ثمة أمور كثيرة يُمكن للإنسان فعلها في فصل الشتاء، لكن مراقبة الطيور المهاجرة تظل أمتعها وأفضلها على الإطلاق، حيث يحرص العلماء، والأشخاص العاديين أيضًا، على مراقبة ملايين الطيور وهي تقطع آلاف الأميال من أجل البحث عن مكان آمن يُمكن الاستقرار فيه لحين انقضاء البرد وانقطاع المطر، وقد يبدو الأمر عاديًا بالنسبة لغير المولعين بالأمر، لكن أولئك الذين يُدركون قيمة تلك الهجرة يترقبونها من شتاءٍ إلى آخر، ويقعون كل مرة في نفس الحيرة، وهي كيفية قيام هذا الطيور بالطيران كل هذه الأميال دون كلل أو ملل، والأدهى من ذلك فيما يتعلق بمراقبة الطيور المهاجرة هو كيف يقوم العلماء بذلك؟، إياك أن تُحير نفسك، ستعرف كل شيء بنهاية هذا المقال.
أساليب مراقبة الطيور المهاجرة لدى العلماء
مراقبة الطيور المهاجرة
منذ بدأت الطيور في ممارسة هجرتها والإنسان شغوف لمعرفة كيفية القيام بذلك، حتى أنه قد ابتدع الكثير من الطرق دون جدوى، لكن العلماء توصلوا إلى طريقتين يُمكن من خلالهما مُراقبة الطيور المهاجرة، وهاتين الطريقتين هما:
وضع العلامات والأرقام، أقدم الطرق
كانت الطريقة البدائية التي حاول الإنسان بها مراقبة الطيور المهاجرة هي وضع العلامات والأرقام على الأقدام، فكانوا يكتبون رقم أو نوع الطائر مع تاريخ لإطلاق، ثم يقومون بانتظاره في الجهة المقابلة لمعرفة المدة التي استغرقها، لكنهم في النهاية كانوا يكتشفون أن تلك العلامة قد اختفت، إما بدافع الهواء، أو حين تقوم الطيور بتغيير ريشها، ولذلك قام العلماء بتحديث هذه الطريقة وجعل هذه العلامة تُنقش بمادة من الألومنيوم على قدم الطائر، بحيث لا تتمكن منه عوامل التعرية من طقس ورياح، وقد لاقت هذه الطريقة تعاونًا كبيرًا من جميع مكاتب مراقبة الطيور في العالم، حيث كان يتم التحقق من الرقم المدون على رقم الطائر وإرسال تقرير بالرحلة إلى مكتب المنطقة التي جاء منها.
استخدام الأقمار الصناعية، أحدث الطرق
مع مرور الوقت وتطور المُعدات والتقنيات لجأ العلماء إلى حل أحدث وأسهل، وهو وضع جهاز أشبه بجهاز تتبع في جسم الطائر، يمكن من خلاله، وعن طريق الأقمار الصناعية، معرفة كل ما يتعلق بالرحلة التي قطعها الطائر، من حيث المدة وأماكن التوقف وزمن الوصول، كما يُمكن كذلك التعرف على مصير هذه الطيور في حالة فُقدانها، لأن توقف هذا الجهاز عن الإشعاع يعني موت الطائر، وهذه الطريقة بالرغم من تكلفتها العالية إلا أنها تظل أفضل الطرق المتداولة، والنتائج التي تصدر عنها تكون دقيقة إلى حدٍ كبير، وهذا بالطبع ما ينشده العلماء.
لماذا الهجرة من الأساس؟
بعد معرفة كيفية مُراقبة الطيور المُهاجرة قد يسأل البعض عن الدافع الذي يجعل الطيور، بخلاف أغلب الحيوانات، تحرص في كل عام على خوض تجربة الهجرة، وتقريبًا في نفس الوقت، مُتكبدةً عناء السفر ومشقة التحليق؟، بل ما المانع من الاستمرار في أماكنهم وعدم اللجوء إلى هذا الأمر؟، كل هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، قد تكون منطقية إذا كانت هذه الطيور لا تمتلك أسبابها، لكن مع إبداء الأسباب يتبين أن تلك الهجرة ليست هجرة عادية، بل هي هجرة تتعلق بالحياة والموت، وهذا الطيور فعلًا تمتلك أسبابها الكثيرة، والتي يكون أهمها ما يلي:
البحث عن الدفء، أهم الأسباب
البرد القارس، والحر الشديد، كلاهما يعنيان الموت بالنسبة للطيور، وهذا ما يحدث في فصلي الشتاء والصيف في معظم الأماكن المُلتهبة أو الباردة في العالم، ففي كل عامة تموت المئات من الطيور بعامل التجمد، كما تموت الآلاف بدافع السخونة والذوبان، لذلك تحرص الطيور في كل عام على اتقاء الشرين والسفر إلى المناطق الدافئة طلبًا في الحياة.
