تسعة بيئة
زلزال سواحل ألاسكا
بيئة » الطبيعة » زلزال سواحل ألاسكا : الأضرار والتوابع البيئية له

زلزال سواحل ألاسكا : الأضرار والتوابع البيئية له

زلزال سواحل ألاسكا زلزال شديد تعرضت له ولاية ألاسكا الأمريكية عام 1964 وخلف الكثير من الأضرار، كما أنه يُعتبر ثاني أقوى زلزال في التاريخ والأقوى في أمريكا.

يُعتبر زلزال سواحل ألاسكا الذي وقع في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1964 واحدة من نقاط التحول الكبيرة على مستوى العالم، فقبل هذا التاريخ لم يكن أحد يتخيل أنه سوف يأتي يوم من الأيام تكون فيه قوة الزلزال أقوى من تسعة درجات بمقياس ريختر، أو يكون زمن الزلزال يزيد عن أربعة دقائق كاملة، وهذا ما حدث بالفعل في هذا الزلزال العجيب، والذي ربما اتضح من قوته ووقته الذي استغرقه الأضرار الكثيرة التي خلفها، وبالتأكيد تلك الأضرار لا تشمل البشر فقط، وإنما كذلك البيئة، والتي تلقت ضربة موجعة للغاية بسبب هذا الزلزال المُخيف، والذي أطلقت عليه الصحف العالمية اسم زلزال ألاسكا العظيم، وفي هذا دلالة على ما كان موجودًا به من عظمة مُخيفة جعلته يستمر في الصدارة حتى جاء زلزال اليابان في عام 2011 وسيطر على المشهد بأكمله، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على ذلك الزلزال العظيم والأضرار والتوابع البيئية التي حدثت بسببه.

سواحل ألاسكا والزلازل

منذ زمن بعيد درجت سواحل ألاسكا على وقوع الزلازل بها، وطبعًا من المعروف أن ألاسكا ولاية أمريكية، ولهذا فإن تلك المنطقة يتم تصنيفها على أنها أكثر المناطق جذبًا للزلازل في أمريكا الشمالية بأكملها، لكن أغلب الزلازل التي كانت تقع بها لم تكن تتخطى كونها هزات أرضية، من المفترض أنها لا تستمر وقتًا طويلًا ولا تُحدث أثرًا كبيرًا، مجرد زلازل عادية تحدث بسبب وقوع الأرض في مناطق غير مستقرة، تمامًا مثلما هو الحال مع دول أسيا التي تعج بالزلازل كذلك، كاليابان وإندونيسيا، لكن ألاسكا لم تكن أرضًا للزلازل فقط.

في ألاسكا أيضًا كانت الرياح الشديدة حاضرة وبقوة، ولهذا كان يُطلق على الولاية بأكملها ولاية الأحزان، بمعنى أنه لا تمر فترة من الزمن حتى يحدث شيء عظيم يصحبه تأثير أعظم، سواء كان ذلك الشيء زلزال أم رياح أم حتى بركان في بعض الأحيان، لكن في النهاية كل ذلك لم يصمد أمام عظمة زلزال سواحل ألاسكا العظيم الذي وقع عام 1964.

زلزال سواحل ألاسكا

هناك من يقول عنه أنه زلزال الأحزان، وذلك بسبب ما تركه خلفه من أحزان شديدة لكل الذين تعرضوا له أو حتى تأثروا بما حدث لمن تعرضوا له، وهناك من يقول عنه أنه زلزال ألاسكا العظيم، نظرًا لأنه لم يُرى أعظم منه في القوة، لكن الشيء الذي لا يختلف عليه أحد أن أمريكا الشمالية بأكملها لم ترى في تاريخها يوم أسوأ من ذلك اليوم، يوم بدأ تقريبًا في الساعة الخامسة والنصف صباحًا وانتهى بعد حوالي أربعة دقائق ونصف فقط، وبين هذين الوقتين حدث ما يُمكن أن يُطلق عليه ببساطة مُصطلح الكارثة.

كان اليوم هو السابع والعشرين من مارس الواقع في عام 1964، كان موافقًا ليوم الجمعة، وفيما بعد سوف تُعرف تلك الجمعة بجمعة الآلام، المهم أن الزلزال قد بدأ من جنوب ولاية ألاسكا سيئة الحظ، وكانت البداية بالتصدع كما هو المُعتاد في الزلازل، وطبعًا ذلك التصدع تسبب بشكل مباشر في انهيار الهياكل العظيمة، والتي استغلها الزلزال وشكل معها تسونامي شديد عاتي، مُسددًا بذلك الضربة الكبرى للولاية بأكملها، فجميع من مروا على الزلازل يعرفون أن تضافر العوامل السابقة يُشكل في النهاية زلزال كارثي، واسألوا في ذلك تسونامي اليابان 2011.

