لا تزال حوادث التسرب النفطي تُسبب صداعًا كبيرًا في رأس البيئة، خصوصًا مع تكرار هذه النوعية من الحوادث في أماكن متفرقة من العالم لدرجة أن البعض بات يخاف من النفط بالرغم من كونه أحد فواكه الأرض بالسبة لعملية الصناعة، فهو الذهب الأسود كما يعرف الجميع، لكن فيما يتعلق بالبيئة في الوقت الحالي فإن النفط بات يحمل الموت الأسود لها، وربما هذا الأمر كان واضحًا تمام الوضوح في حادثة التسرب النفطي التي طالت الخليج العربي، والكثير من الحوادث الأخرى التي تلت هذه الحادثة أو سبقتها، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على أهم حوادث التسرب النفطي التي طالت البيئة ودقت ناقوس الخطر فوق رأسها، كذلك لن ننسى بالطبع التعرض للأثر البيئي الذي يُمكن أن يتبع مثل هذه النوعية من الحوادث الخطيرة، فهل أنتم مستعدون لذلك في السطور القليلة المقبلة؟ حسنًا لنبدأ سريعًا.
محتويات
حوادث التسرب النفطي
لا يُمكننا التحدث عن التسرب النفطي وخطورته بشكل مجرد دون أن نمتلك دليل على ذلك التلوث، وربما الأدلة من هذه النوعية لن تكون موجودة في شيء بشكل مكثف أكثر من استعراض الحوادث التي شهدها العالم وتأثر بها بشكل سلبي، على العموم، البداية ستكون مع الحادثة الأكثر صدى على الإطلاق، حادثة تلوث مياه الخليج العربي بتسرب النفط.
تلوث مياه الخليج العربي بتسرب النفط
هل تذكرون حرب الخليج التي وقعت بين العراق والكويت نهاية القرن الماضي؟ أنتم بالتأكيد تعرفون أن هذه الحادثة كان لها عظيم الأثر على العالم العربي والمنطقة التي وقعت بها على وجه التحديد وبالطبع أنتم تعرفون كيف تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من استغلال هذه الحادثة والتدخل في العراق، لكن في النهاية كل هذا لا يشغلنا بقدر ما يشغلنا التسرب النفطي الذي حدث بشكل متعمد في هذه الفترة من أجل شل حركة طيران قوات التحالف الوطني وتسهيل المعركة أكثر على الأرض، وقد حدث ذلك الأمر من خلال تدمير مجموعة كبيرة من الآبار المتخصصة في النفط بالإضافة إلى تسريب براميل وصل عددها إلى الألف ونصف الألف مليون برميل، إنه بلا شك عدد كارثي، خصوصًا وأن تسريبه قد حدث في عامين فقط!
نتج عن حادثة التسرب المجنونة هذه خلل مناخي شديد الضرر، والكارثة أن الخلل المناخي هذا قد استمر لعدة سنوات تالية، أيضًا لا ننسى موت الكثير من الكائنات الحية ونشوب مجموعة حرائق كنتيجة لهذا التسريب، في النهاية لم تمضي الأمور بخير على الإطلاق، والغريب هنا أن نفس البقعة قد شهدت تسريبًا مشابهًا خلال الحرب العراقية الإيرانية بما يقترب من الاثنين مليون طن، وكأن التهديد بوقوع حوادث التسرب النفطي أصبح أشبه بالتهديد بالقنابل النووية!
أموكو كاديز
في السادس عشر من شهر مارس القابع في عام 1978، وبالقرب من سواحل دولة فرنسا، حدثت واحدة من حوادث التسرب النفطي التي لا تزال حتى وقتنا الحالي محفورة في الأذهان وذلك بسبب تسرب ما يقترب من السبعين مليون جالون من البترول، وقد نتج عن ذلك الأمر تلويث ما يقترب من الثلاثين كيلو متر تقريبًا وتعرض مساحة مُشابهة لهذه المساحة لخطر التلوث لكن لم يتم التلوث بالفعل، وقد أشارت التقارير التي خرجت بعد الحادثة إلى كون إلى أن الرياح كانت السبب الرئيسي والأول لها بسبب تغييرها دفة السفينة مما أدى إلى احتراقها ثم بعد ذلك انشطرت إلى شطرين، وفي خضم ذلك الدمار انسكبت براميل النفط لتُسبب التلوث أو التسرب النفطي الذي نتحدث عنه.
