تُعتبر البراكين واحدة من أسوأ الكوارث التي تعرض العالم على مدار تاريخه، أما بركان ماونت رونج بالتحديد فيُعد الكارثة الأبرز خلال السنوات العشر الأخيرة، والمعروف عن البراكين أنها إذا جاءت تُدمر المناطق المحيطة بها وتسلبها خصوبتها إذا كانت أراضي زراعية، لكن الدمار الذي خلّفه بركان ماونت رونج كان أكثر من ذلك بكثير، حيث تسبب في تدمير عدة مطارات وإغلاق أخرى، حتى أصبح علامة سوداء في تاريخ اندونيسيا، لكن، قبل أن نستعرض هذا البركان وتبعاته على البيئة والسكان دعونا نتعرف في السطور التالية على البراكين بشكلٍ عام مع إلقاء الضوء على ماونت رونج.
بركان ماونت رونج والأثر البيئي له
ما هو البركان؟
عندما تغضب القشرة الأرضية فيُمكن تسمية ما يحدث جراء هذا الغضب بالبركان، فالفوهة التي تُفتح في باطن الأرض ليس مجرد فوهة مُلتهبة تُخرج كراتٍ من النار فقط، وإنما أيضًا يخرج معها ما يجتث الأخضر واليابس حولها، إجمالًا، هو دمار من النوع الذي لا يُمكن بعده إعادة الأمر إلى نِصابه من جديد، وهذا العالم يشهد على ذلك، فما أكثر البراكين التي تعرضت لها القشرة الأرضية منذ الانفجار العظيم إلى الآن، بل أنه يُمكن القول أن البُركان والزلزال كانا أول الكوارث الطبيعية التي ضربت بهذا الكون، لكن، يُمكن اعتبار كافة البراكين شيء، وبركان ماونت رونج، الذي حدث في اندونيسيا قبل أشهرٍ قليلة، شيء آخر مختلف تمامًا، على الأقل بالنسبة للإندونيسيين.
بلد البُركان
قبل أن نتعرف على بركان ماونت رونج يجب علينا أولًا معرفة تضاريس إندونيسيا، بلد البركان، والتي لا تعتبر مثل هذه الكوارث شيء جديد عليها فهي تتكرر بشكل مُستمر بسبب التضاريس الغريبة الواقعة فيها، حيث تقع على امتداد سلسلة من الخطوط المتصدعة جيولوجيًا، مما يعني أنها أرض مناسبة جدًا للتصدعات والاهتزازات، وهو الأمر الذي استغلته الطبيعة جيدًا، فأصبحت إندونيسيا أكبر بلاد العالم امتلاكًا للبراكين، حث تحتوي أراضيها على أكثر من مئة فتحة بُركانية قابلة للثوران في أي وقت، وهو ما ظهر بشدة أثناء بركان ماونت رونج.
بركان ماونت رونج
في يوليو 2015، وتحديدًا في بلدة جاوة، الواقعة شمال شرق اندونيسيا، أقلعت مجموعة من الطائرات بالقرب من أحد البراكين، التي كانت هادئة في هذا الوقت، وفور اقتراب الطائرات الأربع بدأ البركان في الثوران فجأة كعادة كل الكوارث، وظل يتصاعد ويتصاعد حتى وصل إلى ذروته في تمام الثالثة ظهرًا، وهو الوقت الذي يكون الجو حارًا في إندونيسيا بطبيعته، لذلك لم يجد البركان عائقًا من الانطلاق خارج فتحته وتدمير كافة المناطق المحيطة به، لكن، لا أحد فكرّ فيما يحدث للطائرات الأربع التي كانت عالقة في السماء هذا الوقت.
جحيم سماء جاوة
لسوء الحظ، كانت الطائرات التي أقلعت من جاوة لا تزال في نطاق بركان ماونت رونج، وهو الأمر الذي كان يُعد كارثيًا بالطبع، إذ أن البركان عند ثورانه تخرج منه كرات لهب وتتفتت الأحجار الموجودة فيه متطايرة في السماء، وهذا بالفعل ما حدث وأحال السماء إلى سحابة مُلتهبة ورمى الطائرات الموجودة فيها بفتات الأحجار، ولولا لهبوط الاضطراري في أحد المطارات القريبة لكان من الممكن جدًا أن تشهد إندونيسيا، والعالم أجمع، كارثة أكبر بكثير من البركان، لكن، هل انتهى خطر بركان ماونت رونج عند هذا الحد، بالتأكيد لا، فما حدث بعد ذلك كان هو الكارثة الحقيقية.
