في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في القرون الخمس الماضية، مُني الوطن العربي بالكثير من الكوارث، على كافة الأصعدة والجوانب، والحقيقة أن تلك الكوارث قد زحزحت مكانة العرب في العالم بأكمله وجعلت أغلب دوله تُصنف على أنها من دول العالم الثالث، لكن البكاء على اللبن المسكوب لن يُفيد، فما حدث لا رجعة فيه، وإن كان بإمكاننا فقط التعلم منه والسعي الحقيقي لعدم تكرار حدوثه مجددًا، وبشكل خاص تلك الكوارث المُتعلقة بالجانب البيئي والمعروفة بكونها الأكثر تسببًا في الأضرار، فعلى عكس ما يتوقع البعض، يُعد الوطن العربي من أماكن العالم المُلتهبة من حيث الكوارث، وخاصةً فيما مضى، في الوقت الذي لم تكن قارة مثل أمريكا موجودة من الأساس، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على أبرز كوارث الوطن العربي البيئية وأكثرها تسببًا للأضرار، فهل أنتم مستعدون للتعرف أكثر عن ذلك الموضوع الذي ربما سيُدهش بعضكم؟ حسنًا لنبدأ سريعًا.
محتويات
كوارث الوطن العربي البيئية
تقسيم الكوارث بالنسبة للبعض قد يبدو أمرًا مجنونًا بعض الشيء، فعندما تقع كارثة ما على الأرض يكون من البديهي أن الكارثة قد أصابت العالم بأكمله، وحتى إذا أردنا التخصيص فسنقول أنها قد ضربت هذه الدولة مثلًا، لكن أن نجعل الكارثة مُخصصة لكيان مُنفصل موجود في أكثر من قارة مثل الوطن العربي فهذا ما يُمكن اعتباره ضرب من التشتيت، لكن حقيقة الأمر أن العرب مثلًا لن يهتمون بالكوارث التي تقع في أمريكا أو اليابان، فكلٌ يشغله حاله وبني جلدته، وهؤلاء هنا يُعرفون بالوطن العربي، والذي يتوزع في أماكن كثيرة، لكن الكارثة عندما تُصيب أي مكان من هذه الأماكن الكثيرة تؤثر في البقية، أو هكذا يجب أن يكون الأمر كما تأمرنا الشريعة الإسلامية وكوننا جسد واحد كما قال النبي.
كوارث الوطن العربي البيئية ليست كثيرة، وهذا أمر جيد، فليس هناك إعصار أو زلزال أو بركان بشكل يومي أو شهري أو حتى سنوي، لكن عندما تحدث هذه الكوارث فإنها تكون خطيرة إلى حدٍ كبيرة، وكأن قوة الكارثة يتم تخزينها وتجميعها من أكثر من كارثة ثم إظهارها في كارثة واحدة قوية، عمومًا، لن يتضح ذلك إلا عندما نذكر لكم بعض هذه الكوارث، ولتكن البداية مع الكارثة الأبرز والأهم وهي المجاعات، وما أدراكم ما المجاعات في الوطن العربي.
المجاعات، كارثة الوطن العربي الأولى
في البداية نُريد أن نطرح سؤال هام ومحوري، هل المجاعة كارثة طبيعية؟ البعض منكم سوف يتسرع ويقول سريعًا أنها ليست كارثة بيئية بل مجرد نقص في الأموال أو خلل في حالة البلد الاقتصادية بشكلٍ عام، لكن الحقيقة أن أسباب طبيعية كثيرة تُحدد حدوث المجاعة وتُحدد قوتها، فمثلًا في القرن الثامن عشر عندما حدثت مجاعة إيرلندا الكبرى تم اعتبارها كارثة طبيعية لأنها جاءت نتيجة لفساد المحصول الرئيسي لهذه البلد، والذي كان البطاطس كما نعرف جميعًا، ولذلك أُطلق على هذه المجاعة اسم مجاعة البطاطس، وكذلك الحال بالضبط مع مجاعات الوطن العربي، فهي ليست كارثة بشرية خالصة، وإنما ثمة الكثير من الأسباب البيئية التي تؤدي إلى حدوث مثل هذا النوع من الكوارث.
