لعل أزمة المخلفات الفضائية تعود إلى ستة عقود مضت حيث خمسينيات القرن الماضي وبالتحديد في العام 1957 حيث تم إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء بواسطة الاتحاد السوفييتي وتم إطلاق اسم “سبوتنيك” عليه، ومن وقتها وقد بدأت أزمة وجود المخلفات الفضائية ودورها في تلويث الفضاء الخارجي في الطفو على السطح حتى أصبحت كارثة تهدد أي عمليات فضائية قادمة، وقد تشي بفقدان السيطرة على الفضاء الخارجي وعلى مدارات الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء، مما يعني أن ثمة مشكلات كبيرة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات سوف تظهر وستلقي حملاً كبيرًا على كاهل المهندسين والمختصين بهذه الأمور لحل هذه المشكلة في أقرب وقتٍ ممكن وذلك ما لم يبدؤوا في حلها من الآن بالفعل.
مشكلة المخلفات الفضائية وتأثيرها على البيئة
مشكلة المخلفات الفضائية تاريخيًا
أشارت التقارير إلى أنه منذ إطلاق القمر السوفييتي الأول “سبوتنيك” فقد تم إطلاق نحو 6600 قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي من أجل مهمات متعددة ومتنوعة، وتشير التقارير التي تفصح عنها الجهات المختصة إلى أن نحو 3600 قمر موجود في مداره ويعمل بالفعل بشكلٍ فعال، بينما يوجد نحو 2300 قمر تم فقدان السيطرة عليه تمامًا لانتهاء مدة صلاحيته للقيام بمهامه، مما يعني فقدان الاتصال به وعدم القدرة على التحكم به.
والمشكلة تكمن في أن هناك الكثير من هذه الأقمار قد تلفت بحيث أن كثير من أجزائها قد تفكك وانفصل عن جسم القمر تمامًا ليجد طريقه في الفضاء سابحًا بلا هدى أو تحكم من الإنسان مما يعني هذا أن عوائق كبيرة قد توضع في طريق إطلاق أقمار جديدة إلى الفضاء في الوقت الحالي، ذلك وأنه كلما مرت السنوات كلما صارت مهام إطلاق أقمار صناعية جديدة إلى الفضاء أصعب وأصعب مما كان من قبل، ليس هذا فحسب.. بل قد تؤثر هذه الأقمار التالفة وأجزائها المنفصلة على التي لا زالت داخل إطار الخدمة بالفعل تحت سيطرة البشر.
وقد حدث في العام 2007 على سبيل المثال أن هناك تجربة إطلاق صاروخ صينية إلى الفضاء قد أدت إلى تطاير نحو 2000 شظية في الفضاء.
ومن أسوأ الحوادث الفضائية، والتي تعد تهديدًا لمستقبل استخدام الأقمار الصناعية في المجالات المختلفة، هي تصادم الأقمار الصناعية ببعضها البعض، ذلك وأنها قد أصبحت خارج سيطرة الإنسان بسبب خروجها عن دائرة التحكم البشرية، وذلك مثلما حدث مع القمر كوزموس 2251 والقمر إيريديوم 33 مما تسبب في انطلاق نحو 2000 شظية معدنية سابحة في الفضاء حول الكرة الأرضية في مدارات عشوائية، مما يشكل تهديدًا للأقمار الصناعية الفعالة، وتلك الأخرى التي تعد مشاريع جاهزة للإطلاق أو تلك التي لا زالت قيد التنفيذ.
وقد أفاد أحد مسئولي وكالة الفضاء “ناسا” إلى أن هناك مراقبة لمدارات نحو 20 ألف شظية فضائية تسبح حول الكرة الأرضية خوفًا من اصطدامها بالأقمار التي لا زالت داخل إطار الخدمة بالفعل، وقال أن هناك تباين في أحجام هذه الشظايا فهناك ما هو بالغ الصغر وهناك ما هو عملاق بحجم شاحنة.
