ليست الرمال فقط هي ما تتزين به شواطئنا، مكونة ملمس رائع للقدم، وألعاب لا تنتهي للأطفال. فهي تدخل كمكون أساسي في صناعة الأسمنت ومواد البناء. بطريقة أخرى، لولا الرمال لما استطعنا تشييد مبنى واحد. ليست فقط الصناعات الثقيلة ومعدات البناء، فأنت تحمل رمال في جيبك أيضًا، تلك التي تكون شاشة هاتفك الذكي، كما كل الصناعات الزجاجية. وحاليًا ومع الاستهلاك غير الآمن لمخزون الرمال وتعدينه أصبح العالم يواجه أزمة نفاذ الرمال . وبالفعل هناك دول قامت بمنع صادراتها من الرمال تحسبًا لهذه الأزمة القادمة، التي ستعمل على رواج السوق السوداء للرمال، وعمليات التعدين غير المشروعة. فما الذي أدى إلى نفاذ الرمال ؟ وكيف سيواجه البشر هذه الأزمة؟ هذا ما سنحاول توضيحه هنا.
محتويات
ما هي الرمال؟
كيميائيًا، تتكون معظم الرمال حول العالم من السيليكا، والكوارتز. ولكن ليست الرمال كلها عبارة عن سليكا وكوارتز فقط. فهناك رمال بيضاء ويتكون معظمها من مادة الجبس، وهناك رمال سوداء أيضًا ناتجة عن شظايا بركانية، على عكس رمال الشواطئ التي تحتوي في تكوينها على العديد من الأصداف المهشمة وبقايا نفايات بلاستيكية. وعندما نتحدث عن نفاذ الرمال فإننا نقصد تلك الرمال التي تدخل فيها السليكا بنسبة كبيرة. وعلى كل حال، تتكون الرمال جميعها بنفس الطريقة؛ بفضل الرياح، والمياه عبر الزمن اللذان ينحتان في الكتل الصخرية عبر أزمان طويلة وعبر أشكال متنوعة. فرمال الصحراء المعرضة للرياح القوية تكتسب شكلًا دائريًا مختلفًا عن الشكل الزاوي الذي تتخذه حبات رمال الأنهار. ويتفق كلاهما في الحجم الذي يتراوح ما بين 0.065 – 2 ملم.
فيمَ تستخدم الرمال؟
تبلغ نسبة الرمال والحصى اللذان يستخدمان في أعمال البناء ما نسبته 68 – 85% من أصل 47 – 59 مليار طن من المواد التي يتم استخراجها وتعدينها من الأرض كل عام. وبالعودة مرة أخرى إلى أعمال البناء والتشييد، نجد أن الأسمنت الذي يعد مكون أساسي من مكونات البناء، ليتم صناعته نحتاج نسبة 1:7 من الأسمنت، والرمال والحصى تباعًا. فنجد أن الرمال ليست مكون أساسي في عمليات التشييد والبناء فحسب، بل عامل لابد أن يتوافر وبكثرة أيضًا؛ لإتمام عمليات البناء والتشييد. ولا ننسى أن هذا غرض واحد فقط من أغراض الرمال، والذي سيستحيل تحقيقه وإتمامه عند نفاذ الرمال من العالم. أيضًا علينا أن نعلم أنه لا زال هناك الكثير من الصناعات التي تعول بشكل أساسي على وجود الرمال؛ كالزجاج، شرائح السليكون للإلكترونيات المختلفة، كما استخراج الغاز الطبيعي، استصلاح الأراضي، ألواح الطاقة الشمسية، وتشييد الطرق. وعلينا أيضًا أن نذكر أن الكثير من الألعاب، كالكرة الطائرة، سباق الخيول، مصارعة الثيران، وغيرهم الكثير من الرياضات تتطلب أنواعًا معينة من الرمال، وبالتأكيد في حالة نفاذ الرمال فسنفقد متعتنا بمتابعة هذه الرياضات أو ممارستها.
