ما يخص تأثير الزراعة وتربية الحيوانات على الجوانب البيئية هو موضوع شائك وواسع ويمكن أن يدخلنا في العديد من المواضيع الفرعية الأخرى، كما أننا في حاجة أولاً إلى معرفة بعض المعلومات الهامة عن الإنتاج الزراعي وتاريخ الزراعة بدايةً من الثورة الزراعية الأولى حتى الثالثة والإمداد الذي قامت به الثورة الصناعية وظهور أنواع جديدة من الفروع العلمية مثل الهندسة الوراثية، وبصورة عامة فإن الزراعة وتربية الحيوانات وبالرغم من أنها من الأعمال الحيوية والضرورية للحياة، وبالرغم من اعتماد أكثر من خمس عدد السكان في العالم عليها، إلا أنها ذات متطلبات عديدة أهمها استنزاف المياه خاصةً في تربية المواشي، كما أنها تؤثر على حياة الإنسان في النهاية بشكل غير مباشر، فالزراعة في بعض المناطق تستلزم قطع الغابات التي تختزن كمية وافرة من الغازات الدفينة، كما أن تربية الحيوانات تعني وجود ملايين الأطنان من الفضلات التي قد تتسرب إلى المياه لتقتل الكائنات الحية أو تتسبب في تشويهها وإفساد لحمها، وهنالك العديد من الآثار الأخرى التي قد تصل إلى التأثير على التنوع الحيوي في النهاية وعدد كبير من الآثار البيئية الخطيرة خاصةً مع وجود الإنتاج غير المنظم في العديد من الدول الأفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية، مع العلم بأن تأثير الزراعة السلبي على البيئة يقابله تأثير من البيئة على جودة وحجم الزراعة.
تحليل تأثير الزراعة من منظور علمي
مقدمة عن تاريخ الزراعة وتأثيرها
قصة الزراعة هي من أقدم القصص في تاريخ البشرية، والزراعة هي العامل الأول الذي جعل الإنسان يقف إلى جوار أخيه الإنسان ليكون المجتمعات الصغيرة التي تنضم مع بعضها البعض حتى تكون المجتمعات الكبرى، ومع مختلف النظريات التي صاغها علماء الاجتماع والفلاسفة على مدار التاريخ مثل نظرية توماس هوبز حول أن الخوف هو العامل الذي جعل الإنسان يجتمع مع الآخرين، فإنهم يصلون في النهاية إلى استنتاج واحد، أنه لولا الزراعة لما ظهرت المؤسسات الإنسانية في أطوارها الأولى وأهمها التجارة المتبادلة والتجارة المنظمة ومؤسسة الزواج، ويؤرخ العلماء تاريخ ظهور الزراعة بنحو عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، ويطلقون على تلك الفترة والقرون التي تليها فترة الثورة الزراعية الأولى، وفيها زرع البشر المحاصيل الأولى البدائية مثل القمح والبازلاء، لكن الطرق التي استخدمت في تلك الفترة كانت بدائية جدًا ولم تسمح للمزارعين بتطوير نشاطهم، ولم يقدر المزارعون على زراعة الفواكه التي يؤرخ تاريخ زراعتها لأول مرة فيما بين سنوات 6000 و3000 قبل الميلاد. لذا فإن تأثير الزراعة كان محدود للغاية حينذاك. بعد ذلك تقدمت الوسائل وظهرت الثورة الزراعية الثانية والتي تؤرخ فيما بين سنوات 1700 و1900 ميلادية، ومن أهم الأدوات التي ظهرت آلة نثر الحبوب، فسابقًا كانت تتم العملية بشكل يدوي، لكن بعد اختراع جيثرو تول في سنة 1701 فقد أصبحت العملية بالغة السهولة، وكي لا ننسى أفضال العلماء العرب فإنهم قاموا في سنة 644 ميلادية بتطوير طواحين هوائية لضخ الماء اللازم للزراعة، وبحلول سنة 1000 ميلادية استطاع العرب صناعة الأسمدة لتغذية التربة، وهو تطور لم يشهده العالم الغربي الذي كان راكدًا في مستنقعات العصور الوسطى، وعلينا أن نلاحظ أن الثورة الصناعية كانت السبب الأساسي في تطوير الزراعة بهذا الشكل، وبغض النظر عن تطور وسائل الزراعة نفسها فإن ظهور وسائل النقل الحديثة مثل القطارات ساهم في انتشار المحاصيل المختلفة إلى الدول الأخرى والذي ساهم بدوره في مضاعفة تأثير الزراعة .
