تسعة بيئة
الأسبستوس
بيئة » التلوث » الأسبستوس : كيف تسبب الأسبستوس بكوارث صحية جمة قبل منعه ؟

الأسبستوس : كيف تسبب الأسبستوس بكوارث صحية جمة قبل منعه ؟

استخدم الأسبستوس على نطاق واسع في بدايات القرن الحالي بدون أي إدراك لمخاطره الصحية، لكنه منع من الاستخدام فورًا بعد معرفة الآثار الصحية السلبية له.

تمامًا مثل المعادن السامة الثقيلة، تسلل معدن الأسبستوس إلى حياة الإنسان، وبدأ في إغرائه بفوائده واستخداماته، حتى تمكن منه وأصبح عنصرًا أساسيًا وحجر ارتكاز في الكثير من الصناعات، لكن فجأة، وبلا أية مُقدمات، اكتشف العالم أضراره الكبيرة وتأثيره على البيئة والأشخاص، تلك الأضرار التي يُمكن اعتبار الإصابة بالسرطان أقلها خطورة، وبالطبع لم يكن أمام العالم بعد اكتشاف ذلك سوى منعه وعدم استخدامه في الصناعة مرة أخرى، لكن ما يجب معرفته عن الأسبستوس هو من أين جاء وكيف تتسبب في كوارث صحية قبل منعه؟

تعرف على الأخطار الصحية التي يسببها معدن الأسبستوس

ما هو الأسبستوس؟

الأسبستوس عبارة عن مجموعة معادن ناعمة تأخذ شكل الألياف، ويتميز الأسبستوس بقوته وصلابته، فهو غير قابل للاحتراق ولا يتفاعل مع الكهرباء بسهولة، كما يمتلك الأسبستوس بالإضافة إلى ذلك الكثير من المميزات التي تجعله معدنًا من أهم المعادن، إلا أن ذلك كله يحدث في حالة كونه مُتماسكًا ومُسيطرًا على أليافه، أما إذا انفرطت تلك الألياف وتناثرت في الهواء فسيظهر الوجه الآخر لهذا المعدن الخطير، وجهٌ مُخيف إلى الحد الذي يجعل المُجتمع الدولي يُجرم استخدامه، وهذا ما يأخذنا إلى معرفة مزايا وعيوب الأسبستوس.

من أين يأتي؟

للأسبستوس مناجم مُخصصة، أغلبها تكون بالقرب من مناطق الصخور المتحولة، ويكون في البداية على شكل مواد خام متشابكة مع مواد أخرى مثل الأموسيت و”الكريز وتيل”، وبعد جمعه من مناجمه يتعرض لمرحلة الفصل، وهي المرحلة التي يتم فصله فيها عن باقي المواد والشوائب حتى يُصبح أسبستوس خالصًا، وتتواجد هذه المناجم في أكثر من 25 دولة، أهمها أستراليا في أسيا وكندا في أوروبا وجنوب أفريقيا في أفريقيا، ويتم استخراج من خمسة إلى ثلاثة طن سنويًا حسب ما تُسفر عنه عملية التنقيب في المناجم، ثم يُصدر بعدها إلى دول كثيرة تصل إلى المائة، تعمل جميعها في مجالات المواد التي تفتقر إلى الأسبستوس، وأهم هذه الدول اليابان.

مزايا وعيوب الأسبستوس

لكل شيء على وجه الأرض مزايا وعيوب، وبالطبع قبل أن يتم منع الأسبستوس كان هُناك تخوف من عدم الاستفادة من مزاياه مرة أخرى، وهو تخوف منطقي، خاصةً إذا ما عرفنا أن الأسبستوس كان يُستخدم فيما يلي:

1- البناء: يدخل الأسبستوس في الصناعات التي تتعلق بالبناء كالإسمنت والطوب ومواد الطلاء.
2- الطاقة: الأسبستوس معدن مهم لتشغيل محطات الطاقة وتوليد الكهرباء وتشغيل المعامل المُخصصة للتكرير.
3- صناعة السيارات: الفرامل، والقطع الصغيرة في السيارات، تحتوي على الكثير من ألياف الأسبستوس.
4- المنسوجات: لم يترك الأسبستوس أيضًا صناعة المنسوجات، فهو عنصر أساسي في مصانع الغزل والنسيج.
5- صناعة العوازل: تدخل عناصر الأسبستوس في صناعة الكثير من العوازل والمُضادات، حيثُ يصنع الزجاج الواقي والأبواب الثقيلة والخِزن المتينة من مواد يتشارك معها الأسبستوس بنسبة كبيرة.

