من المعروف أن عملية تكون الأنهار أحد العمليات الهامة التي يعتمد وجود العالم على قيامها، فإذا لم تتواجد البحار والنهار لن تتواجد الحياة معهما، لن يتواجد أي شيء يُذكر، لأن ذلك الماء هو المسئول الأول عن عملية ري الأراضي الزراعية التي تُخرج لنا النباتات والفواكه والخضروات، كذلك الحيوانات تشرب الماء كي تكبر ونتمكن من ذبحها أو الاستفادة منها بأي طريقة كانت، وأخيرًا الإنسان نفسه يعتبر الماء بالنسبة له كالهواء، وكل هذه العوامل تجعلنا نُتابع عملية تكون الأنهار بحساسية شديدة كي نعرف كيف تتم هذه العملية الهامة، والحقيقة أن المُدهش في ذلك أن تلك العملية تمر بنفس المراحل التي تمر بها حياة الإنسان، عمومًا، دعونا لا نحرق لكم الأحداث مبكرًا، ولنتعرف سويًا أولًا على الأنهار، ثم بعد ذلك الطريقة أو المراحل التي تُفرز من خلالها، فهل أنتم مستعدون للبدء في هذا الحديث الهام؟ حسنًا لنبدأ سريعًا بتعريف النهر، ذلك الكيان الكبير الذي يؤسس لبقائنا، بعد إرادة الله بكل تأكيد.
محتويات
تعريف الأنهار
النهر هو الحياة، هذه هو التعريف الذي يجري على لسان الجميع، لكن التعريف العلمي يقول أن الأنهار عبارة عن مُسطح مائي طولي، أو غالبًا ما يكون طولي لأن المسطحات المائية التي تأتي على شكل عرضي تكون بحار أو مُحيطات، والفارق بين الأنهار والمحيطات والبحار أن الأنهار تحتوي على الماء العذب، ذلك الماء الذي سيصلح لكل الأغراض بداية من الشرب وانتهاءً بالزراعة، أما البحار والمحيطات فهي مسطحات مائية تعج بالمياه المالحة، تلك المياه لا تصلح للشرب لكنها تُستخدم في أغراض أخرى مثل إبحار السفن وتربية الأسماك، عمومًا، النهر كما ذكرنا مسطح مائي، وأي مسطح مائي من المعروف أن الأمطار تكون لها جزء كبير به.
تكون الأنهار الجداول والأنهار الأخرى والأمطار، وعندما تمتلئ تلك الأنهار من الموارد السابقة فإن المياه المُتبقية من هذه العملية يتم التخلص منها في البحيرات، وهذا ما يجعلنا نتوصل إلى حقيقة هامة، وهي كون الأنهار هي الأصل والبحيرات هي الفرع، عمومًا، مهما كان الأصل والفرع فإن الشيء المُتفق عليه أن مراحل تكون الأنهار قد تبدو مدهشة للبعض بسبب تشابهها مع الخط العمري للبشر وبقية الكائنات الحية بشكلٍ عام.
تكون الأنهار
يمر النهر بعدة مراحل من أجل تكونه، فليس كل مكان فارغ بمنسوب قليل عن سطح الأرض يمتلئ بالماء يُمكننا القول أنه نهر، وإنما تمر هذه العملية بعدة مراحل تُعرف بمراحل تكون الأنهار، والواقع أننا نحن البشر لا نهتم بهذه المراحل، فكل ما نُريده أن يكون النهر موجودًا أمامنا وأن نستفيد منه قدر الإمكان، وعندما نراه نتعجب من عظمته دون أن نُمعن التفكير في تلك المراحل التي قادت إلى هذا الشكل النهائي، ولهذا، دعونا نتعرف سويًا على مراحل تكون الأنهار كما يقول العلماء والمتخصصين، ولتكن البداية مع المرحلة الأولى، وهي مرحلة الوجود.
مرحلة الوجود، المرحلة الأولى والأهم
في البداية لا يكون هناك نهر، لا يكون هناك شيء عمومًا، في الأرض مستوية، والأمطار التي تسقط من السماء تستطيع هذه الأرض تشربها بمرور الوقت وكأن شيئًا لم يكن، لكن تحدث في مرحلة الوجود هذه أن يقع أي انشقاق أو انقسام في الأرض مما يؤدي إلى ترك المجال لحدوث ذلك النهر، ومع أول فرصة للمطر يبدأ التساقط داخل الانشقاق ويعمل على توسيعه من خلال قوة الدفع، وهذه المرحلة بالمناسبة تأخذ آلاف بل ملايين السنين، بمعنى أننا لا يُمكن أبدًا بأية حالٍ من الأحوال أن نرى مراحل تكون النهر بأعيننا، ولا حتى مرحلة واحده من مراحله، فالأمر كما ذكرنا مُزمن بشكلٍ كبير، ولن نبالغ إذا قلنا أن تسعين بالمئة من الأنهار المتواجدة على الأرض قد بدأت مرحلة الوجود هذه قبل أن يكون البشر موجودين على الأرض من الأساس، عمومًا، بعد هذه المرحلة يأتي دور المرحلة الثانية الهامة، مرحلة الشباب.
