تسعة بيئة
الزراعة في الفضاء
بيئة » الزراعة والغذاء » الزراعة في الفضاء : هل لها مستقبل حقًا ؟

الزراعة في الفضاء : هل لها مستقبل حقًا ؟

تعتبر الزراعة في الفضاء واحدة من التقنيات الواعدة للتغلب على مشكلة ضيق المساحات الزراعية على كوكب الأرض، لكن هل الزراعة في الفضاء ممكنة حقًا؟ وهل هي مجدية؟

الزراعة في الفضاء من الأمور التي يفكر فيها البشر في الوقت الحالي، قد يعتبر البعض الزراعة في الفضاء من الأمور الخيالية غير ممكنة الحدوث، لكن مع كل هذا التقدم الذي نحيا فيه ربما تصير الزراعة في القضاء ظاهرة قابلة للتحقيق في الواقع بالفعل لا مجرد خيال، وكلما تقدم العلم وتمكن الإنسان من السفر عبر الفضاء كلما لاح في الأفق الاحتياج لأن تصير الزراعة في الفضاء أمرًا حقيقيًا، فعندما يسافر الإنسان إلى كوكب المريخ في المستقبل سيحتاج إلى المياه والغذاء وإلى التنفس، فكيف سيحصل على ذلك؟ هل سيأخذ كل هذه الأشياء معه من الأرض مع وجود العديد من التبعات لهذا الفعل؟ أم سيلجأ إلى الزراعة في الفضاء كحل بديل؟

كيف يمكن الزراعة في الفضاء ؟

لماذا قد نلجأ إلى الزراعة في الفضاء في المستقبل؟

العيش في الفضاء لفترات طويلة يتطلب أن يتوافر لدى الإنسان كميات كبيرة ومناسبة من الطعام والماء والأوكسجين، وهذه ليست المعضلة الوحيدة، بل إنه على الإنسان أن ينقل كل هذه الأشياء إلى الفضاء.
قد لا يفكر أحد في كون هذه مشكلة، لكننا حين نعلم بأن كل كيلوغرام زائد يتم نقله فإنه يتطلب طاقة إضافية، سندرك حجم المشكلة التي نحن بصددها، خصوصًا في الرحلات البعيدة والتي تستمر لفترات طويلة، لذلك يبدو اللجوء إلى الزراعة في الفضاء هو الحل العملي لهذه المشكلة، حتى ولو كان البعض يظنه حاليًا ضرب من الخيال العلمي، لكن العلم لا يؤمن بالخرافات، ويتناول كل الظواهر بصورة منطقية، من أجل النجاح في تحقيق ما يتمناه، ولعل في النهاية الزراعة في الفضاء تصبح واقعًا حقيقيًا في المستقبل.

ما هي المشاكل التي قد تقف في وجه عملية الزراعة في الفضاء وتمنع حدوثها؟

العلم لا يؤمن إلا بالتجربة والمحاولة دائمًا، لذلك كان أول شيء أساسي لا بد منه هو معرفة ما هي المشاكل التي من شأنها أن تجعل عملية الزراعة في الفضاء عملية صعبة غير قابلة للحدوث، من ضمن هذه المشاكل التي وجدها العلماء التالي:

  • المشكلة الأولى: مشكلة التربة والتي من شأنها أن تتطاير في الفضاء، فلا يجد العلماء الوسط المناسب للزراعة فيه بسبب هذه المشكلة.
  • المشكلة الثانية: مشكلة الضوء، فالإضاءة قد تقل تمامًا في بعض الأماكن، مما يمنع النبات من الحصول على الضوء الذي يريده، وبالتالي يمنع إتمام عملية الزراعة في الفضاء ويجعلها أمرًا غير ممكن الحدوث.
  • المشكلة الثالثة: انعدام وزن الماء في الفضاء.
  • المشكلة الرابعة: الاعتناء بالنباتات، فمن الممكن الاعتماد على طاقم يتكون من عدد محدود في حالة عدد النباتات صغير، لكن في حالة وجود عدد أكبر قد يصل إلى محطة كاملة، فهنا تحدث المشكلة.
  • المشكلة الخامسة: صعوبة حمل المعدات اللازمة لإتمام عملية الزراعة في الفضاء حيث أن المركبات الفضائية لا تضم مساحة واسعة لتخزين المعدات.

حلول مشكلات الزراعة في الفضاء من العلماء

من الممكن أن يقف الإنسان عند المشكلة ويستسلم لها، ومن الممكن أن يحاول إيجاد حلول، هذا الأمر يعتمد على مدى الرغبة في تحقيق الإنجاز، ولأن العلماء دائمًا ما يسعون إلى خلق حلول للمشكلات الموجودة، فإنهم يتعاملون طوال الوقت مع المشكلات على أنها مجموعة من التحديات الواجب مواجهتها، ولذلك فإن كل مشاكل عملية الزراعة في الفضاء التي طرحناها نجح العلماء في إيجاد حلول لها.

