تسعة بيئة
صيد السمك في الأعماق
بيئة » الطبيعة » صيد السمك في الأعماق : لماذا يعتبر استنزافًا للبحار والمحيطات؟

صيد السمك في الأعماق : لماذا يعتبر استنزافًا للبحار والمحيطات؟

صيد السمك في الأعماق شكل من أشكال الصيد الذي لم يعد مُحبذًا أو مطلوبًا في الوقت الحالي على الرغم من استخدامه لمدة نصف قرن، إلا أن التجربة والدراسات التي أُجريت قد أكدت أن هذه العملية تُعتبر استنزافًا للمحيطات والبيئة عمومًا.

تُعتبر عملية صيد السمك في الأعماق من العمليات التي تشهد لغطًا كبيرًا مثلما هو الحال مع معظم عمليات الصيد التي ثبت أنها غير صحيحة وتضر البيئة، لكن هذه المرة جاء الصيد في الأعماق ليُعطي صورة كاملة عن استنزاف المحيطات، وذلك من خلال وضع تلك الشباك الضخمة والعريضة التي تمضي في طريقها نحو الأعماق وتسحق كل ما تقابله بسبب الشباك الهائلة التي تستخدمها، وهو ما يجعلنا أمام صيد مُثمر وثمين إن جاز التعبير لكونه يأتي بأقل مجهود وبأسرع وقت، لكن في نفس الوضع ثمة خسائر كُبرى تقع من ذلك الصيد بسبب العشوائية التي يعمل بها، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على عملية صيد السمك في الأعماق ونتتبع أثرها لنعرف لماذا هي تُعد استنزافًا للمحيطات وخطرًا كبيرًا على البيئة، فهل أنتم مستعدون للاقتراب سويًا من هذه المشكلة الخطيرة؟ حسنًا لنبدأ في ذلك سريعًا.

مفهوم صيد السمك في الأعماق

أول ما يجب معرفته عن نظام الصيد الذي هو موضوع حديثنا الآن هو كون مسألة الصيد هذه تستهدف بشكل كبير أعماق المحيطات والبحار، وهو أول مكان تلجأ إليه الكائنات الحية أو ما يُنوى صيده في الأساس، ولذلك تبدو الأمور منطقية من ناحية زيادة الحصيلة التي يتم صيدها، فعندما تختار طريقة الصيد في الأعماق تكون قد ذهبت إلى آخر مكان يتوقع السمك ألا يجدك فيه، أماكن تجمعات الأسماك إن جاز التعبير، وهناك تُستخدم شباك ضخمة عملاقة لا تُعادل بأية حال من الأحوال تلك الشباك العادية المُستخدمة في عمليات الصيد العادية، أيضًا تجدر الإشارة أنه يتم استخدام سُفن كبيرة ضخمة أو زوارق عملاقة أيضًا، وحتى الزوارق العادية التي قدرتها ثلاثين حصان يُمكنها تأدية هذه المهمة بنجاح تمامًا مثلما تفعل السفن الكبرى ذات الألف حصان، في النهاية هي الطريقة الأفضل والأكثر ضمانًا خلال عملية الصيد.

بعض الناس يعتقدون أن عملية صيد السمك في الأعماق يُمكن أن تتشابه مع عملية تتم تقريبًا بنفس الآلية، وهي عملية صيد بلاجي، لكن في صيد بلاجي يتم سحب الشباك نحو أعلى، أيضًا تُستهدف أسماك في أول القاع كالتونة والروبيان والبلم، أما صيد السمك في الأعماق أو صيد جارفة القاع كما يُطلق عليه فهو يستهدف تلك الأسماك التي تستر في الأعماق وتظن أنها بمأمن وأنه لا يُمكن بأية حالٍ من الأحوال الوصول إليها والنيل منها، وأمثلة ذلك أسماك الحبار والقد، فهذين النوعين يُمثلان ما يقترب من ثلاثي الغنيمة التي يتم الحصول عليها من خلال الصيد في الأعماق.

لماذا يُعتبر استنزافًا للبيئة؟

الآن نحن نعرف ما الذي يعنيه مُصطلح صيد السمك في الأعماق ونُدرك جيدًا كيفية حدوثه، لكن كونه استنزافًا للبيئة بكل تأكيد أمر لا زال في حاجة إلى الكثير من الشرح والتوضيح، إذ أن عملية الصيد هذه تسبب أولًا تغيرات بيئية هائلة.

