تسعة بيئة
المحميات الطبيعية الخفية
بيئة » الطبيعة » المحميات الطبيعية الخفية : أبرز الجنود المجهولة التي تحمي البيئة

المحميات الطبيعية الخفية : أبرز الجنود المجهولة التي تحمي البيئة

المحميات الطبيعية الخفية كما هو واضحٌ من اسمها محميات طبيعية مهمتها الرئيسية حماية الحيوانات والنوادر البيئية من الإنسان، حتى ولو كان ذلك في وضع الخفاء.

مما لا شك فيه أن العالم كان ليكون أسوأ بكثير لو لم تكن المحميات الطبيعية الخفية موجودة فيه، فتلك المخلوقات سهلت كثيرًا من عملية استمرار الكائنات الحية على الأرض، هذا بخلاف الإنسان بالطبع لأنه المخلوق الوحيد القادر على المحافظة جيدًا على وجوده، لكننا هنا نتحدث عن المخلوقات الأخرى التي كانت تحكم الكون قديمًا حتى جاء الإنسان وورثه ثم بدأ يطيح في بعض المخلوقات حتى أسقط بعضها، وذلك إما مُتعمدًا وعازمًا على أذيتها وإما بسبب جهله وعدم قدرته على المحافظة عليها في الوقت الذي يُمارس فيه بعض الممارسات الخاطئة، عمومًا في النهاية كانت العاقبة واحدة، وهي تهديد تلك الحيوانات بالانقراض والاختفاء من الأرض، بل أن بعضها قد انقرض بالفعل وأصبح في طي الإنسان، لذلك كان لابد من إنشاء بعض المحميات الخفية التي مهمتها الرئيسية حماية أي كائن حي بخلاف الإنسان من الإنسان نفسه، وهذا بالضبط ما سنحاول التعمق فيه أكثر خلال السطور القادمة، حيث أبرز المحميات الطبيعية الخفية وأهميتها.

المحميات الطبيعية الخفية

المحميات الطبيعية مساحة من الأرض تتولى حماية مجموعة من الكائنات، وطبعًا اسم محمية جاء من الحماية، فهي فعلًا تقوم بأقوى دور في حماية البيئة بكافة أنواعها، فهناك المحميات المُخصصة لحماية الحيوانات وهناك ما هو مُخصص لحماية النباتات وهناك ما هو مُخصص للمخرجات المائية، كل شيء يُمكن أن يُحمى فإن المحميات الطبيعية تتولى حمايته بصدرٍ رحب، وسبحان الله، على الرغم من أن المحميات الطبيعية قد نشأت من أجل حماية الكائنات التي يُحاربها الإنسان إلا أن الإنسان نفسه هو من أنشأ تلك المحميات ويتولى حمايتها، الأمر ببساطة يكمن في خوف الإنسان من نفسه وعدم ثقته بها فيما يتعلق بالابتعاد عن الكائنات وعدم أذيتها، ولذلك قام بإنشاء المحميات وأمّن أشخاص عليها.

بدأت المحميات الطبيعية عملها قبل حوالي قرنين، وعندما ننظر إلى عنوان الكلمات الآتية فسنجد أن كلمة المحميات الطبيعية متبوعة بكلمة الخفية، بمعنى أدق، النوع الخاص من الحميات الذي وصلت درجة أهميته إلى الحد الذي جعل البشر يخفونها ويجعلون أماكن تواجدها أشبه بالمعلومات السرية التي لا يعرفها أي شخص، فلو عرف العالم أن محمية كذا تحمي الكائن كذا، فأين ستكون الحماية إذًا؟

أهم المحميات الطبيعية الخفية

الآن سنذكر لكم بعضًا من تلك المحميات التي نستشهد بها في هذا المقال، ولكن أولًا يجب التنويه على أمر هام، وهو أن معظم تلك المحميات كانت خفية بالفعل قبل وقتٍ قريب، لكن مع الشهرة الكبيرة وحاجة الناس إلى معرفة أماكن المحميات لزيارتها في بعض الأحيان أصبحت معظم هذه المحميات معروفة المكان، وطبعًا إذا تحدثنا عن أهم المحميات الموجودة في العالم فإن محمية الدول الخمس زامبيزي كافانجو.

زامبيزي كافانجو، الحديثة الكبيرة

على الرغم من أن محمية زامبيزي كافانجو لم تؤسس سوى قبل عشر سنوات فقط إلا أنها قد أصبحت الآن واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في العالم بأكمله، وهي بالمناسبة موجودة في قارة أفريقيا، وربما يعتقد البعض من معرفة هذا الأمر أنه لشيء غريب أن تكون هناك محمية كبرى في قارة مليئة بالدول النامية مثل أفريقيا، لكن ما لم ينتبه إليه البعض أن أفريقيا بالذات تحتاج إلى وجود المحميات الطبيعية الخفية والغير خفية، وذلك لأنها ببساطة أكبر القارات تعرضًا لجهل الإنسان وجنونه ورعونته في التعامل مع بقية الكائنات الحية سواه.

