تسعة بيئة
الميكروبيدات البلاستيكية
بيئة » التلوث » الميكروبيدات البلاستيكية : كارثة بيئية جديدة تبحث عن تدخل جاد

الميكروبيدات البلاستيكية : كارثة بيئية جديدة تبحث عن تدخل جاد

مشكلة الميكروبيدات البلاستيكية واحدة من المشاكل البيئية التي ظهرت مؤخرًا، حيث تؤدي في النهاية إلى وصول مواد شديدة الضرر لأجسادنا بدون أن ندري كما سنرى.

برزت كارثة الميكروبيدات البلاستيكية في الفترة الأخيرة لتؤكد على أن الإنسان يستطيع قتل نفسه بنفسه، فتلك الميكروبيدات السامة تدخل في دورة طويلة من التلوث، تبدأ من الإنسان وتنتهي فيه، وربما هذا ما جعل القدرة على التخلص منها أمر صعب، أو بمعنى أصدق، شبه مُستحيل، وقد أكد العلماء باندهاش عقب اكتشافهم لهذا الأمر أنه كان من المُسلّم به انتهاء فاعلية التلوث البلاستيكي بانتهاء اليابس، لكن، أن تصل تلك الميكروبيدات إلى البحر فهذا يعني أنه لم يعد أحد بمقدوره الوقوف أمام التلوث البلاستيكي أو التلوث عمومًا، فدعونا نتعرف أولًا على الميكروبيدات البلاستيكية وكيفية حدوثها وتأثيرها على البيئة.

كارثة الميكروبيدات البلاستيكية والبحث عن الحلول لها بدون جدوى

الميكروبيدات البلاستيكية

قبل أن نخوض في خطر الميكروبيدات البلاستيكية علينا أولًا أن نعرف ماهيتها، وهو الأمر الذي لن يُمثل للبعض مفاجأة سارة على الإطلاق، وذلك لأن الميكروبيدات البلاستيكية السامة تلك ليست في الأساس سوى حبيبات دقيقة تتواجد في أكثر الأشياء استخدامًا في حياتنا اليومية، وذلك كمعجون الأسنان والصابون، أو السوائل المستخدمة في الغسل عمومًا، وهذا الأشياء بالرغم من أن استخدامها بشكل شبه دائم ومن شريحة شِبه كبيرة إلا أنها لا تُحدث تلوثًا إلا في مناطق مُعينة تتبع أنظمة صرفٍ معينة، وهذا ما يأخذنا إلى السؤال عن كيفية حدوث التلوث.

كيف يحدث التلوث؟

ينتج تلوث الميكروبيدات البلاستيكية بطرق غريبة بعض الشيء، فبعد أن ينتهي الإنسان من استخدام الأشياء السالف ذكرها تتناثر موادها أو قطع منها في الماء، ومنه إلى المجاري المائية التي تقوم بالتصريف إلى البحار والمُحيطات، وما يحدث بعد ذلك ببساطة هو أن المخلوقات البشرية، وخاصةً الأسماك، تتناول تلك الميكروبيدات ثم يُقدم الإنسان بعد ذلك على أكلها، وهو التطبيق الأمثل لمهنة قتل النفس بالنفس.

أنواع الميكروبيدات البلاستيكية

في قاع البحر، عثر العلماء والباحثون على عدة أنواع من الميكروبيدات البلاستيكية، والتي تتحول فيما بعد كما ذكرنا إلى طعام للأسماك، ومنها إلى جسم الإنسان، وتنوع تلك الميكروبيدات يأتي نتيجة لتنوع المواد البلاستيكية نفسها، فمنها مثلًا النايلون والبوليستر والاكريليك، وأنواع أخرى بنسبة أقل، وكلها تتجمع في القاع بانتظار الأسماك على شكل أجزاء صغيرة أو نقاط من الثلج، مما يتسبب في عملية تشويش وخداع للأسماك فتُقدم على تناولها.

أماكن الميكروبيدات البلاستيكية

يُمكن أن تتواجد الميكروبيدات البلاستيكية في أي محيط بالعالم، ما دام مُتصلًا في نهايته بمصرف أو خزان مياه يجلب المياه المُستخدمة من قِبل المتواجدين في مُحيط هذا البحر، لكن تأثير تلك الميكروبيدات يحدث في بعض المناطق دونًا عن مناطق أخرى، وذلك لأسبابٍ بسيطة تتمثل في عدم وجود الأسماك في كل البحار والمحيطات الموجودة على الأرض، وقد أشرنا من قبل إلى ارتباط تأثير الميكروبيدات البلاستيكية بتناول الأسماك لها، وبذلك نستنبط أن الأماكن التي لا تتواجد ببحارها كائنات حية قابلة للأكل لا تتأثر أبدًا بالميكروبيدات البلاستيكية، وهذا يأخذنا إلى أكثر الدول في العالم امتلاكًا للأسماك في بحارها، بريطانيا، والتي تعتبر أكثر الدول أيضًا تأثرًا بالميكروبيدات البلاستيكية.

الحكومة البريطانية والميكروبيدات البلاستيكية

تُعتبر الحكومة البريطانية من أكبر المُتحمسين للقضاء على الميكروبيدات البلاستيكية، وذلك بعد أن ظهرت النتيجة التي قام لأجلها مجلس التدقيق البريطاني عدة أبحاث بتوصية من مجلس العموم، حيث أظهرت النتيجة أن مرحاض واحد فقط في بريطانيا يُنتج أكثر من 10000 جزء من الميكروبيدات البلاستيكية، التي تنتقل بعد ذلك إلى البحر والمحيطات ثم تعود بالطريقة التي ذكرناها إلى جسم الإنسان.