مرحلة الشباب، مرحلة الملامح والتشكيل
بعد أن يولد الطفل يبدأ في التشكل وظهور الملامح، وكذلك الحال تمامًا بالنسبة لعملية تكون الأنهار، ففي هذه المرحلة يكون شكل النهر مشابه كثيرًا للرقم سبعة، وتكون الجنادل فيه كثيرة، كما أن يعمل على توسعة نطاقه وإنشاء جنادل وبحيرات قريبة منه كي يقوم بصب الماء الزائد عنه فيها، وغالبًا ما تكون مرحلة الشباب شاهدة على تحرك الماء بصورة كبيرة، ربما لأنه لم يتشبع بعد أو لعدم حفر العمق المناسب له، عمومًا، يُحدد عمق أي نهر قوة المياه وقدرته على توسيع الرقعة والصب، والذي إما أن يكون شديدًا فيُسهم في إتمام هذه المرحلة سريعًا أو بطيئًا فيؤدي إلى تعطيل العملية لسنوات.
في هذه المرحلة يكون النهار ضيقًا، مرحلة الشباب ليست أبدًا مرحلة اكتمال، لذلك يُتوقع هذا الضيق، وبالرغم من تحرك المياه وكثرتها إلا أن الضيق يظل مستمرًا لفترة طويلة حتى تحدث عملية التوسع التي تؤدي إلى جعل النهر على الشكل الذي يتواجد عليه الآن ويعرفه الجميع به، وغالبًا في هذه المرحلة فقط يحدث أكثر من نصف ما يحدث خلال مراحل تكون النهر بأكملها، إذًا هي مرحلة مهمة في تحديد الملامح والتشكيل كما ذكرنا، لكن هل تتوقف عملية تكون النهر عند ذلك الحد؟ بالتأكيد لا، فلا تزال هناك مرحلة النضج والشيخوخة.
مرحلة النضج، المرحلة الهادئة
في هذه المرحلة من مراحل تكون الأنهار تبدأ بعد الأمور في الحدوث بصورة هادئة، فبالنسبة للانحدار مثلًا، والذي اتفقنا أنه يكون قويًا ومُكثفًا في المراحل السابقة، فإنه يخف ويتوقف نسبيًا بسبب الاتساع الذي يحدث في مجرى الوادي، والذي اتفقنا منذ البداية أنه الهدف الرئيسي والأولى في عملية تكون الأنهار بسبب تحكمه بشكل كبير في خريطة النهر فيما بعد، عمومًا، النحت الجانبي للصخور لا يكون بسيطًا، ويتسبب كذلك في إحداث التغيرات الجذرية على شكل النهر، وغالبًا ما يكون النحت وسرعته وقوته متماشيان مع هطول الأمطار، أما فتحة الرقم سبعة التي تحدثنا عنها فيما مضى فإنها تزداد اتساعًا أكثر وأكثر، هل تعرفون ما يحدث في مرحلة النضوج لدى البشر؟ هذا بالضبط ما يحدث فيها لكن على مستوى النهر، فحتى الانفراج يحدث على جانبي الأنهار ويُساهم أيضًا في عملية التوسيع الكاملة للنهر.
لا تمر مرحلة النحت بهدوء مثلما يحدث في المرحلة بأكملها، ففي هذه المرحلة يتشكل الوادي، وهو عادةً ما يكون مُغطى بالرواسب الطينية، وفيما بعد سوف يستفيد النهر من كل ذلك يُكون السهل، كما لا يجب أبدًا إغفال التعاريج والمنعطفات النهرية التي تحدث خلال نفس المرحلة، ولكي نُسهل عليكم الأمر، بالرغم من أن مرحلة النضج هذه مرحلة هادئة بعض الشيء إلا أنها تشهد الكثير من التغيرات التي تُصاحب أي مرحلة نضوج في أي كائن حي، والأنهار كائنات حية بالطبع.
