من الصعب أن نقدم قائمة تضم أشهر الرسامين في تاريخ الفن، فنحن أمام قرون طويلة ومئات الرسامين المبدعين وعشرات المدارس والاتجاهات والتقنيات الفنية، لكن من المؤكد أن هناك بعض الفنانين الذين خلدوا أساميهم في ذاكرة التاريخ عن طريق أعمالهم الإبداعية، وفي هذا الموضوع سنختار بعض الفنانين من اتجاهات فنية مختلفة لتكون لديك نظرة شاملة عن الموضوع، ولذا سنبدأ باختيار رسام من القرن التاسع عشر وهي مرحلة مهمة في تطور الفن وهو الفرنسي جوستاف كوربيه، وتضم لوحاته مواضيع مختلفة يمكن أن تكون شاملة لما سنعرضه بعد ذلك، فقد رسم بورتريهات عادية وأخرى غريبة تمامًا وفي نفس الوقت الذي رسم فيه مناظر طبيعية ومُلهمة من الأساطير فقد رسم أشياء استثنائية أخرى لم يعتد الناس عليها، ثم سننتقل إلى النرويجي إدفارد مونك صاحب لوحة الصرخة لتدرك التغير الكبير الذي حدث فيما بعد مرحلة جوستاف كوربيه والصراع بين الكلاسيكيين والانطباعيين، وأوج ذلك التطور نراه في الرسام التالي وهو سلفادور دالي رائد السريالية وبهذا نصل إلى ذروة الفن الحديث، وفي نهاية الموضوع نعود إلى اختيار أربعة من الرسامين التقليديين وهم هنري دومييه وكارافاجيو ورامبرانت وبارميجيانينو، وذلك كي نعطي الفن القديم حقه، فمهما تطور الفن ووصل إلى مراحل مختلفة كليًا في التقنية والموضوع فإن رسامي العصور الوسطى وعصر النهضة والباروك هم الرواد الأوائل الذين أرسوا قواعد الفن، فلا يوجد شخص يستطيع إنكار أنه لولا دافنشي لما وصل أشهر الرسامين إلى فهم الجسد الإنساني ولولا رامبرانت لما اهتم الرسامون بالضوء والإضاءة بتلك الطريقة.
جوستاف كوربيه
جين ديزيري جوستاف كوربيه أو جوستاف كوربيه كما يعرف، هو رسام فرنسي ولد في 10 يونيو 1819 في أوران، دوبب في فرنسا ومات في 31 ديسمبر 1877 في لا تور-دي-بيلز في سويسرا، وقد قاد الحركة الواقعية في القرن التاسع عشر والتي كانت ترمي إلى تصوير الأشياء التي يراها الفنان فقط، ولذا فقد رفض المدرسة الأكاديمية التقليدية والرومانتيكية وبقية الحركات السابقة في الفن التشكيلي، حيث اعتمد كوربيه ورفاقه على تصوير أشياء محددة وركزوا على الوجه الإنساني، وتخلي الواقعيين عن إرث السابقين هو خطوة هامة في تقدم الفن ووصوله إلى المراحل الحداثية وما بعد الحداثية كما سنبين بالتفصيل عند الحديث عن سلفادور دالي، فقد أثر كوربيه وغيره على أهم رسامي الحركة الانطباعية التي تعد بذرة الحركات التجريبية في الفن والتكعيبيين من بعدهم.