كان حظر المواد التي تدخل فيها تلك الميكروبيدات قرارًا بديهيًا من قِبل الحكومة البريطانية، والتي أظهرت الدراسات التي أجرتها أن تكلفة الدواء الذي سيُصرف للمرضى جراء تلك الميكروبيدات البلاستيكية أكثر بكثير من مكاسب استخدامها، وهي مُقارنة شبه محسومة، لذلك تم إقرار الحظر، ومن المتوقع تعميم تطبيقه بحلول عام 2018، وهي خطوة سبقت فيها بريطانيا باقي الدول التي تُعاني من خطر الميكروبيدات البلاستيكية.

المجلس الأوروبي والميكروبيدات البلاستيكية

المجلس الأوروبي بدوره لم يكتفي بمشاهدة الميكروبيدات البلاستيكية وهي تلوث البيئة وتستوطن الأسماك، لذلك، وبعد اجتماعات طويلة تم الوصول إلى حل مؤقت لإيقاف هذا الخطر، وهو يتمثل ببساطة في وضع مركبة بدون قائد تحت قاع البحر، مركبة بحرية مُجهزة لأمر واحد فقط، وهو اصطياد الأسماك الحاملة للمواد البلاستيكية السامة، وبالطبع تلك المركبة مُزودة فما يجعلها تُحدد الأسماك الحاملة والغير حاملة، وقد نجح هذا الأمر بالفعل لكنه لم يكن كفيلًا بالقضاء على الظاهرة بأكملها، فالمركبة بالتأكيد لن تستطيع اصطياد كل الأسماك الحاملة للميكروبيدات، وإن كان القليل من البلاء خير من البلاء كله، لكن ثمة أمر هام جدًا لا يُمكن إغفاله، ما الذي يحدث لتلك الأسماك؟

الميكروبيدات البلاستيكية والبيئة

لا شيء أهم من البيئة لدى الإنسان، ولا شيء أخطر على البيئة من الإنسان، وذلك بسبب استخدامه المُفرط للمواد التي تحتوي على ميكروبيدات البلاستيكية، والذي يعود عليه في النهاية بالأمراض التي تُهدد حياته، ولسنا في حاجة بالطبع إلى القول بأن البيئة بلا إنسان لن تكون بيئة من الأساس، ومن هذا المنطلق يُمكن القول بأن البيئة والأفراد الذين يعيشون بها هم أكثر الأشياء تأثرًا بالميكروبيدات البلاستيكية، إذًا ما الحل؟ وما الطريقة التي يُمكن من خلالها مواجهة هذا الخطر؟ المجلس الأوروبي للبحوث اجتمع للبحث عن إجابة لهذه التساؤلات.

الأسماك الحاملة للميكروبيدات

يتم تفريغ المركبات، الحاملة للأسماك المُتشبعة بالميكروبيدات البلاستيكية، يوميًا، حيث تذهب تلك الأعداد التي لا تكون قليلة أبدًا إلى إحدى المختبرات، وهناك يتم عمل شبه تطهير للأسماك يُساهم في إخراج بعض الميكروبيدات، ثم بعد ذلك توضع في أحواض خاصة لمدة مُعينة، بعدها تكون صالحة للاستخدام مرة أخرى، وبذلك يمكن القول إن الأسماك الحاملة للميكروبيدات البلاستيكية يتم إعادة تدويرها من جديد.

جهود بريستول وأكسفورد

كما أسلفنا، لا تُعد مركبة التطهير هذه حالًا نهائيًا يمكن من خلاله الاعتماد على القضاء والتخلص من الميكروبيدات البلاستيكية، بل إنه في الأصل مجرد حل مؤقت، بدأت صلاحية انتهاءه في الطفو على السطح بسبب عدم قدرته على مواجهة كل هذا الكم من الأسماك، ولذلك خصصت جامعتين من أكبر جامعات العالم، وهما بريستول وأكسفورد، جهودهما من أجل الحصول على حل حقيقي لتلك المسألة، فتم تأسيس قسم منفصل داخل كل جامعة من الجامعتين المذكورتين بهما عدد كبير من الباحثين، ومهمتهم الوحيدة هي إيجاد حل حقيقي ونهائي لمشكلة الميكروبيدات البلاستيكية، ولم يمضي على هذان القسمين سوى عام واحد فقط، لكن من المتوقع أن تُجنى ثمارهما خلال خمسة أعوام.

الشعور بالذنب

في النهاية، يجدر بنا التأكيد على أن الإنسان لا يزال مُستمتعًا بممارسة عادته المفضلة، وهي الخطأ، ثم بعد ذلك المحاولة بشتى الطرق من أجل تصحيح هذا الخطأ، وهي عادة تتكرر دائمًا في كل الأمور المتعلقة بالحفاظ على البيئة من عدمه، لكن الخطأ هذه المرة بكل أسف قد يصل إلى القضاء على الحياة البشرية بأسرها، ولن يكون وجود حتى لأجيال القادمة تلعن في الأجيال السابقة لها على اقترفته من أخطاء وكوارث.

بكلمات كهذه اختتم المجلس الأوروبي سلسلة اجتماعاته حول خطر الميكروبيدات البلاستيكية.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

20 − سبعة =