منذ قرون طويلة ويطلق على ” المياه النظيفة ” أنها “الحياة”، فبالرغم من إطلاق البعض على كوكبنا بأنه الكوكب الأزرق بسبب تغطية المياه لما يزيد عن 70% من مساحة الأرض، إلا أن المياه النظيفة أصبحت أزمة تؤرق كافة شعوب العالم، وذلك بسبب تلوث نسبة كبيرة من المياه؛ إلى حد وصل إلى أن عدد كبير من العلماء أشاروا إلى أن نسبة المياه النظيفة القابلة للاستخدام الآدمي والشرب لا تتعدى الـ 1% ، ولذلك ارتفعت نسبة الوفيات في العالم بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث المياه وعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وقد وصلت هذه النسبة في بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى قرابة الـ 25 ألف إنسان يوميًا، الأمر الذي يُنذر بمزيد من الوفيات سنويًا حول العالم نتيجة تلوث المياه، وربما يعد التزايد السكاني المتنامي هو أحد أسباب تراجع نسبة المياه النظيفة القابلة للشرب والصالحة للاستخدام وفي المقابل ارتفاع منسوب المياه الملوثة على كوكبنا.
المياه النظيفة وتواجدها على الكوكب
تعريف المياه النظيفة القابلة للاستهلاك
تباينت خلال السنوات الماضية مسألة الوصول إلى تعريف واضح ومحدد للمياه النظيفة ، فهناك من يؤكد أنها المياه التي لا لون لها ولا رائحة، فيما ذهب البعض الآخر ليؤكد أن المياه النظيفة هي الخالية من الأمراض والشوائب والتي لا يوجد بها أية مواد عالقة أو ميكروبات قد تضر بحياة المستهلك وهو الإنسان، لكن من خلال ذلك فقد خرج العلماء وخبراء الموارد المائية بتعريف مُبسط حول المياه النظيفة “وهي المياه النقية التي لا يؤدي تناولها إلى الإصابة بأية أمراض والتي أثبتت تجارب المياه قابليتها للاستهلاك الآدمي، بالدرجة التي تحترم آدمية الإنسان”.
أسباب ندرة المياه النظيفة
لعل المتابع والمدقق النظر لأزمات المياه بشكل عام، و المياه النظيفة بوجه خاص، تأخذه نوبة من استشعار الخوف والقلق على مستقبل المياه النظيفة على كوكبنا، وذلك نتيجة تنامي أسباب ملوثات المياه بدرجة كبيرة، والتي يأتي على رأسها تلوث التربة، وتلوث الناقلات البحرية والنهرية وبالتحديد النفطية منها، حيث تتسبب دائمًا تسريبات النفط والزيوت من هذه الناقلات في كثير من عمليات التلوث الشديد للمياه وبالتالي عدم صلاحيتها للاستهلاك، هذا إلى جانب سبب آخر وهو التحول الصناعي الكبير الذي يشهده العالم حاليًا والذي ساهم التلوث الناجم عنه بدرجة كبيرة في زيادة نسبة تلوث المياه في المناطق المحيطة بتلك التجمعات الصناعية، هذا إلى جانب القلق من ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تؤدي كل هذه الأسباب إلى تفاقم أزمة محدودية الماء النظيف والقابلة للاستخدام البشري والآدمي على كوكبنا.
أسباب أخرى لندرة المياه النظيفة
من بين تلك الأسباب أيضًا هو تلوث الهواء واستهلاكات الوقود وغيرهما من الأسباب التي تسببت مؤخرًا في إحداث خلل بيئي كبير على كوكبنا على اعتبار أن النظام البيئي متشابك بدرجة كبيرة وأي خلل من الإنسان في حياته، دائمًا ما يتسبب في إحداث خلل بيئي كبير بالمنظومة الطبيعية، الأمر الذي يُنذر بقرب حدوث أزمة حقيقية على كوكب الأرض والتي قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل الأجيال القادمة في الحصول على حق من حقوهم التي كفلها لهم قانون الطبيعة والبشرية والخاص بالحصول على مياه نظيفة.
سوء توزيع المياه النظيفة وعلاقة ذلك بالجفاف
يؤكد عدد كبير من خبراء الموارد المائية وممثلي برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نسبة المياه النظيفة القابلة للاستهلاك الآدمي على كوكبنا تعد جيدة إلى حد ما والتي لها القدرة على تلبية احتياجات قرابة الـ 6 مليارات شخص على مستوى العالم من المياه، لكن تضاريس الطبيعة ربما ظلمت عدد من الدول حول العالم وتسببت في سوء توزيع المياه وبالتحديد النظيفة والقابلة للاستهلاك منها، الأمر الذي تسبب في حالة من عدم الترشيد وسوء الاستهلاك في المناطق التي تتمتع بنسبة كبيرة من إجمالي نسبة المياه حول العالم.