كوربيه والحرية
يقول كوربيه في أواخر حياته: “أنا الآن في سن الخمسين وقد عشت بحرية دومًا، دعوني أنهي حياتي حرًا؛ عندما أفارق الحياة دعوا الناس يقولون هذا عني: “لم ينضم إلى مدرسة معينة، إلى كنيسة معينة، إلى معهد معين، إلى أكاديمية معينة، ولا إلى أي نظام في العالم باستثناء نظام الحرية”. يحتل كوربيه مكانة كبيرة بين أشهر الرسامين في القرن التاسع عشر باعتباره من أهم الرواد وأيضًا لأنه واجه المجتمع بطريقة مجحفة ولم يهتم بالتقاليد والأعراف، وطبيعة الرفض للفنان هي من أهم السمات التي يؤكد أشهر الفنانين الآن على وجوب توافرها في الفنان، حيث أصبح الفن مرتبطًا بالحرية بشكل وثيق، وأعمال كوربيه كلها تدل على أنه إنسان متحرر ويريد الخروج من قوالب وأنماط الصور التقليدية بل وحتى الصور التي يرسمها بنفسه، وقد ظهر هذا لكل النقاد والرسامين الذين حظوا بشرف رؤية لوحاته في المعارض الصغيرة التي أقامها في شبابه، وبزغ نجمه في الأربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر، ومن خلال تصويره لأشخاص عاديين مثل الفلاحين والعمال فقد تواجد لديه قطاع غير قليل من الطبقة المتوسطة من المعجبين، وهذا بدلاً عن وجود الشخصيات التاريخية والأبطال المعروفين ومآثر الحضارة الإغريقية والرومانية التي سيطرت على بعض الحقبات بشكل مهيمن مثلما في عصر النهضة.
الاتجاهات الفنية لجوستاف كوربيه
حاول كوربيه أن يبحث عن الجمال في الجسد الإنساني والتكوين الطبيعي في أشياء أخرى، فبدأ بتصوير المناظر الطبيعية والشواطئ وغيرها مما يبعث على الراحة النفسية، ومن خلال رسمه لمشاهد يومية عادية فقد حقق أكثر مما استطاع السابقون تحقيقه مثل مشاهد صيد الحيوانات، وكذلك من خلال تصوير الجسد الإنساني نفسه خاصةً للمرأة، وبسبب جرأته فقد تعرض جوستاف كوربيه إلى السجن لست شهور وذلك في سنة 1871 بسبب اشتراكه في كوميونة باريس (التي تعتبر من بذور الأفكار الاشتراكية والشيوعية) وعاش في المنفى في سويسرا من بعدها بسنتين حتى موته وقضى هناك ما يقرب من أربع سنين. ومن الجدير بالذكر أنه حصل على الميدالية الذهبية في 1848، وقد تم ترشيحه لنيل وسام جوقة الشرف إلا أنه رفض استلامها وقال أن المسئولين في مملكة فرنسا لا يسعون إلى تحقيق القيم الفنية الخالصة، وكان راعيه الفني هو ألفريد بروياس.
إنجازات كوربيه
كان والد كوربيه من المزارعين لكنه كان مهتمًا بالتعليم وأراد لابنه أن يكون متعلمًا وبالفعل وصل جوستاف إلى كلية الحقوق في باريس لكن الأمور لم ترق له وبدأ بالذهاب إلى المراسم لتعلم الرسم، وفي البداية عمل على رسم الكثير من البورتريهات التي أصبح متمكنًا منها للغاية وصور شخصيات سياسية بارزة وشخصيات فنية وأدبية مثل الشاعر الفرنسي تشارل بودلير صاحب ديوان “أزهار الشر” والذي يعتبر بالتوازي مع آرثر رامبو ولامارتين مؤسسي الشعر الحر الذي غلب على الشعر في أغلب المناطق في العالم في يومنا الحالي، وقد مكنه التلاقي مع تلك الشخصيات الشهيرة أن يحظى بالمزيد من الأفكار والإلهام، وفي مرة أشاد الفنان دولاكروا بلوحة مثيرة للجدل لكوربيه، مع العلم أن البدايات في إنتاجه كانت متخبطة إلى حد ما، حيث وجد نفسه متجهًا إلى أكثر من أسلوب، فما بين المشاهد الطبيعية رسم لوحة مثل “هوماك” التي تصور شابة وهي تغفو على أرجوحتها بدون أن تظهر أية ملامح مميزة على وجهها أو أية تعابير، فوجهها أبيض تمامًا وهي تغط في النوم في مكان يشبه الغابة، والأشجار من حولها بالرغم من كونها خضراء إلا أنها داكنة مع وجود بعض الوردات الحمراوات التي تظهر التناغم مع ألوان خفيفة في جسد الفتاة وكذلك في شعرها وجوربها والأرجوحة نفسها، وكل هذا يخلق مشهد جاف وجامد وبعيد تمامًا عن روح الطبيعة ذات الألوان الفاتحة المتعددة أو الشواطئ ذات التناغم المثالي وتدرجات الألوان التي اعتاد كوربيه على رسمها، ويمكنك مقارنة تلك اللوحات بلوحة “البحر البرتقالي” التي رسمها قبل ذهابه إلى المنفى بثلاث سنين والتي تصور الغيوم والشاطئ.
