التسرب النفطي من اكثر الحوادث البيئية الكارثية التي تؤدي الى تدمير أنظمة بيئية كاملة وتلحق باقتصاد الدول المالكة للنفط المتسرب او التي يحدث ضمن مياها الإقليمية خسائر فادحة ليس بسبب ثمن النفط المتسرب فقط بل بسبب موت كثير من الكائنات البحرية والطيور والثديات التي تعيش في هذه البيئات , وينقسم التسرب النفطي من حيث مكان حدوثه الى صنفين الأول بحري والثاني بري اما من حيث حجم التسرب وسببه فتقسم الى ثلاثة اقسام هي تسرب تشغيلي يكون في الغالب تسرب بسيط او تسرب كارثي وهو الذي يحدث نتيجة حادث ضخم مثل حدوث انفجار داخلي او اعتداء بقصف جوي او غيره , وتحتاج الدولة الى عدة سنوات في بعض الحوادث الكبيرة حتى تستطيع تخليص المياه مما يعلوها من بقع نفطية وغالبا ما يتطلب إزالة هذه البقع تكاتف جهود عدد من الدول والهيئات الدولية, وتعتبر التسربات البحرية اكثر تأثيرا من البرية لأنها تكون في الغالب اكبر وتنتشر بسرعة اكبر كما ان الخسائر الناجمة عنها تكون اكبر بكثير.
ما أسباب حدوث التسرب النفطي وما اضراره وكيف يمكن علاجه
يحدث التسرب النفطي نتيجة خلل ما في أنظمة التزود بالنفط على اختلاف اشكالها واحجامها , ويمكن للتسرب ان يكون من ناقلات للنفط او من الحقول البحرية والشاطئية او من خزانات الموانئ , ويمكن اجمال أسباب حدوث التسرب بما يلي:
- جنوح ناقلات النفط او انقلابها نتيجة أخطاء ملاحية او ظروف جوية او هجمات عدائية او خلل في التعامل مع حمولة الناقلة مما يؤدي الى اشتعال النيران فيها او انفجارها.
- أخطاء فنية في تشغيل الابار ناتجة عن سوء الإدارة او قلة الخبرة او عدم توفر الإمكانات اللازمة للصيانة او التجديد.
- القصف الجوي الذي تتعرض له ابار النفط والخزانات في الموانئ وكذلك الناقلات اثناء الحروب والصراعات.
- اعمال التهريب التي تنتهي بسكب كميات كبيرة من النفط في مياه البحار والمحيطات.
وهناك مصادر أخرى يمكن ان ينتج عنها كميات كبيرة من النفايات النفطية التي تنتج عن عمليات تكرير البترول او صناعات البتروكيماويات , حيث تقوم بعض المنشآت النفطية بسكب نفاياتها السائلة في المياه دون رقيب او حسيب في بعض الدول النامية ولكن هذا النوع من التسرب يتم بشكل متدرج وغير ملحوظ لذا لا يلقى الاهتمام الذي تلقاه أنواع التسرب الأخرى .
وبمجرد حدوث التسرب النفطي في مياه البحر او المحيط او الأنهار فإن كافة مكونات الأنظمة البيئية الموجودة في هذه المياه او تتداخل معها تضرر بعدة مستويات حسب نسبة اعتمادها على هذه المياه ومن اهم
اضرار التسرب النفطي :
- تدمير البيئات البحرية او البرية والقضاء على جزء كبير من الكائنات التي تعيش فيها ومن ذلك التأثير على النباتات البحرية والشعاب المرجانية مما يؤدي الى تناقص غذاء الأسماك وبالتالي موتها هذا عوضا عن تسمم هذه الأسماك بالتراكيز العالية من المواد العضوية .
