تُعد ظاهرة نوم الأشجار أحد أهم الظواهر التي ظهرت في الفترة الأخيرة وأحدثت ضجة كبيرة، وبالتأكيد إذا كانت الأشجار تنام فهذا أمر يحدث منذ ملايين السنين، لكن أحدًا لم يلتفت إليه أو يُفكر فيه سوى في السنوات الأخيرة القليلة، وذلك بسبب الحقيقة المُثبتة التي لا خلاف عليها، وهي أن كل كائن حي يحتاج إلى النوم من أجل إراحة جسده، وبالتأكيد الأشجار واحدة من هذه الكائنات الحية، وهذا ما حيرّ العلماء في الآونة الأخيرة وجعلهم يُقدمون على بعض الدراسات التي أثبتت حقائق عظيمة تُعتبر نقلة كبيرة في هذا الصدد، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف على كل شيء يتعلق بظاهرة نوم الأشجار، وهل تمكن العلماء من اثباتها فعلًا أم لا؟
محتويات
النوم والكائنات الحية
قبل أن نتعرف على ظاهرة نوم الأشجار علينا أولًا التعرّف على العلاقة بين النوم والكائنات الحية، فبالتأكيد لا يُعتبر النوم تقليع جديد ظهر مع تقدم الزمن، أو أن شخص ما في زمان ما قد جلس يُفكر في ابتكار شيء جديد فاهتدى إلى ابتكار النوم، كل ذلك لم يكن بالتأكيد، وإنما خُلق النوم تمامًا مثلما خُلقت أغرب الطباع والأشياء الفطرية في البشر، والتي تزامن خلقها مع خلق البشر أنفسهم.
بكلمات أبسط مما سبق، النوم مثله مثل الموت، لا دخل الانسان فيه من قريب أو بعيد، ومهما حاول فلن يستطيع منعه، ودعونا نسأل مثلًا، إلى مدى يُمكن أن يُجاهد الانسان ويمنع نفسه عن الموت؟ بالتأكيد ليس بمقدوره فعل ذلك، لكن، إذا سألنا نفس السؤال لكن بوضع كلمة النوم بدلًا من الموت فأقصى ما قد يصل إليه عقل إنسان في إجابة هذا السؤال هو أيام قليلة، بعدها ستغلبه تلك الطبيعة الكونية، والتي في الحقيقة لا تتوافر فقط في البشر، وإنما في كل الكائنات الحية، بما في ذلك الحيوانات والنباتات.
فائدة النوم
عندما نتحدث عن ظاهرة مثل ظاهرة نوم الأشجار فإننا بالتأكيد نضع في حسباننا أنه أمر مفيد لهذه الأشجار، وإلا لما حدث، وكذلك بالنسبة لباقي الكائنات الحياة، تحتاج النوم لأنها تحصل منه على فائدة عظمة تتمثل في إراحة الجسد، وهو أمر بالمناسبة لا يحدث بصورة مُعينة، فقط أترك نفسك للنوم وسيتكفل هو بفعل كل شيء يحتاجه جسدك.
أثبت العلماء أنه عند نوم الإنسان تحدث بعض العمليات الحيوية التي لا تترك لها الحركة والاستيقاظ فرصة للحدوث، والدليل على ذلك أننا نرى الإنسان أو الحيوان يتقلبون أثناء النوم، جميل جدًا، هذا بالنسبة للبشر والحيوانات، لكن بالنسبة للأشجار، هل يتقلبون أيضًا، هل ينامون من الأساس؟
ظاهرة نوم الأشجار
كان السؤال الذي يشغل بال الجميع فيما يتعلق بنوم الأشجار هو هل تنام الأشجار فعلًا؟ بينما أن بعضهم لم يُفكر في الطريقة المُثلى لذلك السؤال، وهي كيف تنام الأشجار، لأن نوم الكائنات الحية أمر مفروغ منه كما ذكرنا، والأشجار بلا شك تُعتبر أحد الكائنات الحية، فهي تولد ثم تكبُر ثم تموت، وهذه بالضبط فطرة الكائنات الحية.
كما ذكرنا، لم يستطع أحد النطق بالسؤال الصحيح سوى في القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا بدايته، حيث قام بعض الباحثين من عدة دول مُختلفة بإطلاق مُبادرة للبحث حول ظاهرة نوم الأشجار، كيف تحدث ومتى؟ وبالفعل حدثت هذه الدراسة وظهرت نتائجها بعد عامين.
