الصيد الجائر مشكلة تسبب أضرارًا غير محدود للبيئة، كلما هو حولنا في الطبيعة ما هو إلا ثروةٌ حقيقية بدونها قد تنهار الحياة بأكملها على كوكبنا، يعتقد البعض أن قولًا كهذا ما هو إلا ضربٌ من ضروب المبالغة الشديدة فالأسماك مثلًا جزءٌ صغيرٌ من حياتنا! لو حدث واختفت الثروة السمكية من على وجه الكوكب هل سنموت بدون أن نتناول السمك والبحريات؟ ليس الأمر بهذه البساطة بالطبع والموت لن يسببه عدم تناول السمك رغم عدم قدرتنا على إنكار الفوائد العظيمة التي تأتي من الأسماك ولحومها وزيوتها وكونها مصدرًا عظيمًا من مصادر البروتين والفوسفور والفيتامينات والمعادن وأن صحتنا ستتدهور أو لنبتعد عن كلمة التدهور ولنقل ستتأثر بشكلٍ واضح بدون بحرياتٍ أو أسماكٍ كمصدر للغذاء لنا، لكن الأزمة الكبرى تتمثل في كلمة التوازن البيئي، فكل جزءٍ في هذا العالم وكل مكونٍ من مكونات الطبيعة ترسٌ يدور في الآلة العملاقة فإن توقف أحدها ستتأثر الآلة وتعطب ويتعطل عملها، الأسماك تمثل جزءًا كبيرًا وهامًا من مكونات البيئة ووزنًا قويًا وثقيلًا يحافظ على ميزان البيئة في حالة استقامة وثبات، فتخيل أننا بكثيرٍ من السلوكيات الجائرة والظالمة نسير في طريقٍ سريعة نحو تدمير جزءٍ مهمٍ كهذا من حياتنا وبيئتنا.
مشكلة الصيد الجائر
أهمية الثروة السمكية
تدخل الأسماك في العديد من الأشياء في حياة الإنسان ما بين مصدرٍ قويٍ للبروتين والغذاء واستخداماتها العديدة في الطب وفي الصناعات الغذائية وأحيانًا غير الغذائية كالصناعات الكيميائية، لا توفر الأسماك مصدر غذاءٍ للإنسان وحده فهناك ملايين الحيوانات والكائنات الحية في الخارج التي تعتمد على السمك كغذاءٍ أساسيٍ ورئيسيٍ لها، وباختفاء أو تضاؤل الثروة السمكية قد تتعرض تلك الحيوانات لخطر المجاعة وتواجه الهلاك، كما تمثل الأسماك وصيدها مصدر دخلٍ لا تعتمد عليه حياة أشخاصٍ بذاتهم فحسب وإنما دولٌ بأكملها تقوم حياتها واقتصادها على أقدام الثروة السمكية المتوفرة عندهم والصناعات القائمة عليها وبعد ذلك التجارة في تلك الصناعة وتصديرها للخارج وهكذا دواليك فكيك ستكون حال تلك الدول لو استيقظت ذات يومٍ لتجد البحار نضبت بما فيها من أسماك، لذلك نحن بحاجةٍ إلى وقفةٍ حازمةٍ مع كل ما يتعرض للثروة السمكية بالسوء مثل الصيد الجائر ومحاولة تغييره والقضاء عليه حفاظًا على حياتنا وبيئتنا، فالنتائج المترتبة على تلك السلوكيات الخاطئة في التعامل مع معطيات البيئة ستودي بنا لمجاعةٍ محققة خاصةً حين يسقط منا مصدر بروتين أساسي فنعتمد على المصدرين المتبقيين فقط من لحومٍ وطيور، ناهيك عن الخلل البيئي الذي سيحدث من موت الحيوانات التي تتغذى على الأسماك ومن كثرة استهلاك بقية مصادر البروتين من الإنسان، إن التصرفات الغير مسئولة لن تؤدي سوى لانقراض ملايين الأنواع من الأسماك والملايين البحرية وربما على مر السنين ستتسبب بانقراض الإنسان بذاته.
تتأثر وتؤثر
كغيرها من بقية مكونات وأجزاء الطبيعة تتأثر الثروة السمكية بما حولها وبالعوامل الأخرى كما تؤثر فيها، أول ما تتأثر به هي عوامل الطبيعة نفسها بعضها يكون طبيعيًا وبعضه يكون غير طبيعي وشاذ عن المألوف بالنسبة للثروة السمكية قد يؤدي لنتائج إيجابية أو عكسية في بعض الأحيان، أول وأكبر عامل يؤثر على الثروة السمكية بطبيعة الحال هو البيئة المائية التي يعيش فيها وأي تغيرٌ في تلك البيئة تؤثر عليه بدرجةٍ كبيرة، بل حتى العوامل البيئية الخارجية التي تؤثر على المسطحات المائية تمسه وتؤثر عليه بشكلٍ فعال، يتأثر السمك بدرجة حرارة الماء وسرعة تياراتها ودرجة ملوحتها وعذوبتها ودرجة عكارتها من نقائها والرياح الموجودة في تلك المنطقة التي يوجد فيها السمك، ونوع المسطح المائي نفسه إن كان بحرًا أم محيطًا أم بحيرة، ومن جانبٍ آخر تتأثر الأسماك ببعضها البعض وبالأحياء التي تتعامل وتتعايش معها كمركزها في الهرم الغذائي وإن كانت تأكل غيرها من الأسماك أو تؤكل، وعدد الحيوانات والطيور المتواجدة في تلك المنطقة والتي تعتمد في غذائها على السمك والبحريات، كل تلك العوامل قد تزيد من عدد الأسماك لدرجةٍ لا يمكنك تخيلها وتغطي الأسماك أسواقنا أو تقلل من أعدادها بشكلٍ خطير تختفي معه لفترة من الأسواق.