في الوطن العربي مثلًا نجد دولة مثل الصومال شبه ضيف دائم على المجاعات، فهي تقريبًا تتعرض للمجاعة منذ القرن الماضي وحتى الآن، وهذا بالتأكيد يتسبب في موت الكثيرين من سكانها يوميًا، وهناك دول كثيرة في الوطن العربي تقف الآن على شفا المجاعة، فقد ارتفعت به نسبة الفقر وارتفع كذلك أعداد الذين لا يجدون لهم مسكن أو مأكل أو مشرب، إنها كارثة حقيقية بكل تأكيد وتستحق أن تكون على رأس كوارث الوطن العربي التي حدثت من قبل ومن المحتمل تكرارها، حيث يُقدر الضحايا العرب من المجاعات فقط بنحو ثلاثة ملايين شخص، هذا ونحن نتحدث عن العصر الحديث بالطبع.
الجفاف، الخطر الذي أكل جيبوتي
جيبوتي دولة عربية، هذه معلومة ربما يندهش منها البعض ويعكف على التأكد منها، لكن ما يستحق الاندهاش حقًا أن هذه المنطقة من العالم العربي فقدت في عام 2011 أكثر من مئة وعشرين ألف شخص بسبب هذا الجفاف، والذي قد يستهتر به البعض ممن يعيشون في دول تمتلك أنهار تُمثل لهم شرايين الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فكما يقولون، لا يشعر بالنعمة إلا ذلك الشخص الذي يفقدها، وجيبوتي من هذه الدول التي فقدت نعمة الماء وأصبح الجفاف بالنسبة لها كابوس وخطر حقيقي لا يكتفي فقط بحياة البشر التي يخطفها، وإنما أيضًا اقتصادهم، فهذه الدولة لا تحتاج إلى المزيد من الحديث كي نعرف أنها تُعاني من حالة اقتصادية ضعيفة بالكاد تضمن لسكانها الطعام والشراب لمرتين في اليوم الواحد، لكن ذلك الجفاف بدأ يضرب الاقتصاد ويُفقده في كل عام ما يُعادل خمسة بالمئة من قوته، وما زال النزيف مُستمر ولا يعرف أحد متى سيتوقف وكيف ستُحل مشكلة الجفاف المرعبة هذه.
فيضانات حضر موت، من أهم كوارث الوطن العربي البيئية
قبل قليل تحدثنا عن الجفاف، وهو ما يُقصد به ندرة المياه وتصحر الأراضي، وهذه طبعًا مشكلة كبيرة تستدعي الخوف والاهتمام بها، لكن، من الغريب حقًا أن يعتبر البعض أن حل هذه المُشكلة في ضدها، فعكس الجفاف الفيضان، والفيضان يا سادة مشكلة أخرى وكارثة من كوارث الوطن العربي التي اعتقدنا من قبل أننا قد تخلصنا منها للأبد بحركة بناء السدود التي تم تنفيذها في أغلب دول الوطن العربي التي تمتلك أنهار كُبرى وعلى رأسها مصر، لكن قبل عشر سنوات، وتحديدًا في عام 2008، تبين أننا لم ننتهي بعد من ذلك الجحيم، وأن دولة عربية مثل اليمن لا تزال مُهددة بذلك الخطر الذي أزاح قديمًا دول كاملة من على خريطة الكرة الأرضية.
في عام 2008، وفي حضر موت، المدينة اليمنية الشهيرة، حدث فيضان كبير بعض الشيء تسبب في خسائر مادية كبرى وصلت إلى مليار ونصف، وهذا رقم كبير جدًا مقارنةً مع الاقتصاد اليمني، والذي قيل إنه قد تأثر بفقدان ما يزيد عن ستة بالمئة من إجمالي ناتجه، عمومًا، مشكلة الفيضانات هذه كما ذكرنا مشكلة عتيقة في وطننا، وتقريبًا بدأت تختفي من العالم بأكمله، فمتى يأتي دورنا نحن العرب يا تُرى؟
الأعاصير، تحذير شديد اللهجة
هل أصبحت كوارث الوطن العربي البيئية أمرًا اعتياديًا؟ الإجابة لا كما ذكرنا، لكن في سنوات خاطفة تحدث لنا كارثة خاطفة تُربك لنا حساباتنا وتجعل من المُستبعد ممكن الحدوث بكل أسف، وهذا ما حدث في عمان عام 2007، وتحديدًا في الثالث من يونيو، حيث ضرب بحر الخليج إعصار شديد اللهجة يُعرف تاريخيًا باسم إعصار غونو، والذي تسبب في عواصف رعدية وأمواج بحرية يُقال إن ارتفاعها تجاوز الاثنا عشر متر، وإذا ما قسنا هذا الإعصار على مقياس الأعاصير فهو قد وصل إلى الفئة القصوى الخامسة، ومقياس الأعاصير هذا يُشبه مقياس ريختر بالنسبة للزلازل، والفئة الخامسة شيء مُرتفع، والحقيقة أننا قد لا نحتاج إلى القياس أصلًا كي نُدرك خطورة الإعصار، فيكفي الخسائر التي خلّفها لنعرف ذلك جيدًا.
