يُعتبر مكب النفايات من الأماكن الخادعة بطبيعتها لمجرد ذكرها، فعندما تسمع هذه الكلمة سوف تصف المكان بلا شك بأنه أكثر الأماكن أمنًا وقربًا من البيئة لكونها تهتم بتخليصها من المخلفات السامة، لكن في نفس الوقت يُعتبر مكب النفايات من الأماكن التي تجذب التلوث والخطر على البيئة، حيث أنه ثمة بعض الشروط والمعايير الخاصة التي في حالة عدم تطبيقها فإن أماكن التخلص من النفايات تُصبح في غاية الخطورة، بل يُصبح لها تأثير عكسي وهدف مضاد تمامًا للهدف الرئيسي الذي وجدت من أجله، لذلك فإن كل ما نُريد توضيحه في هذا المقال ومن خلال مجموعة السطور القادمة هو بيان الشروط البيئية السليمة اللازمة لإنشاء مكب النفايات الفعال القابل للاستخدام بشكل يضمن سلامة المُحيط الخاص به، لكن قبل ذلك دعونا نتعرف على مكب النفايات نفسه وماهيته، ثم بعد ذلك يُمكننا استعراض شكله الصحيح وطريقة تحقيق ذلك الشكل.
مكب النفايات
بدايةً نحن بحاجة لمعرفة المقصود بمصطلح مكب النفايات، فالأمر ليس مجرد مكان يتم فيه التخلص من النفايات، وإن كان ذلك طبعًا الشكل الأوضح والأكثر انتشارًا، لكن أيضًا هناك ما يتعلق بمصانع تدوير النفايات الموجود بالجمال والأماكن التي تحتوي على صخور أو أحجار مُفتتة أو أي شيء آخر يُمكن جلبه من بقايا الهدم، فهذه أيضًا تُعرف على أساس كونها مكب مُخصص للنفايات، والجدير بالذكر طبعًا أن فكرة مكب النفايات ليست فكرة وليدة بالمرة، بل إن الإنسان الأول الذي حاول التخلص من النفايات الخاصة به لم يجد مكانًا أشمل وأفضل من المكب، وإن كانت الغرابة الحقيقية تتجلى أساسًا في كون هذا المكب لا يزال حاليًا الخيار المعمول به في عدد كبير من دول العالم، إننا ببساطة نتحدث عن الخيار الأول بلا منازع.
مكب النفايات لا يُستخدم فقط في التخلص من القمامة، بمعنى أننا لن نذهب إلى هناك لنترك المخلفات ثم نرحل دون أية رد فعل، ففي الحقيقة هناك مجال لإعادة تدوير تلك النفايات من خلال المصانع التي يُستغل فيها المساحة الكبير لمكان المكب، كذلك دعونا لا ننسى كون ذلك المكب مزود بمجموعة من المدافن والمعدات، أي أنه ليس قطعة من الصحراء كما قد يتخيله البعض، أما فيما يتعلق بالشكل وما يحدث هناك تحديدًا فهي أمور هامة بالطبع لكنها ليست أهم من الأصل، والأصل أن نعرف أساسًا الشروط البيئية السليمة لإنشاء مثل هذه الأماكن حتى تُصبح صحية وأكثر مُناسبةً للاستخدام.
الشروط البيئية لإنشاء مكب النفايات
الآن نأتي للنقطة الأهم والمتعلقة بشيء أساسي ورئيسي في موضوعنا، والحديث هنا عن الشروط البيئية لإنشاء مكب النفايات، فليس كل مكان فارغ يُمكن أن يُستخدم كمكان للتخلص من القمامة، وإلا فإننا حرفيًا سوف نجد أنفسنا أمام كارثة كبرى، بل ثمة بعض الشروط التي تحكم ذلك، والتي على رأسها مثلًا اختيار مكان بعيد عن العمران وتجنب التكتلات.
تجنب التكتلات البشرية
ضمن الشروط الرئيسية من أجل إنشاء مكب النفايات أن يكون ذلك المكب مُتجنب تمامًا للتكتلات البشرية، إذ أنه ليس من المعقول أبدًا أن يتخلص البشر من النفايات والمُخلفات الخاصة بهم في مكان قريب منهم، هذا أصلًا لا يُمكن اعتباره تخلصًا، أيضًا التكتلات البشرية تُعيق القيام بالعمليات التي يتم القيام بها عادةً في تلك المكبات، والواقع أن الصورة النمطية التي يأخذها الجميع عن مثل هذه الأماكن يُمكنها التكفل بجعلنا نتخيل الصورة السيئة التي ستكون عليها البيئة حال تواجد مثل هذه المكبات في حياتنا القريبة، ولذلك هو شرط أول ورئيسي ضمن شروط إنشائها.
