تسعة بيئة
صيد الأسماك
بيئة » الماء » كيف يمكن صيد الأسماك دون التسبب بالدمار للبيئة؟

كيف يمكن صيد الأسماك دون التسبب بالدمار للبيئة؟

صيد الأسماك أمر ضروري لكونها أحد مصادر الغذاء الهامة، لكن بعض الطرق التي يتم استخدامها في الصيد تتسبب بالدمار الكبير للبيئة، فكيف يُمكن حل تلك المشكلة؟

اعتاد الناس منذ قديم الأزل على صيد الأسماك واستخدامها في الطعام كمصدر غذائي هام لا يقل في الأهمية عن المصادر الحيوانية، وما جعل الناس يلجئون لهذه الثروة في المقام الأول أنها سهلة الصيد ومتوفرة بكثرة، إلا أنه في الآونة الأخيرة لم يُراعي البعض قواعد الصيد الهامة والضرورية من أجل إتمام عملية الصيد على أكمل وجه، وهذا ما تسبب بدوره في تدمير البيئة أو على الأقل تلويثها، والحقيقة أن تلك الطرق السيئة التي بدأ استخدامها في صيد الأسماك خلال القرن المنصرم تحديدًا لا تتسبب فقط في تدمير البيئة وإنما قتل الأسماك وربما قطع السلالة بأكملها، بمعنى أدق، البشر يتعجلون الصيد ويريدون زيادة الحصيلة لكنهم لا يعرفون أنهم بذلك قد يغلقون الباب تمامًا، عمومًا، نحن هنا نريد التحدث عن أسباب تدمير البيئة خلال الصيد وكذلك التعرف على بعض الطرق التي يُمكن من خلالها صيد الأسماك دون أن يكون هناك أي دمار أو تأثير سلبي على البيئة، فهل أنتم مستعدون لما ينتظركم في السطور القادمة؟

البشر وصيد الأسماك

ربما كان الإنسان القديم أكثر تأخرًا ورُقيًا من الإنسان الحديث، لكنه في الحقيقة قد أدرك منذ اللحظة الأولى له على هذه الأرض أنه إذا أراد تذوق اللحوم في يومٍ من الأيام فليس عليه سوى اللجوء للأسماك، فهي بالنسبة له كانت المصدر الوحيد للحم، أو المصدر الوحيد المعروف في هذا الوقت، وربما يُدهشكم أن صيد الأسماك بالرغم من كونه قد بدأ قبل آلاف القرون إلا أنه لم يتعرض لأي سقطة أو كارثة تُهدد وجوده، وعلى العكس تمامًا نجد الإنتاج الحيواني يقل وتقترب أغلب مصادره من الانقراض، وهذا ما يُفسر العلاقة الوثيقة بين البشر وعملية صيد الأسماك.

كان العالم قديمًا لا يعرف سوى مهنتين فقط، الرعي وصيد الأسماك، وكان الصياد يُعتبر الأكثر رفعةً وسمو بسبب مهنته تلك التي تجعله يحتك بالبحر، وطبعًا على مر السنين تطورت تلك العملية وأخذت أكثر من طريقة، لكن النهاية التي وصلنا إليها الآن لا تبدو جيدة بالمرة، حيث يُمكننا القول ببساطة أن العلاقة بين البشر والأسماك قد توترت توترًا شديدًا، فما الذي حدث يا تُرى وأدى إلى هذه المُعضلة؟

الصيد بطرق خاطئة

مع كثرة أعداد البشر كثرت كذلك احتياجاتهم من الطعام والشراب، ومع وجود دول تعتمد بالكامل على الأسماك كمصدر لطعامها كان لابد من الإكثار والتكثيف من عمليات الصيد لضمان زيادة الإنتاج، إلا أن هذا الأمر في الحقيقة قد تم بطريقة خاطئة تمامًا، فقد استُخدمت طرق صيد كارثية تسببت في تلويث البيئة ودمارها، وفوق كل ذلك إضعاف الثروة السمكية وتقليل فرص بقائها على الأرض، مما يعني أننا مُقدمون على فقدان مصدر هام من مصادر الغذاء الحيوية، والواقع أننا قبل أن نتعرف على حلول تلك المشكلة نجد أنفسنا أولًا مُطالبين بالتعرف على أسبابها، بمعنى أدق، الطرق الخاطئة في صيد الأسماك التي أدت إلى تلويث البيئة، وعلى رأس تلك الطرق طريقة صيد السمك بالتفجير.