حادثة نهر كولفا
في الثامن من سبتمبر القابع في عام 1994 كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد الروسي على موعد مع واحدة من أشهر حوادث التسرب النفطي في التاريخ، ففي يوم من الأيام تم بناء سد لتفادي تسرب الغاز، لكن ذلك السد قد انهار بلا أية مُقدمات مما أدى إلى تسرب ما يقترب من الاثنين مليون برميل، أي تقريبًا أربعة وثمانين مليون جالون من النفط، وبالطبع لم تكن هذه الكمية الكبيرة لتمضي دون أن تترك أثرًا كبيرًا مثلها، فقد انتهى الأمر بتلويث مئة وستة وثمانين كيلو متر من الأراضي المُحيطة بالنهار، هذا طبعًا بخلاف تسمم وفساد الكثير من أنواع الكائنات الحياة الموجودة وخصوصًا النباتات التي تدمرت أصول أغلبها ولم تعد تنبت مجددًا، ولهذا كانت كارثة كما أسلفنا.
إكستوك
عام 1979، وتحديدًا الثالث من شهر يونيو القابع في ذلك العام، وقعت حادثة من حوادث التسرب النفطي المعروفة باسم إكستوك 1، وذلك في دولة المكسيك الموجودة بقارة أمريكا، وقد أدت هذه الحادثة إلى تسريب ما يقترب من الثلاثة ونصف مليون برميل من النفط، أي تقريبًا ما يُمكن أن يُعادل مئة وأربعين مليون جالون، وهي كمية هائلة طبعًا نشبت كنتيجة لانفجار بئر، والواقع أننا إذا حولنا فعلًا الوقوف على تأثير هذه الكارثة فيكفي أن نذكر ما خلفته وراءها من دمار يتمثل في 2800 كيلو متر مربع من المياه العادية المفتوحة بخلاف 261 من الشاطئ، وهو ما يُمكن اعتباره نصيب الأسد من الدمار الذي عادةً ما يخلف حوادث تسرب النفط.
ليكفيو جاشر
في ولاية كاليفورنيا الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا مارس القابع في عام 2010، ظهرت حادثة ليكفيو جاشر الشهيرة، التي أدت إلى تسرب تسعة ونصف مليون برميل من النفط، أي ما يقترب من الأربعمائة جالون من النفط الصافي، وهو ما قال البعض صراحةً أنه أعلى مُعدل للتدفق في تاريخ البشرية حتى خرجت بعد الدراسات التي تُشير إلى استمرار هذه العملية لأكثر من ثلاثة عشر شهرًا، تخيلوا أن يبقى التدفق متواصلًا لكل هذه الفترة من الوقت! وتخيلوا كم هي نسبة المياه والأراضي التي تعرضت للتلوث في هذا التسرب، بالتأكيد كان الأمر كارثيًا ويستحق كل هذا الزخم الإعلامي الذي تبعه.
آثار حوادث التسرب على البيئة
ذكرنا الآن بعض حوادث التسرب النفطي التي حدثت في العالم، وهي طبعًا ليست خمس حوادث فقط وإنما أكثر، لكن ما نريد قوله الآن أن تلك الحوادث لم تحدث وتنتهي بشكل عبثي، وإنما تركت في البيئة بعض الآثار السلبية لها، وربما سيكون من المناسب جدًا أن نتناول في السطور القليلة القادمة أبرز هذه الآثار كي تدركوا حجم الكارثة بأنفسكم، وأهمها تدمير البيئات التي حدثت بها هذه الحوادث بشكل تام.
تدمير البيئات المُلوثة بشكل تام
تخيل عزيزي القارئ أنه ثمة أرض زراعية تعرضت للتصحر وكل الطرق التي من شأنها أن تجعل هذه الأرض أرض بور، ما الذي ستكون عليه النتيجة يا ترى؟ ببساطة ستفسد هذه الأرض بشكل تام، وهذا هو ما يحدث مع البيئات التي تحدث فيها حوادث التسرب النفطي بأي شكل من الأشكال، فمن الممكن أن تحدث في بيئات بحرية أو برية، وهنا تُصبح تلك البيئات غير قابلة للعيش، حيث يتدمر نظامها تمامًا ولا تسكنها الحيوانات ولا تنبت فيها النباتات، وربما هذا ما يأخذنا سريعًا إلى الأثر التالي، أو الضرر التالي على وجه التحديد.