الثورة الزراعية الثالثة
قبل أن نتحدث عن تأثير الزراعة لابد أن نذكر هذه المعلومات الهامة، فالثورة الزراعية الثالثة التي بدأت في القرن العشرين والتي تسمى أيضًا بالثورة الخضراء قد تطورت فيها وسائل الزراعة بشكل مذهل، ومن الجدير بالذكر أن هناك بعض المحاصيل الجديدة التي ظهرت في دول لم تعرفها من قبل مثل الكيوي الذي ظهر في نيوزيلاندا في سنة 1910 للمرة الأولى وذلك عن طريق مزارعة تدعى ماري إيزابيل فريزر والتي زارت الصين وأخذت معها بذور الكيوي، واليوم تنتج نيوزيلندا ثلث الإنتاج العالمي للكيوي، ولكن الأهم هو زيادة تأثير الزراعة عن طريق ظهور فروع علمية حديثة اهتمت بتطوير المحاصيل والتربة نفسها مثل ظهور الأسمدة الكيميائية بل وحتى تغيير المحاصيل كما في الهندسة الوراثية. في سنة 1940، كان بإمكان المزارع الأمريكي أن يوفر غذاء يكفي 19 شخص بحساب المتوسط الإنتاجي، وبعد التقدم السريع أصبح بإمكانه أن يوفر غذاء يكفي 144 شخص.
مقدمة عن تربية الحيوانات
قبل عن أن نتحدث عن تأثير الزراعة وتربية الحيوانات علينا أن نخبرك ببعض المعلومات الهامة، فطبقًا لما ذكره المؤرخون فإن الماعز هو الحيوان الأول الذي بدأ الإنسان بتربيته وذلك لأنه أسهل الحيوانات في التربية، فهو أولاً حيوان يهتم بنظافته الخاصة ويأكل عدد متنوع من الأشياء بدرجة أكبر بكثير من الأبقار والفراخ وحتى الكلاب، كما أنه يملك قدرة على الابتعاد عن الأغذية الملوثة، والخنزير هو أيضًا من الحيوانات المبكرة التي رباها الإنسان وذلك لأسباب شبيهة، وهو رابع أذكى الحيوانات بعد الشامبانزي والدولفين والفيل. في أمريكا والدول المتقدمة، يطلق على الأماكن التي تقوم بتربية أعداد كبيرة جدًا من الحيوانات معامل تغذية الحيوانات المكثفة (CAFO)، وأكبر تلك المعامل يمكن أن يحتوي على أكثر من 125,000 دجاجة، وهذا قد يؤدي إلى مشاكل عديدة تتعلق أولها بتعذيب الحيوانات واستخدام الطرق الأسهل في تربيتها والتخلص من الدجاج الذي لا يفيد مثل الدجاج الذي يتم الاعتماد عليه في البيض فقط حيث أن لحمه ذو مذاق سيء ولذلك يتم قتل أعداد كبير منهم بطرق وحشية مثلما قام أحد المزارعين في إحدى المرات بقتل عشرات الآلاف من الدجاج عبر إدخالهم في آلة نشر خشب، وبالطبع فإن فضلات تلك الحيوانات تؤثر بشدة على البيئة، ولذلك فإن المسئولين عن البيئة في مراكز اتخاذ القرار يحاولون دومًا تقييد حركة تلك المعامل للحد من آثارها المختلفة.