مرحلة الشيخوخة، المرحلة المُتممة
نحن الآن في المرحلة الأخيرة من مراحل تكون الأنهار، والمرحلة الأخيرة كذلك في عمر البشر على الجانب الآخر، ففي هذه المرحلة تحدث كل الأشياء التي تُتمم حياة النهر أو الإنسان، لكن دعونا نُركز اهتمامنا الآن على النهر، ففي تلك المرحلة يبدأ انحدار النهر في الضعف، وهي خطوة متوقعة بكل تأكيد في مرحلة مثل هذه، وأيضًا المجاري يزداد عرضها، والنهر نفسه يُصبح واسعًا بصورة أكبر من المعتاد، أما التعاريج فهي تزداد أيضًا، وكأنها تُشبه التجاعيد التي تظهر على الإنسان في مرحلة الشيخوخة، وهناك أيضًا الأجسام الدقيقة التي تجد فرصتها في مثل هذه الظروف كي تترسب، وهذا يُعطي أملًا كبيرًا في تكون البحيرات، عمومًا، تعج هذه المرحلة كما نرى بتغيرات صارخة على كافة الأصعدة.
تجدد حياة النهر
بعد مرحلة الشيخوخة التي تأتي في مؤخرة عملية تكون الأنهار هناك مُعجزة نادرة الحدوث تُعرف باسم عملية تجدد الحياة، وفيها يحدث أن يستعيد النهر شبابه ويرجع إلى المرحلة الأولى مرة أخرى، وقد أرجع المُتخصصين هذه الظاهرة إلى زيادة سرعة الانحدار مجددًا وانجراف المجرى أكثر، والذي يُعطى الفرصة لعملية النحت التي اتفقنا أنها الفيصل والأساس، لكن حتى الآن ربما لم تحدث عملية التجدد في حياة الأنهار سوى مرة أو مرتين، ولكي تحدث فإنها تحتاج كما ذكرنا إلى معجزة، فكل شيء في النهاية هالك، وبعد مرحلة الشيخوخة يموت البشر، والأنهار، والطيور، كل شيء بلا استثناء يموت.
المنعطفات في الأنهار
بعد أن ذكرنا أبرز التغيرات التي تقع خلال مراحل تكوين الأنهار ثمة أمر هام يجب أن ننتبه له، وهو وجود المُنعطفات، فالبعض يتعجب من المنعطفات التي تتواجد في الماء ويتعجب أصلًا من إطلاقنا عليها ذلك الاسم، بينما في الحقيقة الأمر العجيب هو نظرة البعض لها بهذه الدهشة، تمامًا كدهشتهم من وجود منعطفات في الهواء، فبالنسبة لهم الهواء والماء كيانات ثابتة لا تعاريج فيها أو منخفضات، بيد أن الحقيقة ليست أبدًا حسب الأهواء، فكما أن السماء تحتوي على تعاريج الأرض كذلك، وتحديد جزء الماء منها، يحتوي على منعطفات كثيرة، لكن تلك المنعطفات ما هي في الواقع إلا دلالة على كِبر العمر بالنهر ووصوله إلى مراحله الأخيرة، بمعنى أدق، عندما ترى المنعطفات في نهر فاعلم أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكن هل تنتهي الأنهار أصلًا؟
هل تنتهي الأنهار؟
بالتأكيد بعد أن تناولنا سويًا في السطور الماضية مراحل التكوين ثمة سؤال يتعلق بفطرة أي شيء يتكون، وهي فطرة النهاية، فالإنسان يمر تقريبًا بنفس مراحل تكون الأنهار، وبالرغم من ذلك تأتي في النهاية مرحلة تُنهي وجوده، فهل يمر النهر بهذه المرحلة أيضًا؟ في الحقيقة الإجابة يُمكن أن تكون نعم ولا في نفس الوقت، فإذا سألت عن انتهاء الأنهار يُمكن لعلماء الجيولوجيا أن يدلوك على أماكن كثيرة في هذا العالم كانت في السابق عبارة عن أنهار، لكنها الآن مجرد أرض يابسة جدباء، إذًا، وببساطة شديدة، تنتهي الأنهار، لكن أيضًا، وعلى الجانب الآخر من الإجابة، نجد أن نهاية الأنهار غير ممكنة عقلًا بسبب عدم نهاية الأمطار، والتي تُعد المعين الأول لهذه المجاري المائية، وإذا لم ينقطع المصب فإن الشيء الذي يسقط فيه الصب سيظل على نفس حاله، عمومًا، العالم يشغل نفسه الآن بتلوث المياه الموجودة في الأنهار وليس نهاية المياه، فالكارثة الأولى أولى من ناحية الحدوث وأكثر تأثيرًا أيضًا، عمومًا كالعادة ليس بيدينا شيء سوى أن ننتظر ونرى ما تحمله لنا الفترة القادمة.
أضف تعليق