في المناطق الباردة التي يتواجد أغلبها في قارة أوروبا ثمة ما يُعرف باسم غابات المناطق الباردة، والحقيقة أن تلك الغابات ليست خفية أو شيء يستحق التحدث عنه من أجل التعرف عليه، فهي تظهر حتى للأعمى بسبب المساحة الشاسعة التي تأخذها، والتي تتخطى الثلاثة عشر مليون كيلو متر مربع، وتلك المساحة تُمثل مساحة مجموعة ليست قليلة من الدول، لكن روسيا البيضاء كان لها نصيب الأسد من هذه الغابات، وهو أمر يستحق الاحتفاء بالمناسبة من قبل الروس لأن هذه الغابات تُمثل أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية والبيئية كذلك، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا بالتفصيل على أهم غابات المناطق الباردة وتأثيرها على النظام البيئي.
محتويات
ما المقصود بالغابات؟
قبل أن نتعرف على غابات المناطق الباردة دعونا أولًا نتعرف على الغابات بشكل عام، فهي ببساطة شديدة مساحة ليست قليلة من الأرض المملوءة بالأشجار والحشائش، والتي غالبًا ما تكون قد نمت بشكل طبيعي دون تدخل بشري، وإنما استعانت فقط بالأمطار والمياه التي تغمرها من حينٍ إلى آخر.
عندما يسمع أي شخص كلمة الغابات فإن أول ما سيدور في ذهنه هو تلك الغابات التي تحوي بداخلها مجموعة من الحيوانات، لكن الحقيقة أن ذلك النوع هو الأندر بين أنواع الغابات، بينما الأغلبية للغابات التي تكون مُخصصة للأشجار والنباتات فقط، والتي تنقسم إلى غابات المناطق الباردة، والتي كما هو متضح من اسمها تتواجد في المناطق الباردة من الكرة الأرضية، وهناك أيضًا غابات المناطق المعتدلة، والتي تقترب من الحارة، لكنها على الأقل لا تكتسي بالجليد طوال العام مثلما هو الحال مع النوع الذي نحن بصدد التحدث عنه الآن، غابات المناطق الباردة.
غابات المناطق الباردة
عندما نتحدث عن منطقة مرتفعة قليلًا عن الأرض وواقعة في خطوط العرض العليا فإننا بالتأكيد نقصد منطقة باردة، أو شديدة البرودة على وجه التحديد، وبالطبع يُصبح من البديهي أن يكون اسم الغابات الواقعة في هذا المكان البارد هو غابات المناطق الباردة، أو الغابات الشمالية كما يُطلق عليها البعض.
تتواجد غابات المناطق الباردة في ثلاث قارات بشكل رئيسي، وهم أسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وإن كانت أوروبا هي صاحبة نصيب الأسد من تلك الغابات، ففي روسيا وكندا وحدهما ثمة مساحة كبيرة من هذه الغابات لا تقل عن ثلاثة عشر مليون كيلو متر مربع، وبالطبع جميعنا يتطلع الآن إلى التعرف على أهم هذه الغابات، ولنبدأ بغابات التايغا الشهيرة.
الغابات الصنوبرية
تشغل الغابات الصنوبرية مساحة معقولة من إجمالي مساحة غابات المناطق الباردة، وطبعًا كما هو متضح من الاسم تم تسمية الغابات الصنوبرية بهذا الاسم نسبةً إلى نبات الصنوبر الذي يتواجد بكثرة في هذا النوع من الغابات، وإن كانت هناك بعض النباتات الأخرى لكنها بنسبة أقل وتكاد لا تُذكر.
طقس الغابات الصنوبرية لا يختلف كثيرًا عن الطقس العام لغابات المناطق الباردة، إلا أن الأمر في نفس الوقت لا يتطور إلى حد الثلوج كما هو موجود في معظم أنواع الغابات، مما ترك المجال للنباتات الخضراء التي كست مساحات كبيرة من غابات الصنوبر، كذلك أتاح ذلك الأمر الفرصة لبعض الحيوانات كي تعيش فيها، وهي من أنواع غابات النباتات النادرة التي تسمح بوجود الحيوان.
مشكلات الغابات الصنوبرية
الغابات الصنوبرية في الحقيقة تعاني من بعض المشاكل بوصفها تقع ضمن غابات المناطق الباردة، ففي حالة زيادة نسبة البرودة مثلًا فإن نبات الصنوبر يُصبح مُهددًا بالكساد، بل إن الميزة الرئيسية لغابات الصنوبر هي أن درجة البرودة بها منخفضة، مما أتاح الفرصة لوجود ذلك النبات النادر والهام، لذلك تكون المشكلة الرئيسية في زوال السبب الذي من أجله وُجد نبات الصنوبر في ذلك المكان، لكن الحقيقة أن ذلك الأمر لم يحدث سوى مرات نادرة ولم يتمكن من إحداث تأثير.