الاتجاهات العامة
تأثير الزراعة وتربية الحيوانات على البيئة يمكن أن يختلف بشكل واسع فيما يتعلق بالممارسات الزراعية الموظفة حول دول العالم المختلفة، وبشكل مطلق فإن التأثير يعتمد على إنتاجية ممارسات النظام الذي يستخدمه المزارعون، الاتصال بين الانبعاثات التي تدخل إلى البيئة ونظام تربية الحيوانات هو غير مباشر إلا أنه موجود، وهذا يعتمد على متغيرات أخرى متعلقة بالمناخ مثل هطول الأمطار ودرجات الحرارة المتغيرة، وهناك نوعان من التأثير يشير إليهما العلماء باستمرار: النوع الأول هو تأثير الوسائل وهذا يعتمد على طرق الإنتاج والنوع الثاني هو تأثير الزراعة على النظام الزراعي أو على انبعاثات البيئة، وكمثال مؤشر للنوع الأول فيمكننا أن نذكر جودة المياه الموجودة في الأرض والتي تتأثر بكمية النيتروجين التي تصل إلى التربة، وكمؤشر للنوع الثاني خسارة نيترات المياه في الأرض، وبشكل خاص فإن تأثير الزراعة وتربية الحيوانات هو ممتد وواسع ويدخل في العديد من الأشياء وهي التي سنحاول التحدث عنها بشكل مفصل في الفقرات التالية، وأهمها تغير المناخ وإزالة الغابات والهندسة الوراثية ومشاكل الري وتلوث الهواء والماء وتآكل التربة.
تغير المناخ
العمليات الزراعية وتربية الحيوانات تؤثر على تغير المناخ، وفي نفس الوقت فإن التغير المناخي يؤثر على جودة وحجم الزراعة بالسلب أو الإيجاب، ومن المعروف أن هناك بعض الدول خاصةً الفقيرة تعتمد على الزراعة بشكل كامل في اقتصادها وفي توفير الغذاء الكافي لأبنائها، أي أن تدهورها يمكن أن يؤدي إلى مجاعات حقيقية، وهذا ما حدث بالفعل في بعض الدول الأفريقية عندما قلت الأمطار في بعض المواسم، وهناك العديد من الطرق الأخرى التي يؤثر بها تغير المناخ على الزراعة وهذا يشمل التغيرات في درجة الحرارة ونسبة هطول الأمطار والحالات المناخية الشديدة مثل موجات الحرارة والتغيرات التي تحدث في أعداد الآفات ووجودها في مختلف المناطق وكذلك الأمراض، والأمر الأهم هو تغير نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي والتركيز في طبقة الأوزون، والتغير في جودة تغذية بعض الأغذية والتغير في مستوى سطح البحر.
التأثير البالغ
حاليًا يلاحظ العلماء بالفعل تأثير الزراعة البالغ على التغير المناخي، والمشكلة تكمن في أن التأثير يحدث بشكل غير عادي حول العالم، فيقول العلماء أن التغير الحادث سيؤثر سلبيًا في المستقبل على إنتاج المحاصيل الزراعية في المناطق المدارية، بينما قد يؤثر في المناطق الشمالية بشكل إيجابي أو سلبي، مع العلم أن المناطق المدارية هي التي تعتمد على الزراعة بشكل أكبر نسبيًا، لذا فإن هذا يهدد بزيادة نسبة الفقر وتهديد الأمن الغذائي في الدول الفقيرة والنامية، والزراعة تؤثر في المناخ بشكل مباشر فيما يتعلق بالانبعاثات الدفينة وتحويل الأراضي غير الزراعية (بشكل خاص الغابات التي تحتضن ما بين 20-25% من غاز ثاني الكربون في الغلاف الجوي)، ومع ذلك فإن التأثير على المناخ الإقليمي غير ملحوظ بشكل واضح الآن باستثناء بعض المناطق، لذا فإنه يصعب على العلماء تحديد مدى خطورة المشكلة، إلا أنهم يتفقون جميعًا على أن تأثير الزراعة وتربية الحيوانات هي من أخطر الآثار البيئية التي يمكن أن تهدد الحياة على كوكبنا كما سنشير لاحقًا، ومن أهم العلوم التي ظهرت مؤخرًا علم الفينولوجيا الذي يختص بالدراسة الشاملة للنباتات ودورة حياتها وارتباطها بدورة حياة الحيوانات والبشر وتأثرها بتغيرات المناخ بصورة موسمية، والتقدم الأكبر الذي حققه العلم هو الدراسات المكثفة لمناطق نصف الكرة الشمالي من الأرض، وقد لاحظ العلماء أن الجفاف سيزيد بنسبة مخيفة في المستقبل بسبب الاحتباس الحراري ومن المتوقع أن تزيد المشكلة في الدول التي تعاني أصلاً من الفقر والتي تعتمد على الزراعة بشكل كبير مثلما في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وقد تضاعفت المشكلة مرات عدة بسبب الطلب المتزايد على الماء والنمو السكاني الكبير والتمدد العمراني، وعلينا أن نعلم جيدًا أن المناطق المدارية تعتمد بشكل كبير على درجة الحرارة المرتفعة في تأمين إنتاجها الزراعي، وأنه في حالة تغير درجة الحرارة ستشهد البلاد كارثة اقتصادية وقد تصل إلى المجاعات.
