تسعة بيئة
كوارث اليابان البيئية
بيئة » الطبيعة » كوارث اليابان البيئية : لماذا ابتليت اليابان بالكثير من كوارث البيئة؟

كوارث اليابان البيئية : لماذا ابتليت اليابان بالكثير من كوارث البيئة؟

كوارث اليابان البيئية أكثر من أن تُعد أو تُحصى، فقد تعرضت تلك البلد المنكوبة إلى الكثير من المصائب خلال القرنين المنصرمين، فما هي أسباب ذلك يا تُرى؟

كوارث اليابان البيئية تجعل اليابان أحد أكثر دول العالم سوءًا من ناحية الحظ، فإذا قلنا أن الحظ ليس له جميل على بعض البلاد فإن اليابان سوف تكون بالتأكيد على رأس قائمة تلك الدول الغير محظوظة، والحقيقة أننا لا نقول ما نقول الآن هباءً أو مُبالغة بشأن تلك البلد، فتلك الكوارث البيئية التي حدثت بها ولا تزال تحدث حتى الآن هي التي تؤكد بالدليل القاطع على صدق ما نقوله الآن، هذا على الرغم من أن ظاهر اليابان وكونها دولة مُتقدمة قد يجعلان البعض يظن أن ما نقوله ليس له أي أساس من الصحة، لكن الأمر ببساطة أن اليابان دولة قوية قادرة على التعافي سريعًا من الصدمات التي تتعرض لها، واسألوا هيروشيما الحرب العالمية الثانية عن هذا الأمر، عمومًا، في السطور القليلة المقبلة سوف نتعرف سويًا على أبرز كوارث اليابان البيئية والأسباب التي جعلتها دولة مُبتلاه بكل هذا القدر من الكوارث.

كوارث اليابان البيئية

كما ذكرنا، إن ما يجعلنا نجلس الآن ونُفكر في كتابة مقال كامل عن كوارث اليابان ليس مجرد حادثة أو حادثتين، فلو كان الأمر بهذه البساطة لكنا قد أجملنا اليابان مع الكثير من الدول الأخرى، لكن الحقيقة أن تاريخ اليابان السيئ مع الظواهر البيئية أثقل بكثير من أن تحمله أي دولة أخرى سواها باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، فهاتان الدولتان ثبت أنهما يملكان من القوة ما يجعلهما مؤهلان للزود والدفاع ضد كل الكوارث التي يتعرضان لها الآن أو تعرضا لها سابقًا.

بداية كوارث اليابان كانت منذ زمن طويل بكل تأكيد، نحن هنا فقط نتحدث عن الكوارث الظاهرة التي تم تسجيل الأثر المُترتب عليها، فما دون ذلك من كوارث لم يُسجله التاريخ بكل أسف، ولا يعرف أحد ما الذي جاء خلفه من تبعات وكم كانت أعداد الضحايا التي دفعت ثمنًا لمثل هذه الكوارث، وطبعًا إذا أردنا البداية المثالية لتلك الكوارث فإن زلزال تسونامي بلا أدنى شك سوف يكون مُناسبًا للتعبير عن حجم الكوارث التي عانتها تلك البلاد.

زلزال تسونامي، الكارثة الأعظم في التاريخ

في الحادي عشر من شهر مارس القابع في عام 2011 حدثت معجزة نادرًا ما تتكرر في العصور الحديثة، وهي أن زلزالًا تقترب قوته من التسع درجات بمقياس ريختر قد ضرب السواحل اليابانية مُلحقًا بها ضررًا كبيرًا، والحقيقة أننا عندما نتحدث عن الكوارث والزلازل، في العالم بأكمله وليس فقط اليابان، فإن تسونامي الذي نتحدث عنه لن يرضى كذلك بأقل من المرتبة الأولى على رأس تلك القائمة، ففعلًا لم يشهد التاريخ غضبًا من الطبيعة بكل هذا السوء، وكما يُقال، لو كان ذلك الزلزال قد وقع في أحد الدول المتواضعة الغير قادرة على التماسك لكان من الممكن جدًا أن تختفي من على وجه الأرض، لكن من حسن حظ العالم أن الزلزال قد اختار بلد تعتبر الزلازل والكوارث تمارين صباحية ومسائية.

