تسعة بيئة
استغلال شركات التبغ
بيئة » التلوث » استغلال شركات التبغ : تعرف على معارك البشر ضدها

استغلال شركات التبغ : تعرف على معارك البشر ضدها

تستغل شركات التبغ والسجائر المستهلكين لتحقيق أرباح ضخمة، لكن ماذا فعل البشر ضد هذه الشركات؟ هنا نتعرف على معارك البشر ضد استغلال شركات التبغ والسجائر .

فكرة استغلال شركات التبغ للمدخنين هي من أخطر الأفكار التي يجب أن يتوقف الإنسان الواعي عندها، فتلك الشركات لا تهتم بصحة عملاءها في المقام الأول، ودومًا ما حاولت الشركات زيادة مبيعاتها عن طريق إضافة المكونات والنكهات التي تجعل المدخن راغب في التدخين بنسبة أكبر، وفي المقال التالي سنتعرض إلى قصة شهيرة عن خبير صحي أفصح عن معلومات سرية تخص المواد الكيميائية الضارة التي وضعتها شركات ضخمة لتشجيع المدخنين، وهي قصة جيفري ويجاند وتوابعها والغرامة المالية الهائلة التي فرضتها المحاكم بعد إثبات التهم، أيضًا سنتحدث عن الجهود الدولية التي بذلتها بعض الدول في الحد من التدخين وبعض المعلومات الأساسية عن المدخنين والتدخين في العالم العربي.

ماذا فعل البشر من أجل مواجهة استغلال شركات التبغ ؟

استغلال شركات التبغ

هل فكرت يومًا بمليارات الدولار التي تجنيها شركات التبغ الضخمة؟ هل فكرت بما يمكن أن تفعله تلك المليارات في سبيل الاستمرار في تصنيع السجائر وتسويقها وإيصالها إلى الجمهور المستهدف في كل مكان في العالم؟ في الواقع فإن هناك حروب كبيرة (غالبًا ما تكون في الخفاء، وبعيدًا عن الإعلام) قامت ضد شركات السجائر والتبغ من خلال أفراد أو مؤسسات أو جهات سيادية حكومية، لكن حتى الآن لا توجد أية قوانين رادعة لتلك الشركات، وفي أغلب الأوقات يتم التساهل معها ومع إعلاناتها التسويقية، خاصةً في مرحلة ما قبل الثمانينيات من القرن الماضي، في التالي سنستعرض لك أهم الإنجازات والقضايا التي تمت ضد تلك الشركات للحد من آثارها السيئة.

بوتان : أول دولة في العالم تحرم وتحظر التبغ والدخان

بوتان هي دولة صغيرة يزيد عدد سكانها عن النصف مليون نسمة وتقع في آسيا، أصدرت الحكومة في السنين الأخيرة قانونًا يحرم زرع وحصاد وتصنيع وشرب الدخان بكل أنواعه، وتفرض غرامات كبيرة نسبيًا على أي مخالف لتلك القوانين الصارمة، قال المسئولون أن السبب الرئيسي وراء تلك الحملة الشرسة ضد التدخين هو أنها السبب الأول في نسبة الوفيات في البلد، وأنهم سيسعون للقضاء على التدخين بشكل نهائي، وبدأت حكومة بوتان حملات توعوية ودينية لتحرم التدخين نهائيًا ولتصبح الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر التبغ غير قانوني.

ما قبل عام 1950

عرف الإنسان البدائي تدخين عدد مختلف من الأعشاب على مر السنين، واستخدم أنواعًا مختلفة من الأوراق لإشعال التبغ، واستخدم الدخان في بعض الطقوس الدينية والعشائرية وفي بعض المناسبات الاجتماعية، إلا أنه ومع مرور السنين، لم ينظر إلى التدخين باعتباره عاملاً مؤثرًا في الصحة، بل على العكس تمامًا في بعض الثقافات، حيث اعتبر البعض التدخين من العوامل المسببة للاسترخاء، ولم يتم التعرف إلى أضرار التدخين إلا بعد آلاف السنين، وتحديدًا بعد الخمسينيات من القرن الماضي وبعد التجارب والتحاليل الطبية الحديثة، إلا أننا نلاحظ وجود بعض التقييد على التدخين في أوقات متكررة في التاريخ، لكنها مجرد محطات قصيرة في التاريخ البشري، وأحد تلك القيود تمت في عام 1575 عندما منعت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إشعال التبغ في أية كنيسة في المكسيك، وبعدها بنحو ثلاثين عامًا أصدر الملك جيمس الأول ملك إنجلترا المرسوم الأول المعروف تاريخيًا والذي يحظر التدخين، وفي التاريخ الإسلامي نلاحظ بعض القوانين المقيدة للتدخين مثل المرسوم الذي أصدره السلطان العثماني مراد الرابع في 1633.