أمثلة على تأثير الزراعة وتغير المناخ
سنضرب لك بضعة أمثلة كي تدرك أبعاد المشكلة ومدى فداحتها، ففي مقاطعة جالاجون في الهند، متوسط درجة الحرارة يتراوح بين 20.2 إلى 29.8 درجة مئوية في شهر مايو، ومتوسط نسبة هطول الأمطار هو 750 ميليمتر في السنة، وبسبب هذا الجو المناسب فإنها تنتج كمية ضخمة من الموز لدرجة أننا لو اعتبرناها دولة مستقلة فإنها ستكون الدولة السابعة عالميًا في إنتاج الموز، وفي نيجيريا وبالتحديد في الفترة ما بين 1990 و2002 فإن متوسط درجة الحرارة يكون منخفضًا في شهر يناير من 24.9 درجة مئوية ويشهد ارتفاعًا عاليًا في شهر أبريل حيث يصل إلى 30.4 درجة مئوية، وطبقًا لمنظمة الغذاء والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة فإن نيجيريا هي المنتج الأول عالميًا لليام، وقد أنتجت في سنة 2012 أكثر من 38 مليون طن من اليام، والمراكز السبعة التالية في الإنتاج هي دول أفريقية، وذلك بسبب المناخ المداري الذي يحتاجه نبات اليام للنمو، بل أن الدولة التاسعة في الإنتاج وهي بابوا نيو غينيا تنتج أقل من 1% فقط من إنتاج نيجيريا، وإذا انتقلنا إلى قارة ثالثة كي نعطيك الأمثلة الشاملة، فإننا سنجد أن البرازيل ومع الهند أيضًا تنتجان أكثر من نصف الإنتاج العالمي لقصب السكر، وطبقًا لمنظمة الفاو فإنه في سنة 2013 أنتج البلدان أكثر من مليار طن من قصب السكر. وطبقًا للجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) وبالتحديد تقريرها الرابع عن تأثير الزراعة فإن العلماء أصبحوا قادرين على التنبؤ بالتغيرات الإقليمية بشكل دقيق في بعض المناطق، وقالوا أن التغير العالمي من درجة مئوية إلى ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2100 يمكن أن يشكل كارثة قومية في بعض المناطق ويمنع إنتاج محاصيل زراعية معينة.
الدراسات المستقلة والتأثير البيئي
كما أشرنا سابقًا إلى تقارير المنظمات البيئية العالمية عن تأثير الزراعة ، فإذا نظرنا أيضًا إلى الدراسات المستقلة للعلماء سنجد التحذيرات المتتالية منهم فيما يخص تأثير التغير المناخي على الإنتاجية الزراعية، وعلى سبيل المثال لننظر إلى ما كتبه العالم ويليام ريتشارد سلين في كتابه “الاحتباس الحراري والزراعة” وسنجد تحليلاته لما يمكن أن يحدث للزراعة العالمية بحلول سنة 2080، وقال أنه لا توجد جهود دولية للحد من الأزمة، وشدد على أن التغير بنحو 3.3 درجات مئوية سيتسبب في كارثة وبالتحديد في الدول النامية، وقال العالم سي. بيلمان “تغير المناخ يمكن أن يزيد من الضرورة الملحة لإصلاح سياسات التجارة لضمان توافق احتياجات الأمن الغذائي”.