- تلويث أجساد الطيور ومنعها من اصطياد فرائسها البحرية نتيجة وجود حاجز من النفط الكثيف الذي لا يستطيع الطير اختراقه وفي حال محاولة الطير السباحة فوق البقع النفطية فإن ريشه يتشبع بالنفط ويصبح غير قادر على الطيران الا بصعوبة
- المخاطر الناجمة عن الحرائق التي تنشب في غالبية حوادث التسرب بالإضافة الى تلوث الهواء الناتج عن هذه الحرائق
وبالإضافة الى الاضرار المباشرة هناك اضرار غير مباشرة تلحق بالقطاعات المعتمدة على المياه او البيئات التي تتركز فيها البقع النفطية فمثلا يمكن ان تتوقف نشاطات الصيادين تماما كما يمكن ان تتوقف السياحة البحرية والبرية في مناطق التسرب وغير ذلك من الاضرار غير المباشرة والتي قد تمتد لعشرات السنين .
ابرز الطرق المتبعة للتخلص من البقع النفطية
تعد عمليات تنظيف التسرب البري اسهل بكثير من عمليات تنظيف البقع النفطية على سطح المياه فهناك عدة عوامل وظروف جوية تعمل على زيادة صعوبة هذه العمليات ولذا يتم الاهتمام بطرق إزالة البقع البحرية اكثر , ومن اهم عمليات تنظيف بقع النفط البحرية :
- المعالجة الحيوية وتتم عن طريق استعمال كائنات حية دقيقة معدلة وراثيا بحيث يكون لها القدرة على العيش والتغذي على النفط فتقوم بتحليل البقع النفطية وتحويلها الى مركبات اقل ضررا او الى غازي الميثان وثاني أوكسيد الكربون اللذان ينطلقا في الجو.
- القشط او الشفط ويتم من خلال كاسحات او شفاطات مثبتة على سفن جر عملاقة بحيث يتم تجميع النفط في خزانات معدة لذلك ليتم نقله فيما بعد الى مصافي البترول لتكريره والاستفادة منه وتعد تكاليف هذه العملية باهضه وتعجز عن القيام بها كثير من الدول , ولا يمكن القيام بها الا في غياب تام للرياح او التيارات المائية وهذا يفسر عدم القدرة على استعمال الشفط او القشط على نطاق واسع .
- استعمال المواد الكيميائية ويكون ذلك اما لامتصاص بقعة النفط ضمن مواد صلبة ليسهل تجميعها او لتشتيت البقع النفطية وبذلك يقل تأثيرها في حجز اشعة الشمس والهواء عن الكائنات البحرية السطحية ويؤدي الى تلاشيها في مساحات واسعة ولا بد ان تكون البقع النفطية صغيرة الحجم نسبيا حتى تكون المواد المشتتة فعالة .
- الحرق : حيث يتم اشعال النيران للتخلص من بعض البقع البعيدة عن الشواطئ او المنشآت البحرية ولا بد ان تكون عمليات الحرق منظمة وتحت رقابة جهات ذات خبرة كافية بهذا النوع من العمليات.
- استعمال الحواجز وتكون عبارة عن سلاسل طافية تقف في وجه تيارات المياه المحملة بالنفط وتمنعها من الوصول الى الشواطئ او الى المناطق الحيوية المهمة.
اشهر حوادث التسرب النفطي عبر التاريخ
تعتبر منطقة الخليج العربية اكبر مناطق العالم انتاجا للنفط وتأتي أيضا في المراتب الأولى من حيث خطورة حوادث التسرب النفطي وكبر حجمها وفيما يلي بعض اشهر الحوادث العالمية :
- التسرب النفطي الذي حدث على عدة مراحل اثناء حرب الخليج وتركز في الكويت حيث تم تدمير عدة ابار نفط وتم تسريب كميات هائلة من النفط عمدا لتنفيذ خطة دفاعية ضد طيران قوات التحالف الدولي في حينها , وادت هذه العملية الى تسرب اكثر من 1500 مليون برميل من النفط ما بين عامي 1991 و 1992 وقد أدى اشتعال النيران في كثير من بقع النفط المتسربة الى احداث خلل مناخي استمر لعدة سنوات في المنطقة , يعتبر هذا التسرب الأسوأ من حيث حجم النفط المتسرب منذ حادثة التسرب التي حدثت في منطقة ليك فيو جراشر في ولاية كاليفورنيا الامريكية عام 1910 اذ قدرت الكمية المتسربة بأكثر من 2000 مليون برميل من النفط, ولم تكن هذه المرة الأولى التي يحدث فيها تدمير لآبار النفط خلال الحرب ففي الحرب الإيرانية العراقية تم تدمير حقل النوروز النفطي ونتج عنه تسرب كميات من النفط قدرت بأكثر من 1.9 مليون طن .