تأثير زلزال تسونامي المُخيف لم يقتصر على اليابان فقط، وإنما طال بعض الدول التي تُعرف الكوارث أيضًا، ونُعطي بذلك مثالًا بالولايات المتحدة الأمريكية التي تزلزلت بعض ولاياتها من شدة التأثير، عمومًا، كانت تبعات زلزال تسونامي اليابان أقوى تبعات في تاريخ الكوارث للدرجة التي جعلتها مستمرة حتى الآن، أي بعد مرور ست سنوات على الكارثة، ناهيكم عما حدث في توقيت الزلزال من موت للأشخاص وتوقف رحلات الطيران لفترة طويلة، وقد قال المتخصصون بعد هدوء الزلزال أن اليابان قد نجت من كارثة أخرى كانت ستحدث بسبب الزلزال، وهي انفجار المحطات النووية الموجودة بالقرب من مواقع اندلاعه، لكن عناية الله حالت دون حدوث ذلك الأمر الذي كان سيضر بالعالم بأكمله لا اليابان فقط.

كانتو الكبير، تسونامي الثاني

في سبتمبر القابع في عام 1923 ضرب اليابان زلزال يُعد الثاني من حيث القوة بعد زلزال تسونامي المدمر، وذلك الزلزال هو المعروف باسم كانتو الكبير نظرًا لكون المنطقة التي وقع فيها الزلزال حاملة لنفس الاسم، وقد كانت منطقة كانتو هذه واقعة في مقاطعة شهيرة تُدعى هونشو، عمومًا، في الثانية عشر إلا دقيقتين من صباح الأول من سبتمبر في عام 1923 وقع ذلك الزلزال المدمر بقوة تفوق الثمانية درجات من مقياس ريختر وتقترب من الثمانية ونصف، وطبعًا كل درجة زائدة تختلف كثيرًا عن الدرجة الأقل من حيث القوة والتبعات وحجم الخسائر، ولمن يعرف في الزلازل فإن أي زلزال يتعدى الست درجات من مقياس ريختر يُعتبر في حكم الزلزال الكبير، فما بالكم بزلزال وصل إلى ثمانية درجات ونصف!

زلزال كانتو كان سريع الانتشار بدرجة مجنونة حقًا، فقد تمكن من الوصول إلى قلب العاصمة اليابانية طوكيو، كما أنه قد امتد من حيث الأثر إلى بعض المحيطات والسواحل، أما النقطة الأهم والمتعلقة بالضحايا فقد كانت جحيمًا من نوع آخر، حيث يُقال أن كانتو الكبير قد أسقط ما يزيد عن مئة ألف قتيل، ناهيكم عن أربعين ألف مفقود لم يتم العثور عليهم حتى الآن، أي أنهم وببساطة قد تحولوا ضمن أعداد الضحايا ليبلغ العدد الإجمالي مئة وأربعين ألف، وطبعًا ليس هناك حصر دقيق لعدد المصابين الذين تجاوزا مئات الآلاف بكثير، أرأيتم كيف كانت الكارثة صارخة وغير مُحتملة بالمرة؟

الأعاصير والبراكين، كوارث أخرى قوية

ذكرنا من قبل أن الزلازل هي السمة الرئيسية في كافة كوارث اليابان البيئية ، فتقريبًا ثلاثة أرباع تلك الكوارث التابعة لهذه البلاد تكون في الأصل زلازل، لكن هذا لا يعني أبدًا أن اليابان لا تعرف سوى الزلازل، فهناك كوارث أخرى تحدث أهمها الأعاصير والبراكين المُتكررة الحدوث خاصةً في الآونة الأخيرة، حيث يُمكننا القول أنه ثمة إعصار يحدث كل عام وبركان كل عشرة أعوام، فهذه نسبة عادلة بعض الشيء تضمن عدم المخاطرة بنفس النسبة التي تحدث بها الزلازل، والحقيقة أن الأعاصير والبراكين التي تحدث باليابان لا تكون قوية بما فيه الكفاية، بمعنى أنها لا تؤثر تأثيرًا كبيرًا مثلما هو الحال مع الدول الأخرى التي تقع بها نفس النوع من الكوارث، لكنها في النهاية تبقى قائمة ومُحتملة التطور وزيادة الخطورة في أي وقت، على كلٍ، اليابان المسكينة لن يُضيرها تلك النوعية من الكوارث في ظل وجود الخطر الأكبر المتمثل في الزلازل.

لماذا ابتُليت اليابان بكل هذه الكوارث؟

في الحقيقة هذا سؤال جيد، فبعد أن استعرضنا عينة قليلة من كوارث اليابان البيئية نحن في حاجة الآن إلى التحدث عن الأسباب التي تجعل تلك البلاد عرضة للكوارث بهذه الطريقة المؤسفة، والأسف هنا على الضحايا من البشر والخسائر المادية التي يتحملها البشر أيضًا، والحقيقة أنه ثمة عدة أسباب لهذه الظاهرة، أهمها مثلًا الأرض غير المتزنة.

