تُعد كارثة فوكوشيما التي ضربت اليابان مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة خير دليل على أن الكوارث الطبيعية لا يُمكن مواجهتها بأي حال، وأنها أينما حلت دمرت وشردت، مهما كانت البلد التي وقعت بها وقدرتها على مواجهة الكوارث، وللمفارقة، تُعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان أكبر قوتين موجودتين الآن بين دول العالم وأكثرهم تعرضًا للكوارث أيضًا، وبالطبع نحن إذ نؤكد على استحالة مواجهة الكوارث من أي قوة بشرية فلا ينبغي أن نغفل أيضًا أن الدول الكبيرة، أمثال الولايات المتحدة الأمريكية واليابان أيضًا، تتمكن من تقليل الخسائر التي تتعرض لها بفضل قوتها وتقدمها في مجالات الإنقاذ، وهذا بالضبط ما تم التأكيد عليه خلال كارثة فوكوشيما التي ضربت اليابان قبل خمسة أعوام، فدعونا نتعرف على مُلابسات وأسباب تلك الكارثة، ونتائجها على البيئة أيضًا.
كارثة فوكوشيما النووية من الألف إلى الياء
ما قبل كارثة فوكوشيما
لم تكن كارثة فوكوشيما الأولى من نوعها في اليابان، فقد شهدت تلك البلد على مدار تاريخها العديد من الكوارث، بل أنها تتصدر ترتيب الدول الأكثر تعرضًا للكوارث الطبيعية، فلا يمر عام دون وقوع زلزال أو إعصار أو فيضان هناك، وبالطبع لا أحد يجهل ما فعله تسونامي باليابانيين، حيث تم اعتباره الكارثة الأكثر تدميرًا في التاريخ، لذلك، ليس من العجب أبدًا أن نقول بأن كارثة فوكوشيما قد تم التمهيد لها بزلزالٍ مُدمر، ثم جاء بعدها الدمار الكامل بسبب حدوث تلك الكارثة، لكن، بما أننا نتعرض لكارثة فوكوشيما فلابد أن نعرف أولًا عن محطة فوكوشيما.
محطة فوكوشيما
تتكون تلك المحطة من حوالي ستة مفاعلات، صُممت قبل سنوات على يد الشركة المملوكة لشركة طوكيو “جنرال إلكتريك”، لكن بالطبع هي مملوكة قبل ذلك للحكومة اليابانية، والتي رأت نفسها لا تقل شيئًا عن الدول المالكة للمفاعلات النووية كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران، تلك الدول التي أصبحت اليابان تتخطاهم تقنيًا وتكنولوجيًا، لذلك لم يكن من المعقول أن لا تُفكر في إنشاء مفاعل نووي خاص بها، بالرغم من الدعوات التي خرجت من الجميع ودعت لوقف هذا المشروع بسبب الظروف الطبيعية التي تتعرض لها اليابان باستمرار من زلازل بأعاصير وفيضانات، لكن اليابانيين لم يستجيبوا لذلك، فيما بعد، لن يُفيد الندم في شيء.
التمهيد للكارثة
في الحادي عشر من شهر مارس القابع في عام 2011 تعرضت اليابان لزلزال بقوة تسعة ريختر، حيث أدى ذلك إلى فوران القشرة الأرضية وعدم ثباتها في توهوكو، كان ذلك في تمام الساعة الثالثة إلا الربع، وكم بدا الأمر عاديًا جدًا وقتها، فلا توجد أكثر من الزلازل في اليابان.
على كلٍ، تم اتخاذ التدابير والإجراءات المُعتادة في مثل هذه الظروف، وقد شمل الزلزال جزيرة شهيرة تُدعى هونشو، حيث تم فصل الكهرباء تلقائيًا عن المدينة بالكامل، وبعد لحظاتٍ تم تشغيلها على خطٍ آخر، لكن، في هذا الوقت كانت الكارثة قد حدث بالفعل، أو بمعنى أدق، بدت في حالة تأهب للحدوث.
كارثة فوكوشيما
ما حدث ببساطة هو أنه مع بداية الزلزال وعودة الكهرباء بعد انقطاعها حدث نشاط مفاجئ وتلقائي للمفاعلات تزامنًا مع إغلاق معظم التفاعلات الانشطارية، ولمن لا يعرف، ما سبق يعني تدمير كافة المولدات التي تُستخدم في حالات الطوارئ والتبريد التدريجي للمفاعل، والتبريد هنا يعني ارتفاع حرارة المفاعل إلى الدرجة الرابعة، وأخذ قضبان الوقود الموجودة نحو الاضمحلال، كانت كل هذه الحوادث المُتتابعة سببًا في تفاقم كارثة فوكوشيما.