إدفارد مونك
إدفارد مونك هو رسام نرويجي ولد في الثاني عشر من ديسمبر 1863 فيما كان يعرف وقت ذاك بمملكة السويد والنرويج قبل انحلالها وتوفى في 23 يناير 1944 في أوسلو، ويعتبر الآن واحدًا من أشهر الرسامين على الإطلاق خاصةً لوحته المعروفة باسم “الصرخة” والتي هي عبارة عن سلسلة مكونة من أربعة لوحات تمثل مأساة الإنسان المعاصر، وتأثر مونك بالمدرسة الرمزية هو واضح إلى حد كبير كما أننا لا نغفل تأثره بالمدرسة التعبيرية الألمانية في مطلع القرن العشرين. عاش مونك حياة مليئة بالتمرد تشبه حياة الهيبيز في أوروبا وأمريكا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكن بطريقة ومسميات مختلفة، فالمسمى هنا هو الحياة البوهيمية (ويعود أصل الكلمة إلى مملكة بوهيميا التي تعتبر الآن جزء من دولة التشيك)، حيث عاش مع مجموعة من أشهر الرسامين المحليين في النرويج في مرسم خاص بهم، وكانت مبادئهم رافضة للقيم البرجوازية.
لوحة الصرخة ومأساة الإنسان المعاصر
عند تعليقه على لوحة الصرخة، قال مونك بأنه يبحث عن مواضيع جديدة في الفن، وفي الواقع فإن هذه الفكرة هي التي سيطرت على عدد كبير من الفنانين إن لم يكن أغلبهم، وذلك فيما بعد منتصف القرن التاسع عشر، أي عند بداية الثورة الصناعية وتغير مفردات الحياة ومعاني الحياة أيضًا، حيث أصبح الإنسان عبدًا للآلة، وللمرة الأولى في التاريخ تختفي العديد من مباهج الحياة ويحل اللون الرمادي الكئيب على الحياة اليومية، ومن بين اللوحات الأربعة رسم مونك لوحة بالأبيض والأسود وهي صاحبة أكبر كم من الاختلافات في المجموعة، وموضوع اللوحة هو إنسان يظهر بلا ملامح بارزة ويبدو أنه على حافة الانفجار، لكن هذا الانفجار ليس بسبب ضغوط الحياة العادية التي دومًا ما كتب الشعراء عنها، فنحن هنا أمام مآسي من نوع جديد، ليست مآسي هجر الحبيب أو موت الأحبة أو الكوارث الطبيعية أو المجتمعية أو غيرها، بل هي مآسي فقدان الروح، فالأفكار العدمية هي جلية في لوحات مونك كما هي جلية في شعر صديقه الشاعر بودلير، فمثلاً هناك عامل الدين، حيث كانت عائلة إدفارد مونك متدينة إلى حد بالغ، لكنه واجه هواجس عديدة جعلت الشك يقتله، وفي سن صغيرة كانت الأفكار التشاؤمية هي كل ما يحيط به، وموت والدته بمرض السل عند بلوغه سن الخامسة والعشرين ثم شقيقته ثم والده كانت من أكثر الحوادث التي جعلت حياته تسير في طريق مسدود، وآخر تلك الحوادث تعرض شقيقته الأخرى إلى نوبة من الجنون وتم إيداعها في مصحة للمختلين، وكل هذه الحوادث مؤثرة في مسيرة مونك، فمثلاً مكان رسم لوحة الصرخة هو قريب من مكان المصحة التي أودعت فيها شقيقته.
