تسعة بيئة
هجرة الطيور
بيئة » كيف تعرف » هجرة الطيور : كيف تحدد الطيور طريقها في السماء وأين ستهاجر؟

هجرة الطيور : كيف تحدد الطيور طريقها في السماء وأين ستهاجر؟

هجرة الطيور هو نظام حياة لكل الطيور المهاجرة، لا تستطيع أن تتغير وتحيد عنه. فكيف تعرف الطيور طريقها في السماء، ومن ينظم حركة السرب المتناسقة؟

في كل عام يقوم أكثر من اثنين مليار طائر حول العالم بعملية هجرة الطيور. يسافرون من مكان لأخر مرتين كل عام في ذات الوقت بالضبط، حتى يجدوا المكان الأفضل للحياة في هذا الوقت من العام. يسافرون آلاف الكيلو مترات، قاطعين الصحراء بجبالها ورمالها، المحيطات الواسعة بدون راحة، ويتخطون كل مصاعب الرحلة المتعبة. هجرة الطيور هو أسلوب حياة لابد منه ولا يمكن أن يحيد عنه الطائر. ولأن مخاطر الرحلة كثيرة فيهاجرون معًا في مجموعات متوسطة العدد. وهذا ما يُعرف بحركة السرب. وهي تلك الحركة في الطيران معًا بشكل متناسق جدًا، والتي لو رأيناها سنظل ننظر لهم ونتعجب لتلك المهارة العالية والجمال البديع. في هذا المقال سنتكلم أكثر عن هجرة الطيور، ومعرفة الطيور لطريق هجرتها ومواقيتها من كل عام، حتى تصل إلى الهدف في ذات الوقت من كل عام. وكيفية إتمام حركة السرب المتناسقة ببراعة.

ماهي طريقة هجرة الطيور ؟ومتى تهاجر؟

الطيور المهاجرة

في الحقيقة ليست كل أنواع الطيور المعروفة هي من الطيور المهاجرة. ورغم أن عدد المعروفين يصل إلى ما يقارب العشرة ألاف طائر بأنواعهم المختلفة، إلا إن نصف هذا العدد فقط هو من يهاجر في كل مرتين. مرة في الربيع للحصول على أفضل مكان لوضع البيض والفقس. ومرة في الشتاء، ليقضوا فصل الشتاء القارس في أفضل ظروف ممكنة. بعض الطيور تقطع مسافة 50 ألف كيلومتر في كل عام. والبعض الأخر يصل مدة طيرانه إلى مئة ساعة متواصلة بدون انقطاع. وأنا أعرف أن الأمر يبدو عجيبًا ومستحيلًا. ولكن الأكثر اندهاشًا في هجرة الطيور، هي طريقتهم في تحديد اتجاه الطيران والوصول إلى المكان المناسب في الوقت المناسب. فليس لديهم جي بي إس كالبشر، ولكن لديهم طرق أفضل من ذلك. وهذا كان من أكبر اهتمام العلماء عند دراستهم لهجرة الطيور.

تحديد اتجاه الهجرة

من يعلم تلك الطيور طريق الهجرة الخاص بكل العام، لقد تساءل العلماء هذا السؤال مرارًا وتكرارًا. اليوم اكتشف العلماء العديد من الأساليب عن طريق عادات الطيور المهاجرة في إتمام هجرة الطيور المعتادة. فمنهم من يحمل الأمر وراثيًا بداخله. ولا يحتاج من أحد أن يعلمه. هو يعلم بغرائزه الحيوانية كيفية الهجرة واتمامها. البعض الأخر يتعلم من أبويه الطيور. فتجد الطير الكبير يعلم الصغير كيفية الهجرة وإلى أين سيذهب كل عام. وهذا العلم يتم توريثه من الآباء للأبناء على مدار الأجيال. بهذا الشكل لن تجد الطير يحيد عن الطريق الذي تعلمه من أبويه، سواء ذهابًا أو إيابًا. أما النوع الثالث فكان مصدر حيرة بالنسبة إلى العلماء. لأن الطيور بهذا النوع قادرة على تغير مسار الطريق الذي تتبعه كل عام. بل وأنها من الممكن أن تغير المكان المقصود أيضًا. وجاء هنا السؤال الأهم، ما هي الآلية التي تمارسها تلك الطيور في اكتشاف طرقها الجديدة؟ وكيف تعرف بأن عليها الرحيل؟