معلومات هامة عن الإنتاج الزراعي
هناك أكثر من 100 محصول زراعي يتم تلقيحهم عبر النحل في الولايات المتحدة، وفي حقيقة الأمر فإنه من بين كل ثلاث قضمات يأكلها الإنسان هناك قضمة واحدة تشكلت بفضل النحل، لذا فإنه حيوان ضروري لاستمرار الحياة على كوكبنا. الموز هو الفاكهة الأكثر إنتاجًا في العالم كله بين الفواكه، والمحصول الرابع بعد المحاصيل الثلاثة الأساسية وهي القمح والرز والذرة، وهناك أكثر من 100 دولة حول العالم تنتج الموز، وتتفوق الهند عليهم جميعًا وتليها الفلبين والصين والإكوادور. المنتج الأكبر للتفاح هو الصين وتليها الولايات المتحدة وإيران وتركيا وروسيا وإيطاليا والهند. تم اختراع الجرارات في الثمانينيات من القرن التاسع عشر لتجر المحاريث المربوطة مع بعضها البعض في الحقول، وبحلول العشرينيات من القرن التالي ظهر الجرار بشكله الحديث، وهو من أهم الآلات التي تستخدم في الزراعة والحصاد وتغيير التربة والحرث. في العادة يقوم المزارعون بزراعة أشجار طويلة جدًا وشديدة الكثافة في حدود مزارع الفاكهة وذلك لصد الرياح التي تعتبر المشكلة الأولى لنمو الفاكهة وكي لا تتعرض التربة إلى التصحر.
تأثير الزراعة حسب المناطق
بغض النظر عن أن العلماء لم يتوصلوا إلى معلومات دقيقة حتى الآن عما يخبأه لنا المستقبل في كل مناطق العالم، إلا أنه بإمكاننا معرفة بعض التوقعات حول المناطق بشكل عام، فأولاً تعتبر أفريقيا هي القارة التي ستتعرض للخراب بالنسبة الأكبر، وفي بعض البلدان مثل تنزانيا فإن الوضع سيكون كارثيًا بسبب اعتماد الدولة على الأمطار التي تهطل مرتين طوال العالم، وفي آسيا فإن بعض المناطق ستشهد تغيرات سلبية وبعضها سيتغير نحو الأفضل وفقًا لتوقعات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، حيث قالت أن المحاصيل ستزيد بنسبة 20% بحلول القرن الحادي والعشرين في بعض مناطق شرق وجنوب شرق القارة، أما في جنوب ووسط آسيا فإن المحاصيل ستقل بنسبة 30% في نفس الفترة، ومع ذلك فإن اللجنة أشارت إلى أن تلك التوقعات متوسطة الدقة في حين أن توقعات أفريقيا عالية الدقة، وقال معهد دراسات الرز العالمي أن إنتاج الرز سيقل بنحو 20% في الإنتاج لكل تغير في المناخ الإقليمي بمقدار درجة مئوية واحدة، حيث أن الرز يصبح غير قابل للأكل عندما يتعرض إلى درجة تزيد عن 35 درجة مئوية، وفي أستراليا فإنه من المتوقع أن يقل الإنتاج الزراعي في المناطق الجنوبية والشرقية والأجزاء الشرقية لنيوزيلندا، وفي جنوب أوروبا من المتوقع أن يقل الإنتاج وكذلك في وسط وشرق أوروبا، أما في الشمال فإنه قد يزيد، وذلك وفقًا لمعيار الدقة العالية للجنة الدولية.
