لا يزال طائر الدودو حتى الآن محور حديث الكثير من العلماء والباحثين، فذلك الحيوان الذي عاش في جزيرة موريشيوس بهدوء، أثار عند انقراضه ضجة كبيرة، وتم اتهام أكثر من شعب بأنهم كانوا السبب المباشر لانقراض هذا الطائر العجيب، والذي احتار الجميع كذلك في تصنيفه، فهناك من يقول إنه تطور للنعام، وهناك من يدعي بأنه تطور للحمام، عمومًا، في السطور القليلة المقبلة، سوف نتعرف أكثر على طائر الدودو، كيف عاش ومتى، وكيف انتهى الأمر بانقراضه.
محتويات
ما هو طائر الدودو؟
في البداية، طائر الدودو أصلًا لا يستطيع الطيران، فمنذ أن عرفه الإنسان وهو عاجز عن التحليق مثل باقي الطيور، والحقيقة أن هذه الحقيقة لا تحتمل التشكيك، لأننا نتحدث عن طائر انقرض بسبب زيادة صيده، وبأية حال لا يُمكن صيد الطيور من السماء إلى بصعوبة شديدة.
اختلف العلماء في تصنيف طائر الدودو، فهناك من قال بأنه في الأصل نعامة، مرت بعدة تطورات حتى أصبحت طائر الدودو، وقد ظل هذا الرأي معمولًا به لفترة طويلة، وتحديدًا حتى منتصف القرن العشرين، وهو الوقت الذي خرج فيه عالم بريطاني وأثبت بعد تحليل جمجمة نادرة للدودو أنه في الأصل تطور للحمامة، عمومًا، أيًا كان الأصل، ففي النهاية يبقى طائر الدودو أحد أندر الطيور وأغربها.
أوصاف طائر الدودو
انقرض طائر الدودو منذ فترة طويلة تقترب من الثلاثة قرون، لذلك لم يستطع أحد توثيق شكل الدودو وأوصافه، لكن الدراسات والأبحاث التي أُجريت على بقاياه كشفت لنا بعضًا من هذه التفاصيل.
بالنسبة للطول فإن طائر الدودو كان لا يزيد عن متر واحد، ربما أقل من ذلك بقليل، لكن التفاوت الحقيقي كان في الحجم، فهو يبدأ بعشر كيلو وقد يصل إلى واحد وعشرين كيلو بالنسبة لأنثى هذا الطائر، فالتفاوت في الحجم بين ذكور وإناث الحيوانات أمر شبه طبيعي، وبالنسبة للألوان فلا نُبالغ إذ نقول إنها كانت تختلف في كل فرد من جماعة طائر الدودو، وعادة لا تكون لون واحد، وإنما مجموعة ألوان مُختلفة، لكن في النهاية تبقى كل هذه الأوصاف مجرد تكهنات ومعلومات مأخوذة من تحليل جمجمة وبعض اللوحات المرسومة لهذا الطائر قبل خمسة قرون.
تواجد طائر الدودو
أثبتت الوثائق والرسومات التاريخية أن طائر الدودو لم يكن موجودًا في كافة أنحاء العالم كما هو متوقع، لأنه كما ذكرنا لم يكن يستطيع الطيران، لذلك نشأ وعاش ومات في مكان واحد فقط، وهو جزيرة موريشيوس.
بالقرب من المحيط الهادي، وتحديدًا شرق مدغشقر، كان طائر الدودو يتواجد هناك في جزيرة صغيرة تُدعى جزيرة موريشيوس، وقد كان يعيش حياة سعيدة بعض الشيء، لأن الجزيرة كانت خالية من البشر، فقط هو وبعض الطيور الأخرى التي تقتات مثله على بقايا الفواكه المُتساقطة على الأرض، أي لم يكن هناك لحيوان بري متوحش يُمكن أن يعيش على التهام طائر الدودو ورفاقه، لكن، في عام 1505، وصل ذلك الحيوان البري المتوحش إلى جزيرة موريشيوس.
وصول البرتغاليون
وصل البرتغاليون إلى جزيرة موريشيوس عام 1505، حيث نشطت في ذلك الوقت تجارة التوابل، وكان من الطبيعي جدًا أن تكثر السفن وتُصبح الجزيرة مرفأ لها، لكن، لم يكن من الطبيعي أبدًا أن يُصبح طائر الدودو المسكين ضحية مسكينة لهذه التجارة الملعونة في التاريخ لهذا السبب.