توفير سُبل العزل
لا نزال كما نحن مع الشروط اللازمة لإنشاء مكب النفايات المثالي الملائم للبيئة، هذه المرة الحديث يتعلق بمسألة توفير سُبل العزل الملائمة، فبعد أن يتم إنشاء ذلك المكب لن نكتفي فقط بفكرة وجوده في منطقة بعيدة عن العمران، وإنما يجب أن تكون تلك المنطقة البعيدة مشتملة على العديد من المعدات والمواد في الحرق والدفن يُمكنها أن تمنع تسرب الغازات الضارة أو تلاشي أي شيء مُضر بشكل عام وانصهاره وسط البيئة أو في مُحيط مُختلف عن مُحيط مكب النفايات ، وبالمناسبة هذا الأمر بات مُتاحًا الآن بكل سهولة من خلال بعض التقنيات والمعدات، لذلك فهو شيء ليس إعجازيًا صعبًا.
تواجد سُبل الحماية للعاملين
مكان مكب النفايات يُعد في الحقيقة قُنبلة من الأمراض والأشياء الضارة التي من الهام جدًا الابتعاد عنها، لكن في نفس الوقت ثمة عُمال مُجبرون على الاختلاط بهذه الأماكن لتأدية أعمالهم، ولكي نكون قادرين على حماية هؤلاء فمن الضروري جدًا تواجد سُبل الحماية الخاصة بهؤلاء العاملين، وبتحديد أكثر الحماية من الأمراض، وهنا نحن لن ننتظر حتى يُصاب هؤلاء بالأمراض وإنما سنحاول حمايتهم قبل أن تنال منهم من خلال الوقاية، والحقيقة هذا الأمر يحدث بالفعل في أماكن مكبات النفايات في الدول المتقدمة، حيث يتعرض عامل النظافة لأقصى درجة من درجات الحماية بسبب الأمور الخطيرة الكثيرة التي يقوم بها، أيضًا تكون له بدلات خاصة تُعرف باسم بدل العدوى.
حظر الأرض المُستخدمة
من الأمور الضرورية التي لا خلاف عليها أبدًا فيما يتعلق بمسألة إنشاء مكب النفايات على الطراز الصحي السليم أن يتم حظر قطعة الأرض تلك التي يتم استخدامها في عمليات الدفن والكب، ومعنى أن يتم حظرها أنها لن تُصبح لاحقًا صالحة أو متاحة للاستخدام في أي غرض من الأغراض، سواء كنا نتحدث عن زراعة أو حتى بناء وسكن عمراني، في النهاية الأمر في هذه الأرض بات محسومًا ولم تعد جزءًا من المستقبل بأي شكل من الأشكال، وهذا طبعًا ليس تعسفًا بقدر ما هو معيار هام يضمن لنا أن تلك الأرض التي تم استهلاكها وتلويثها لن تكون مصدر قلق وخوف بسبب التلوث الكامن بها.
تعقيم الآلات والمعدات
في عملية كب النفايات داخل مكب النفايات الذي سبق وقمنا بتجهيزه فسوف نستخدم طبعًا بعض الآلات والمُعدات التي هي مخولة بتسهيل هذه العملية، والحقيقة أنه حتى يكون ما نقوم به صحيحًا وصائبًا فعلينا أن نقوم بتعقيم تلك الآلات والمعدات المستخدمة بشكل جيد جدًا يضمن عدم نقل الأضرار المتواجدة بها إلى البيئة البشرية، فمخزن الضرر الرئيسي هو مكب النفايات ، وبالطبع عندما نستخدم فيه أي شيء سوف يكون له نصيب من الوباء والمرض والعدوى التي نحاول في الأصل تجنبها، ولهذا ننصح بعملية التعقيم هذه.
ختامًا عزيزي القارئ، نحن بالتأكيد لا نُحارب فكرة وجود مكب النفايات التقليدي طالما توافرت به تلك العوامل التي ذكرناها للتو، ففي النهاية هذا سيجلب الفائدة علينا ويجعلنا نتخلص من النفايات الضارة، الأمر وما فيه أننا يجب أن نتوخى كل الحذر من إنشاء مكب نفايات يكون مصدرًا للمخاطر وليس سبيلًا للقضاء عليها.
أضف تعليق