مقدمة عن نطاق المزارع حول العالم
هناك حوالي 2.2 مليون مزرعة في الولايات المتحدة وثلث تلك المزارع تغطي المنتجات التي يتم تصديرها للخارج وبالتحديد السوق الأوروبي ودول أمريكا اللاتينية، وأغلب تلك المزارع يتم إدارتها عبر عائلات بشكل مستقل أو مشاركة العائلات المختلفة، ودائمًا ما تكون عائلات لديها تاريخ قديم في الزراعة ويعمل أغلب أفرادها فيها وتتركز في بعض الولايات خاصةً الولايات الجنوبية والغربية، ونسبة المزارعين الكلية والعاملين فيما يخص الزراعة في أمريكا هي 10-17% من عدد السكان، في حين أنها تزداد في بعض البلدان مثل الهند التي يتراوح فيها عدد المزارعين فيما بين 96 مليون إلى 450 مليون مزارع (أي نسبة 8% إلى 22%)، وهناك إحصائية أخرى تقول أن عدد المزارعين فيها هو 450 مليون أي نسبة 38%، وتزداد النسبة في الدول الأكثر فقرًا مثل الدول الأفريقية مثل أوغندا والسودان وإثيوبيا، ووفقًا للإحصائيات فإن نسبة 80% إلى 85% من سكان إثيوبيا يعملون في الزراعة التي تشكل ركيزة الاقتصاد في البلد والتي تغطي 84% من الصادرات في حين أن الدولة تعرضت إلى الجفاف والمجاعات في العديد من الفترات في القرون الماضية، وعلى نطاق عالمي فإن هناك حوالي 1.3 مليار إنسان يعملون في الزراعة في مختلف دول العالم، أي أنه من بين كل خمسة أشخاص ستجد مزارعًا بينهم أو أن عمله ذو صلة بالزراعة،
تربية الحيوانات ونقص وتلوث المياه
تأثير الزراعة وتربية الحيوانات هو هائل بشكل قد لا تتصوره بصورة كاملة، فعلى سبيل المثال كثرة تناول الناس للحوم يعني المزيد من الزراعة وتربية الحيوانات، وهذا يعني زيادة كمية المياه المستخدمة، والمياه التي تتطلبها تربية الحيوانات هي ضخمة جدًا بشكل غير متوقع، فإنتاج نصف كيلو من اللحم سيتطلب 2,400 جالون من الماء، أي أنها كمية المياه التي يمكن أن تستخدمها في الاستحمام لخمسين مرة، أما إنتاج المحاصيل الزراعية فهو على العكس تمامًا بالرغم مما قد تتخيله مسبقًا، فإنتاج نصف كيلو من القمح سيتطلب 25 جالون فقط من الماء، أي المياه التي ستكفيك للاستحمام مرة واحدة، وهذا يعني وبشكل نظري بحت أن عدم تناولك للحوم لشهر كامل سيكون موفرًا للماء بدرجة هائلة أكثر إذا ما توقفت عن الاستحمام لسنوات، أو أكثر من محاولاتك المستمرة لتوفير المياه في كل الأوقات، وإذا نظرنا إلى استهلاك الدول المختلفة سنجد أن تربية الحيوانات ويليها الزراعة هما المستهلكان الأساسيان للمياه، ففي الولايات المتحدة نصف كمية المياه يتم استخدامها من أجل تربية الحيوانات، كما أن تربية الحيوانات تسهم في أضرار بيئية عديدة لا يمكننا حصرها هنا، أهمها التلوث الذي يحدث بالدرجة الأولى بسبب فضلات الحيوانات التي يتم تصريفها في أكثر الأوقات إلى المصبات المائية، وهذا ما يؤدي إلى دمار البيئة في المياه مما يتسبب في مقتل الكائنات البحرية أو التأثير على جسمهم، فهناك العديد من الحالات التي تم رصدها مثلما حدث في ويست فرجينيا عندما رصد العلماء بعض الأسماك من الذكور والتي ظهر في جسمها أعضاء أنثوية، وقال العلماء أن السبب هو تلوث المياه الذي أتى من مزرعة للدواجن كان يتم فيها حقن الدجاج بمواد كيمائية من أجل زيادة سرعة عملية النمو وزيادة الحجم.