أضرار زلزال سواحل ألاسكا

أصعب جزء في الحديث عن أي ظاهرة طبيعية ضارة تحدث هو ذلك الجزء الذي يتعلق بالأضرار، وكيف كانت النتائج صادمة ومُخيفة، وهذا بالضبط ما نحن مُقبلون عليه في الحديث عن زلزال ألاسكا، فبالتأكيد زلزال بالعظمة التي تحدثنا عنها كان له العديد من التأثيرات على البيئة والمجتمع الذي وقع فيه الزلزال، ولذلك نحن مُطالبون بالتعرض لكلا النوعين من الأضرار، ولتكن البداية بالأضرار البيئية للزلزال.

الأضرار البيئية لزلزال ألاسكا

عندما نتحدث عن الأضرار البيئية لأي زلزال فنحن نقصد بهذا ما تعرضت له البيئة من أضرار بصورة مباشرة، وأضرار البيئة بالتحديد لا يتعلق تأثيرها بالمنطقة التي وقع بها الزلزال، وإنما قد يطال التأثير العالم بأكمله، وظاهرة أثر الفراشة تؤكد ذلك الأمر، عمومًا، تعددت أضرار البيئة من زلزال ألاسكا، لكن أهم تلك الأضرار كانت تغيير المظاهر الطبيعية.

تغيير المظاهر الطبيعية لألاسكا

الأثر الأول الذي ظهر على البيئة وتضاريسها كان واضحًا بشدة فيما حدث في ألاسكا من تغير غريب في المظاهر الطبيعية الموجودة في تلك الولاية، فمثلًا الساحل الجنوبي الذي كان موجودًا في مكان مُعين اكتُشف أنه قد تحرك من موضعه عشرين قدمًا، وقد كان ذلك التحرك باتجاه البحر، وهذا بالمناسبة أمر ليس بالهين أبدًا، فهذا يعني حدوث انكماش وانبساط في المساحة الأصلية، وعليه تغير كبير في شكل المنطقة.

أيضًا من ضمن المظاهر الطبيعية التي تغيرت، وبدت واضحة للجميع في صورة أزمة شديدة، أن ثمة مناطق حدث فيها ارتفاع كبير يتجاوز الأربعين قدم ومناطق أخرى حدث فيها انخفاض لمساحة لا تقل عن العشرة أقدام، وكل هذه كوارث لمن يُمعن في الأمر، فقد بدا الزلزال وكأنه قد جاء خصيصًا لإعادة تشكيل الأرض من جديد، وهذا يعني حدوث خلل في النظام البيئي، ذلك الخلل سيستمر على الأقل حتى موعد التكيف البيئي مع نظام تضاريس الأرض الجديد.

وقوع أمواج تسونامي

لا يعني وجود زلزال أن تتواجد أيضًا أضرار أخرى مثل التسونامي، لكن ما حدث في زلزال سواحل ألاسكا أنه قد نشأت العديد من الانزلاقات العميقة في الأرض، وتلك الانزلاقات قد مهدت بسهولة لحدوث التسونامي، وقد شكلت تلك الأمواج وحدها أكثر من ثلاثين بالمئة من قوة الزلزال، أما بالنسبة للبيئة فقد عطلت بها حركة الرياح، كما عملت على إحداث تذبذب وخلل في درجة الحرارة، ولولا أن هذا الجحيم لم يستمر طويلًا لكان من الممكن جدًا أن نُفكر في أبعاد ونتائج تفوق تلك التي حدثت عندما تم إلقاء قنبلة هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية.

حدوث هزات ارتدادية

ظلت تبعات زلزال سواحل ألاسكا تُلقي بظلالها على البيئة لفترة طويلة استمرت لمدة عام، فالجميع يعرف أن عالم الزلازل يحمل في طياته ما يُطلق عليه التبعات، وتلك التبعات جاءت في زلزال ألاسكا في صورة أحد عشر هزة ارتدادية كانت تُلقى بظلالها وخسائرها على البيئة والإنسان على حدٍ سواء، لكن، إذا ما كان سنتحدث عن الخسائر البشرية فإن قيمة الحدث لا تتوقف عند المرور السريع عليها، وإنما يجب تناول ذلك النوع من الخسائر بقليل من الاستفاضة.

موجة هائلة من النار

تسبب الزلزال كذلك في إحداث موجة هائلة من النيران، وكلنا نعرف أن احتراق النار في الهواء يعني تسميمه وجعله غير مُناسب بالمرة للاستنشاق، والحقيقة أن هذا بالضبط ما حدث، فقد بدا الهواء في تلك الأثناء وكأنه ممزوجًا بالسم، وتشهد على ذلك أغلب حالات الوفاة التي جاءت بسبب الاختناق، كما أن هواء المدينة ظل غير صالح للتنفس، وخاصةً للنساء الحوامل والأطفال، لمدة ثلاثة أيام، ناهيكم عن عطلة الطيران وعدم القدرة على التحليق، كل هذا جاء بسبب تلك الموجة.

