تُعتبر الزراعة المحمية أحد الطرق المبتكرة في السنوات الأخيرة لمواجهة العجز في المحاصيل الزراعية، فهي ليست مُجرد طريقة أخرى من طرق الزراعة فقط بل أنها أيضًا أسرع وأفضل من حيث القدرة الإنتاجية، وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أنه منذ اكتشاف الزراعة المحمية وإلى الآن زادت القدرة الإنتاجية بنسبة سبعة عشر بالمئة وتحسنت جودتها الضعف عن الزراعة العادية، لكن، قبل أن نتحدث عن فوائد هذا النوع من الزراعة وتأثيره على القدرة الإنتاجية دعونا أولًا نتعرف على الزراعة المحمية، ما هي ومتى بدأت وكيف تقوم، والأهم من كل ذلك، كيف أثرت في الحياة البشرية، فهيا بنا نستكشف إجابات كل هذه الأسئلة في السطور التالية.
تعرف على الزراعة المحمية عن قرب
ما هي الزراعة المحمية؟
الزراعة المحمية ببساطة هي تهيئ جو غير مناسب للزراعة وجعله مناسب لها، بل وزيادة قدرته الإنتاجية أضعاف ما يُنتج في البيئة الزراعية العادية، وهناك الكثير من المسميات لهذا النوع من الزراعة، منها مثلًا أنها الزراعة التقليدية في ظروف غير تقليدية، أو الزراعة الودودة، وذلك لأنها تتم في الأماكن التي يُحددها المُزارع دون اعتراض أو امتعاض، فمتى تم ترتيب الأدوات المناسبة والإمكانيات المناسبة تخرج الزروع المناسبة في الأوقات المناسبة، هذه هي الزراعة المحمية، وهذه طريقتها منذ أن بدأ الإنسان العمل بها.
بداية الزراعة المحمية
بدأت الزراعة المحمية منذ بداية البشرية، لكنها انتشرت في القرن الأخير فقط، فالإنسان منذ أن داس هذه الأرض وهو يبحث عن الطعام والشراب، والطعام بلا شك كان يحتوي على أحد العناصر التي تتم زراعتها، ولما كانت كل الأراضي الموجودة أمامه لا تصلح للزراعة بنفس القدر بدأ هو بنفسه إصلاحها وجعلها مناسبة للزراعة التي كانت مُخرجاتها قوته الوحيد، ولكن، مع مرور الوقت، وزيادة الحاجة إلى الزروع والخضروات، بدأت بعض الدول الغير زراعية اللجوء إلى الزراعة المحمية لتعويض عدم خصوبة أرضيها وفي نفس الوقت إيقاف نزيف الأموال الذي يُصرف على استيراد تلك الخضروات والزروع من الخارج، وبالطبع لم تبدأ تلك الزراعة بشكل حكومي، وإنما بشكل فردي من الأشخاص الباحثين عن الرزق، والذين وجدوا في الزراعة المحمية غايتهم وجنتهم.
الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، هاتان الدولتان هما أكبر الدول في مجال الزراعة المحمية، هذا بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية أصلًا أغلب أراضيها لا تصلح للزراعة، لكنها عرفت تلك الزراعة وتصدرت قائمة الدول المستخدمة لها، فقد بدأت الزراعة المحمية بمفهومها الحديث أصلًا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1893، وذلك على يد مواطن يُدعى فرانك لينان، والذي قام بتخصيص جزء مُغلق من بيته وقام بزراعة النعناع والموز والعنب فيه، وعندما سُأل عن ذلك قال أن الظروف هي التي قادته إلى مثل هذا الشيء، ومن يومها بدأت الزراعة المحمية في الانتشار.
أسباب الزراعة المحمية
كانت الأسباب التي دعت فرانك لينان، والملايين غيره ممن تبعوه في الزراعة المحمية، تتمثل في الطقس والتربة، فقد كان فرانك مثلًا يتمنى أكل العنب في غير موسمه، فلا يتمكن من زراعته بسبب عدم ملائمة الجو، فينتظر الكثير من الوقت حتى يحين الموعد المناسب للزراعة، لكن، مع الوقت توصل إلى أنه إذ لم يكن قادرًا على الزراعة بسبب الطقس فليس عليه الانتظار، وإنما خلق الجو المناسب لتلك الفاكهة التي يريد زراعتها.
كذلك التربة، كانت سببًا في ظهور الزراعة المحمية، فالمزارعين الفقراء، الذين لا يملكون قطعة أرض كبيرة للزراعة، أو الذين لا يملكون أرض زراعية أصلًا، كانوا يلجئون إلى الزراعة المحمية عن طريق تخصيص غرفة صغيرة من بيتهم لهذا الأمر، وقد نجحت الفكرة وانتشرت وتطورت حتى أصبحت كما هي عليه الآن.
