تسعة بيئة
صيد السمك بالسيانيد
بيئة » التلوث » صيد السمك بالسيانيد: أسلوب غير آدمي للصيد يسبب الدمار للبيئة

صيد السمك بالسيانيد: أسلوب غير آدمي للصيد يسبب الدمار للبيئة

صيد السمك بالسيانيد طريقة حديثة لصيد الأسماك بشكل أكبر، وهي طريقة غير مشروعة بسبب ما تؤدي إليه من أضرار، وقد تم اختراع هذه الطريقة لأول مرة عام 1962.

تُعتبر طريقة صيد السمك بالسيانيد البديل الأساسي لطريقة صيد السمك بالتفجير، فقد ظهرت الطريقة الأولى بعد تجريم الثانية مباشرةً، والحقيقة أن صيد السمك بالسيانيد تمكن من تلافي كافة العيوب التي تسببت في منع صيد السمك بالتفجير، لكنه بقي مُسببًا للضرر مثلها، وقد ظهرت طريقة الصيد بالسيانيد عام 1962 بدولة الفلبين، والتي للغرابة كانت أيضًا السبب في ظهور الصيد بالتفجير، عمومًا، في السطور القادمة، سوف نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بطريقة الصيد هذه والأثر البيئي الكبير الذي تُسببه.

صيد الأسماك

قبل أن نتعرف على طريقة صيد السمك بالسيانيد علينا أولًا التعرّف على عملية صيد السمك باعتبارها واحدة من أهم العمليات الحيوية التي يقوم بها البشر، بل ويُمكننا القول إنها الطريقة الأولى التي اهتدى بها الإنسان إلى طعامه من اللحوم، فقد كان الإنسان قبل ذلك لا يعرف البقر والجاموس والدجاج، وإنما بدأ البحث من البحر، وكانت عملية صيد الأسماك هي العملية الأولى التي قام بها.

كان الصيد في البداية يحدث باليد، يمكن القول إنه كان بدائيًا كأي شيء تواجد في هذا الوقت، لكنه أخذ يتطور مع تطور البشر والزمن، حتى وصل إلى الشباك واستمر عليها لفترة طويلة، ثم مؤخرًا عُرفت طُرق صيد السمك الحديثة، والتي تعتمد على عمليات كبيرة تتسبب في سقوط كميات هائلة من الأسماك، وذلك مثل عملية صيد السمك بالتفجير وعملية صيد السمك بالسيانيد، والتي هي محور حديثنا في الأساس.

صيد السمك بالسيانيد

يُعرف صيد السمك بالسيانيد على أنه أحد أهم طرق صيد السمك وأسرعها، لكنه الأخطر على البيئة، تمامًا مثلما هو الحال مع طريقة صيد السمك بالتفجير التي ظهرت إبان الحرب العالمية الأولى في قارة أسيا، وتحديدًا دولة الفلبين.

صيد السمك بالسيانيد ببساطة يعني استخدام مادة السيانيد السامة أثناء عملية الصيد، ويحدث ذلك بأن يتم تحديد أماكن تجمع الأسماك وضخ هذه المادة بها، والتي تعمل على تسميم المكان وقتل الأسماك الموجودة فيه، أو على الأقل إفقادها القدرة على الحركة أو المقاومة، مما يجعلها لقمة سائغة للصيادين، كما أن تلك الطريقة تُسقط أعداد كبيرة من السمك دفعة واحدة، وهو بالتأكيد جل ما يتمناه أي صيد، لذلك أثبتت هذه الطريقة فاعليتها منذ ظهورها.

ظهور صيد السمك بالسيانيد

ظهرت طريقة صيد السمك بالسيانيد عام 1962، أي بعد التطور الهائل التي شهدته الملاحة العالمية، وللغرابة، فإن هذه الطريقة قد ظهرت في نفس الدولة التي ظهرت بها طريقة الصيد بالتفجير، وهي دولة الفلبين.

ظهرت عملية الصيد بالسيانيد لنفس الأسباب التي ظهرت من أجلها عملية الصيد بالتفجير، والتي تُبتكر من أجلها طُرق صيد جديدة كل يوم، وبالطبع تتمثل في زيادة الكمية الإجمالية من الأسماك، وتوفير الوقت والجهد، والحقيقة أن صيد السمك بالسيانيد لم يكن مُكملًا أو رفيقًا لصيد السمك بالتفجير، وإنما يُمكن اعتباره بديلًا حقيقيًا له، لأنه قد تفوق عليه في بعض الأمور التي جعلت منه الخيار الأمثل والأفضل.

أفضلية الصيد بالسيانيد

كما ذكرنا، يُفضل الصيادون طريقة صيد السمك بالسيانيد على طريقة صيد السمك بالتفجير، وإلا ما كانت تلك الطريقة هي البديل الأهم لها، فعند ظهور تلك الطريقة الحديثة نسبيًا أدرك الصيادون أفضليتها بسبب عدة أسباب أهمها السرعة، وهي ميزة يُمكن أن يشترك فيها الصيد بالتفجير أيضًا، إلا أن السرعة المقصودة في طريقة صيد السمك بالسيانيد تتميز بميزة إضافية، وهي أنها سُرعة مصحوبة بالسرية.