هتلر منع التدخين بالقوة

تلك المحاولة تعتبر الأولى في التاريخ المعاصر في منع التدخين في أماكن معينة خاصةً الأماكن المغلقة للحفاظ على سلامة غير المدخنين، وفيها تم منع التدخين في كل الجامعات ومكاتب البريد ومكاتب الحزب الحاكم والمستشفيات العسكرية، ونشر الإعلام الحكومي (الإعلام الوحيد في البلاد) إعلانات توعوية وإرشادية مباشرة وغير مباشرة للشعب الألماني للإقلاع عن التدخين. ونلاحظ أن القرار الأول الذي اتخذته السلطة التشريعية في أمريكا جاء في عام 1975، أي بعد أكثر من 30 سنة من التقييد الذي وضعه أدولف هتلر في ألمانيا النازية، وهو حكم أصدرته محكمة مينيسوتا بمنع التدخين في الأماكن العامة، وبعدها بعشرة سنين بدأت بعض الولايات الأخرى في تطبيق المنع في الأماكن المغلقة مثل المطاعم ككاليفورنيا ولحقتها نيويورك وولايات أخرى.

كندا تفرض 15 مليار دولار كغرامة ضد شركات التبغ

منذ منتصف السبعينيات، قام عدد كبير من المدخنين السابقين برفع دعاوى ضد شركات التبغ على مر السنين، وصلت تلك الدعاوى إلى المئات، ولم تؤخذ القضايا بجدية أو بسرعة في المحاكم الكندية، إلا أنه وبعد مرور عشرات السنين، وفي عام 2015، قامت الهيئة القضائية العليا في كندا بفرض غرامة 15 مليار دولار على الشركات الكبرى لصالح المتضررين من التدخين الذين سجلوا قضايا في المحاكم وهناك نسبة كبيرة منهم من مرضى السرطان، وهم من يحظون بالنسبة الأكبر من الغرامة لدفع نفقات العلاج (مئة ألف دولار لكل شخص)، وفي الحقيقة فإن هذا هو الانتصار الأكبر الذي حققه الشعب الكندي في مواجهة استغلال شركات التبغ، وهو أهم الانتصارات ضد كبرى شركات تصنيع السجائر مثل “مونتريال” و”روذمانس”، أيضًا فإن الأمر لم ينتهي بعد، وهناك دعم كبير من الصحافة المستقلة وبعض الهيئات الصحية ليحصل المتضررين على نفقات علاج أكبر، والمبلغ المطلوب ينقص عن مبلغ الغرامة بحوالي 12 مليار دولار، بالإضافة إلى وجود دعاوى في بعض المقاطعات الكندية التي لم يتم النظر فيها بعد في أروقة المحاكم.

أستراليا تقاضي شركات التدخين

في عام 2012، قاضى المدعي العام الأسترالي الشركات الثلاثة الأكبر في أستراليا، الشركة البريطانية الأمريكية وفيليب موريس وإمبريال توباكو، لكن لم يتم إثبات أي تهم، لكن هناك بعض المؤسسات القانونية التي تحاول طوال الوقت التضييق على الشركات والحد من كمية وصراحة الإعلانات لتصبح أستراليا واحدة من أكثر الدول التي تمنع التدخين في بعض الولايات.

كوستاريكا تصدر أقسى القوانين ضد المدخنين

منعت كوستاريكا مؤخرًا التدخين في الحافلات ووسائل النقل العامة وسيارات الأجرة وأماكن العمل (أيضًا في مواقف انتظار السيارات)، وفي المطاعم أيضًا والحانات والملاهي الليلية بالإضافة إلى أماكن أخرى ينتشر فيها المدخنون، كما أنها حظرت البيع في بعض الأماكن (وغرامة البيع تصل إلى 335 دولار أمريكي)، تلك القوانين الصارمة قللت من عدد المدخنين بشكل قياسي في خلال أربعة سنين، ومع أنها هوجمت من قبل شريحة كبيرة من المجتمع واعتبرها البعض ضد الحرية الشخصية.

جيفري ويجاند : الحرب ضد شركات التبغ

استيقظ جيفري ويجاند الخبير الطبي لدى شركة تبغ كبيرة ليجد خطاب استقالته أمامه بدون أية أسباب، كان السبب الحقيقي هو عدم موافقته على طريقة تصنيع جديدة في السجائر تزيد فيها كمية النيكوتين وتشجع على الشراهة في التدخين، رفض ويجاند الفكرة تمامًا واعتبرها مدمرة ومستغلة للمستهلكين. وإذا نظرنا إلى تلك الفترة التاريخية في أمريكا وهي فترة التسعينيات، لم يكن الشعب على دراية بمعنى النيكوتين وتأثيره القاتل ومعنى إدمان السجائر، تلك المعلومات كانت غائبة مع الناس بالتزامن مع البروباجاندا التي قادتها الحملات الإعلانية من الشركات. ويجاند هو من كان يملك المعلومات الدقيقة حيال زيادة كمية النيكوتين وخطورته، وهو الشخص الأول الذي قد يكون مصدر تهديد للشركات.