صيد السمك بالتفجير

تُعتبر إندونيسيا أكثر دول العالم في صيد الأسماك، وذلك لأنها ببساطة تُعتبر كذلك الأكثر من حيث استهلاكه، فهو نوع اللحوم الأول بالنسبة له، وطبعًا هذا الضغط يجعلها تضطر أحيانًا إلى استخدام كل طريقة ممكنة من أجل الحصول على أكبر كمية من الأسماك كي تكفي استهلاكها، لكن، منذ بداية القرن العشرين أخذت إندونيسيا طريقًا جديدًا خلال هذا الأمر، فهي لم تعد تستخدم الطرق الغير مشروعة فقط، بل كذلك الطرق التي لا تتواكب مع البيئة وتتسبب في مشاكل مُخيفة لها، وعلى رأس تلك الطرق طريقة الصيد بالتفجير التي انتشرت منذ عام 1920 وأخذت طريقها نحو إهلاك البيئة.

الصيد بالتفجير يعني أن يتم جمع الديناميت ومخلفات الحروب ثم الذهاب بها نحو مكانٍ من المُفترض أنها مُكدس بالأسماك، وهناك يحدث التفجير الذي يُسقط أعداد كبيرة من الأسماك ويُوفر ساعات كبيرة من الصيد الذي يستنزف الجهد والأموال، والواقع أن تلك الطريقة قد ألقت بثمارها المرجوة فيما يتعلق بالكميات التي ازدادت، لكن فيما يتعلق بالبيئة فقد تدمرت تدميرًا كبيرًا بسبب تلك المواد التي يتم تفجيرها، حتى الأسماك بدأت تندثر في المناطق المُستخدمة لتلك الطريقة.

صيد الأسماك بالسيانيد

الطريقة الثانية من الطرق الخاطئة والمُضرة في عملية صيد الأسماك هي طريقة الصيد من خلال مادة كيميائية مكونة من الصوديوم تُسمى مادة السيانيد، تلك المادة استُخدمت لأول مرة في دولة أسيوية أخرى مُعروفة بشغفها الشديد للأسماك، وهي دولة الفلبين، حيث أن تلك الدولة بدأت منذ عام 1962 برش ذلك المُركب في المناطق التي يُعتقد وجود الأسماك بكثرة بها، مما يُساعد على إفقادها الوعي وجعلها غير قادرة على الهرب والمقاومة عند الصيد، أي أنها وببساطة تُسهل من العملية وتجعلها أسرع وأكثر فاعلية، وهذا بالطبع أمر جيد، لكن مشكلتنا الحقيقية مع أضرار مادة السيانيد المُستخدمة في هذه العملية، فهي مدة مُجرمة دوليًا بسبب ما تُحدثه من تلوث للبحر وبالتالي تلوث للبيئة بأكملها.

الصيد العشوائي للأسماك

بدرجة أقل خطورة بكثير نجد أن الصيد العشوائي للأسماك قد يؤثر على العملية والبيئة بأكملها، فعندما يُكثف الناس من الصيد في مكانٍ واحد ويجعلوه بمثابة مخزن الأسماك الخاص بهم فإنهم يتسببون بالبداهة في فناءه، ونفاذ الأسماك من مكان يعني ببساطة وجود خطر مُحدق للأجيال القادمة الذين لن يجدون لهم نصيبًا من الأسماك فيما بعد، أما البيئة فهي تأخذ على عاتقها جزء من المسئولية في خلق التوازن بين صور الحياة الموجودة على الأرض، ومن بينها الأسماك وتواجدها الطبيعي والمنطقي في البحار، حتى ولو كان ذلك بنسب متفاوتة، لكنه أفضل بكثير من عد الوجود بالأساس.

آثار صيد الأسماك على البيئة

علينا أولًا أن نعرف أمر هام جدًا ومنطقي في نفس الوقت، وهو أن الصيد في حد ذاته ليس فعل مُخل بالبيئة أو مؤثر عليها تأثيرًا سلبيًا، وكل ما سبق ذكره في الحقيقة لا يعني شيء سوى أن الطرق الخاطئة في الصيد هي التي تجعلنا أمام خطر يُهدد البيئة بسبب الصيد، ولكي نقترب أكثر من الصورة دعونا نتعرف على أبرز تلك الأضرار التي تقع على عاتق البيئة وتؤدي إلى تدميرها، وأهمها بالتأكيد تدمير البيئة البحرية.

تدمير البيئة البحرية

بعد أن تحدث كل الأمور التي ذكرناها من قبل، وبعد أن يتم الصيد بالطرق المُريبة كالتفجير مثلًا فإننا بالتأكيد لا نتوقع أبدًا أن تظل البيئة البحرية كما هي، بمعنى ألا يحدث تدمير من أي نوع، فالحقيقة أن البيئة البحرية مثلا البيئة الهوائية تمامًا من حيث انتشار الضرر، والماء لا يُمكن أن يظل صامتًا أمام تلويثه وإنما ينقل ذلك التلوث إلى أماكن كثيرة ومؤثرة، وهنا يحدث التدمير الذي نتحدث عنه، حيث تُصبح البيئة البحرية مُلوثة وناقلة للتلوث في نفس الوقت، وهذا ما يقودنا ببساطة إلى الأثر الثاني لصيد الأسماك بالطرق الخاطئة، وهو القضاء على الكائنات البحرية.