آثار ماونت رونج
تأثرت كل المناطق المحيطة بجاوة تقريبًا، فبعد نجاة الطائرات الأربع وهبوطهن هبوطًا ناجحًا برزت الكارثة الأكبر في المناطق المجاورة لموطن اندلاع القربان، حيث تم إجلاء أكثر من عشرة آلاف مواطن فيما لم ينجح في ذلك أربعة آلاف غيرهم، لكن لحسن الحظ لم يلقى الكثير حتفهم وكانت نسب النجاة مرتفعة للغاية.
وبالطبع يرجع ذلك إلى اعتياد سكان إندونيسيا على مثل هذه الأمور وأخذهم الاحتياطات اللازمة، لكن الأمر لا يمنع بالطبع من احتمالية فشل تلك التدابير وحدوث الكارثة، وإن كانت بالفعل تحدث في المباني والمُنشآت المجاورة لمناطق اندلاع بركان، فخلال ماونت رونج فقط تم فقدان سيارات ومباني بمبالغ تتجاوز الثلاثة مليار دولار، وبالطبع لا سبيل للبحث عن أي شيء تم فقدانه، لأنه وببساطة شديدة قد أصبح وجبة لنيران البركان.
ماونت رونج والبيئة
آثار بركان ماونت رونج على البيئة كانت مثل آثار أي كارثة طبيعية غيره، فهو كأمرٍ مُسلّم به سلب الخصوبة من التربة ولوث الهواء وكدّر المياه، وهناك آثار بيئية أخر اختص بها بركان ماونت رونج أهمها مثلًا أنه لوث السُحب التي كانت من المفترض أن تُمطر أرض جاوة هذا اليوم، مما جعل المنطقة تتعرض لما يُعرف بالأمطار السوداء، كما تسبب في قتل وإتلاف خصوبة أكثر من عشرة آلاف رأس من الإبل والماشية، إضافةً إلى منع الطيور من التحليق في المنطقة لأكثر من خمسة أيام متواصلة، إجمالًا، لقد كان الأمر لا يُحتمل، ولولا أنه قد حدث في إندونيسيا المُعتادة أصلًا على مثل هذه الأمور لكانت هناك أقوالٌ أخرى.
حوادث مُشابهة
لم يكن ماونت رونج البركان الوحيد في إندونيسيا هذا العام، حيث تعرضت البلاد لبركانين مُتتاليين في شهري يناير وفبراير، أولهما في جزيرة شهيرة هناك تُدعى سومطرة، وقد أسفر ذلك البركان رغم عدم قوته عن مقتل أكثر من أربعة عشر شخص، جميعهم لم يستطيعوا الإفلات وقت الثوران، أما البركان الثاني، والذي كان فيشهر فبراير، فقد حدث بالقرب من جبل كيلود، وقد كان عظيمًا لدرجة أنه قد تم إخلاء المدينتين المجاورتين له بالكامل، وربما ساهم ذلك الإجراء في حفظ الأرواح والخروج دون ضحايا للمرة الأولى في تاريخ البراكين بإندونيسيا.
غرائب البراكين
الغريب في البراكين، وفي إندونيسيا بشكلٍ أعم، أنه من كثرة التعود على هذه الأمور أصبح كل بركان، أو كل فوهة بركانٍ بمعنى أدق، تحمل اسم، فهناك مثلا بركان سينابونج وبركان كيلود، وبركان ماونت رونج الذي نتحدث عنه الآن، وهناك أكثر من مئة بركان في إندونيسيا كما ذكرنا، وجميعهم يحمل أسماء، بل وصفات أيضًا، فقد يُقال مثلًا هذا بركان ماونت رونج النمر، وهذا بركان كيلود الظبي، وهكذا.
الأغرب من ذلك، أنه خلال السنوات الأخيرة ظهر ما يُسمى بالسياحة البركانية، حيث يجتمع بعد الأشخاص في إحدى التلال وقت تحين البركان ويقومون بمراقبة ثورانه وكيفية حدوثه، وقد يُعد ذلك ضربًا من الجنون، لكنه يحدث بالفعل، حيث أدى التعود على تلك الأشياء إلى الاستمتاع بها وقت حدوثها، تخيل أن يجعل الناس أوقات الدمار مُمتعة وشيقة!
الحياة بعد ماونت رونج
عادت حركة الطيران بعد عشرة أيام، وكان ذلك التوقف بالطبع لانتظار تنقية الهواء من الإفرازات الضارة للبركان، وقد ظل الناس لأشهرٍ قليلة يتجنبون رحلات الطيران التي تُقلع من المطارات الأربع القريبة من موضع اندلاع البركان، لكن مع الوقت عاد الأمر إلى طبيعته، فكما ذكرنا من قبل، يُعد البركان شيئًا طبيعيًا بالنسبة للإندونيسيين، أما إذا أردنا أن نُعطي الأشياء حقها فيجب علينا التأكيد على أن بركان ماونت رونج كان من أشد وأقوى البراكين التي تعرضت لها البلاد على مدار تاريخها.
أضف تعليق