القضاء على الكائنات الحية ومشتقاتها
الكائنات الحية بالتأكيد هي أول شيء يتأثر بشكل مباشر من خلال هذه العملية، بل ربما تكون هي الشيء الأكثر حصولًا على نسبة التأثر، فنحن نتحدث عن مواد في غاية السمية والخطورة وقابلة للاشتعال بصورة سريعة، أيضًا عندما تختلط بالمياه تلوث هذه المياه وتجعلها مياه غير مُحبذ تمامًا استخدامها في أي نشاط حيوي، ثم أنه ما قيمة التسرب النفطي أمام وجود الكائنات الحية وتهديد ذلك الوجود، إنها بلا شك مقارنة محسومة، فليذهب النفط إلى الجحيم أمام الكائنات الحية.
إحداث خلل في منظومة الطيور
هل تتخيلوا أن الطيور التي في السماء تتأثر هل الأخرى تأثرًا سلبيًا عند وقوع حوادث التسرب النفطي ؟ أجل الأمر ليس معجزة، بل هو ما يحدث فعلًا عندما تحاول الطيور أخذ غذائها من الأماكن التي يتواجد بها تسرب نفطي، حيث أنه يؤدي إلى إحداث خلل بعملية الطيران وسقوط بعض المواد التي تجعل الطائر غير قادر على الطيران لاحقًا، هذا طبعًا بالإضافة إلى كونه لن يتمكن أساسًا من الحصول على غذائه وبالتالي الاستمرار في حياته، إنها ببساطة كارثة لا يقوى أحد عليها.
التعرض لمخاطر وأضرار الحرائق والتلوث
لا تنسى عزيزي القارئ أن حوادث التسرب النفطي لا تمر أبدًا مرور الكرام، فهي على الأقل تتسبب في التعرض لمخاطر الحرائق والتلوث، أما الحرائق فهي تحدث لكوننا في الأساس نتناول تسرب يطال مواد البترول والنفط، وهي مواد سريعة الاشتعال كما يعرف الجميع، أما التلوث فهو يحدث كنتيجة لاختلاط هذه المواد بالماء والهواء، فأي شيء يختلط بها يُصبح ملوثًا بشكل بديهي، ولهذا نحن نتحدث عن أثر في غاية الخطورة لهذه العملية.
توقف السياحة البحرية والبرية
أيضًا من الآثار السلبية التي تقع عندما تحدث حوادث التسرب النفطي أن السياحة بكافة أشكالها تتوقف بشكل نهائي بذلك المكان الذي يحدث فيه التسرب، والحديث هنا عن السياحة البحرية والسياحة البحرية، ناهيكم عن توقف الأعمال والأشغال، إذ أن تلك المنطقة التي يحدث بها ذلك الخطر تُصبح غير صالحة للتعايش البشري بشكل نهائي، بل يُصبح الاقتراب منها ضررًا لا يُستهان به، ولهذا يحدث التوقف السياحي كما ذكرنا.
ما هو التسرب النفطي؟
الآن بعد أن عرفنا كل شيء تقريبًا عن حوادث التسرب النفطي فإن بعض الناس ربما لن يكون لديهم علم أساسًا بما يُقصد بهذا المصطلح، وهو بشكل سريع خلل غير محسوب يحدث في أنظمة التزويد بالنفط، سواء كانت أنظمة ثابتة مثل حقول النفط أو متحركة مثل السفن، وغالبًا ما تكون الأجواء والظروف الملاحية لها يد كُبرى في هذا التسرب، لكن في النهاية فإن نتيجة حدوثه تبقى شبه ثابتة، فهو بخلاف تكليفه لميزانيات كبرى لتلك الدول التي يحدث بها التسرب فهو أيضًا يؤدي إلى خسائر بشرية تتمثل في موت البشر، ولكل هذا كان التسرب النفطي كارثة تؤدي إلى مجموعة الآثار التي ذكرناها آنفًا.
ختامًا عزيزي القارئ، مع أن حوادث التسرب النفطي تحدث بشكل مفاجئ إلا أنه من الممكن منعها، وهو أمر أفضل بكثير من السيطرة عليها عقب حدوثها، فعمومًا منع الكارثة أكثر أمنًا من التعامل معها بعد حدوثها، خصوصًا بالنسبة للتسرب.
أضف تعليق