لعل أكثر ما يميز جو لوحة الصرخة هو السماء ذات اللون الأحمر بدرجاته المختلفة، ويحتمل أن مونك تأثر بالفعل بظاهرة كونية حدثت في ذلك الوقت وهي انفجار بركاني، أو قد تكون تلك السماء في مخيلة مونك نفسه الذي أصبح غير قادر على فهم الحياة، هناك عشرات التفسيرات التي يمكننا قبولها، ومع مرور السنين فقد تم استخدام اللوحة في العديد من المآثر الفنية أو الترفيهية على سبيل الجد أو الدعابة، منها استخدامها في مسلسل الرسوم المتحركة الشهير “ذا سيمبسونز”.
سلفادور دالي من أشهر الرسامين السرياليين
إن كنت لا تعرف أي شيء عن الفن الحديث فإنه لابد أن تكون أن سمعت على الأقل اسم الفنان الإسباني الكبير سلفادور دالي، فبغض النظر عن أنه واحد من أشهر الرسامين وأن جودة أعماله واحترافيته العالية في الرسم مذهلة، فموضوعات أعماله مثيرة للغرابة إلى الحد الذي جعلت اسمه مقترنًا بالماورائيات والغرائبيات، ويكفي شاربه الغريب الذي صوره في العديد من لوحاته لتتعرف عليه، إنه الفنان الذي قال عن نفسه “أنا لا أتعاطى المخدرات، أنا المخدرات نفسها”، هذه الجملة تعبر تمامًا عن أعمال وحياة سلفادور دالي!
تغير مواضيع الفن عبر القرون
يعتبر دالي من أهم رواد المدرسة السريالية، وقبل أن نتعرض إلى فنه يجب أن نعود إلى الوراء قليلاً لنفهم التغيرات والتأثيرات التي جعلته يصل إلى تلك المرحلة الغريبة من الإبداع، فقديمًا – ونحن نتحدث هنا عن ما قبل التاريخ – كان الفن مرتبطًا بالدين بشكل وثيق في الحضارات الشرقية، فمثلاً في الحضارة المصرية القديمة كانت كل مواضيع الفن تتعلق بالفراعنة الذين اعتبرهم الشعب آلهة، أو بالحياة الأخرى، وإذا ابتعدنا قليلاً عن مصر سنجد أن الحضارات الآشورية والبابلية كانت تتجه نفسه الاتجاه، وحتى في الحضارات الغربية، أي الإغريقية والرومانية، كانت الأساطير هي الموضوع الأول للفنون، فالتماثيل كانت لا تصنع إلا لزيوس وأفروديت وأبولو وإيروس وغيرهم من الآلهة، مع ملاحظة أننا نتحدث هنا عن الاتجاهات العامة، فقد كانت هناك بعض المواضيع الأخرى المتعلقة بالحياة، ومع مرور السنين انتقل الفن تارةً إلى جانب الحياة وتارةً أخرى إلى جانب الموت المرتبط دومًا بالدين، ومع توالي القرون كانت الأساطير هي الموضوع المفضل الذي يختاره أشهر الرسامين ، فمايكل أنجلو كرس حياته لتزيين سقوف الكاتدرائيات وتصميم تماثيل الأنبياء والشخصيات المذكورة في الكتاب المقدس، واشتهر عصر النهضة بعودة روح الأساطير إلى وجدان الفنانين، ومرت السنين ولم تكن هناك موضوعات أخرى عديدة باستثناء فن البورتريه وفنون قليلة أخرى، كل هذا ولا نرى في الفن إلا المناظر الطبيعية أو الأساطير أو وجوه وأجسام الشخصيات أو أحداث الحياة اليومية.