معلومات عن غابات التايغا
تُعتبر غابات التايغا أحد أهم وأبرز غابات المناطق الباردة، فهي تُمثل سبعة عشر بالمئة من إجمالي مساحة هذه الغابات، وتتميز هذه الغابات بالأشجار مخروطية الشكل التي تغزوها والأمطار التي لا تتوقف فيها، حيث تكون غزيرة أو مُعتدلة، لكن لم يحدث أبدًا أن توقفت مرة واحدة، وهو ما جعلها تعج بالمساحات الخضراء الشاسعة.
البتولا والتنوب من أهم أنواع الأشجار المتواجدة في غابات التايغا، وللغرابة، هناك تواجد مُكثف لعدة أنواع من الحيوانات، وهو ما لا يتوافر في غابات أخرى تتبع المناطق الباردة أيضًا، فكما ذكرنا، البرد في هذه الغابات لا يمنح الفرصة لأي كائن حي بخلاف النباتات والأشجار، فلا الإنسان أو الحيوان قادرين على الصمود بها، أما معنى اسم التايغا الذي تُلقب به هذه الغابات فهو يعني العصى، أو العصى الغيرة على وجه التحديد، كما أن الكثيرين يربطون بين غابات التايغا ونوع آخر من الغابات، وهو الغابات الشمالية.
الغابات الشمالية
الغابات الشمالية نوع آخر من أنواع غابات المناطق الباردة، والحقيقة أن أغلبية مساحة هذا النوع تتواجد في قارة أوروبا، وتحديدًا في دولتي روسيًا وكندا، لكنه لا يتميز بالخضرة والثمار اللذان يتميز بها باقي أنواع غابات المناطق الباردة، وإنما يكون التفوق من خلال شيء آخر لا يقل أهمية، وهو مجموعة الحيوانات التي تتواجد في هذه الغابات وتُعتبر من أندر الحيوانات الموجودة على الاطلاق.
حيوانات الغابات الشمالية
كما ذكرنا، تتميز الغابات الشمالية المصنفة ضمن غابات المناطق الباردة ببعض أنواع الحيوانات الموجودة فيها، والتي يأتي على رأسها الدببة، فمثلًا، جميعنا سمع من قبل عن دب يُدعى الدب الروسي، لكن ربما لم يجول بذهنكم أن ذلك الدب قد حصل على هذا الاسم بسبب تواجده في الغابات الشمالية الموجودة بالمناطق الباردة، والتي تتواجد أغلب مساحتها في روسيا بالتبعية، لكن الدب لا يعيش وحده هناك بالطبع، فهناك أيضًا الباندا والراكون، كذلك بعض القوارض والقنادس، والتي تُعد غابات المناطق الشمالية موطنها الأصلي.
فوائد غابات المناطق الباردة
عندما نتحدث عن غابات المناطق الباردة فبالتأكيد يجول في أذهانكم صورة للثلوج والأمطار، وهذا صحيحًا، لكنه بالتأكيد ليس كل ما يُمكن اختزاله عند التحدث عن شيء عظيم كهذا، فهي أيضًا تمتلك الكثير من الفوائد التي ربما لا يُمكن توافرها من مصدر آخر غيرها، وأهم هذه الفوائد بالتأكيد هي صناعة الورق.
صناعة الورق، الفائدة الأعظم للغابات
بسبب كثرة الأشجار الموجودة في غابات المناطق الباردة فإن صناعة الأوراق تجد غايتها داخل هذا المكان، فالعدد الكبير من الأشجار يسمح بإنتاج عدد أكبر من الأوراق، والحقيقة أن الأوراق قد أصبحت في الآونة الأخيرة ضرورة بشرية مثل الطعام والشراب، فبدونها يذهب العالم إلى منطقة أخرى لا تعرف الرسمية والقانون، عمومًا، وبعيدًا عن كل ذلك، تحتوي الغابات الباردة على شجر البوب الذي ينتج منه أفضل أنواع الأوراق وأمتنها.
تخفيف حدة الرياح، فائدة بيئية
من فوائد غابات المناطق الباردة أيضًا أنها تُسهم في تخفيف حدة الرياح، وهو ما يُساهم بالتأكيد بصورة إيجابية في تحسين الرطوبة، والحقيقة أن البعض قد يتعجب من قدرة الغابات الباردة على تخفيف الرطوبة، لكن ذلك الأمر يحدث بالفعل.