القلق قبل هجرة الطيور

بعام 1899، بدأ العالم الدنماركي، كريستيان كورنيليوس، بالاهتمام بهجرة الطيور، وأراد معرفة إلى أين تختفي الطيور في وقت الشتاء، ومن ثم تعود. فقام بوضع حلقات حديدة على أرجل الطيور، وتركها بأمان. منذ ذلك الحين والعلماء يستخدمون نفس الحيلة مع طرق أكثر حداثة لمراقبة هجرة الطيور. وإلى اليوم تم إعطاء تأشيرة السفر إلى ما يقرب من 200 مليون طير حول العالم. وعلى الرغم من عدم تمكن العلماء من تفقد أثر كل الطيور التي تم وضع علامات بها، إلى إنها كانت كافية حتى يعرفوا الأماكن التي يسلكونها ويبقون فيها مع تغير فصول السنة.

الحلقات الحديدية وغيرها من العلامات التي ميزت الطيور المهاجرة تحت الاختبار، لم تقدم للعلماء معرفة عن طريقة تحديد الطائر لطريقه أو هدفه. هي فقط أخبرتهم بالأماكن التي سلكوها. فقام العلماء بعمل تجربة لمعرفة الدافع الذي يقف خلف رغبة الطيور بالهجرة. قاموا بوضع مجموعة من الطيور المهاجرة داخل قبة كبيرة جدًا. بداخل القبة حرارة ثابتة، وبذلك لن تعرف الطيور بأي فصل هي. الأضواء فقط هي من تتغير. حين جاء وقت الهجرة بدأت الطيور بالقلق، وكأنها تستعد للطيران ولكن القبة المغلقة تمنعها. وهذا كان بنفس الوقت الذي بدأت فيه بقية الطيور الحرة من نوعها بالطيران. فقام العلماء بنقل الطيور إلى النصف الأخر من الكرة الأرضية. إلا إن تغير البيئة الخارجية لم يوقف القلق الذي تشعر به الطيور. فتأكد العلماء أن هجرة الطيور هو أمر بيولوجي ينبع من الداخل، ولا علاقة له بالبيئة الخارجية. إنها تعرف أنها تحتاج أن تهاجر، هذا واقع لا يمكنها التحكم به.

اتجاه هجرة الطيور

لم تثبت تجربة القبة الكبيرة، الرغبة البيولوجية عند الطيور بالهجرة فقط. بل إنها أشارت إلى قدرتهم على تحديد اتجاه الطيران. لأن الطيور القلقة بدأت في تحديد اتجاه طيرانها داخل القبة، وآثار الأقدام على منطقة واحدة من الحائط وهي تحاول الفرار من المكان المغلق، وضحت أن الطائر يعرف بأن عليه الطيران في هذا الاتجاه بهذا الوقت. وتظل تلك الرغبة شديدة لعدة أيام. بمعنى أخر، يعرف الطائر بأن عليه الطيران في هذا الاتجاه لمدة معينة من الوقت، ليصل إلى المكان المطلوب. ولكن السؤال كيف يعرف الطائر، أن هذا هو الشمال وذاك هو الجنوب؟

ومن أجل حل لغز السؤال الماضي، قام العلماء بتجربة جديدة. قاموا ببناء قاعة دائرية كبيرة، ووضعوا بها أجهزة لتوليد أقطاب مغناطيسية، وحقل مغناطيسي يمكن التحكم بتغير اتجاهاته. أي يمكنهم جعل الشمال جنوبًا، والجنوب شمالًا. كما تم بناء مصدر ضوئي كبير وهو يمثل ضوء الشمس، ويمكنهم أيضًا التحكم بمكان سطوعه وغروبه. وأخيرًا بنوا قبة سماوية، وبها مصادر ضوء كالنجوم ويمكنهم التحكم بمواضعها أيضًا. ويمكنهم كذلك جعلها صافية أو بالغيوم. بالنهاية، قاموا بجلب طيور مهاجرة من مناطق جغرافية مختلفة، وذلك لتعين أيًا من المتغيرات الماضية تؤثر على تحديد وجهتهم في هجرة الطيور. كل تلك المتغيرات جعلت من التجربة أكثر تعقيدًا، ولذلك كانت نتائجها أكثر دقة عن هجرة الطيور.