دراسة الظاهرة
كانت الدراسة تتبع مجموعة من الدول المُختلفة كما ذكرنا، منها النمسا وفنلندا والمجر، وقد نُشرت النتائج بأحد المجلات وكانت صادمة جدًا، خاصةً أنها أكدت على أن نوم الأشجار أمر بديهي الحدوث، وأن الطريقة التي يحدث بها ذلك الأمر واضحة جدًا، لكن أحدًا ما لم يلتفت إليها أو ينتبه لها من قبل.
ظاهرة نوم الأشجار تحدث، كما تقول الدراسة، في الليل فقط، وقد تم تطبيق الدراسة على شجرة تُعرف باسم البتولا الفضية، وقد لاحظ الباحثين، باستخدام أشعة الليزر، أن الأشجار بدأت في التباطؤ مع بداية الليل، وقُبيل الفجر بقليل بدأت تُلملم نفسها مرة أخرى، هذا قبل أن يعود كل شيء لطبيعته مع شروق الشمس، أي أنه قد ثبت فعلًا أن الأشجار تنام في الليل، والطريقة التي تم اعتمادها في ذلك تكمن في استمالة الغصون بصورة غير طبيعية.
ما بعد الدراسة
أثبتت الدراسة بما لا يدع مجالًا للشك صحة ظاهرة نوم الأشجار، ليس ذلك فقط، بل أيضًا بينت الطريقة التي يحدث من خلالها ذلك الأمر، والحقيقة أن الأمر بالرغم من كونه يُمثل مفاجأة للبعض، إلا أن تلك المفاجأة فتحت الباب أمام العديد من الدراسات الأخرى حول نوم الكائنات التي يُتوقع أنها لا تنام، وذلك مثل النباتات والزهور، وقد حدث ذلك بالفعل، لكن قبل أن نتناوله، علينا أن نوضح شيئًا هامًا، وهو أن ظاهرة نوم الأشجار بالرغم من اثباتها بالأبحاث والأجهزة الحديثة إلا أنها لا تخلو من بعض التشكيك، بمعنى أنه قد يأتي لاحقًا من يُثبت أن الأشجار لا تنام، أو أنها تنام لكن بطريقة أخرى، طريقة أخرى مثل التي تحدث مع الزهور والنباتات على سبيل المثال.
نوم الزهور والنباتات
بغض النظر عن ظاهرة نوم الأشجار التي تم اثباتها مؤخرًا فإنه قد ثبت بالدليل منذ مدة أن النباتات والزهور تخلد إلى النوم كذلك، وخاصةً زهرة عباد الشمس، والتي يمكن ملاحظة خلودها إلى النوم عن طريقة عملية التفتح والإغلاق، وهو ما يأخذنا إلى القاعدة التي اتفقنا عليها في البداية، وهي أن كل كائن حي، سواء كان إنسان أو حيوان أو نبات، يخلد إلى النوم، تمامًا مثلما يشترك كل كائن في الطعام والغذاء والتنفس، الشيء الفارق بينهم هو الكيفية التي يقومون من خلالها بتأدية خصائصهم ووظائفهم، فمثلًا الانسان، ينام في أي وقت وله وضعية مُعينة في النوم وهي التمدد، بينما الحيوان يأخذ أكثر من وضعية عند النوم منها التمدد الذي يأخذه الإنسان وغيرها الكثير من الأوضاع، وكذلك الزهور والنباتات والأشجار، تنام بالكيفية التي ذكرناها سابقًا، لكن، قد يجول في ذهنكم سؤال الآن، من عرف النوم أولًا بين كل الكائنات؟
من عرف النوم أولًا؟
عند دراسة ظاهرة نوم الأشجار اكتُشف أن النوم بالنسبة لهم أشبه بمُكمل غذائي لا يُمكن أن تستمر الحياة بدونه، بمعنى أدق، خلق النوم مع خلق النباتات والأشجار، وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان والحيوانات بالتأكيد، لذلك، عندما نريد التعرّف على الكائن الحي الذي مارس النوم لأول مرة فإن الطريقة الصحيحة للبحث يجب أن تتعلق بالبحث عن أول كائن حي على هذه الأرض، وهو كما اتفق الأغلبية النباتات والأشجار، ثم بعد ذلك الحيوانات وبعدها الانسان، أي أن الأشجار هي أول الكائنات تعرّفًا إلى النوم وممارسة له، وهذا بالطبع لا يتنافى مع حقيقة كون كل شيء على هذه الأرض مخلوق للإنسان ومُسخرّ لخدمته.
أضف تعليق