الأرض غير المُتزنة

من المعروف عن الأراضي التي يعيش فيها سكان اليابان أنها غير متزنة بالمرة، بمعنى أنه ثمة بعض التفاعلات الكيميائية التي تحدث في باطنها، وهو ما يؤدي إلى الزلازل من الدرجة الأولى، هذا بالإضافة إلى بعض الدراسات الحديثة أن أرض تلك البلاد بالذات تتعرض للتقلص بنسبة كبيرة، وهو سبب آخر للبراكين والزلازل، وبعيدًا عن التقلص فإنه ثمة ما هو أقوى وأشد تأثيرًا منه، وهو ببسطة التصدع والتشقق، فكل هذه الأمور التي تحدث في الأرض تفقدها بشكلٍ كبير اتزانها، وإذا فقدت الأرض اتزانها فطبعًا أنتم لا يمكنكم أن تتوقعوا منها سوى كل سوء ممكن، وهل هناك أسوأ من الزلازل؟

التقاء صفائح تكتونية

أيضًا من الأسباب التي تُعرض اليابان للخسائر باستمرار أنها تقع على التقاء أربع صفائح تكتونية كاملة، وهذا في علم الجيولوجيا أمر خطير جدًا ونادر تكراره في البلاد، فمجموعة قليلة فقط هي التي ستجدها تعاني من هذه الأعراض، والتي تؤدي غالبًا إلى حدوث أكثر تسعين بالمئة من الزلازل، وطبعًا يُمكنك أن تُغير أي شيء في الحياة بخلاف الأرض التي تعيش فوقها، فهي كما هي وستظل كذلك للأبد.

زيادة نسبة الأبخرة

هناك ظاهرة أخرى تُلاحظ في اليابان منذ زمنٍ طويل ويُتوقع أنها كذلك سبب قوي من أسباب حدوث كوارث اليابان البيئية ، وتلك الظاهرة تتعلق ببساطة بزيادة نسبة الأبخرة الموجودة في الجو، حيث تُعتبر تلك الأبخرة نذير سوء ودرجة من درجات الاستعداد القصوى لحدوث الزلزال، بمعنى أدق، يُنبه على اليابانيين بين وقتٍ وآخر أنه في حالة رؤية أبخرة في السماء ووجود دوار بالرأس فعليكم أن تعرفوا بأن ثمة زلزال يستعد للحدوث، ولهذا يتوقع أن تلك الأبخرة سببًا قويًا من أسباب الكوارث الواقعة بكثرة في هذه البلاد المسكينة.

كثرة المفاعلات النووية

سبب آخر قوي لا يُمكننا تغافله عند التحدث عن كوارث البيئة اليابانية والأسباب التي تجعل من تلك الكوارث حدثًا شبه مُتكرر هناك، فطبعًا نحن نعرف أن اليابان أحد أكثر الدول استخدامًا لمحطات الطاقة النووية والمفعلات النووية، وكل ما هو متعلق بالنووي عمومًا، وخاصةً بعد أن لُدغت خلال الحرب العالمية الثانية من أحد مشتقات النووي، ولهذا فإن كثرة المحطات بالنسبة له أصبح أمر مبالغ فيه، وقد يعتقد البعض أن وجود تلك المفاعلات قد يبدو أمرًا عاديًا لا خطر به، لكننا إذا ما ألقينا نظرة دقيقة على العالم من حولنا فسنجد أن أكثر الدول اشتراكًا مع اليابان من حيث تكرر الظواهر البيئية هي الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتأكيد كثرة المفاعلات في هذه البلد أمر لا غبار عليه أيضًا، إذًا العلاقة تبدو واضحة.

كيف تواجه اليابان الكوارث؟

الأهم من التحدث عن كوارث اليابان البيئية أن نتحدث عن الطرق التي يُمكن من خلالها مواجهة هذه الكوارث، فطبعًا من المعروف أن العالم قديمًا كان من الممكن أن ينتهي جراء واحدة من الكوارث دون أدنى مبالغة، والحقيقة أنه قد اتضح فيما بعد أن ذلك لم يكن بسبب قوة الكارثة وإنما ضعف مقاومتها من قبل البشر، لكن الآن تغير كل شيء، وإذا كنا نتحدث عن اليابان تحديدًا فحدثوا ولا حرج عما يُمكن للكمبيوتر الياباني القيام به الآن كي يجعل من كوارثه شيء لا يُذكر، بل إن مسألة التنبؤ بالكارثة قبل حدوثها تُعتبر طفرة جديدة في هذا الأمر تستحق الاهتمام، عمومًا، بدأت تبعات الكوارث وأضرارها تقل باليابان شيئًا فشيئًا خلال الخمسة عقود الأخيرة، ومن المتوقع أن يأتي الوقت وتكون الزلازل فيه أشبه بمطر طفيف باليابان نظرًا لتطور قدرة البلاد على مواجهة الكوارث بأحدث الأساليب وأكثرها تقليلًا للمخاطر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثلاثة × 2 =