في عام 2006 حدث اجتماع كبير بين دول خمس مهمة، وهي زامبيا وزيمبابوي وأنجولا وبتسوانا ونامبيا، وفي هذا الاجتماع تم الاستقرار على إنشاء محمية طبيعية كبيرة تحمي الحيوانات الموجودة في القارة، والتي بات أغلبها مُهدد بالانقراض، والحقيقة أنه من النادر جدًا أن يتم اتخاذ القرارات بهذه السرعة الكبيرة وتنفيذها بسرعة أكبر، لكن هذا ما حدث بالضبط فيما يتعلق بمحمية زامبيزي كافانجو التي تُعامل الآن بوصفها أكبر محمية في العالم وليس في قارة أفريقيا فقط.

ليمبوبو الكبرى، محمية المتوحشين

الحيوانات المتوحشة في نهايات المطاف حيوانات مُعرضة للانقراض مثل أي كائنات أخرى، لذلك فإنه من الواجب إقامة المحميات الطبيعية الخفية من أجل حمايتها، ونقول خفية لأنه إذ لم تكن كذلك فإن هناك من سيبذل قصارى جهده كي يتخلص من تلك الكائنات بحجة أنها تُشكل خطرًا كبيرًا على البيئة، وهؤلاء بالطبع لا يعرفون أن نقصان تلك المخلوقات هو ما يُهدد تذبذب البيئة في الأصل وإحداث خللًا بها، عمومًا، من أجل ذلك النوع من الحيوانات، وفي السنة الأخيرة من القرن العشرين، تم إنشاء محمية ليمبوبو الكُبرى، وذلك في قارة أفريقيا.

ذكرنا قبل قليل أنه لا داعي أبدًا للاندهاش بسبب تواجد أغلب المحميات وأكبرها في قارة أفريقيا، فمحمية ليمبوبو مثلًا تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثين ألف كيلو متر، وهناك من يقول إنها في خلال سنوات قليلة سوف تتجاوز التسعين ألف، وذلك لعدة أسباب أهمها كثرة الطلب عليها لكونها أبرز المحميات التي تحمي الحيوانات المتوحشة، والتي من أنواعها المتواجدة في المحمية مثلًا حيوان الفيل والبقر الوحشي، وقد يعتقد البعض أن هذه الحيوانات لا تحتاج إلى حماية لكونها غير مُهددة تهديدًا حقيقيًا بالانقراض، إلا أن بطش الإنسان وتوسعه يجعلان من توخي الحذر أمرًا واجبًا.

محمية غالاباغوس، محمية المياه الطبيعية

محمية غالاباغوس بلا شك تُعتبر كذلك أحد أكبر المحميات الطبيعية الخفية الموجودة في العالم، أو التي كانت خفية قديمًا على وجه التحديد، فقد أدت بعض الظروف إلى جعلها مزارًا سياحيًا ومكانًا تابعًا لليونسكو كذلك، وقد كانت تلك المحمية حتى وقتٍ قريب ثاني أكبر محمية في العالم من حيث المساحة، إلا أن بعض المحميات الحديثة بدأت تأخذ مكانها شيئًا فشيئًا، لكن في النهاية يبقى الشيء الثابت أنها المحمية المائية الأكبر على الإطلاق، مع الوضع في الاعتبار أن وجود المحميات المائية شيء نادر في الأصل مقارنةً مع المحميات البرية.

محمية غالاباغوس المائية كما هو واضح من اسمها تختص بشكلٍ كبير بكل شيء يُمكن أن يعيش في الماء، فهي تضم بداخلها أعظم الحيوانات المائية وأكثرها ندرة، وقد استمرت تقوم بهذه المهمة فقط حتى وقتٍ قريب، لكن مؤخرًا أُضيف لها أشغال أخرى مثل الترفيه والسياحة، حيث أصبح من الطبيعي جدًا أن ينزل الناس داخل هذه المحمية من أجل السباحة والتنزه، هذا على الرغم من أنها كانت في البداية محمية خفية لكونها المحمية المائية الوحيدة والمفترض المحافظة عليها حتى الرمق الأخير، عمومًا، تتواجد تلك المحمية في الإكوادور وتزيد مساحتها عن مئة وثلاثين ألف كيلو متر.