الإنسان والثروة السمكية
يؤثر الإنسان بالغ الأثر على الثروات السمكية سواءً كان ذلك بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، كل سلوكيات الإنسان تقريبًا قادرة على التأثير في جزءٍ من أجزاء البيئة وتغير مصيرها تمامًا، لكن للأسف فأكبر الأثر الذي يتركه الإنسان على الطبيعة مكان ما حل بها هو تأثيرٌ هادمٌ وضار، ولم يستوعب الإنسان مهمته البنائية إلا مؤخرًا في السنين الأخيرة، أما قبل ذلك فكان متطلبًا مستهلكًا بدرجةٍ أولى أثناء تعامله مع البيئة بشكلٍ خاص ظنًا منه أنها نبعٌ لا ينضب من العطاء، لكن تبين له مع الوقت خطأ ما اعتقد، تأثير الإنسان على الثروة السمكية بشكلٍ مباشر يكون عن طريق الصيد وآلياته وطرقه وعلومه وكونه رشيدًا متعقلًا أم جائرًا ظالمًا بلا مسئولية، يتمثل الصيد الرحيم في كونه صيدًا مستندًا على المعرفة والعلم والإنسانية والاهتمام بتوفير احتياجات الإنسان والصناعة مع الحفاظ على الثروة السمكية وعلى البيئة، وغالبًا ما يكون الصيادون البارعون الذين عاشوا حياتهم كلها في بيئة الصيد بأنواعه وأشكاله تعلموا وتربوا على فهم الأسماك والتفاهم معها، فالصيد لا يصح في كل الأوقات لكل الأعداد وانتهى الأمر بمنطقٍ في منتهى الأنانية والجشع، وإنما يبحث الصياد فيما يصطاده فيعرف فترة تكاثر الأسماك وزمن هجرتها ومكان ذهابها وعودتها وعددها في كل عامٍ ليحدد على أساسه الكمية التي سيصطادها منه والحرص على إيجاد مواسمه وأحيانًا عدم الصيد إلا فيها، بهذه الطريقة يكون الإنسان قادرًا على الحصول على متطلباته واحتياجاته دون أن يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على الأسماك أو حتى أعدادها التي تبقى ثابتةً وفي ازدياد إن كان قادرًا على الصيد بذكاءٍ كافي، ومن ناحيةٍ أخرى يؤثر الإنسان بشكلٍ غير مباشرٍ على الثروة السمكية عن طريق التلوث والمصانع والتعامل مع المسطحات المائية بغباء وإهدارها وتلويثها بمخلفات الصناعة والزيوت والبترول الذي يسقط من السفن التي تنقله أو عند تحطم تلك السفن فتبقى مخلفاتها في المكان لوقتٍ طويلٍ وقد تكون من الخطورة والسمية أن تؤدي لاختفاء الحياة البحرية تمامًا في تلك المنطقة! ما زال الإنسان بحاجةٍ لدراسة كيفية تعديل تلك السلوكيات الخاطئة ووقاية المياه وما يعيش فيها من أحياء كل تلك الأخطار.
الصيد الجائر
بعد أن رأينا الصيد العادي والطبيعي لننظر إلى الاتجاه الآخر من الصيد الذي يمكن أن نعتبره بمنتهى البساطة عملًا من أعمال المافيا والسوق السوداء، ووجهًا من وجوه الشجع والتعطش للمال بلا وضع أي اعتبارٍ لأي شيءٍ آخر من أصحاب تلك الجريمة، يظلم أصحاب الصيد الجائر بسلوكياتهم وجرائمهم الصيادين الشرفاء والذين يزاولون مهنتهم بمنتهى العلم والرحمة والإنسانية، يأخذ هؤلاء المجرمون رخصًا غير مشروعة وغير قانونية للصيد، وعملهم كله يدخل في نطاق اللامشروعية والخروج عن القانون خاصةً باستخدامهم كل وسائل وأدوات الصيد الجائر الغير قانونية والمحرمة دوليًا التي لا تؤثر على الثروة السمكية المنهوبة فحسب بل تؤثر على المياه بأكملها وكل ما يعيش فيها لا ذنب له في تلك المجزرة، فلك أن تتخيلهم يستخدمون المتفجرات والقنابل والبارود والشبكات الممنوعة لأنها مغلقة وتطوق الأسماك كحقيبةٍ بلاستيكية محكمة، فتخيل النتيجة التي تحدث عندما ينسى بعض الصيادين شبكةً من تلك الشباك وملايين الأسماك محبوسةً بداخلها لتموت موتةً مؤلمةً قاسية لكن تلك المشكلة الإنسانية ليست الوحيدة، فالتلوث الناتج عن بؤرةٍ ماتت فيها ملايين الأسماك فجأة قد يكون قاتلًا لكل حيٍ في تلك المنطقة لم تمسه الشبكة حتى! ومن ناحيةٍ أخرى فهم يستخدمون السموم والمواد الكيميائية لقتل الأسماك والحصول عليها وهو ما يترك أثرًا بشعًا راكدًا في المياه يصيب بقية الأسماك إما بالعقم وإما بالمرض والموت لتهبط أعداد الأسماك أكثر فأكثر، ناهيك عن فداحة تناول الإنسان لأسماكٍ تم قتلها بالسم والنتائج المترتبة على شيءٍ كهذا، ومن جانبٍ آخر تكمن خطورة الصيد الجائر في أن أصحابه لا يراعون إلًا ولا ذمة فيصطادون في الأماكن المحرك الصيد فيها بموجب القانون والمحميات المختلفة ويعرضون فصيلًا كبيرًا من الأسماك للانقراض بمنتهى الأنانية.