القضاء على الكائنات البحرية

بالتأكيد لن يحدث الاكتفاء بتلويث البيئة البحرية فقط، بل إن الكائنات البحرية كذلك سوف تُعاني أشد المُعاناة من هذا الأمر، فقد أثبتت الإحصائيات الأخيرة أن نسبة لا تقل عن عشرة بالمئة من الأسماك تموت سنويًا بسبب عدم قدرته على الصمود أمام التلوث الذي يُسببه طرق الصيد الخاطئة، الكارثة الأكبر أنه مع استمرار ذلك التلوث لمئة أخرى قد تتأثر الكائنات البحرية إلى الحد الذي يجعله تنقرض بكل ما تعنيه كلمة الانقراض من معانٍ، أرأيتم إلى أين سيقودنا الأمر؟ سوف نخسر السمك برمته من أجل الطمع والتسرع في اصطياده!

تدهور النظام البيئي

إذا كان النظام البيئي قائم على وجود الأسماك فإنه من الطبيعي أن يظل ذات النظام قائم على وجود ذات الأشياء، بمعنى أنه من المُخل بالنظام أن ينقص شيء من هذه الأشياء، ولهذا فإنه من الضروري جدًا المحافظة على البيئة البحرية بوصفها جزء من النظام، لكن هذا لا يحدث في الحقيقة، بل يتم الإخلال بالنظام والسماح بحدوث التدهور البيئي ببساطة شديدة، ولذلك فإنه يُعد في النهاية نوع من أنواع الأثر السلبي لعملية صيد الأسماك التي تتم بصورة أبعد بكثير عن وصفها بالصورة الصحيحة للصيد، لكن، إذا كنا نحتاج لذلك الصيد حقًا، وإذا كنا نُريد في نفس الوقت المحافظة على البيئة، فكيف بإمكاننا يا تُرى تحقيق تلك المُعادلة؟

صيد الأسماك دون تدمير البيئة

كل ما سبق كان عرضًا لجميع أضلاع المشكلة والتأثيرات السلبية التي حدثت بسبب تلك المشكلة، لكن الأهم الآن بالتأكيد أن نعرف الحل الأمثل لمشكلتنا كي نتمكن من الوقوف بوجهها والتصدي لخطرها، والحقيقة أن الطرق الصحيحة لصيد الأسماك كثيرة، لكننا سنكتفي فقط بذكر أشهرها وأفضلها استخدامًا، وأهمها بالطبع اتباع سياسة الصيد الرشيد.

اتباع سياسة الصيد الرشيد

الصيد الرشيد واحدة من السياسات الهامة التي يجب اتباعها بكل تأكيد نظرًا لما تؤدي إليه من نتائج إيجابية، والصيد الرشيد لمن لا يعرف هو ذلك الصيد الذي لا يطال الصائد وإنما يطال الفائض، بمعنى أدق، عندما نصطاد الأسماك يجب أن نعرف أولًا أن ثمة مخزون كبير بمنطقة ما يسمح بالصيد، وهذا المخزون بالتبعية لا يتواجد في منطقة أخرى، الأمر تمامًا مثل وضعك لأموال في البنك وعدم الاقتراب منها، وإنما الاعتماد فقط على الفوائد والأرباح، وبهذا تضمن أن رأس المال الأساسي سوف يظل كما هو، وبالتطبيق على مثالنا فإن الصيد الرشيد سوف يضمن عدم المساس بالبيئة.

تقنين مهنة الصيد

من المهم جدًا تقنين عملية الصيد وجعلها محصورة لأشخاص عاقلين يُتوسم فيهم العمل دون الإضرار بالبيئة، وهؤلاء لن يأتوا هكذا من تلقاء أنفسهم، بل يجب أن يتم اختيارهم عن طريق الاختبارات وتقنين تلك المهنة حتى يُصبح للأمر قيمة ولا يكون مجرد هواية يُمكن لأي شخص فعلها حتى ولو تطلب ذلك استخدامه لطرق خاطئة.

استخدام الطرق الصحية السليمة

بلا أدنى شك يجب القيام بعملية صيد الأسماك من خلال الطرق الصحية السليمة المنطقية في نفس الوقت، وطبعًا استخدام تلك الطرق لن يأتي بمفرده، بل يجب وضع قيود على الصيادين ومراقبتهم كيلا يستخدموا الطرق القديمة التي اتفقنا أنها تضر بالبيئة البحرية والبيئة بشكل عام، وعلى الجانب الآخر يجب تزويد الصيادين بكل ما يحتاجون إليه من شباك متطورة ومواد صحية يُمكن استخدامها في الإيقاع بالأسماك، وبهذا نضمن عدم اللجوء لأي طريقة خاطئة مضرة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

أربعة عشر − 7 =