تفاقم كارثة فوكوشيما
أدى ما سبق ذكره إلى تدمير ثلاثة وحداث ذرية ضمن نطاق المفاعل، وهي بالترتيب الوحدة الأولى والثانية والثالثة، وقد حدث ذلك الأمر في أوقات مُتفرقة وليس في توقيت واحد، وربما هذا ما ضاعف من حدة الكارثة حيث حدثت العديد من الانفجارات الكيميائية بحلول الثاني عشر من مارس، والذي صاحبه إطلاق بعض المواد المشعة، تبعه اندفاع لكرات الهيدروجين في سماء توهوكو، وظل مستمرًا ثلاثة أيامٍ كاملة، لتنتهي بذلك الكارثة ويبدأ بعدها جني المصائب.
آثار كارثة فوكوشيما
ضربت كارثة فوكوشيما كل ما هو جيد في مدينة توهوكو، فالبيوت تدمرت، والمصانع احترقت، حتى البشر الموجودين هناك مات منهم ما يتجاوز العشرين ألف شخص، مع العلم أن تجهيزات الإنقاذ التي تم إعدادها مسبقًا تمكنت من إنقاذ أضعاف تلك الخسائر، لكن الخسارة الأكبر بالطبع، والتي في الحقيقة أوجعت الحكومة اليابانية على الأخص، هي أن المفاعل قد تم تدميره بالكامل، ذلك المفاعل الذي يقال أن تكلفته كانت قد وصلت إلى ثلاثمائة بليون دولار، وهي ميزانية اليابان بأكملها في العشر سنوات الأخيرة، ببساطة، لقد أعطى ما حدث في فوكوشيما تلك الليلة معنًى آخر للكارثة.
من المسئول؟
أمام العالم أجمع، المسئول عن كارثة فوكوشيما هو الذي أمر بتأسيسها، وأمام اليابانيين، المسئول أمامهم هم أفراد حكوماتهم، والذين كانوا، حسب الوصف، على قدرٍ غير كافٍ من المسئولية، حيث أنهم لم يُفكروا، أثناء تأسيس هذا المفاعل، في كيفية حمايته وقت التعرض للكوارث، والأهم من كل ذلك أنه لم تكن لديهم خطط حقيقية لحماية السكان في المناطق المحيطة في حالة التعرض لخطر كهذا، لا أحد منهم فكرّ في شيء سوى إنشاء المفاعل والتبختر به أمام الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، الجميع، من المسئولين، كان يريد التأكيد على أن اليابان قد أصبحت في مصاف الدول العُظمى، لكن أحدًا لم يُفكر في حماية شعب تلك الدولة العظمى، هكذا كان يعتقد اليابانيون، ولهذا ظلت الاحتجاجات والمسيرات الاعتراضية تضرب شوارع العاصمة لثلاثة أيام حتى هدأ الأمر وسكن، لكن شيئًا ما كان ما زال يصرخ من الألم، ربما هي البيئة؟
كارثة فوكوشيما والبيئة
تناولنا تأثير كارثة فوكوشيما على اليابان، ولم نذكر معها التأثير الذي وقع على البيئة بشكلٍ عام لأن ما حدث لا يُمكن إدراجه في كُلٍ أبدًا، ولن نبالغ إذا نقول أن هواء توهوكو ظل غير صالح للتنفس مدة ثلاثة أشهر، ونعني بغير صالح للتنفس أن تنفسه يصل بالمُتنَفِس إلا ما هو أصعب مما كان أيام قنبلة هيروشيما، فقد ظل الناس في توهوكو، وخاصةً الأطفال، يموتون لمجرد التنفس، كما انتشرت السحب السوداء ولم يعد هناك أحد ينتظر المطر، فهو بالتأكيد كان يحمل تلك الغازات السامة، أما التربة الزراعية فمن قبيل التبسيط يمكننا القول أنها لم تعد زراعية أبدًا، تغير كل شيء في توهوكو، رغم ذلك، ما زالت الحكومة اليابانية تندب حظها على فقدان المفاعل فقط.
ليست المرة الأولى
كما أسلفنا، هذه المرة ليست بالمرة الأولى التي تتعرض فيها اليابان تحديدًا للكوارث، فمن ينسى هيروشيما وتسونامي وحرائق الغابات شبه الدائم والأعاصير الموسمية، كلها أشياء أصبحت بالنسبة لليابان كالغروب والشروق، تقريبًا يتم انتظارها يوميًا، وربما تحدث هذه الأشياء لتؤكد على أنه لا أحد يحصل على كل شيء، فقد حظيت اليابان تحديدًا ببيئة صالحة جدًا للإبداع والتفكير، حتى أن أغلب الأجهزة الحديثة التي نراها الآن تم صنعها أو تطويرها هناك على الأقل، وفي نفس الوقت رُزقت بطقس إذا غضب يدمر الأخضر واليابس فيها، ويؤدي إلى الكثير من الكوارث التي كانت كارثة فوكوشيما أكبرها وأهمها.
أضف تعليق