- التسرب النفطي الاحدث والاكبر كان في خليج المكسيك عام 2010 حيث أدى خلل فني الى حدوث انفجار ضخم في المنصة النفطية في الخليج مما أدى الى مقتل واصابة اكثر من 25 عاملا كانوا على متنها ونتيجة للتصدع بنية المنصة حدث تسرب كبير للنفط استمر اكثر من 100 يوم ونتج عنه بقعة نفطية قدرت بأكثر من خمسة ملايين برميل من النفط واستمرت النيران مشتعلة في المنصة لعدة أسابيع قبل ان يتم السيطرة عليها وقد تم فرض غرامة أولية على الشركة المشغلة للمنصة بأكثر من 4 مليارات دولار بالإضافة الى تكاليف تنظيف مياه الخليج من التلوث النفطي والذي قد يستمر لعشرات السنين , ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه فقد حدث حادث تسرب اخر في نفس الخليج عام 1979 وادى الى تسرب اكثر من 3.5 مليون برميل من النفط وذلك جراء وقوع انفجار في بئر اكسوتك النفطي .
- حوادث التسرب من الناقلات النفطية ليست اقل خطورة من حوادث التسرب من الابار ففي العام 1979 جنحت ناقلة تدعى اتلانتيك امبرس وتسرب منها اكثر من 2.1 مليون برميل من النفط بينما أدى انفجار على متن ناقلة النفط (ABT summer) عام 1991 قبالة سواحل انغولا الى تسرب اكثر من 1.9 مليون برميل وفي العام 1983 نتجت بقعة من النفط عن تسرب 1.8 مليون برميل من ناقلة النفط كاستيللو دي بلوفر قبالة سواحل جنوب افريقيا , ولكن اخطر الحوادث واشدها من حيث المصير الذي لاقته ناقلة النفط هو ما جدث للسفينة ام تي في والتي غرقت بالكامل قبالة شواطئ إيطاليا في العام 1991 وذلك نتيجة انفصال الجزء السفلي منها , وقد تم تجريم أصحاب السفينة بسبب تغاضيهم عن الحالة المزرية التي كانت عليها وعدم ايقافها عن العمل في الوقت المناسب .
اما فيما يخص التسرب البري فهناك حادثة مشهورة نتجت عن انهيار احد الحقول النفطية السطحية في منطقة وادي فيرجانا ما بين أوزبكستان وكازخستان عام 1992 , وهو ما أدى الى تسرب كميات هائلة من النفط نحو الوادي وتدمير الأراضي الزراعية والحياة البرية فيها , وقدرت الكميات المتسربة بأكثر من 2 مليون برميل واستمر الرشح النفطي من البئر لأكثر من ثمانية اشهر .
تعددت أسباب التسرب النفطي وتعددت مصادره لكن يمكن القول ان البشر هم المسؤولون عن غالبية حوادث التسرب الضخمة اما بإهمالهم او السعي الى توفير الأموال على حساب سلامة الابار والعاملين فيها واما اثناء حروب السيطرة على منابع النفط, بينما تعد الكائنات الحية البحرية والطيور من اكبر الخاسرين جراء هذه الحوادث .
–
هذا رائع و الاروع هو القادم باذن الله تعالى