ما أظهرته التجربة الثانية

لتجربة الثانية عن هجرة الطيور، أوضحت أن للطيور عدة طرق في تحديد اتجاه طيرانها المضبوط. فهي تمتلك حواس أهم بكثير من أجهزة البوصلة والجي بي إس التي يمتلكها الإنسان. في الأيام الصافية، بدوم غيوم أو أي تعكير للجو، تعرف الطيور وجهتها من خلال الشمس. إلا إنها الوسيلة الأقل جدوى، لأن الطيور لا تعرف خط سير الشمس في كل ساعة من النهار مع اختلاف كل الأماكن الجغرافية. الوسيلة الثانية تظهر بالليل، حيث تعتمد فيها الطيور على النجوم، وبالأخص نجم الشمال. فهي وسيلة أكثر دقة كالتي يستخدمها البحارة في القديم.

أما في الأيام التي تمتلئ فيها السماء بالغيوم، ولا يمكن متابعة الشمس أو النجوم، فتستغل الطيور قدرتها الأهم والأكثر دقة في تحديد اتجاه هجرة الطيور. ألا وهي الحقل المغناطيسي. ولأن الطيور لا تعرف قراءة البوصلة، ولا تمتلك واحدة، فهي تستعين بإحساسها بالزاوية التي بين الخطوط المغناطيسية وسطح الأرض. لأن الخطوط المغناطيسية تشكل زاوية قائمة عند اقترابها من القطب المغناطيسي (الأقطاب الشمالية والجنوبية). أما عند خط الاستواء في المنتصف فإنها تشكل زاوية متوازية. سواء كان الطقس رائع أم لا، فإن الأقطاب المغناطيسية لا تتغير. وحين قدم العلماء معلومات متضاربة للطيور، أي إن النجوم والشمس لا تتوافق مع زوايا الخطوط المغناطيسية. فضلت الطيور اتباع الوسيلة الأمن والأكثر ضمانًا في طيرانها داخل القاعة الدائرية.

شهية الطيور العجيبة

لقد قلنا سابقًا أن الطيور المهاجرة تقطع آلاف الكيلو مترات بدون توقف أثناء هجرة الطيور التي تقوم بها. من بين المناطق التي قد تعبر بها، المحيطات، والصحاري الكبرى التي تصل إلى ما بين 2000 أو 3000 كيلومتر. وهذين الاثنين لا يمكن للطيور بأخذ راحة فيهم، حتى إن تعبت. فلا يتبقى لها سوى الاستمرار بالطيران سواء عطشت أو جاعت. لاحظ علماء من السويد أن الطيور تظهر شهية غير عادية قبل وقت الهجرة. فتبدأ بأكل العديد من الأطعمة الغنية بالدهون. وهي من توفر لها الطاقة اللازمة للاستمرار بالطيران كل تلك المدة. فحاول العلماء معرفة الأسباب البيولوجية التي تؤثر على الطيور لتفتح شهيتها بهذه الطريقة قبل هجرة الطيور. فقاموا بتعريض الطيور إلى أشعة مغناطيسية، مماثلة لتلك الموجودة في الصحراء الأفريقية الشمالية. وتوصل العلماء بأن الطيور عندما تشعر بتلك الأشعة تعرف بأن رحلتها ستكون طويلة وشاقة. فيبدئون بأكل كميات كبيرة وغنية من الطعام الدسم ليمدهم بالطاقة. على الرغم من أنهم لم يتحركوا بعد من المختبر، إلا إنهم عرفوا كيف يميزوا الأشعة الخاصة بصحراء أفريقيا.