ظهور الآلة والحروب الهائلة
بدأت الأمور بالتغير بشكل بالغ الغرابة في العقود اللاحقة لمنتصف القرن الثامن عشر، وهذا التغير ليس مقتصرًا على فن الرسم فقط، بل كان تغيرًا طبيعيًا بسبب تغير عوامل عديدة أهمها ظهور الآلات والعولمة بصورتها الصغيرة وقتذاك وبداية انهيار الإمبراطوريات الضخمة، وكانت الحرب العالمية الأولى هي الحادثة الكبرى التي جعلت أشهر الرسامين ونخبة المثقفين يفكرون بشكل مختلف تمامًا عن السابق، فقد تفككت كبرى الإمبراطوريات بعد الحرب مثل الإمبراطورية الألمانية والدولة العثمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية، وظهرت الجرائد على نطاق عالمي ليستطيع الناس للمرة الأولى في التاريخ متابعة الأحداث اليومية باستمرار، ومع سقوط قتلى بالملايين في سنوات عديدة وتخريب مدن بأكملها فقد تغير الوعي لدى المثقفين، وشعروا بأن العالم على وشك الزوال، وكانت هذه هي الموجة الثانية من التشاؤم بعد الموجة الأولى التي عرفت باسم “نهاية القرن” لدى نخبة المثقفين الفرنسيين (مثل الرسام هنري تولوز-لاوتريك الذي يعتبر من أشهر الرسامين الانطباعيين)، وشعروا بأنهم غير قادرين على رسم المناظر الطبيعية الخلابة في الوقت الذي يموت فيه الناس بأعداد رهيبة بأسلحة فتاكة ابتدعها الإنسان نفسه، لذا ظهرت المدارس الحداثية في الفن، والمدرسة الأولى التي أثرت على هذه المدارس الجديدة هي المدرسة الانطباعية التي حاولت استخدام تقنيات جديدة في الرسم من خلال تمويه ملامح اللوحة وكان رائدها الفنان جين رينوار، وأتت المدرسة ما بعد الانطباعية، وبعدها ظهرت المدرسة الدادائية في برلين على يد تريستن تزارا ورفاقه، وظهرت المدرسة السريالية على يد أندريه بريتون ورفاقه، ومن هنا شق سلفادور دالي طريقه نحو العالمية ليضمن مكانه بين أشهر الرسامين في العالم.
لوحة إصرار الذاكرة لسلفادور دالي
انتهى دالي من رسم اللوحة في سنة 1931 وقد تكون أشهر لوحاته قاطبة، وهي مرسومة بزيت على قماش، وعرضها للمرة الأولى في معرض جولين ليفي في السنة اللاحقة وبعد سنتين حصل عليها متحف الفن الحديث (MoMA) في مدينة نيو يورك وأصبحت جزء من ممتلكات المتحف حتى يومنا هذا، وتتكون اللوحة من منظر طبيعي قاتم، وهو ساحل شبه جزيرة كاب دي سيروس (في الشمال الشرقي لكاتالونيا، مع العلم بأن مناطق كاتالونيا كانت الإلهام الأكبر لدالي طوال مسيرته الفنية) حيث يظهر البحر بشكل ضئيل وعلى ضفافه الصخور، وفي الرمال يوجد جذع شجرة معلق عليه إحدى الساعات الذائبة أو النائمة أو الميتة، ونجد بضعة ساعات أخرى تتخذ نفس الموضع، فالساعات كلها تخبرنا بأنها قد وصلت إلى المرحلة الأخيرة، أو ربما يخبرنا دالي بأن الوقت غير حقيقي، وأنه علينا ألا نربط نفسنا بفكرة الوقت بل بالأفكار العميقة للزمن والتي كانت من أهم مواضيع البحث العلمي وقتذاك، خاصةً بعد ظهور نظرية النسبية الخاصة للعالم الكبير ألبرت آينشتين، هذه الساعات المائعة قد تعني الكثير من الرؤى والتفسيرات، وهذا هو جمال فن سلفادور دالي.
لوحة إغراء القديس أنتونيوس لسلفادور دالي
انتهى دالي من رسم اللوحة في سنة 1946، وكان موضوعها مفاجئة بالنسبة لجمهوره، فها هو يعود في وقت متأخر إلى المواضيع القديمة التي يقسمها مؤرخو الفن ضمن “الفترة الكلاسيكية لدالي”، لكن بالطبع نحن لا نتحدث عن لوحة عادية المضمون أو الفكرة، فأبعاد الأجسام في اللوحة تبدو غير متسقة بالمرة، فيكفيك أن تنظر إلى أقدام الأفيال التي تشبه الأشجار الطويلة، وتمثل اللوحة الصراع الذي خاضه القديس أنتونيوس ضد الشيطان وهو يمسك بالصليب، ولعل هذه اللوحة كانت الإلهام الأكبر للوي بونويل رفيق سلفادور دالي، وهو مخرج إسباني كبير عمل دالي معه في فيلمين، الأول هو فيلم قصير يدعى “كلب أندلسي” والثاني هو فيلم “عصر الذهب”، وإذا كان دالي من أشهر الرسامين فإن بونويل هو قطعًا من أشهر المخرجين، لذا فإن تعاونهما معًا هو من أهم الأشياء التي حدثت في تلك الفترة الهامة في تطور الفنون كلها، ولكن بعد هذا الانقطاع الطويل بين الرفيقين ظهر الإلهام في فيلم أنتجه لوي بونويل في سنة 1965 وهو فيلم “سمعان العامودي”، ويحكي الفيلم قصة صراع هذا القديس السوري الذي عاش في القرن الرابع الميلادي واستطاع أن يبقى على قيد الحياة لسبع وثلاثين سنة على متن برج بالقرب من حلب ليبتعد عن ملذات الحياة، ونجد الشيطان يحاول إغوائه بكل الطرق مثلما فعل مع القديس أنتونيوس.