رانجيل، محمية الجمال الطبيعي

في ولاية ألاسكا الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية تطل علينا محمية رانجيل كأحد أهم المحميات المتواجدة في العالم وليس في أمريكا فقط، وطبعًا سوف يكون من الخلل الشديد أن نتحدث عن المحميات الطبيعية الخفية المتواجدة في العالم ولا نتحدث عن محميات أمريكا التي تُعتبر أكبر كيان مُتقدم في العالم، مُتقدم بالتأكيد في كل شيء، حتى في وجود المحميات والحفاظ على البيئة، حيث بدأ العمل على إنشاء محمية رانجيل في عام 1980 شرق ولاية ألاسكا كما ذكرنا، لكنها لم تكن محمية عادية بالمرة، بل أقل ما توصف بها أنها محمية مُميزة للغاية.

تميز محمية رانجيل نابع من كونها قطعة حية من الجمال تنعم بالمناظر الطبيعية الخاصة، وربما هذا ما جعل منظمة اليونسكو تقوم بإدراجها ضمن التراث العالمي، حيث أصبح من الطبيعي جدًا زياراتها في أي وقت، وهذا ليس لكونها محمية فقط بل لما يتواجد بداخلها من كنوز بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، فمثلًا، هناك الكثير من الأحجار الكريمة والصخور النادرة، وهناك ذلك المنظر الجليدي النادر الحدوث، وأخيرًا فإن تلك المحمية للغرابة تنعم بالهدوء منذ نشأتها، فلم يثبت أن أُبرم ولو محضر واحد عن أي مُخالفات ضدها، وكأن البعض فعلًا يُعاملها على أساس كونها جنة، لكن هل سيستمر ذلك الأمر للأبد؟ نتمنى ذلك بكل تأكيد، من أجل الطبيعة على الأقل.

أيري تينيري، محمية اليونسكو

محمية أخرى من الحميات الطبيعية الخفية المتواجدة في أفريقيا، وطبعًا عندما نقول خفية فهذا يعني أننا نتحدث عن فعل ماض، لأن تلك المحميات تبدأ في الخفاء ثم تؤمن جيدًا ويتم إعلانها كي تكون مزارًا سياحيًا هامًا، والحقيقة أن هذه المحمية بالذات لم تُصبح فقط مزارًا سياحيًا، وإنما حظيت بما هو أكبر من ذلك، حيث تم ضمها مؤخرًا إلى منظمة اليونسكو وأصبحت جزءًا هامًا من التراث، وهذا بالطبع يعكس اهتمام العالم بها ودورها الكبير بين كل محميات العالم.

نشأت محمية أيري على حدود النيجر، وقد سبق وبررنا وجود أغلب المحميات في أفريقيا، ربما لأنها المكان الأكثر تهديدًا على كل شيء يتعلق بالحياة نظرًا لكمية الجهل الكبيرة الموجودة بهذه المنطقة، عمومًا، تمتد المحمية على مسافة تقترب من الثمانين ألف كيلو متر، وقد قيل إنه ثمة نية لتوسيعها وشملها لمساحة أكبر فيما هو قادم من سنوات، أما ما يتعلق بمحتوياتها فهي تمتاز بتواجد كافة أنواع النباتات والحيوانات، أو الكائنات المهددة بالانقراض عمومًا.

أهمية المحميات الطبيعية الخفية

كما ذكرنا من قبل، كانت أغلب المحميات الطبيعية في البداية خفية، فعندما تُنشئ المحمية يكون من المفترض أن الإنسان قد بدأ في استهلاك كافة محاولاته في تشكيل الخطر على تلك الكائنات الموجودة داخل المحمية، ولهذا من الطبيعي أن توضع المخلوقات سرًا عن داخل المحمية مع التأكد من عدم الوصول إليها، لكن يحدث أحيانًا أن تمر فترة طويلة ويزول الخطر عن تلك المخلوقات، وبالتالي يزول سبب كونها خفية، وهذا يعني ببساطة أن يتم الإعلان عن مكانها والإعلان كذلك عن فتحها كمزار للسياح مثلما هو الحال مع أغلب المحميات التي تحدثنا عنها قبل قليل، وطبعًا يكون التأمين فيها شديد ومُحكم، هذا هو الأمر باختصار.

أهمية تلك المحميات الطبيعية تأتي من كونها الملاذ الأخير بعد الله، فلولا هذه المحميات لكان من المفترض انقراض الكثير من الحيوانات والنباتات النادرة، بل يُمكننا القول إنها توفر بداخلها الجو المناسب من أجل إعادة تلك الحيوانات النادرة المقتربة من الانقراض إلى الساحة مرة أخرى، فغالبًا ما تمر سنوات قليلة ثم نسمع أن حيوان كذا الذي كان مُعرضًا لخطر الانقراض لم يعد معرضًا له الآن، هل تعرفون ما الذي حدث بالضبط؟ لقد تدخلت الحميات الطبيعية وأنقذت الموقف، هذا ما تفعله وما ستظل تفعله للأبد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية + أربعة =