هجرة الطيور في الحمض النووي

كما ذكرنا من قبل، ليس على كل الطيور أن تتعلم طريق الهجرة من أبويها. فقد تتعلم بنفسها، أو تفعلها بالفطرة، وكأنها ورثتها في حمضها النووي من أبويها. ومثال على ذلك تجد الطائر المسمى “Cuculus canorus”. إنه يرث الخريطة التي سيتبعها لتجري في دمه بدون تعليم. والأغرب أن لو جعله العلماء يتربى على يد طيور من أنواع أخرى مهاجرة، فإنه يتبع طريقه مهما كان. فكل طائر يعرف المناسب له أكثر ويتبعه. وهذا الطائر يهاجر إلى جنوب أفريقيا، رغم أن الطيور التي قامت بتربيته في مختبر العلماء، قامت بالهجرة إلى غانا، والبعض الأخر تربى على يد طيور هاجرت إلى جنوب إنجلترا. طالما هذا الطائر يعرف طريقه بالفطرة، فسيتبعه في كل الأحوال.

تجربة أخرى لإثبات فكرة الوراثة

قام العلماء من ألمانيا بتجربة أكثر تعقيدًا لإثبات مفهوم الوراثة بالجينات لهجرة الطيور. فجاؤوا بنوعين من الطيور المسماة “القبعة السوداء”. النوع الأول يعيش في جنوب ألمانيا، أما النوع الثاني فيعيش في النمسا. إلا إن النوعين يهاجرون إلى نفس المنطقة في نفس الوقت من كل عام. الفرق الوحيد أنهم يسلكون طريقين مختلفين. الأول يسلك الطرق الجنوب الغربي في فصل الخريف. أما النوع الثاني فيسلك الجنوب الشرقي ليمر عبر البلقان. فقام العلماء بتزويج النوع الأول من النوع الثاني، وكان السؤال التالي هو: أي طريق ستتبع الفراخ، أمها أم أبها ومن أي نوع؟

بالحقيقة، ولأن الفراخ تحمل مورثات جينية من كلا الأطراف، لم تغضب الفراخ أيًا من أبويها. واتبعت طريق متوسط، بين هذا وذاك. فاتجهت جنوبًا بشكل مباشر لتصل إلى نفس المكان.

عملية التزويج مع نوع مختلف

في التجربة الماضية تم التزويج بين أفراد نفس النوع، ويهاجرون إلى نفس المكان. أما التجربة التالية هي بتزويج أحد أفراد القبعة السوداء الألمانية، مع أفراد القبعة السوداء من جزر أفريقية. وتتميز الأخيرة بأنها لا تهاجر من الأساس. فماذا ستفعل الفراخ؟ الطيور الألمانية يمتد وقت قلقها الذي يجعلها تقوم بهجرة الطيور بشكل طبيعي إلى 450 ساعة. أما الفراخ القادمة من كلا الطرفين، أظهرت 210 ساعة من القلق للهجرة فقط. أي إنها أيضًا حملت قلق وخريطة هجرة الطيور من طرفها الألماني في جيناتها. وحملت أيضًا حبها للاستقرار وعدم الهجرة من طرفها الإفريقي. فبقيت عند الوسط.

حالات استثنائية

على الرغم من إثبات أهمية الموروثات الجينية في تحديد وجهة وميعاد هجرة الطيور لكل نوع، فإن ذلك لا يعني أن هناك استثناءات. لأن تلك الطيور تظهر قدرة على الخروج عن الطريق الأصلي، سواء في الاتجاه أو في المواقيت. وكأنها تتأقلم بطريقتها الخاصة مع ما يريحها. ومثال على ذلك، كانت طيور القبعة السوداء نادرة جدًا في إنجلترا. إلا إنها ومنذ عام 1960، قررت أن تقضي مجموعة ألمانية منهم، الشتاء في جنوب إنجلترا. وكان اختبارها للعيش هناك ناجحًا. فأخذت ترجع كل عام، وكونوا مجموعة مستقلة بأنفسهم.