الأضرار البشرية لزلزال ألاسكا

أولى الأضرار البشرية التي قد يُحدثها أي زلزال بالتأكيد تتعلق بحالات الوفاة التي خلفها، وبكل أسف فقد خلف زلزال سواحل ألاسكا أكثر من مئة وثلاثين قتيلًا كانوا قابلين للزيادة لولا عناية الإله، هذا بالإضافة إلى حوالي مئة وعشرين مُصاب، وبالنسبة للخسائر المادية فلم تكن بالطبع أفضل حالًا، فقد تم إجمالها بحوالي مليارين ونصف المليار دولار، وتلك الأموال راحت في المباني الكثيرة التي انهارت إثر الزلزال والعطل الذي أصاب السكك الحديدية ورحلات الطيران التي توقفت بعد الزلزال لمدة ليست بالقليلة، هذا بالإضافة إلى خطوات المرافق التي انقطعت وتسببت في حجب الغاز والسولار والبنزين وأشياء أخرى هامة يحتاجها الناس باستمرار.

الكارثة البشرية الأخرى كانت حالات الاختناق الشديدة، وحالات الفزع التي سببت وفيات أيضًا، لكن لا يجب أن نغفل الحدث الأبرز باشتعال مخازن للبنزين والسولار، فلم يكتفي الزلزال فقط بحجبها، بل إن النيران التي سببتها قوته قامت بإشعال النيران في مخازن تلك المواد الحيوية، ومن الطبيعي أن يُخلف الزلازل أنقاض، لكن تحت هذه الأنقاض اختفى الكثير من البشر الذين لم يتم العثور عليهم أو على جثثهم حتى الآن، ببساطة، لقد كانت كارثة بشرية بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، ولم يكن ثمة تفكير في رصد الخاسر والرابح مما حدث، فالكل كان خاسرًا بلا استثناء.

قيل عن زلزال سواحل ألاسكا

بعد أن هدأ الزلزال وتحددت أضراره التي ذكرناها الآن كان لابد من التحدث عن ذلك الزلزال من قِبل الصحف والقنوات التلفزيونية والمُتخصصين في هذا الصدد بشكل عام، الجميع كان يُريد أن يُدلي بدلوه، وهذا بالطبع حق مشروع لا خلاف عليه، فمثلًا، أحد الصحف العالمية قالت عن الزلزال أنه كان يُشبه كثيرًا أثر الجرس، وبالتأكيد كلنا نعرف أن الجرس عندما يتحرك فإنه يُحدث صوتًا يستمر لمدة طويلة، وهذا ما حدث بالفعل مع الزلزال الذي نتحدث عنه، ففي هذا الوقت لم يكن من المُستساغ أبدًا أن يحدث زلزال ويستمر أكثر من أربعة دقائق، كان الأمر أشبه بالمعجزة!

بعض الصحف قالت أيضًا أن تأثير زلزال ألاسكا كان يفوق بأكثر من أربعمائة مرة تأثير تجريب القنبلة النووية، وطبعًا هذا يُحدث تصورًا كبيرًا في الرأس لما حدث، وأخيرًا فإن بعض المبالغات قالت بأنه كان من الوارد جدًا أن يتأثر ثقب الأوزون لو أكمل زلزال ألاسكا الدقائق الخمس، عمومًا، لا يزال هذا الزلزال حتى الآن يُعتبر عالمة فارقة في تاريخ الزلازل، ولولا زلزال اليابان الذي حدث في عام 2011 لظل ذلك الزلزال الأقوى في تاريخ البشرية.

فوائد زلزال ألاسكا للبيئة

ربما سيدهشكم ذلك، لكن البيئة لم تتضرر فقط من زلزال سواحل ألاسكا، وإنما كذلك حظيت ببعض الفوائد الهامة، فهناك علماء الجيولوجيا الذين لا يمتلكون الوقت للتعاطف مع الأحداث والبكاء على الخسائر، وإنما يدرسون طبيعة الزلزال وكيفية حدوثه وتطوره، وهذا ما يُسهم فيما بعد بالتصدي له، وخلال ذلك الزلزال بالذات كُشفت أسرار جديدة عن موجات المد وكيفية تسبيل التربة، أما الاكتشاف الأعظم للعلماء الذين درسوا ذلك الزلزال أن تشكيل الأرض يعود الفضل به إلى مجموعة متشابكة من اللوحات، عمومًا، لم يتكرر زلزال بهذه القوة في هذه السواحل مرة أخرى، وهذا يدل على التطور في التعامل، هذا بعد قدر الله وإرادته بكل تأكيد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

عشرين − واحد =