كانت المُعضلة الرئيسية، والتي أدت إلى تحريم طريقة الصيد بالتفجير، أنها تُحدث جلبة كبير تتسبب في الكشف عن العملية برمتها، لكن الأمر قد تغير على النقيض بعدما اختُرعت طريقة الصيد بالسيانيد، فقد أصبح بالإمكان الصيد في سرية وهدوء دون أن يُفتضح الأمر، لكن، هل كان من الممكن أن يدوم هذا الوضع طويلًا؟ بالتأكيد لا.

الكشف عن الطريقة

بعد حوالي عشر سنوات متتالية من عمليات صيد السمك بالسيانيد جاء السقوط الحتمي لهؤلاء التجار الذين يعملون بها، فأثناء مرور دورية بحرية لاحظت تغير لون المياه في أحد المناطق، فقامت بأخذ عينات منها وإرسالها إلى المعامل من أجل الفحص، وبظهور النتائج اتضح أن المياه مخلوطة بمادة سامة، وهي السيانيد، فما لم يكن يعرفه الصيادون أن تلك المادة لا تُسمم البحر وحسب، بل أيضًا تتسبب في تغيير لونه، وقد يصل الأمر إلى تغيير رائحته كذلك، عمومًا، تم عرض الأمر على الحكومة الفليبينية والنظر في صحة هذه العملية من عدمه.

تجريم الصيد بالسيانيد

في عام 2000، وبعد حوالي ثلاثة عقود من بداية صيد السمك بالسيانيد في الفلبين، أصبحت تسعة وعشرين بالمئة تستخدم طريقة الصيد هذه، والحقيقة أن أسباب الانتشار الأولى لا تكمن في فاعلية هذه الطريقة وقدرتها على جمع الكثير من الأسماك في وقت قصير فقط، وإنما أيضًا بسبب تقاعس الحكومة الفلبينية وعدم تصديها لذلك الاعتداء الغاشم على البيئة، لكن بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالعالم بأكمله فإن مجلس الأمم سيتدخل.

من المعروف أن مهمة مجلس الأمم الرئيسية هي حماية الأمم من كل الأسباب التي قد تتسبب بفنائها، والحقيقة أن تلويث مياه البحار لا يُمكن أن تُعتبر أبدًا بالأمر الهين، لذلك أصدر مجلس الأمم قرارًا مُلزمًا في عام 2002 ينص على تجريم صيد السمك بالسيانيد تجريمًا تامًا، لكن، هل التزم العالم بهذا القرار؟

مخالفة مجلس الأمم

بالتأكيد عندما يتعلق قرار ما بتعطيل مصالح دولية وصفقات بالمليارات فإنه لا يُعد مُلزمًا للبعض، وهذا هو نفس الموقف الذي تعرضت له طريقة صيد السمك بالسيانيد، حيث أن بعض الدول، وعلى رأسها صاحبة الطريقة الفلبين، لم تخضع أبدًا لذلك القرار، بزعم أنه يُمثل تدميرًا للثروة السمكية التي نشطت في الفترة الأخيرة بسبب اتباع طرق صيد عصرية، على حد تعبيرهم، مثل الصيد بالتفجير والصيد بالسيانيد، على كلٍ، لم يلتزم البعض بالقرار، وحتى بعض الملتزمين بها أقدموا على مخالفته سرًا، ليكتبوا بذلك صفحة سوداء جديدة في تاريخ الحفاظ على البيئة.

الصيد بالسيانيد والبيئة

هل يمكن الوصول إلى أقصى ما قد يتسبب به صيد السمك بالسيانيد من أضرار على البيئة؟ الإجابة ببساطة نعم، فأقصى ما قد تصل إليه هذه الطريقة من أضرار هو تدمير مياه البحار وكسادها، إذًا، السؤال الثاني، هل يؤثر أمر كتدمير مياه البحار على البيئة؟ الإجابة أيضًا نعم، فهؤلاء الذين يُقدمون على هذه الطريقة من أجل الربح والسرعة لا يعرفون أنه من الممكن جدًا أن تؤدي إلى ما قد يُدمر لهم كل هذه الحسابات، كأن تفسد الثروة السمكية مثلًا وتموت الأسماك الصغيرة بسبب تلويث المياه، وبالتالي يحدث الشيء الذي لم يتوقع أي كائن بشري حدوثه، وهو انقراض الأسماك، على كلٍ، لا يمكن أن نقول أبدًا أننا سننتظر ونرى، ولكن نأمل بالتأكيد أن ننتظر ولا نرى ذلك يحدث بالتأكيد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

اثنان × خمسة =