سلامة الحياة البشرية
هناك ارتباط وثيق بين وجود الغابات، وخاصةً غابات المناطق الباردة، وسلامة الحياة البشرية، فالأشجار الموجودة داخل هذه الغابات هي المصنع الأولى والرئيسي للغاز الأهم للبشر، وهو غاز الأكسجين، وأيضًا هناك دور ليس بالصغير في عملية البناء الضوئي، وذلك باستخدام بعض الغازات الموجودة.
المحافظة على التربة
كما ذكرنا، لا ينتفع الانسان فقط من غابات المناطق الباردة، فالتربة كذلك تحظى بنصيبها من هذه المنافع، فأشعة الشمس كما نعلم تؤثر سلبًا على التربة، لكن وجود الغابات بأشجارها يمنحها القدرة الكافية على مواجهة ذلك وتزويد التربة بما يجعلها قادرة على الاحتفاظ بخصوبتها.
مشكلات غابات المناطق الباردة
إن وجود بعض الفوائد لغابات المناطق الباردة لا يعني بالتأكيد أننا نتحدث عن شيء بلا أضرار أو مشكلا، بل بالعكس، ثمة العديد من المشكلات التي تُسببها هذه الغابات وتتسبب لها وتضر بالبيئة والإنسان على حد سواء، والحقيقة أننا ما دمنا نتحدث عن مشكلات غابات المناطق الباردة فلابد أن نذكر أولًا المشكلة الأهم، وهي الحرائق.
الحرائق، المشكلة الأولى
تُعد كثرة الحرائق أحد أهم المُشكلات التي تواجه غابات المناطق الباردة، فعندما نتحدث عن نباتات وأشجار تحمل الكثير من الأخشاب والفوائد الأخرى فنحن نتحدث عن ثروة يجب الحفاظ عليها، لكن ذلك الأمر لا يسير بأفضل حال بسبب الحرائق التي تضرب الغابات بكافة أنواعها، ومن ضمنها بالتأكيد الغابات الباردة، وإن كنتم تعتقدون أن البرودة التي تتمتع بها هذه الغابات قد تُسهم في التخفيف من حدة الحرائق فأنتم مخطئون، لأنها تزداد وتلتهم الأخضر واليابس دون تفرقة بين حرارة وبرودة، وإن كنا لا نغفل بأن الحرارة تُسهم في ارتفاع شدة الحرارة بكل تأكيد.
الحشرات، المشكلة المزدوجة
تُمثل الحشرات الموجودة في غابات المناطق الباردة مشكلة عويصة مزدوجة، ففي البداية مجرد وجودها في الغابة يُعد مشكلة أولى، ثم تأتي المشكلة الثانية عندما يحاول القائمون على الأمر التخلص من هذه الحشرات من خلال استخدام المكافحة لهذه الحشرات، والحقيقة أن هذه المبيدات إن كانت تُنهي المشكلة فإنها في نفس الوقت تتسبب في مشكلة أخرى تتمثل في قتل أغلب الحيوانات الموجودة في هذه الغابات وتلويث السلاسل الغذائية لها، ومن أبرز ضحايا هذه المشكلة طائر الصقر الشهير، فقد بدأ انقراضه في الأصل من خلال ذلك الأمر.
الغرق والكساد، نِتاج السدود
ثمة مشكلة ثالثة تُهدد أيضًا وجود غابات المناطق الباردة، والواقع أن تلك المشكلة قد ظهرت بسبب التقدم العلمي المتمثل في بناء السدود من أجل توليد الكهرباء، وهو أمر يتسبب في إغراق الغابات بالماء، وبالتالي إحداث نفس التأثير المذكور للمشكلة السابقة، وهو القضاء على السلاسل الغذائية لبعض الحيوانات واقتلاع النباتات الضعيفة من جذورها.
القضاء على الثروة الشجرية
الآن نحن نتحدث عن مشكلة غابات المناطق الباردة الأعظم على الاطلاق، وهي مشكلة قطع الأشجار من أجل صناعة على الأوراق الموجودة بها، فقد أدرجنا هذا الأمر قبل قليل ضمن فوائد الغابات، لكنه في حالة الزيادة عن الحد المطلوب يتحول إلى عيب خطير، فالأشجار ليست موجودة في هذا الكون عبثًا، وإنما هي تُساهم بشكل كبير في العملية الأهم ضمن العمليات الحيوية التي يقوم بها البشر، وهي عملية التنفس، لذلك يُمثل قطعها مشكلة كبيرة.
أضف تعليق