والفن وعلم النبات ونشر أوراق علمية فيها، وأمه كانت تحمل أصول بريطانية ونمساوية، وحتى سن العاشرة تلقى الطفل إرفين شرودنجر تعليمه في المنزل وتعلم اللغتين الإنجليزية والألمانية، وبعد وصوله إلى المرحلة الأخيرة من الدراسة التحق بمدرسة نمساوية عريقة تسمى الجيمانزيوم، ولوحظ اهتمامه المبكر بالعلوم خاصةً العلوم الطبيعية بالإضافة إلى قواعد اللغة الألمانية القديمة والشعر الألماني حيث كانت لديه ميول أدبية استمرت معه بعد ذلك في حياته، ثم ذهب إلى جامعة فيينا حيث درس هناك على يد فريتز هازينورل الذي أشعل في قلبه النار لحب الفيزياء والذي اعتبره شرودنجر أكثر المعلمين إلهامًا في حياته كلها، وفي سنة 1910 أنهى رسالة الدكتوراه المتعلقة بالكهربية، وبعدها بأربع سنين حصل على شهادة التأهل للأستاذية.
التحدي الكبير في اكتشاف المعادلة الموجية
في مقتبل حياة شرودنجر، وبخه العالم الهولندي بيتر ديباي بطريقة الحديث بين العلماء لاستحثاثه على البحث بشكل متوسع أكثر في الطبيعة الدقيقة للمادة والتي فتحت ميكانيكا الكم الباب الأكبر لاكتشافها، ويروي لنا القصة العالم السويسري فليكس بلوخ بأن ديباي أخبر شرودنجر بأنه ليس من الصواب التركيز على الطرق التقليدية في البحث عن طبيعة المواد، وأن عصر العلم الحديث قد بدأ وأنه عليه الاهتمام ببعض الأطروحات الهامة، وهذا ما فعله بالفعل حيث درس أطروحة رائد ميكانيكا الكم لويس دي بروي والذي شدد أكثر من مرة على أن المادة لديها خصائص موجية، لكن ديباي اعتبر تلك النظريات طفولية وأنها غير مثبتة، مما دفع إرفين شرودنجر إلى أخذ التحدي الكبير بالبحث عن الخصائص الموجية لتصبح بعد ذلك اكتشافه الأكثر أهمية، حيث خرج في رحلة قصيرة إلى جبال الألب في سويسرا وأخذ معه متعلقات قليلة منها أطروحة بروي وصديقة له هويتها غير معروفة، ليتمكن بعد تلك الرحلة من إخراج المعادلة الموجية، ليصبح ذلك التحدي من أكثر الأحداث تأثيرًا في الحركة العلمية.
هوايات إرفين شرودنجر
بالإضافة إلى اهتمامه بالعلوم والفيزياء بشكل خاص، كان لشرودنجر عدد متنوع من الهوايات التي ظل مستمرًا على ممارستها في أغلب فترات حياته مثل الغوص والتزلج على الجليد والسباحة وأيضًا تسلق الجبال، وكذلك حبه للأعمال الأدبية والفنية.
شرودنجر غير راضي عن نظرياته الكمية
عندما بنى إرفين شرودنجر معادلاته في الميكانيكا الكمية، صرح بأنه لا يحب طريقة تلك المعادلات وأنه يشعر بأن هناك خطأ فيها، وأنه يشعر بالأسف لشعوره بهذا، ولكن من حسن الحظ أن العلماء كانوا يصدقون شرودنجر أكثر مما كان يصدق نفسه.
الحياة العلمية قبل وبعد الحرب
مع بداية الحرب العالمية الأولى وانضمام ألمانيا إلى القوات المتشاركة اضطر العالم الكبير إلى الالتحاق بالجيش كضابط حتى انتهاء الحرب، ليعود بعدها ويعمل في الحياة الأكاديمية تحت إشراف العالم ماكس فين وهو ابن عم فلهلم فين الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل، ليصبح إرفين شرودنجر محاطًا بزمرة من أكبر الفيزيائيين في أوروبا، خاصةً بعد ذهابه إلى العمل في جامعة زيورخ كباحث مساعد حيث أصبح متفرغًا لدراسة المجال الذي يعشقه وهو الفيزياء، لتظهر بعدها بفترة قصيرة أبحاثه الرائدة في المعادلة الموجية وميكانيكا الكم، ثم استأنف حياته العلمية بالسفر إلى برلين التي كانت محطة العلماء الأولى في أوروبا بعد انتهاء الحرب.
