يُعتبر الاستزراع السمكي أحد أهم الاكتشافات التي وصل إليها الإنسان في العصر الحديث، والتي لا تقل أهمية عن اكتشاف الكهرباء والدواء، وذلك لأن الاستزراع السمكي ببساطة قادر على زيادة القدرة الإنتاجية من الثروة السمكية في وقتٍ قليل وبأقل الإمكانيات المتاحة، ولا نُبالغ إذ نقول إن اكتشاف الاستزراع السمكي في العالم كان بمثابة إعادة اكتشاف للأسماك من جديد، وبالرغم من ذلك، نجد أغلب المُزارعين لا يعرفون شيئًا عن الاستزراع السمكي ولا يعملون به ولا يستفيدون من فوائده الجمة، لذلك كان لابد من التحدث عنه وعن فوائده وكيفية سير العملية الاستزراعية، كل هذا وأكثر نتعرف عليه في السطور الآتية.
الاستزراع السمكي من الألف إلى الياء
ما هو الاستزراع السمكي؟
الاستزراع السمكي ببساطة، وبعيدًا عن كل التعريفات الصعبة التي قد تسمعونها، هو استعجال عملية الإنتاج السمكي، فلم يعد من المناسب للإنسان الحديث الذي صعد الفضاء وداس القدم، أن يظل مُنتظرًا للأسماك حتى يكتمل غذائها وتُصبح صالحة للصيد، لذا فكر في أخذ هذه الأسماك وإخضاعها لبيئة قادرة على زيادة وزنها بسرعة ورعايتها الرعاية المطلوبة وتوفير كافة الاحتياجات لها، حتى أن الأسماك لا تأخذ فترة قصيرة وتصل إلى الوزن التسويقي، كسمكة البلطي مثلًا التي تزن ربع كيلو جرام وسمكة القرميط التي تزن كيلو جرام واحد، الاستزراع السمكي يفعل ذلك في فترةٍ لا تُقارن بالفترة الطبيعية ولم يلق بعد الاهتمام بالمطلوب، فهل يعرف أحدكم مثلًا كيف يتم الاستزراع السمكي؟
كيف يحدث الاستزراع السمكي؟
يتم الاستزراع السمكي عن طريق عدة مراحل ترتبط ارتباطًا شديدًا ببعضها، ولا تحتاج المرحلة الأولى تفكيرًا كبيرًا إذ أنه بالطبع تتعلق باختيار الموقع الذي يُمكن أن يتم إنشاء المزرعة السمكية به، وهذه المرحلة تتطلب شيئين مُهمين، أولهما يتعلق بالناحية التسويقية كأن تكون المزرعة قريبة من الأماكن الرئيسية والأسواق حتى تسهل عمليات شراء المستلزمات وبيع المنتجات.
الشيء الثاني والذي يجب مراعاته أيضًا عند اختيار الموقع هو تربتها، فيجب أن تكون من التربة ذات الطبي الوافر لتتمكن من الاحتفاظ بماء الأسماك لفترة طويلة، وعلى ذكر ماء الأسماك، لا شك أن الماء والتأكد من توافره دائمًا في المزرعة، فلا سمك بلا ماء، أما الشيء الأخير المتعلق باختيار الموقع فهو التأكد من توافر الكهرباء بشكل منتظم.
إنشاء أحواض الاستزراع
المرحلة الثانية من مراحل عملية الاستزراع السمكي هي إنشاء أحواض الاستزراع، وأحواض الاستزراع غالبًا تكون متوحدة في الشكل والمواصفات، فهي كمساحة مثلا تتراوح بين النصف والعشرين فدان، ويختلف ذلك باختلاف التربة، كما أنها تأخذ الشكل المستطيلي ذو المحور الطولي العمودي المُتماشي مع اتجاه الريح، أما العرض فهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يتغير، حيث يكون 2:3 دائمًا، وفي هذا مُراعاة لكمية الجهد المطلوبة والمبذولة.
أخيرًا، بقي أن نقول في مرحلة إنشاء أحواض الاستزراع، أن الأحواض التربية التي يكثر استخدامها في هذه العملية لا تصلح إلا في عملية الاستزراع ذات الطابع الانتشاري والشبيه بالمكثف، وأن يكون هذا الحوض عميقًا كي يُمكن الاستفادة منه خلال مراحل الاستزراع الأولى، كما يُفضل أن تتم زيادة أعداد الأسماك بالتدريج لأن ذلك سيؤدي إلى تعميق الحوض وزيادة قدرته الأكثر على الاستيعاب، وإجمالًا، تُعد مرحلة إنشاء أحواض الاستزراع المرحلة الأهم والأصعب.