  • حل المشكلة الأولى: نجح العلماء في التعامل مع مشكلة الوسط اللازم لإتمام عملية الزراعة من خلال الاعتماد على وسط من مواد مسامية تستطيع امتصاص الماء والعناصر الغذائية، وبالتالي لا تمثل مشكلة التربة أزمة في عملية الزراعة في الفضاء بتوفر هذا الوسط البديل.
  • حل المشكلة الثانية: نجح العلماء في إيجاد حل مشكلة نقص الضوء من خلال الصمامات الثنائية الباعثة للضوء، وهي تعمل على تجميع الضوء وتوجيهه للنبات بالقدر الذي يحتاجه للنمو.
  • حل المشكلة الثالثة: حل هذه المشكلة هو نفسه المعتمد عليه في المشكلة الأولى، حيث الاعتماد على المادة المسامية التي تمتص الماء والعناصر الغذائية، فتوفر ما يحتاجه النبات لكي تنجح عملية الزراعة في الفضاء بالشكل المطلوب.
  • حل المشكلة الرابعة: نجح العلماء في حل هذه المشكلة من خلال الاعتماد على معدات تستخدم في إتمام عملية العناية اللازمة لنجاح الزراعة في الفضاء دون الحاجة إلى طاقم مخصص، فيتم توفير كاميرات تراقب لون النباتات، وتوجد أجهزة استشعار لرصد مستويات العناصر الغذائية والماء، وكذلك درجات الحرارة والرطوبة، كل هذه الأشياء تراقب سير عملية الزراعة في الفضاء وتمكن العلماء من إجراء أي تعديل عند الحاجة.
  • حل المشكلة الخامسة: نجح العلماء في توفير معدات مصنوعة خصيصًا من أجل الفضاء ومشابهة للموجود على كوكب الأرض، لكنها صنعت للعمل في بيئة ينعدم فيها الوزن، كذلك ستكون صغيرة وبطاقة منخفضة.

هل توجد بالفعل نباتات يتم زراعتها في الفضاء؟

حسب مجلة فوكس فإن هناك العديد من المحاصيل التي يمكن زراعتها في المركبات الفضائية من أمثلتها: الفراولة التي سبق زراعتها في الفضاء، كما أنها تحتاج إلى قدر قليل من الضوء على عكس غيرها من المحاصيل، وكذلك هناك السبانخ التي لا تحتاج إلى عناية كبيرة، بالإضافة إلى البطاطا الحلوة التي تحتوي على الطاقة، والخس الذي تم زراعته بالفعل في محطة الفضاء الدولية، وأيضًا القمح الذي تمت زراعته كذلك، ويمكن الاعتماد عليه في تحضير الخبز.

ويسعى أفراد محطة الطاقة الدولية لإتقان فن الزراعة في الفضاء حاليًا، وبالفعل لديهم محاصيل يتم زراعتها كما أشرنا للخس، وهناك أيضًا الريحان، بينما يسعى العلماء في كوكب الأرض لدراسة الكيفية التي تمكنهم من زراعة حديقة كاملة في الفضاء.

زهرة في الفضاء

في مطلع العام 2016 نشر رائد الفضاء سكوت كيلي على حسابه في تويتر صورة أول زهرة نجح في زراعتها في محطة الفضاء الدولية، وهي من عائلة الأستر أو النجمية، وتحمل اسم زينيا، كإنجاز حقيقي لعملية الزراعة في الفضاء التي يأمل العلماء النجاح في إتقانها في القريب العاجل.

بدأت محاولة زراعة هذه النبتة في أواخر العام الماضي، ولكن بعد مرور أسبوعين من بدء عملية الزراعة، وجد طاقم المحطة أن هناك العديد من المشاكل الناتجة عن الرطوبة والهواء وكذلك تسرب المياه، مما أدى مع بداية العام إلى وفاة بعض النباتات.

لذلك قرر سكوت كيلي أن يتحمل مسؤولية عملية الزراعة، ويرعاها بنفسه دون الاعتماد على الجداول، حتى نجح في النهاية في إنبات هذه الزهرة رغم موت العديد من النباتات.
والحقيقة أن هذه الزهرة ليست أول نجاح لعملية الزراعة في الفضاء كما ظن سكوت كيلي، بل إنه في عام 1982 كانت هناك محاولة ناجحة للزراعة من خلال أفراد سفينة ساليوت السوفيتية، وكانت هناك محاولات ناجحة أخرى في بعض الأعوام التالية، وذلك حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

كل هذه المحاولات، وكل ما تحدثنا عنه في المقال من إمكانية الزراعة في الفضاء والمشاكل التي تقف في مواجهة حدوث هذا الأمر، وكذلك الحلول التي توصل إليها العلماء، ووجود بعض النباتات التي يتم زراعتها بالفعل، يؤكد لنا أن الزراعة في الفضاء لها مستقبل بالتأكيد ما دام العلماء يحاولون تحقيق هذا الحلم في الواقع، وأن الأمر لم يعد يصنف على أنه خيال علمي، فالعلم لم يدع شيء لم يعمل على إيجاد حل له، وأصبح المستقبل يبتسم لنا وينادينا من أجل أن نجعل الزراعة في الفضاء واقعًا ملموسًا، وعلينا فقط أن نسعى ونستجيب.

 

معاذ يوسف

مؤسس ورئيس حالي لفريق ثقافي محلي، قمت بكتابة رواية لكنها لم تنشر بعد.

أضف تعليق

تسعة عشر − ثلاثة =