جائزة نوبل في الفيزياء
في سنة 1933 نال إرفين شرودنجر جائزة نوبل في الفيزياء وذلك بالمشاركة مع فيزيائي شاب يسمى بول ديراك في الثلاثين من عمره بسبب أعمالهما المشتركة في المعادلة الموجية، وديراك هو أحد أكثر العلماء المتحمسين للاكتشافات الفيزيائية الحديثة التي ظهرت مع أبحاث نيلز بور وآينشتين وغيرهما، لدرجة أن آينشتين أشاد بتفكيره خاصةً قدراته الرياضية الخارقة واعتبره أحد أهم الفيزيائيين في التاريخ الحديث.
الهروب من النازية
في نفس السنة التي نال فيها جائزة نوبل، استولى أدولف هتلر والحزب النازي على زمام الأمور في ألمانيا وتحولت إلى بلد مختلفة تمامًا تشن الحروب ضد عدد كبير من الدول وذات سياسات غير إنسانية، مما جعله يفر من ألمانيا إلى إنجلترا حيث طاف فيها بضعة سنين ليعمل في أي عمل متعلق بالفيزياء يثير اهتمامه، حيث حصل على عرض من جامعة برنستون لكنه رفضه ووافق على عرض عمل في بلده الأم، حيث عمل في جامعة جراتس في النمسا.
الفرار إلى أيرلندا
لكن عندما دخلت الدبابات الألمانية أراضي النمسا فر شرودنجر بسرعة إلى إيطاليا ثم بعدها بسنين سافر إلى أيرلندا وعمل هناك مسئول قسم الفيزياء النظرية في مجمع مدارس في دبلن وفي هذه الفترة كتب الكمية الأكبر من أبحاثه العلمية بالإضافة إلى كتابه “ما هي الحياة؟” واستمر يعمل في تدريس الفيزياء حتى تقاعده في سنة 1955 وعاد إلى فيينا لينعم بالاسترخاء، لكنه تعرض إلى وعكات صحية لفترة طويلة وتطورت إصابته بالسل إلى أن توفى بعدها بخمس سنين عن عمر يناهز الثلاث وسبعين سنة حافلة بالإنجازات العلمية، ونقلت رفاته ودفن في المقبرة الكاثوليكية في فيينا.
حياة شرودنجر الخاصة
في سنة 1920 تزوج إرفين شرودنجر من حبيبته التي عرفها قبل الزواج بفترة طويلة وظل مخلصًا لها حتى وفاته، ومع ذلك فإن هناك بعض الأخبار التي قد تكون عبارة عن شائعات تفيد أنه كان معجبًا بزوجة عالم فيزياء صديق له وتسمى هايلد مارخ، كما أنه أيضًا أنجب طفلتين بشكل غير شرعي أثناء إقامته في دبلن من امرأتين مختلفتين.
ما هي قطة شرودنجر؟
هي أحد أشهر التجارب المثيرة للفكر في بداية القرن الفائت، وهي تجربة نظرية، بمعنى أن شرودنجر لم يحضر قطة كما قد يتخيل البعض، وببساطة فإن التجربة تعتمد على الطبيعة الغريبة التي لاحظها إرفين شرودنجر وغيره من علماء الكوانتوم للإلكترونات وبالتحديد مبدأ التراكب الكمي، فالإلكترون في ذلك الوضع ينتشر في كل الاتجاهات الممكنة، ليصبح متواجدًا في أكثر من وضع محتمل، وهذا يعني أيضًا أننا سنكون قادرين على تحديد اتجاهه الذي يختاره بنفسه وبشكل عشوائي، والتجربة تشمل وضع قطة في صندوق محكم الإغلاق يحتوي على مادة سامة لكنه لا يعمل إلا من خلال استحثاث عنصر مشع، وفي نفس الوقت يتم وضع جهاز لقياس نشاط الإشعاع عند درجة معينة، وفي حالة نشاط الإشعاع فإنه سيؤثر على السم وسيصبح فعالاً وستموت القطة، لكن الإلكترونات الموجودة مشعة وغير مشعة، هذا يعني أن النشاط قد يحدث وقد لا يحدث، أي أن القطة قد تكون حية وميتة في نفس الوقت، وهذا يفسر الطبيعة المزدوجة للإلكترون.
أضف تعليق