بدون قصد
المشكلة أن بعض التأثيرات الضارة التي نسببها للثروة السمكية تحدث بدون قصدٍ من الإنسان وإنما هي نتاجٌ طبيعيٌ لتطور العصر وتقدمه، فالزيادة في الأعداد البشرية تسببت في زيادة الاستهلاك للثروة السمكية واستنزاف البيئة أكثر فأكثر ما دفعنا إلى الدخول لأعماقٍ أبعد باحثين عن أعدادٍ أكبر نصطادها من الأسماك ونستهلكها، وليس ذلك فقط بل صارت لنا تقنياتٌ وأساليبٌ أكثر قوةً وسرعةً وضمانًا في الصيد قدمها لنا العلم والتطور التكنولوجي ليزيد الاستهلاك مرةً أخرى، وتصبح فكرة التقييد والتحكم والالتزام بالمواسم ودراسة دورات حياة الأسماك واختيار الوقت المناسب لصيدها حتى لا يؤثر ذلك عليها يبدو أمرًا ضعيفًا أمام كمية الاستهلاك التي يحاول العالم جاهدًا تقليلها بلا فائدة، ذلك مثله مثل مشكلة التلوث التي تجعلنا ندور في حلقةٍ مفرغةٍ من الحيرة مهما حاولنا التقليل منه والقضاء عليه يُظهر لنا العصر بتقدمه مدى عزنا عن القيام بذلك.
حماية الثروة السمكية
وجود الثروة السمكية تحت تهديدٍ حقيقي قد يهدد وجودنا أنفسنا يحتاج إلى وقفةٍ طويلة وحازمة مع كل ما يؤثر عليها سلبًا ويدمرها ، تفرض الدول القوانين التي تحرم الصيد الجائر وتفرض العقوبات على ممارسيه، لكن طالما أن الصيد الجائر ما زال موجودًا ومنتشرًا بكثرة إذًا فهناك شيءٌ خاطئٌ وحلقةٌ مفقودة، فنحن بحاجةٍ إلى قوانين أكثر حزمًا ووضوحًا وصرامة، وإلى عقوباتٍ نافذة وقاسية يتم تنفيذها في الحال بدون اعتبارٍ لأي شيءٍ آخر مهما يكن المجرم الذي ارتكبها، لكن الأزمة تكمن في كوننا نعيش في عالمٍ يقوم على أرجل العصابات والمافيا، صحيحٌ أن فكرة المافيا قديمة ويرى البعض أنها انقرضت ربما لكن الحقيقة أن المافيا في عصرنا لم تعد تسير في الشوارع تستخدم السلاح والمدافع الرشاشة للترهيب وإنما اختفت الأسلحة إلا مسدسًا صغيرًا من تحت الطاولة يدعمه السلاح الأكبر وهو الذكاء، إن كل تلك المنظومات الفاشلة والفاسدة بحاجةٍ إلى إبادة تامة لنتمكن من تصحيح حياتنا والحفاظ على ثرواتنا، إلا أن الأزمة تكمن أن بعض الدول لا يسيرها سوى رجال العصابات ولا صوت يعلو فوق صوتهم، هم القانون! نحتاج كذلك إلى زيادة الأبحاث والدراسات المتعلقة بالأسماك وأنواعها وسلوكياتها ودورات حياتها ونحدد قوانين الصيد الجائر على أساسها لعلنا نفوز في تلك الحرب الظالمة، ومن ناحيةٍ أخرى فكل الأسماك المعرضة للهلاك أو الانقراض أو التي تعاني من نقصٍ حادٍ في أعدادها تحتاج العزل في محمياتٍ طبيعية تشدد عليها الحراسة والرقابة لتُترك فرصةٌ لتلك الأسماء لتعيد تكوين نفسها وزيادة أعدادها ويصبح صيدها ممكنًا بدون تعريضها للخطر.
أضف تعليق