كيفية الزراعة المحمية
الزراعة المحمية قد تتم داخل البيوت البلاستيكية أو الأنفاق أو البيوت المحمية، وهي تبدأ أولًا بإعداد طقس مناسب، يسمح بتغيير برودة الشتاء وحرارة الصيف، أي أنه يُمكن التحكم فيه وفي رطوبته، كذلك منع الأمطار في فصول المطر عن طريق عمليات العزل والتغطية، إضافةً إلى تنظيف المكان المراد زراعته من الآفات والحشرات، كل هذه الأشياء يجب فعلها قبل بدء عملية الزراعة المحمية.
بالطبع ما سبق يحتاج رأس مال كبير، لكن هذا كله يتم تعويضه بعد عملية الحصاد والتي يكون نتاجها وفير وجيد في نفس الوقت، وعلى ذكر الوقت، تأخذ الزراعة المحمية وقتًا أقل بكثير من الذي تأخذه الزراعة العادية، وبالتأكيد ساهم التطور التكنولوجي الهائل في ذلك الأمر، فلم تعد الزراعة مجرد مهنة يقوم بها الفلاح الذي لم يحصل على تعليم جيد، وإنما أصبحت مهنة تحتاج إلى أشخاص ذوي قدرات وإمكانيات وخبرات كبيرة.
أهمية الزراعة المحمية
ثمة شبه إجماع على أن الزراعة المحمية تمكنت من تغيير الحياة البشرية عامةً والزراعية خاصةً، فالدول الغير مالكة للتربة الخصبة والأراضي الزراعية أصبحت قادرة على الزراعة، والنباتات الموسمية أصبحت موجودة بكثرة في كل وقت، كما أن الموارد الطبيعية الموجودة حولنا قد تم استغلالها الاستغلال الأمثل، بل ومكفول لكل الموارد البشرية الموجودة في هذا الكون، فلن يُقدم شخص مثلًا على الزراعة المحمية ويتم منعه من ذلك أو معاقبته عليه.
أما من الناحية الاقتصادية، فلا حاجة للقول أن الزراعة المحمية أثرت تأثيرًا كبيرًا على اقتصاد الدول وصادرتها وواردتها، فالدول الزراعية بالأساس، والتي كانت تُصدر زروعها وخضرواتها وفواكهها إلى الدول الغير زراعية، زاد إنتاجها إلى الضعف، وبالتالي زادت المكاسب والأرباح، وأصبحت الزراعة المورد الأول للدخل بالنسبة لها، أما الدول الغير زراعية، والتي كانت تستورد كافة احتياجاتها من الخارج، أصبحت الآن قادرة على زراعة كل ما هي في حاجة إليه، وبالتالي تمكنت من توفير أموال الاستيراد تلك، والتي كانت تؤثر بلا شك على اقتصادها، أي أن الزراعة المحمية قد تمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة، وهي إرضاء البائع والمستهلك، وبالطبع ليس هناك أهمية وفائدة أكبر من ذلك يُمكن تحقيقها.
الزراعة المحمية والحكومات
بالرغم من أن الزراعة المحمية عمل فردي يُمكن أن يقوم به أي شخص في أي مكان، إلا أن الحكومات أعطت دعمًا كبيرًا لمثل هذا النوع من الاستثمار، فهي تدعم المزارع الغير قادر مديًا وتوفر له الكثير من الإمكانيات حتى يتمكن من ممارسة هذا النوع من الزراعة في أي مكان يُريده، بل ويُقال أن ميزانية الزراعة المحمية لدى كل الدول تتجاوز المليارات بلا مبالغة، بل أنه قد تأخذ اهتمامًا يفوق الاهتمام بالزراعة العادية، وذلك لأن الزراعة العادية معروفٌ دخلها ومُتطلباتها، أما الزراعة المحمية فهي التي تحتاج كل الجهد حتى يأتي الوقت الذي تُصبح فيه شبه معممة لدى الجميع.
في النهاية، يجب علينا ألا نغفل أيضًا إحصائيات أكثر المناطق التي تتم فيها الزراعة المحمية، حيث تُظهر الدراسات أن المناطق الساحلية هي أكثر الأماكن إقدامًا على الزراعة المحمية، هذا بالرغم من أن الصيد والملاحة من المفترض أن يُمثلان التجارة الأولى في هذه المناطق إلا أن الزراعة المحمية تمكنت من سحب البساط من تحتهم وتصدر قائمة أولويات الجميع، فمن منا لا يُريد أن يكون تاجر زراعي كبير دون أن يمتلك أرض زراعية؟
أضف تعليق