من هو جيفري ويجاند وخصومه؟

كان جيفري ويجاند في السابق نائب رئيس قسم البحث والتطوير في شركة براون & ويليامسون، وهي تابعة للشركة البريطانية الأمريكية وهي شركة عملاقة تضم شركات تبغ عديدة، وهي واحدة من خمس شركات تحتكر صناعة السجائر والتبغ في العالم وتحتكر أيضًا العلامات التجارية الشهيرة والراقية مثل مارلبورو ولاكي سترايك ودانهيل وكابتن بلاك، وتدير الشركة مبيعاتها الضخمة في أكثر من 180 دولة، أي أغلب دول العالم، وقد رصد مراقبون بيع كميات كبيرة من السجائر منتهية الصلاحية في بعض البلدان الفقيرة بأسعار أقل، وقف ويجاند وحيدًا أمام تلك الشركة العملاقة واستطاع أن يجعل عرشها يهتز.

المعركة مع شركة التدخين

وافق ويجاند على أن يفصح عن المعلومات السرية التي يملكها والتي يمكن أن تحيل مسئولين إلى الاستجواب، وذلك في مقابلة تليفزيونية، إلا أن إدارة القناة لم توافق على هذا بسبب توافق مصالحها مع مصالح شركات التبغ التي تملك نفوذًا بارزًا في البورصة الأمريكية. تعرض ويجاند للتهديد المباشر والتهديد النفسي ومر بحالة إفلاس ومشاكل خطيرة مع زوجته، ببساطة قامت الشركات بمحاولة تدمير حياته، لكنه استطاع في النهاية إرسال رسالته والإفصاح عن المعلومات السرية.

نتائج الحرب: شركات التبغ تدفع غرامة 206 مليار دولار

مع المعلومات التي أفصح عنها ويجاند وتحرك بعض المنظمات المدنية ومساعدات أخرى من الحملات الاجتماعية، كثرت الضغوط على الشركات وتم إقامة دعوى قضائية ضد الشركات وجرت محاكمة تاريخية حضر فيها النائب العام عن 46 ولاية في أمريكا، وحكمت المحكمة بأن تدفع الشركات الأربعة الكبرى مبلغ 206 مليار دولار على مدار خمس وعشرين سنة، ويتم استخدام المال في تعويض المرضى بسبب التدخين خاصةً مرضى سرطان الرئة وغيرها من التكاليف المساهمة في الحملات التوعوية والصحية ضد التدخين، وهي أحد أضخم الغرامات في التاريخ البشري.

ما هي الدول التي تستهلك الكميات الأكبر من التبغ؟

يوجد أكثر من مليار مدخن حول العالم، وأغلبهم في الدول الفقيرة أو النامية خاصةً آسيا وأفريقيا، وفي دولة مثل أندونيسيا نجد أن 53% من الذكور البالغين يدخنون، والنسبة الأكبر منهم يدخنون نوع محلي من السجائر يسمى كريتيك، وفي فرنسا يعتبر التدخين السبب الأول في الوفاة وهو ضمن الأسباب الثلاثة الأولى في عدد كبير من الدول.
بحساب عدد المدخنين فإن الصين في المرتبة الأولى، وبحساب نسبة الاستهلاك للفرد حسب آخر الإحصائيات نجد في المركز الأول مملكة مونتينيجرو (الجبل الأسود) في بلاد البلقان ثم بيلاروسيا وفي المركز الثالث عالميًا نجد لبنان، والدولة العربية التالية هي الأردن في المركز السابع عشر (والتي كانت في المركز الثالث في سنين سابقة)، وتأتي بعدها دول مثل الكويت والسعودية والعراق ومصر وليبيا، وفي المراكز الأخيرة بعض الدول الإفريقية مثل غينيا وأوغندا.

ما هي إجراءات حظر التدخين في الدول العربية؟

قامت بعض الدول العربية بإصدار تشريعات قانونية تمنع التدخين في بعض الأماكن، لكنها بالطبع تشريعات غير جادة وغير كافية، لكن آخرها ما قامت به دولة الإمارات بمنع التدخين في المولات التجارية والشواطئ والحدائق وحظر التدخين في بعض المناطق المعينة في أبو ظبي وعجمان ودبي والشارقة، ومؤخرًا أصدرت قانونًا يمنع دخول منتجات التبغ بأية طريقة مع عقوبات قاسية جدًا على المخالفين. وتحركت لبنان أيضًا لتمنعه في الأماكن العامة في عام 2012 مع غرامة 90 دولار لأي مخالف، ويجرم القانون أيضًا التدخين في المقاهي والمطاعم. وفي الكويت شرعت الحكومة غرامة 500 دينار على أي شخص يدخن في الأماكن العامة، أيضًا هناك تحرك من وزارات الصحة في بعض الدول العربية للمساهمة التوعوية والإعلامية في إرشاد الناس للتوقف عن التدخين.

علي سعيد

كاتب ومترجم مصري. أحب الكتابة في المواضيع المتعلقة بالسينما، وفروع أخرى من الفنون والآداب.

أضف تعليق

18 + تسعة =