كل ما سبق كان بعضًا من مزايا واستخدامات الأسبستوس، لكن العيوب والكوارث التي ظهرت بعد ذلك كانت كفيلة بمنعه وتحريم التعامل في كافة المصانع، فقد اتضح أنه يحمل كُتلة من الأمراض الفتاكة، ولعل المرض الأهم والمخصص له وهو ” الأسبستوسيز”، خير دليل على ذلك، فهذا المرض قد يتعرض له الشخص بمجرد الاستنشاق، خاصة إذا حدث ذلك في أماكن العمل التي يُستخدم فيها الأسبستوس، وقد كانت منظمة العمل قبل منع هذا المعدن تُحدد نسبة معينة له، وهي تقريبًا نصف ليفة لكل مُكعب، كما يُمكن التعرض له أيضًا عن طريق الشرب، وخاصةً المياه القريبة من مناطق العمل بهذا المعدن، وكانت الكارثة الأكبر عندما خرجت منظمة الصحة العالمية وصرحت بأن معدن الأسبستوس ما هو إلا طريقٌ مُختصرٌ للسرطان، ليس هذا فحسب، بل أنه أيضًا يحمل الكثير من الأمراض، أهمها ما يلي:

1- تليف عام أو محدود، يُصيب الغشاء البلوري، وقد يتمادى إلى أكثر من ذلك مع الوقت وزيادة التعرض.
2- انسداد الرئة مما ينتج عنه ضيق في التنفس، هذا إذا ما لم يحدث التليف، وفي الغالب ينتهي الأمر بالوفاة.
3- انتشار الأورام، وخاصةً ورم الأغشية الخبيث، وهو ورم نادر، لا يُصيب تقريبًا سوى الأشخاص الذين يتعرضون للأسبستوس، ويحدث هذا الورم لشخص من كل ألف من مُصابي الأسبستوس.
4- انتفاخ المعدة وتورم الأمعاء، هذا بخلاف أورام الرئة.

بعد التعرض للمزايا والعيوب كان لابد من اتخاذ قرار بالاستمرار أو التوقف عن استخدام الأسبستوس، وبالطبع طغت العيوب على المزايا، فالأسبستوس مهما كانت أهميته يُمكن توفير بدائل له أو الاستغناء عنه نهائيًا، لكن الأمراض والكوارث التي يُسببها لا يُمكن مُواجهتها سوى بالمنع، لذلك كان لابد من منع استخدام الأسبستوس.

منع استخدام الأسبستوس

كما أسلفنا، لم يكن ثمة حل سوى منع استخدام الأسبستوس، ولكن هذا المنع، لأسبابٍ تتعلق بالحاجة إليه، جاء تدريجيًا، فبدأ بمواد البناء والعوازل، وتشكلت لجان تختص بالمراقبة في المصنع للكشف عن مُستخدميّ الأسبستوس ومعاقبتهم، أما السكان الذين يسكنون في مناطق قريبة من هذه المصانع فقد تم تأسيس وحدات صحية مُخصصة للكشف عنهم، تقوم بدورة كل ثلاثة شهور للكشف عن كل ما هو جديد بخصوص الأسبستوس وأمراضه.

وبالطبع لم يُطبق هذا المنع في بدايته، بل تمت مُقابلته بأساليب مماطلة وتضليل، حيث كان أصحاب المصانع المُستخدِمة للأسبستوس يُجبرون العُمال على ارتداء الكمامات للوقاية من الأتربة التي تخرج من نفايات هذا المعدن، وكان يتم تخصيص غرفة مُخصص لتغيير العُمال لملابسهم، لأن ذهابهم بها إلى المنزل يعني تعرض الأسرة بأكملها لخطر السرطان، لآن الأسبستوس قد ينقل أمراضه بمجرد اللمس، لكن لم يمض وقت طويل حتى تم الكشف عن هذا الأمر ومنع استخدام الأسبستوس نهائيًا، لتُصبح الحياة، بعد قرنٍ من الأمراض، بلا أسبستوس.

كيف يُمكن التخلص منه؟

كما أسلفنا، في بعض الحالات يتم تجاوز القوانين ويُستخدم الأسبستوس خفيةً، لكن مُستخدميه يعرفون في نفس الوقت كيفية التخلص من آثاره، والتي هي أخطر ما فيه، ويحدث ذلك بطريقتين رئيسيتين:

1- التنظيف الجيد، أبسط الطرق

تنظيف المكان من بقايا الأسبستوس حرفة مُحترف بها مثل باقي الحِرّف، يتولاها أشخاص ذوي خبرة ومهارة في هذا الأمر، لأن مُلامسة الأسبستوس أمر ليس بالجيد على الإطلاق، ولذلك يقوم هؤلاء العمال بعملية التنظيف في حرص وخفة تامين، ثم يقومون بعد ذلك بحرق الملابس والمعدات التي استخدمت في تلك الأعمال، وغالبًا لا يحدث هذا الأمر سوى مرة واحدة كل شهر، لأن استخدام الأسبستوس يحدث في أضيق الحدود وعلى فتراتٍ مُتباعدة.

2- إعدام القطع الملوثة

الطريقة الثانية للتخلص من آثار استعمال الأسبستوس هي التخلص من القطع والأدوات التي تم استخدمها في العمل، وهو أمر سهل على المُنظفين لكنه مُكلّف لأصحاب المصانع، لأن هذا يعني أنه في كل مرة يتم استخدام الأسبستوس فيها تُستقدم أدوات جديدة، ولم لم تكن صناعة الأسبستوس مُربحة لما أقدم أحدٌ على ذلك.

ومن كل ما سيق يتضح أن البشر ما زالوا مُتمسكين بحقهم في حياة صحية ونظيفة مهما كلفهم الأمر، حتى ولو كان ذلك سيترتب عليه الامتناع عن استخدام الأسبستوس، ذلك المعدن الذي تسبب في كوارث صحية قبل منعه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

20 + 18 =