رامبرانت
ولد الرسام الهولندي رامبرانت في يوليو 1606 وتوفى في أكتوبر 1669، وهو من أشهر الرسامين وأكثرهم تأثيرًا في مسيرة الفن، ولعل من أكثر الملامح التي تميز لوحاته هو هذا الكم الكبير من الصور الشخصية (البورتريهات) التي رسمها لنفسه، فعلى مر سنين حياته المختلفة صور رامبرانت نفسه في مختلف الهيئات، بل أنه جسد نفسه في أدوار تاريخية مثل تجسيده لدور القديس بولس في لوحة أتمها قبل ثماني سنين من وفاته، ومن الملامح الهامة التي نجدها في تلك الصور هو هذا الاهتمام المبالغ بالقبعات أو الأغطية المختلفة لرأسه والتي حاول تنويعها قدر الإمكان واختار قبعات من ثقافات شرقية وغربية، وبعيدًا عن فن البورتريه فقد أبدع رامبرانت لوحات أخرى عظيمة ضمنت له مكانًا بين أشهر الرسامين في التاريخ، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر لوحة “درس تشريح الدكتور نيكولاس تولب” التي أتمها في سنة 1632، وهي لوحة زيتية على قماش موجودة في متحف ماورتشهاوس في مدينة لاهاي الواقعة في جنوب هولندا والذي يحتضن عدد كبير من لوحات رامبرانت ومجموعة من أشهر الرسامين الهولنديين مثل يوهانس فيرميير وفرانس هالس، والدكتور تولب هو جراح ذائع الصيت ووصل إلى منصب محافظ أمستردام، ونراه في اللوحة وهو يعطي طلابه درسًا في تشريح ذراع الإنسان على جثة عارية مع غطاء أبيض في أسفل البطل، وبينما يمسك بالمقص فهو ينظر إلى طلابه ويظهر جليًا أنه يتحدث في مسألة هامة لدرجة أن كل الطلاب منهمكون في النظر وتبدو عليهم النظرات الجادة المتفحصة والشغوفة وكأنهم يتعرفون على الجسد الإنساني للمرة الأولى، كل هذه الأمور قد تبدو عادية من النظرة الأولى، لكن إذا تفحصت بدقة ونظرت إلى توزيع الضوء على مختلف مكونات اللوحة وبالتحديد أوجه الشخصيات (ما عدا الجثة التي تبدو باهتة بالطبع) وبالنظر إلى تناسب اللون الأبيض في الجزء العلوي من الملابس، وبإقرار حقيقة أن هذه اللوحة مرسومة في منتصف القرن السابع عشر، فإنك ستقر حتمًا أن رامبرانت هو أستاذ الإضاءة بلا أي منافس.