مرحلة شراء الزريعة
المرحلة الثالثة من مراحل الاستزراع السمكي هي مرحلة شراء الزريعة، والمقصود بالزريعة هي الأسماك الصغيرة التي يتم زراعتها، أو بمعنى أدق، استزراعها، وهذه الزريعة يجب أن تكون خالية من الأمراض وذات حجم واحد ومعدلات نمو ثابتة، إضافةً إلا أن الأماكن التي يتم الشراء منها يجبن أن تكون موثوقة وآمنة، كما أنها يجب أن تكون صائم طوال اليوم الذي يسبق شرائها، وفور وصولها يتم تغذيتها وإضافة كلوريد الصوديوم إلى مائها.
التأقلم الذي يتبع عملية الشراء أمر هام للغاية، فالإنسان نفسه يحتاج إلى التأقلم عندما ينتقل من مكانٍ إلى آخر، وكذلك الأسماك، لكن تأقلمها يتم بعدم تعرضها لصدمة كبيرة في يومها الأول، كالصدمات الحرارية مثلًا، فإذا تعرضت لمثل هذه الصدمات قد تفسد الزريعة بأكملها، لذلك يُقال إن مُعاملة الأسماك كمعاملة الإناث، يجب أن تتم برفق.
نهاية عملية الاستزراع السمكي
المرحلة الرابعة من مراحل الاستزراع السمكي هي الحصاد، حيث تنتهي عملية الاستزراع السمكي بالحصاد مثلما تنتهي تمامًا عملية الزراعة الطبيعية، وأول ما يتم فعله عند انتواء الحصاد هو خفض أو تفريغ الحوض من المياه الموجودة فيه، ويجب أن تتم العملية عند الصباح الباكر، حتى لا تكون الأسماك في حاجة إلى غذاء، وقبل أن تؤخذ للبيع يجب غسلها جيدًا وتصريف مياهها بالكامل، ولا يتم ملئ الحوض مرة أخرى إلا بعد الحصول على زريعة جديدة.
أمور مُتعلقة بعملية الاستزراع
إلى هنا تنتهي مراحل عملية الاستزراع السمكي، لكن هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند القيام بعملية الاستزراع السمكي، أولها يتعلق بالوقت، فزراعة الأسماك كزراعة النباتات، لها وقت محدد وموسم معلوم، وهو الذي يبدأ بانتصاف مارس وينتهي بانتهاء نوفمبر، أما رأس مال هذه العملية فهو المياه، لأنها إذا قلت أو أخلت بأحد الشروط فستفسد العملية الاستزراعية برمتها، حتى أنها أهم من التسميد نفسه.
طوال فترة الاستزراع يُستحسن أن يتم أخذ عينة كل فترة وتحليلها، ومعرفة إذا ما كانت عملية الاستزراع تسير بشكل جيد أم لا، هو أمر يُشبه كثيرًا الفحوصات التي يقوم الشخص السليم إجرائها بين الحين والأخر للوقوف على الحالة التي وصل إليه، فهناك أدوية لعملية تأخر النمو فيما يتعلق بعملية الاستزراع، بل هناك أصلًا ما يُسمى بالطب السمكي، ومن أهم الحلول التي تخص تأخر نمو الزريعة أن يتم التخلص من المياه القديمة واستبدالها بمياه جديدة نظيفة، وبالطبع تكون المياه أكبر من أن تُلقى هباءً، فيتم استخدامها في عملية الزراعية، ليبرز لنا التكامل بين الاستزراع السمكي والنباتي.
أمراض الزريعة
من المشاكل الرئيسية التي قد تواجه القائم بعملية الاستزراع السمكي طوال فترة الزريعة الأمراض التي تُصيبها، أو بمعنى أدق، تلك الأمراض التي تُصيب الأسماك، وهي شديدة الخطورة، لأن أغلبها يكون مُعدي، وهي تأتي بسبب الطحالب السامة والنباتات والحشائش التي تنشأ خلال فترة الزريعة داخل المياه أو بسبب نقص الأكسجين ودرجة الحموضة، وأمراض الأسماك هذه يُمكن ملاحظتها بسهولة، فمثلًا إذا وجدنا الأسماك تقترب من سطح الزريعة بكثرة فمعناه أنها بحاجة إلى الأكسجين، أو أنها مثلًا ليست لديها شهية الإقبال على طعامها أو أي شكل من أشكال الضعف، هنا نتأكد أن الزريعة قد أصيبت بأحد الأمراض، وهنا يجب الكشف عن الزريعة بالكامل واستئصال العنصر المريض لكي لا يضر بالآخرين، والواقع أنه من الواجب في البداية فحص الزريعة جيدًا والتأكد من خلوها من الأمراض، لأنها في الغالب تأتي مُصابة إما بسبب سوء اهتمام صاحب الزريعة القديم أو تلوث الهواء أثناء نقلها.
في النهاية لا يسعنا سوى القول إن الاستزراع السمكي استطاع قفز قفزة كبيرة خلال السنوات العشرة الأخيرة جعلته في مقدمة العمليات الزراعية وحظي باهتمامٍ كبير، وهو أمر جيد، ستشعر الأجيال القادمة بأهميته.
أضف تعليق