في الحقيقة أن ذلك التأقلم مع البيئة الجديدة، غيرت وتطورت من قدرات الطيور نفسها. إذ في خلال تلك السنوات، فيما يقرب من 10 إلى 20 جيل من الطيور. أصبحت تلك المجموعة غير قادرة على السفر لمسافات متوسطة كما الماضي. لقد تطورت إلى الأصغر كما يسميها العلماء، وأصبحت تطير مسافات قصيرة فقط وتصل إلى وجهتها وتكتفي. فلم تعد بحاجة بعد إلى تلك المسافات الطويلة. وهذا التأقلم البيئي وضع نظرية جديدة أمام أعين العلماء. قائلين، ماذا إذا تغير مناخ الأرض إلى مناخ أكثر حرارة كما هو متوقع، خلال السنوات القادمة، ولم يعد هناك فارق كبير بين الأمكنة التي تهاجر إليها الطيور، فهل ستظل تمارس هجرة الطيور الخاصة بها؟ ويتوقع العلماء أن الإجابة بالنفي. أي إن العديد من الطيور ستتوقف عن الهجرة وتتأقلم مع بيئتها الجديدة وتكتفي.

كيف يتم تنظيم حركة السرب؟

كما نعلم جميعًا فإن الطيور تطير في وجود حركة السرب. أي جماعة من الطيور يطيرون متناسقين في التحركات بشكل غير عادي، وكأنهم طير واحد فقط. قد يكون العدد قليل، فيشكلون شكل رقم سبعة بالعربية. أو العدد كبير وكأنهم سحابة سوداء تغطي السماء. في كلا الأحوال التناسق والتكامل بينهم واحد. في الماضي، ظن العلماء أن الطيور كالقطعان، فيكون لها قائد وهم جميعًا يتبعوه. إلا إن تلك النظرية أصبحت هشه مع التقدم العلمي والبحوث الجديدة. فقد أظهرت أن سرب الطيور يشبه سرب النمل والأسماك والجراد، وسرب خلايا العقل الإنساني إن جاز التعبير، في حركته.

إنها مجرد قواعد بسيطة تتكاتف لخلق سلوك كبير ومعقد. ولكن القاعدة الأساسية هي أن ليس على كل طير أن يعرف ما الداعي لحركة جاره. والأمر كله يحدث تلقائيًا بما يسمى، عقل السرب أو ذكاء السرب، أي بدون قائد واضح. فمثلًا عندما يهجم صقر على مجموعة من الطيور الجالسة، ستجد أن طير واحد شاهده أولًا ثم تحرك مبتعدًا. الطير بجانبه سيتبع خط سير وحركة الطير الأول تمامًا. رغم أنه ليس من الضروري أنه شعر بالخطر من الصقر. فيجد الصقر سحابة من الطيور فيتشتت ويبتعد. الفكرة هنا أن يبقى الطير مع القطيع، يلتزم بما يفعله جاره، ينفذ بالضبط ما يفعله في نفس الخط بنفس توقيت ردة الفعل، وبذلك يسيرون معًا دون توجيه. وأيضًا دون الاصطدام مع بعضهم.

تمامً كعقل الإنسان، فكل خلية تفعل عملها بعد الخلية العصبية التي سبقتها. دون أن تسأل لماذا، هي فقط تتبع الطريق المنتظم للعمل وتكون بدورها. بدون أن تنصدم بعمل خلية أخرى. وبذلك تحصل في الأخير على شبكة معقدة من الخلايا العاملة، بدون خلية فعلية متحكمة. إن ذكاء السرب بسيط جدًا ويشكل حركة معقدة بالنهاية. ويحدث في أغلب تحركات كل الحيوانات التي تعيش في جماعات. ويعتمد على عدد المجموعة والمساحات المتواجدة بينهم. لأن الفرد لوحده يتحرك غالبًا حركة عشوائية. ولكن مع زيادة العدد يضطرون للعمل بعقلية السرب. تمامًا مثل النمل الذي يسلك جيرانه نفس الطريق الذي سلكته أول نملة نحو الطعام. وذلك لأن أول نملة تترك خلفها فيرمونات أي روائح تشكل الطريق أمام الباقيين. فلا يحيدون عن الطريق، ولا ينصدمون مع بعضهم. ولكن بالنسبة إلى سرب الطيور، ديناميكية الحركة والتوقيت واللمسة بين كل طير وأخر، هي من تشكل الطريق الصحيح لحركة معقدة متناسقة.