ترشيد استهلاك المياه
دائمًا ما يشار إلى الإنسان بأدلة الاتهام حول تسببه بدرجة كبيرة في أزمة ندرة المياه النظيفة القابلة للاستهلاك البشري، سواء كانت تلك الاتهامات لاتباعه أنظمة بيئية تتسبب في إحداث خلل بالمنظومة البيئية أو لسوء استعماله للمياه، وعدم قدرته على ترشيد المياه النظيفة للحفاظ على حقوق الشعوب التي تعاني من عدم توافر المياه لديها وليس النظيفة فقط مثل العديد من الدول الأفريقية وعلى رأسها الصومال، لذلك أصبح ترشيد استهلاك المياه النظيفة العامل الأبرز والمحوري نحو التحرر تدريجيًا من قيود أزمات المياه الملوثة التي تحيط بشعوب العالم حاليًا.
دور الحكومات في توفير المياه النظيفة
على الرغم من توجيه العديد من الاتهامات إلى الإنسان على أنه يتحمل جزء من مسئولية عدم نظافة المياه وإهدارها نتيجة اتباعه أنظمة وأساليب تتسبب في خلل بالمنظومة البيئية، إلا أن حكومات العالم ربما هي المسئول الأول عن توفير مياه صالحة للاستخدام الآدمي، فتكاتف دول العالم لتوفير المياه النظيفة للمواطنين ربما سيكون هو الحل الذي ستلجأ إليه حكومات دول قارات العالم، لتجنب الوقوع في المستقبل القريب تحت مظلة “الجفاف” وإن كان المقصود بالجفاف هنا ليس المعنى القريب وهو عدم توافر المياه لكن المقصود به المعنى البعيد وهو الخاص بتوافر مياه نظيفة قابلة للاستهلاك الآدمي على كوكبنا وليس في مناطق محددة دون غيرها، بجانب ذلك فإن ما تعانيه العديد من الدول حول العالم من تراجع اقتصادياتها ومواردها المالية في عدم قدرتها على اتباع أنظمة حديثة لفصل شبكات المياه عن شبكات الصرف الصحي الأمر الذي يتسبب في النهاية في كوارث ضخمة في حق الإنسانية نتيجة لدور هذا الاختلاط في شبكات المياه والصرف في انتشار الأمراض بطريقة سريعة للغاية.
المياه النظيفة والحروب القادمة
كثيرًا ما يقال إن الحروب القادمة ستكون من أجل المياه بوجه عام وليس النظيفة فقط، لكن المتابع للتاريخ يجد أن الحروب دائمًا ما تخلف ورائها خرابًا جما، وأحد الأضرار الناجمة عن هذه الحروب هو الضرر الخاصة بندرة المياه النظيفة في تلك الدول نتيجة تدمير غالبية أنظمة تحلية وتدوير المياه ، إلى جانب التأثير السلبي للأسلحة التي يتم استخدامها على منافذ المياه، بما يتسبب في تلويث غالبية المياه التي يستهلكها الإنسان في الدول التي تشهد صراعات وحروب على أرضها، يضاف إلى ذلك فدائمًا ما تحدث احتكاكات بين العديد من الدول التي تشترك في مساقط مياه واحدة حول نسبة حصولهم على المياه من أجل تدويرها وتحويلها إلى مياه نظيفة لضمان توفير حق من حقوق الأجيال القادمة في المياه النظيفة.
من خلال ذلك فيبدوا أن المياه النظيفة ستكون هي الميراث الأهم للأجيال القادمة في ظل ندرة المياه النظيفة على كوكبنا، نتيجة للأسباب العديدة التي تم التحدث حولها، لذا فيعد الحفاظ على المياه من التلوث ضرورة من الضروريات التي لابد من وضعها على رأس أولويات الحكومات المختلفة على مستوى العالم من أجل التكاتف لاستحداث نظامًا جديدًا أو مؤسسة عالمية يكون هدفها الأهم والمرجو هو العمل جديًا من أجل الحفاظ على نظافة المياه وتوفيرها للإنسان بالشكل المناسب الذي يتماشى مع آدمية مستهلك المياه حول العالم، إلى جانب الحفاظ على حقوق الدول التي تعاني من جفاف على مستوى العالم – وبالتحديد التي تقع في القارة الإفريقية – في الحصول على نصيبهم من المياه النظيفة.
أضف تعليق