إحداث تغيرات بيئية هائلة

لا شك طبعًا أن أول أثر يتم بسبب صيد السمك في الأعماق ويؤثر على البيئة هو ذلك التغير الهائل الذي يتم فيها، فبالطبع لن تكون البيئة في نفس حالتها عندما تُستخدم مثل هذه الطريقة خلال عملية الصيد، بل الأمر الأهم الذي يجب التفكير فيه هو كون تلك التغيرات لن تطال البيئة البحرية فقط، بل ستطال المخلوقات التي تنمو بها وبالتالي خسارة تأثيرها خارج حدود البحر، فعندما نكون في حاجة إلى الأسماك ونعتمد عليها بنسبة خمسين بالمئة ثم تأتي عملية الصيد المجنونة هذه وتنقص من الأسماك أو تقضي عليها فإن النتيجة المنطقية التي لا يختلف عليها أحد أن البيئة الخارجية للبحر سوف تتأثر بقلة مخزون السمك، ثم قِس على ذلك الكثير من الأمور التي تُحدث نفس درجة وقيمة التأثير التي نتحدث عنها، إنها كارثة.

خسارة الكائنات بطيئة النمو

ثمة كائنات بطيئة النمو مثل الشعب المرجانية، فهذه الكائنات تأخذ وقتًا طويلًا حتى تنبت مجددًا، وبالتالي هي الأولى بالحفاظ عليها أكثر من أي شيء آخر يتعلق بعالم البحار، لكن على الجانب المقابل يُمكننا أن نجد صيد السمك في الأعماق الذي يستهدف في المقام الأول الحيوانات الضعيفة التي لا يُمكنها مواجهته وتعتمد على تواجدها أساسًا في الأعماق، حيث أنها تظن وتقتنع في قرارة نفسها أنه لا يُمكن الوصول إليها، لكن ما يحدث أنها تسقط في الفخ وينتهي بها المطاف مفقودة، وبتكرار هذه العملية يكون من الطبيعي خسارة مثل هذه الكائنات بصورة نهائية، أو الموت بالمعنى الدقيق، ثم يحل خطر الانقراض، فهل هذا فعلًا ما نُريده في بيئتنا؟ الإجابة بكل تأكيد لا.

إغلاق الطريق أمام أنواع لم تُكتشف بعد

عندما نذكر عالم البحار فسوف نكون متيقنين تمام التيقن أننا نتحدث عن عالم كبير وغامض ما زال يحتفظ داخله بالكثير من الأسرار التي تستحق البحث بالتأكيد من أجل التعرف عليها، المعضلة هنا أننا لا نمتلك القدرات التي تُمكننا من ذلك، لكننا نبقى على أمل أن نصل إلى حقيقة ذلك في يوم من الأيام، بيد أن عملية صيد السمك في الأعماق تأتي بكل ما تمتلكه من طاقة تدميرية وتُحطم كل ذلك تمامًا، فهي تقضي على أنواع لم يتم التعرف عليها أساسًا حتى وقتنا الحالي، وبالتالي تحرم البشرية والبيئة بشكل عام من تطورات وخطوات كبيرة كانت من حقها، أليس ذلك خطرًا يستحق النهوض والقتال من أجله!

التأثير على النظم الإيكولوجية

عام 2006 خرج الأمين العام للأمم المتحدة وأدلى بتصريح هام للغاية قال فيه أن عملية صيد السمك في الأعماق قد وصل تأثيرها إلى النظم الإيكولوجية، وهي التي يُقصد بها النظام البيئي حولنا، فأي نظام يتكون من قطعة أرض خضراء بها مخلوقات وبعض أشكال الحياة يُطلق عليها نظام ضمن النظم الإيكولوجية، وهذه النظم تضم كذلك جبال بحرية كثيرة، وربما من هنا بدأ التأثير الذي خرج الأمين العام للأمم المتحدة وتحدث عنه، فقد أدت عملية الصيد التي تحدث في الأعماق إلى الإخلال بما يزيد عن التسعين بالمئة من هذا النظام، وهذه كارثة بكل تأكيد، وربما عزيزي القارئ لو لم يكن لديك علم أساسًا بمفهوم النظم الإيكولوجية فبلا شك سوف تُصاب بحالة من الرعب عندما تسمع بتلك النسبة التي ذكرناها، إننا في الحقيقة نتحدث عن دمار حقيقي للبيئة وليس مجرد واحدة من الكوارث التي يُمكن الوصول إلى حلول جذرية لها.

ختامًا عزيزي القارئ، كما هو واضح من الشرح المُسبق، فإن صيد السمك في الأعماق فائدة وبلاء في نفس الوقت، فائدة لنا وبلاء على البيئة، ونحن في الأساس مجرد جزء صغير من البيئة، بمعنى أنها إذا تضررت فسوف يقع جزء كبير من الضرر علينا، ولهذا فإنه من الضروري إيجاد حلول فارقة ومناسبة لهذا الخطر المُحدق.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

1 + 16 =