تعدين الرمال وآثاره على البيئة
يبلغ معدل استهلاك الرمال والحصى المستخرجين من باطن الأرض، ما يقارب 40 مليار طن سنويًا. ويتم استخراج الرمال من المحاجر، الكثبان الرملية، الشواطئ، مجرى الأنهار، ومن باطن المحيطات. وكما التعدين بالنسبة لأي معدن آخر، فلتعدين الرمال أيضًا آثاره السلبية على البيئة والإنسان معًا؛ لما يسببه كوارث على النظام البيئي، تتمثل في خطر تآكل الشواطئ، قلة جودة المياه، انكماش مدى التنوع البيولوجي على سطح الأرض، بالإضافة إلى آثاره المدمرة على صحة العاملين وسكان المناطق التي يجري التعدين بقربها. وفي المقابل، فتراكم الرمال والحصى له آثار وخيمة على السدود المقامة على الأنهار، لذلك ورغم التكلفة المرتفعة يتم استخراج وتعدين الرمال من هذه السدود لضمان وفرة الرمال والحصى بها، ولتجنيب السدود خطر الانسداد، ومشاكل أخرى تنجم عن ارتفاع نسبة الرمال والحصى بداخل جسم السد. وتحاول بعض الدول تقليل هذه الأخطار، كما حدث في ولاية كاليفورنيا وإغلاقها لمصنع تعدين الرمال المقام بالقرب من إحدى الشواطئ لآثاره على البيئة. لقد ساهمت تلك الكميات الكبيرة التي تستخرج ويتم تعدينها من الرمال، ساهمت في خداعنا بأن الرمال مصدر غير محدود، حتى شارفنا على مواجهة حقيقة نفاذ الرمال . وكما الحال في كل أزمة اقتصادية تحدث ويتخطى الطلب الكميات الموجودة؛ ينشط تجار السوق السوداء ولصوص الرمال مستغلين أزمة نفاذ الرمال لينهبوا رمال الشواطئ وغيرها من مصادر مختلفة ويقوموا بتهريبها سرًا إلى تلك المناطق التي تعاني من شح في الرمال الموجودة لديها.
أين تتواجد الرمال الجيدة؟
للأسف فإن أفضل أنواع الرمال، هي تلك الرمال التي تتواجد على شواطئ البحار ومجرى الأنهار. ونقول للأسف، لأن تجريف رمال هذه الشواطئ يحمل آثاره وتبعاته السلبية على البيئة من تعرية للشواطئ، وفقدان التنوع البيولوجي، ويترك الشواطئ عرضة لأخطار مناخية متعددة كالأعاصير، والتسونامي.
كيف نقصت الرمال من عالمنا؟ ونتاج نفاذ الرمال
إن أعمال التعدين المتسارعة للرمال، والاستهلاك الذي جاوزت أرقامه ونسبه جميع التوقعات، لهما الطريقة البسيطة التي ينفذ بها أي معدن من عالمنا. والحال كذلك مع الرمال بالتأكيد، وإذا أضفنا نسب استخراج الرمال غير المعلن عنها، والتي أصبح لا يعلن عنها بشكل واضح وشفاف، كل ذلك ساهم في تفاقم المشكلة وكوننا على حافة خطر نفاذ الرمال . وبطبيعة الحال فعند نقص الموارد؛ ترتفع قيمتها، وعند ارتفاع القيمة، تكثر المنافسة على امتلاك الموارد، وانتعاش السوق السوداء للرمال. وهذا ما هو حاصل بالفعل. فهناك (مافيا الرمال) في الهند التي تقوم ببث الرعب في صدور السكان المحليين ويشتروا صمتهم، ليقوموا باستخراج الرمال وتهريبها للخارج. كما اضطرت الصين لاحتكار تعدين الرمال نظرًا لتزايد خطر نفاذ الرمال وحرصها على ترشيد الاستهلاك والحفاظ على نسبة احتياطي من الرمال مقبولة. وبالفعل هناك بلدان تعاني من هذه الأزمة حاليًا. ففي فيتنام تم إعلان أن احتياطي البلاد من الرمال سينفذ في 2020؛ نظرًا لمعدلات الاستخراج والتعدين العالية والتي لا تتناسب مع حجم الموارد المتاحة.
هل هناك بديل آخر للرمال؟
لحسن الحظ نستطيع أن نتكيف بعد نفاذ الرمال . فالأسفلت والخراسانة قد يعاد استخدامهما، والبيوت يمكن بنائها بالخشب، كما استخدام الطين في استصلاح الأراضي. وهناك بعض الدول المتقدمة التي بدأت في التنبه للأزمة وإيجاد بدائل للرمال. ففي بريطانيا، تم تأسيس ثلث نسبة المنازل المنشأة في 2014 من مواد معاد استخدامها، دون الحاجة للرمال.
إن بيئتنا هي ملاذنا الأخير، وهو بيتنا الذي لا غنى عنه؛ لذا علينا التنبه لحجم الأخطار التي تواجه بيئتنا، والوعي أن خطورة نفاذ الرمال ستؤثر على الكثير والكثير من طرائق حياتنا ومعايشنا. ولذلك وجب التنبه لهذا الخطر من الآن وإعداد أنفسنا لمواجهة تلك الكارثة البيئية عن طريق ترشيد استهلاك واستخراج الرمال وتعدينها، بالتوازي مع إيجاد بدائل حقيقية وناجحة تحل محل الرمال في حال نفاذها. إن نفاذ الرمال ليضعنا أمام تحدٍ جديد لإنسان القرن الحادي والعشرين وكيف سيواجه تلك الأزمة البيئية المتفاقمة.
الكاتب: إسلام جابر
أضف تعليق