بارميجيانينو
ولد في 11 يناير 1503 وتوفى في 24 أغسطس 1540، وينسب اسمه إلى مدينة بارما الإيطالية، وتتميز أعماله بوجود حس مرهف ورقيق حتى عندما يتعلق الأمر بفن البورتريه، ومن أشهر لوحاته نذكر لوحة “رؤية القديس جيروم” التي أتمها في سنة 1527، ولوحة “العذراء مع الرقبة الطويلة” وهي لوحة غير تقليدية تصور السيدة مريم العذراء مع السيد المسيح وهو في مرحلة الطفولة مع ست ملائكة على يمينها، أما في الزاوية اليمنى فنجد مشهد غامض للغاية، حيث يوجد ما يشبه البرج الرخامي وبجانبه القديس جيروم، وهذه اللوحة الزيتية وبالرغم من تقديمها لصورة جديدة تمامًا لهذا المشهد التقليدي إلا أنها أصبحت من أهم الصور الأيقونية، ومن لوحاته البديعة الأخرى نجد صورة شخصية للفنان وهو ينظر في مرآة محدبة، ونحن نتحدث هنا عن صورة غير تقليدية بالمرة وبالغة الصعوبة، فضبط الأبعاد يحتاج إلى فنان دقيق للغاية، وقد أتمها عبر قطعة خشب محدبة مستديرة، ويكفيك أن تتمعن في الحجم الضخم ليد الفنان مع تناسق الألوان فيما بين اليد والوجه وهذا الخاتم الذهبي لتدرك عبقرية بارميجيانينو، واختياره لمرآة محدبة يعني أن اللوحة ستكون مشوهة، إلا أن النتيجة النهائية كانت عملاً بالغ الرقة كما هو الحال في بقية أعماله، ولعل هذه اللوحة هي من أولى اللوحات التي تتعرض إلى البعد الثالث في فن البورتريه، ولهذه الأسباب فقد اخترنا هذا المبدع ليكون في قائمة أشهر الرسامين .
هنري دومييه
هو من أشهر الرسامين في المدرسة الواقعية، وأغلب أعماله تدور حول النقد المجتمعي والسياسي للحياة الفرنسية في القرن التاسع عشر، وقد أنتج أكثر من خمسمائة لوحة قماشية وألف قطعة خشبية وألف رسمة ومئة قطعة نحتية، ومع ذلك فلم يحصل على نصيب كبير من الشهرة إلا بعد وفاته في سن السبعين، ومن الرسومات المثيرة للجدل التي أبدعها هي رسمة لملك فرنسا لويس فيليب حيث صوره على شكل رجل عملاق يفغر فيه ويخرج لسانه الضخم ليجعله بمثابة سلم ينتقل من خلاله كل الخير الموجود في البلاد، وعلى السلم يظهر رجال بملابس رسمية يمثلون رجال السلطة الذين يساعدونه على النهب، وبجانبهم أشخاص مرهقون ويبدو عليهم الاعتراض وهم يمثلون الفلاحين، وتحت الكرسي يوجد رجال آخرون بملابس رسمية هم رجال السياسة الذين ينافقون وينافقون طوال الوقت، لكن أعمال دومييه ليست كلها ساخرة، فهناك العديد من اللوحات الواقعية الدقيقة مثل “لاعبا الشطرنج” وهي لوحة أتمها في 1863 ولوحة “دون كيخوته” وغيرهما الكثير، ولهذه الأسباب المختلفة فقد أصبح من أشهر الرسامين الذين تحدوا السلطة بسخريتهم اللاذعة وأثبتوا في نفس الوقت مهارتهم الفنية الرفيعة.
كارافاجيو
هو رسام إيطالي من مدرسة الباروك، وقد حصل على تقدير عالي بين النخبة لدرجة أن راعيه الفني كان الكاردينال فرانشيسكو ماريا ديل مونتي، وهو من رواد المدرسة الواقعية، ومع ذلك فقد أضاف للواقعية لمسة درامية رقيقة عبر التركيز على الإضاءة أولاً ثم على حركات جسم الإنسان وأدق التفاصيل، وإذا أردت معرفة الجودة الحقيقية التي يقدمها هذا الفنان فعليك النظر إلى لوحة واحدة فقط من رسمه وهي لوحة “رفض القديس بطرس” والتي رسمها في العقد الأول من القرن السابع عشر وهي موجودة الآن في متحف الميتروبوليتان في نيو يورك، ومن أهم لوحاته الأخرى نذكر أيضًا “موت العذراء” و”فتى مع سلة فواكه”، ومع أنه لم يكمل العقد الرابع من عمره إلا أنه استطاع أن يؤكد حضوره كواحد من أشهر الرسامين في عالمنا.
أضف تعليق