البحث عن الطعام
البحث عن الطعام لا يقل أهمية عن البحث عن الدفء، ففي الوقت الذي يتجمد فيه الجو تتجمد الحبوب والنباتات كذلك، وهو ما يعني أن طعام الطيور في خطر، لذلك ينطلقون نحو الأماكن التي ما زالت أعشابها وحبوبها ونباتتها بخير، ويقطنون هناك لحين انتهاء الشتاء، وعادة ما يكون القطب الجنوبي هو المكان المُناسب للهجرة في هذه الحالة.
الركض خلف السمك
ثمة نوع من الطيور يتغذى على السمك، وهذا يعني أنه سيُهرول خلف السمك حيث يذهب، وهذا بالفعل ما يحدث في فصل الشتاء، حيث تُهاجر مجموعة من الأسماك عبر المحيطات والبحار إلى الشمال، فارين من برودة الماء في الجنوب وشراسة الأسماك الفتاكة التي تظهر في هذا الوقت من كل عام، ما لا تعرفه هذا الأسماك أن هجرتهم تلك يتوقف عليها هجرة الملايين من الطيور التي تكون على استعدادٍ تام للسفر إلى نهاية العالم من أجل البحث عن الغذاء، وهو السمك.
البحث عن النهار
من المعروف أن نهار الشتاء يكون أقصر بكثير من نهار الصيف، وقد يكون الأمر عاديًا بالنسبة للبشر، إلا أنه يتسبب في أزمة حقيقة لباقي المخلوقات، وخاصةً الطيور التي لا تجد الوقت الكافي في الشتاء للبحث عن الطعام والشراب أو حتى للإنجاب، ولذلك تجد الطيور الحل في الهجرة والبحث عن مكان ذي نهارٍ طويل، وهو الأمر الذي لا يتوافر غالبًا سوى في المناطق الجنوبية الشمالية. ومما سبق يتضح أن هجرة الطيور لا تحدث لأسباب واهية، بل تحدث لأسباب تتعلق بالحياة والموت، تُصبح الهجرة معها أمرًا في غاية الأهمية، وهذا ما تُحاول الطيور المهاجرة قوله منذ زمنٍ بعيد.
إجراءات ما قبل الهجرة
كما أن مراقبة الطيور المهاجرة ليست عملية عشوائية، فالطيور أيضًا ليست كائنات عشوائية، وهذا أول ما ستُلاحظه إذا تابعت كل ما يخص هجرة الطيور عن كثب، فهم عندما ينوون الهجرة لا يرفعون أجنحتهم ويقومون بالتحليق مباشرة، وإنما هناك بعض الإجراءات التي يجب فعلها قبل الهجرة، وأهم هذه الإجراءات ما يلي:
تبديل الريش، أهم إجراء
للطيور نظرة مُستقبلية لرحلتها، فهي تعلم علم اليقين أن ريشها القديم المُتقصف والمُتكسر لن يُساعدها على استكمال رحلتها حتى النهاية، لذلك تشرع قبل السفر في إجراء من أهم إجراءات الهجرة، وهو تبديل ريشها القديم والحصول على ريش آخر جديد ومتين، قادر على تحملّ عناء ومشقة الرحلة.
فتح الشهية وزيادة الوزن
مثلما هو الحال في تبديل الريش، هناك إجراء آخر مهم جدًا للمحافظة على التوازن طوال فترة الرحلة، وهو العمل على زيادة الوزن وتخزين أكبر قدر من الطعام الذي يتحول فيما بعد إلى دهون ومن ثَّم إلى الطاقة قادرة على التصدي لمشقة وعناء الهجرة، والتي لا تكون هينة على الإطلاق.
وليس بعيدًا أن يكون هذا هو حل اللغز الذي حيرّ العلماء، والذي كان يكمن في قدرة تلك الطيور على مواصلة هجرتها لآلاف الأميال دون أن تحمل أي طعام أو شراب، والسبب ببساطة هو اقتدائها بالجمل في تخزين طعامها ذاتيًا في داخل جسدها، وهذا الأمر ما هو إلا مُعجزة صغيرة، لا تختلف كثيرًا عن باقي الأمور المُدهشة التي تظهر مع البحث في ثنايا هذه الرحلة، تلك الرحلة التي أفرزت مهنة وهواية جديدة يُقدم عليها البعض في شغف، وهي هواية مُراقبة الطيور المُهاجرة.
أضف تعليق