بدأ البحارة في البحث عن طعام يُعينهم على الحياة أثناء تواجدهم في الجزيرة، وقد كانت الطيور لا تسمح بأن يقترب أي صيد منها، حيث تهرع مباشرةً إلى الطيران واللوذ بالفرار، لكن طائر الدودو المسكين لم يكن يمتلك هذه القدرة، لذلك كان بمثابة صيد سهل وثمين للبحارة، لتبدأ رحلة الانقراض في ذلك الوقت.
انقراض طائر الدودو
منذ عام 1505، وعلى مدار مئة عام، اصطاد البحارة البرتغاليون أعداد كبيرة جدًا من طائر الدودو، فقد كان بالنسبة لهم مصدرًا ومنهلًا للحوم الطازجة، وفي نفس الوقت، صيد سهل وغير مُكلف، فبالإضافة إلى أنه لم يكن قادرًا على الطيران، كان بطيء الحركة كذلك وغير قادر على الركض أو الفرار، لذلك كان يُصبح بطلًا لحفلات الشواء كل ليلة.
لم يكن طائر الدودو ضحية للبشر فقط، فقد وصل الهولنديون أيضًا إلى جزيرة موريشيوس عام 1598، لكنهم لم يأتوا وحدهم، وإنما جلبوا معهم أنواع كثيرة من الحيوانات، الخنازير والبقر والجاموس، وهذه الحيوانات أيضًا رأت في طائر الدودو ما راءه البشر من ضعف وسهولة في الافتراس، لذلك ساعدوا البشر في حملة القضاء على هذا الطائر المسكين، وبالفعل في عام 1693 أُعلن انقراض طائر الدودو من العالم نهائيًا.
ما بقي من الدودو
لم يتبقى من آثار طائر الدودو أي شيء تقريبًا، بخلاف بعض الكتب والرسومات التي تركها لنا الذين عاشوا في هذا العصر، إضافةً إلى هيكل يتيم موجود بأحد المتاحف بإسبانيا ويُعتقد أنه برجع إلى طائر الدودو، وهو ما قامت عليه التحاليل والاختبارات من أجل إثبات أصل الدودو، وهل هو تطور لنعامة أم حمامة، في النهاية يبقى كل شيء متروك لتطور العلم، فمن الممكن جدًا أن تظهر في السنوات القليلة القادمة أدوات أكثر دقة وكفاءة، وقادرة على تحديد أصل الدودو بشكل قاطع من خلال الهيكل الموجود، لكن، من ناحية أخرى، هل فكرتم في تأثير انقراض طائر الدودو على البيئة؟ هل تعرفون أنه تسبب في كارثة؟
انقراض الدودو والبيئة
بالتأكيد تأثرت البيئة بانقراض طائر الدودو تأثرًا كبيرًا، فقد كان ذلك الطائر الذي لا يُجيد الطيران يُخلّص التربة من بعض الآفات والحشرات السامة، حيثُ تقرّب من الفلاح فترة من الزمن وأصبح صديقًا له، ولا نعلم لماذا لم يُحاول الفلاح الحفاظ على هذه الصداقة، خاصةً وأنها كانت مُثمرة وتؤدي إلى تبادل مُشترك، فمن ناحية كان يحصل الدودو على غذائه، ومن الناحية الأخرى كان الفلاح يتخلص من الحشرات الضارة، لأنه في ذلك الوقت لم تكن المُبيدات الحشرية موجودة، ومن هنا يتضح التأثر البيئي الكبير، إذ أن عدم وجود الدودو تسبب في البحث عن بديل له مثل المبيدات الحشرية، وبالطبع جميعكم تعرفون ما تفعله المبيدات الحشرية للبيئة، ولا مجال للحديث عن ذلك الآن.
طائر الدودو والثقافة
تأثرت الثقافة كثيرًا بوجود طائر الدودو، تمامًا مثلما تأثرت بانقراضه، حيث كان يُقال للإنسان الضعيف سهل المنال أنت دودو، وفي هذا تعريض بالانقراض السريع للدودو والاستسلام التام لأسباب ذلك الانقراض، والحقيقة أن الأمر لم يقتصر على الأمثلة والتراث فقط، بل إن الكتب والروايات الخيالية لم تترك طائر الدودو كذلك، بل حاولت اقحامه في كافة الأعمال، مُستغلين بذلك ما ذكره التاريخ في وصفه من أوصاف خيالية وطباع تُثير النفس، في النهاية، يمكن القول أن طائر الدودو كان ضحية أيضًا للحياة الثقافية، وكأنه جاء إلى هذا العالم ليقدم نفسه كضحية فقط.
أضف تعليق