أضرار غونو المبدئية جاءت في صورة إعلان حالة الطوارئ لمدة تزيد عن الثلاثة أيام، كما تم إغلاق الموانئ والمحطات القريبة من مكان الإعصار لفترة طويلة، حتى تصدير الغاز السائل الذي يُسهم في الاقتصاد العماني توقف مُخلفًا خسائر تزيد عن العشرة ملايين، ومن عناية الإله أن هيئة الأرصاد العمانية قد علمت بوقوع هذه الكارثة قبل أيام من وقوعها، وهذا ما ساهم في إجلاء كل السكان القريبين منه، وبالتالي قلت الخسائر وتم منع الخسائر البشرية، والتي كان من المُمكن أن تكون كبيرة جدًا، وكما ذكرنا في البداية، كان هذا الإعصار بمثابة تحذير شديد اللهجة، وكأنه يقول: استعدوا جيدًا ولا تأمنوا لي سأعود مجددًا، لستم خارج اللعبة كما تظنون.
الزلازل، الكارثة الحاضرة على استحياء
إذا ما تحدثنا عن كوارث الوطن العربي البيئية فإن البعض منكم سوف يُسارع بتسمية الزلازل، وذلك في إشارة إلى كونها الكارثة الأكثر تكرارًا في العالم، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، حيث أن الزلازل تُعتبر على الورق أقل الكوارث تكررًا في الوطن العربي، فهي تقريبًا لا تُعدل عشرة بالمئة من تلك التي تحدث في دولة مثل اليابان، والتي يعتقد العالم أنها تنام على زلزال وتستيقظ على زلزال وكأنها مُنبه مثل الذي نستخدمه في بيوتنا، عمومًا، الكوارث في وطننا قليلة، وإذا كنا سنتذكر شيء مؤثر فإن زلزال مصر الذي وقع عام 1992 يبدو خير تذكار لنا.
في عام 1992، وفي ساعة ظهيرة عادية، عانت مصر من زلزال مفاجئ حدث هكذا دون أي مُقدمات تُذكر، ومن عناية الله أن الزلزال لم يكن قويًا للدرجة التي تجعله يقوم بأي تأثير قوي، لكن ما يعنينا أن الزلازل قد سجلت نفسها في مشهد الكوارث الذي يُهدد الوطن العربي، وإذا ما أردنا ذكر الزلازل يُمكننا القول مثلًا أنها الكارثة الحاضرة في وطننا على استحياء.
كيف يُمكن التصدي لهذه الكوارث؟
بعد أن ذكرنا في السطور الماضية أبرز كوارث الوطن العربي البيئية لابد أن البعض منكم الآن لم يُعجبه الاكتفاء بذكر الكوارث فقط، فكما جرت عادة الإنسان، عندما يسمع المشكلة فإنه كذلك يُريد سماع حلول لهذه المشكلة، وهكذا هو الأمر تمامًا مع كوارث الوطن العربي المُتعلقة للبيئة، فالجميع يُريد أن يعرف كيفية التصدي لهذه الكوارث ونحن الآن نتحدث في القرن الحادي والعشرين، وبالمناسبة، هناك دول مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية تحدث فيها الكوارث البيئية أضعاف ما يحدث في الوطن العربي، وبالرغم من ذلك نجدها قادرة على التصدي لها أو على الأقل التعامل معها بصورة تضمن تقليل المخاطر، فماذا يحدث في الوطن العربي يا تُرى؟
جامعة الدول العربية التي تم تأسيسها بالقرن الماضي وضعت تلك الكوارث بالتأكيد على طاولة اجتماعاتها وبدأت في مناقشتها بجدية طمعًا في الوصول بنهاية المطاف إلى حلول لها، فمثلًا مشكلة المجاعات في الصومال بدأت تُحل من خلال الإمدادات والمساعدات التي تتضافر الدول العربية في تجميعها، أما الكوارث الأخرى كالفيضانات والجفاف فإنها أولًا تحتاج إلى إرشادات للتعامل معها وكذلك بعض الطرق أو الأدوات اللازمة لذلك التعامل، وكل هذا من المفترض توفيره قبل خمس سنوات قادمة، بعدها ربما يُعلن أن الوطن العربي لم يعد يعاني من الكوارث مثل السابق، على كلٍ سنفعل ما اعتدنا عليه دائمًا، وهو الانتظار مع المراقبة.
أضف تعليق