أسباب هجرة الطيور

أولًا: البحث عن المناطق الحرارية المناسبة للحياة، فمثلًا في فصل الصيف لا تحبذ الطيور المهاجرة في أن تكون في المناطق الجنوبية من الكرة الأرضية. ببساطة لأنها تكون حارة وصيفية بطريقة قد تجعل الطيور تعاني. لذلك تلجأ إلى الهجرة شمالًا في فصل الصيف والربيع حتى تقضي معظم وقت الطيران والوصول في الذهاب نحو الحرارة المعتدلة شمالًا. والعكس يحدث عندما يأتي الخريف والشتاء في الشمال، فتلجأ الطيور للخروج من المناطق الشمالية لأنها ستكتسي بالثلوج ودرجات الحرارة ستصل للصفر.

ثانيًا: هجرة الطيور تحدث لأجل أمر ضروري أخر وهو البحث عن الطعام. وكما ذكرنا من قبل أن فعل الهجرة نفسه يحتاج من الطير أن يأكل كثيرًا جدًا، ولو ربطنا هذا الأمر بالأمر الأخر الذي ذكرناه وأن هجرة الطيور احتياج بيولوجي غريزي، إذًا فنجد أن حياة الطيور المهاجرة تتلخص في شيئين أساسين الهجرة والطعام من أجل الهجرة التالية وهكذا. ولذلك تنتقل الطيور إلى المناطق الجنوبية من الكرة الأرضية لأنها الأكثر احتواءً على الحبوب والنباتات والجراد والأسماك الصغيرة، الصالحة كوجبات جيدة جدًا من أجل الطيور.

ثالثا: هناك أماكن في الكرة الأرضية يكون فيها النهار قليل جدًا في فصول معينة في السنة. ولذلك هناك أوقات مثل فصل الربيع تهاجر الطيور فيه من الجنوب للشمال، لأن الشمال وقت نهاره في فصل الربيع يكون أطول بكثير من جنوب الكرة الأرضية. وهذا مناسب جدًا للطيور حتى يتثنى لها الوقت أن تبحث عن الطعام وتتزاوج وتتناوش من أجل التكاثر.

رابعًا: في بعض المناطق في العالم والغابات تكون غير ملائمة في كل الأوقات للطيور من حيث الأمان، ولا سيما في أوقات الجفاف. حيث إن تركيز الحيوانات المفترسة يتحول من الأرانب والغزلان إلى الطيور، لأن الحياة أصلًا تكون نادرة وقت الجفاف. ولذلك تلجأ الطيور لتغير المكان، والهجرة الطيور في صورة لبحث عن الأمان.

خامسًا: وهو أن ليس كل الطيور تأكل نفس الأكل. حيث أن هناك طيور تأكل الأسماك، وهناك طيور تأكل الحشرات، وهناك طيور تأكل الطحالب المائية، وطيور تأكل الحبوب والنباتات فقط. ولذلك هجرة الطيور تعتمد كثيرًا على نوعية الأكل الذي يأكله نوع الطيور هذا. وغالبًا كل نوع من الطيور يهاجر لمنطقة غذائية صالحة له. بمعنى أن الطيور التي تأكل الأسماك هجرتها تكون نواحي شواطئ المحيطات. أما الطيور التي تأكل الحبوب والنباتات هجرتها تكون نحو الغابات. وعلى هذا الأساس تهاجر الطيور.

بالنهاية، هجرة الطيور ظاهرة في غاية من الجمال، ويجب أن نتمتع جميعًا بمتابعتها وتعلم خباياها.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

14 − 4 =