قطع الغابات للأغراض الزراعية
أما المشكلة الأكبر فهي نقصان حجم الغابات المطيرة في عالمنا، فتربية الحيوانات تتطلب إزالة كميات كبيرة من الغابات المطيرة لزراعة المحاصيل الكافية لتغذية المواشي، وبشكل دقيق فإن إنتاج وجبة واحدة من اللحم يتطلب إزالة 55 قدم مربع منها، وفي كل 6 ثواني يتم قطع فدان كامل من الغابات المطيرة لأغراض تربية المواشي، وهذا يعني حوالي 14,400 فدان كل يوم، وفيما بين سنتي 2004 و2005 تم قطع 2.9 مليون فدان من غابات الأمازون المطيرة في البرازيل، ومنذ سنة 1970 تم قطع أكثر من 90% من الغابات الأمازونية لأغراض إنتاج اللحم، وهذه المشكلة تعاني منها العديد من البلاد الأخرى حتى المتقدمة منها، ففي الولايات المتحدة تم قطع 260 مليون فدان، كما أن المشكلة تؤثر على التنوع الحيوي بشكل حرج ولأسباب متعددة، وفي أمريكا يعتبر السبب الأول لانقراض النباتات النادرة هو تربية المواشي، وفيها تتسبب الصناعة بحوالي 85% من التربة المتصحرة، وقطعًا فإن تربية الحيوانات هي من أخطر الأنشطة الإنسانية التي تؤثر على كوكبنا في مختلف النواحي، وهذا ما حذرت منه كل المنظمات البيئية مثل جمعية أودوبون الوطنية وهي من أهم المنظمات الدولية المهتمة بالبيئة وغير الساعية للربح، ومعهد المراقبة الدولية ونادي سييرا واتحاد العلماء المهتمين وآل جور وبرامجه المختلفة، وكلهم قالوا أن زيادة عدد البشر بهذه المعدلات والذي يؤدي إلى زيادة تناول اللحوم وبالتالي زيادة تربية المواشي التي تتطلب زيادة المحاصيل الزراعية هو كارثة بيئية بكل المقاييس، فوفقًا لإحصائية عالمية فإن المزارعين اليوم يستهلكون نسبة 262% من الغذاء اللازم لتربية المواشي مع زيادة 2% في مُدخلات الزراعة مثل البذور والأسمدة وذلك بالمقارنة مع عام 1950، بل أن الأمم المتحدة قالت في تصريح رسمي بأن الاتجاه العالمي نحو الحمية النباتية البحتة هو ضروري لمواجهة تأثير الزراعة وتربية الحيوانات وبالتحديد ما يخص تغير المناخ.
الزيادة غير العادية لعدد الحيوانات
هناك بعض الدول التي تتعرض إلى كوارث بيئية بسبب وجود بعض أنواع الحيوانات فيها بكثافة على عكس الدول الأخرى التي تكاد تكون فيها تلك الحيوانات شبه منعدمة، ونذكر على سبيل المثال وجود حيوان الخنزير الغيني في بيرو والذي يتواجد أيضًا في بعض دول أمريكا اللاتينية الأخرى بكثافة، لكن في بيرو هناك عدد هائل من مزارع الخنازير الغينية بسبب اعتماد السكان عليه كمصدر أساسي للحوم خاصةً في الاحتفالات الدينية والعشائرية، وتشير الإحصائيات إلى أنه يتم ذبح أكثر من 65 مليون خنزير غيني كل سنة وتناوله في بيرو فقط.
خاتمة
إذا دققنا النظر في الأرقام التي ذكرناها في الفقرات السابقة فإننا سندرك فداحة المشكلة وتأثيرها البالغ على حياة الإنسان في المستقبل، وبدون تنظيم وتوحيد الجهود الدولية فإننا سنواجه كوارث حقيقية أهمها قطع مساحات شاسعة من الغابات، لذا فإنه على القوى الدولية تفهم أساس المشكلة وتوعية الشعوب بما يخص تأثير الزراعة على حياتنا، مع العلم بأن الشعوب تضطر إلى مثل هذه الممارسات في حالة الحروب التي تستلزم توفير غذاء لأعداد كبيرة من اللاجئين والمتضررين، لذا علينا إدراك أن الحلول المبدئية تكون في توجيه هذه الشعوب وإبعادها عن أية ممارسات خاطئة، ثم الاتجاه إلى خطوات أكثر مثالية مثل الاتجاه نحو الحميات النباتية أو على الأقل التقليل من تناول اللحوم، وفي النهاية اتباع كافة التعليمات التي وضعتها المنظمات العالمية فيما يخص تربية الحيوانات لتقليل المخاطر.
أضف تعليق