وقد أفادت الوكالة في تقريرٍ لها إلى أن هناك ما يزيد عن 500 ألف شظية فضائية عبارة عن أجسام معدنية تسبح في الفضاء وأنه من المستحيل تتبع مدارات كل هذا العدد من الشظايا الذي يدور حول الأرض في مسارات عشوائية وبسرعة عالية قد تقترب من الـ27000 كم/ ساعة، مما يعني خطرًا يهدد مستقبل إطلاق الأقمار الصناعية في العالم.
المخاطر الناجمة عن هذه المخلفات الفضائية وأثرها
– تعد هذه الشظايا إحدى أهم مهددات عمل الأقمار الصناعية وقد لا يكون السبب في هذا حجمها لاسيما وأن هناك العديد من الشظايا لا يزيد قطرها عن سنتيمتر واحد، ولكن لأنها تتحرك في مسارات عشوائية وبسرعة عالية تقارب عشرات الكيلومترات في الساعة الواحدة، مما يؤدي إلى اكتسابها طاقة حركة عالية، قد تؤثر على عمل الأقمار الصناعية حتى وإن كانت دقيقة الحجم أو صغيرة الكتلة.
– اختراق المجسمات المعدنية للأقمار الصناعية الفعالة لاسيما وأن هذه الشظايا تدور بسرعات عالية وبأعداد كبيرة، ويكفي أن تعرف أن شظية بحجم 1 جرام وقطر 1 سم كفيلة باختراق هذه المجسمات نظرًا لسرعتها العالية التي تدور بها، والتي تمكنها من اختراق أي مجسم معدني لقمر صناعي مهما كان كبيرًا ومهما كانت كتلة الشظية صغيرة.
– إحداث أضرار بالغة في الأجهزة الدقيقة والرقائق المعدنية الصغيرة والهامة ذات التكلفة العالية التي توجد في أجسام الأقمار الصناعية، مما يسبب في إهدار موارد هامة وغالية التكلفة، ويكلف إصلاحها المزيد والمزيد من الوقت والجهد والأموال الطائلة.
الحلول لمشكلة المخلفات الفضائية ومدى جدواها وفاعليتها
للأسف حتى الآن لم يتم اكتشاف حل واحد حاسم وفعال بخصوص هذه الكارثة الفضائية والتي تهدد مستقبل الرحلات الفضائية للأقمار الصناعية ككل، وتشكل تهديدًا بإحداث خلل في مجال الاتصالات على مستوى العالم بأكمله، حيث لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى إيجاد طريقة تقنية فعالة لتنظيف الفضاء من كل هذه الشظايا التي تحدق بمستقبل الأقمار الصناعية.
غير أن الغلاف الجوي يعتبر هو المنقذ الوحيد من هذه الشظايا حيث يعمل على الحد من سرعة هذه الجسيمات وإبطاء سرعتها تدريجيًا لتهوي في النهاية داخل الأرض، لكن للأسف هذا الحل الطبيعي الذي لم يتم بتدخل أي يد بشرية فيه لا يعمل إلا مع الشظايا التي تدور في مستوى منخفض قريب من الكرة الأرضية، ذلك وأن الشظايا الموجودة على بعد 100 كيلومتر، قد تسقط على الأرض بعد مرور أكثر من مائة عام بكثير، بينما تستغرق الشظايا التي تقبع في مستوى أعلى وعلى مسافة أبعد وقتًا أكبر من هذا بكثير قد يصل إلى آلاف السنين.
وبذلك نستطيع القول أنه لا يوجد حتى الآن حل واحد يستطيع الإجهاز على هذه الكارثة التي تهدد مستقبل الفضاء بأكمله ولا حتى من الدول المتقدمة تكنولوجيًا وتقنيًا وتمتلك برامج فضائية عالية مثل روسيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن هناك خطرًا يحدق بمستقبل الاتصالات بأكمله.
ولا يوجد لدى العلماء سوى محاولة إنقاذ الأقمار الصناعية الواقعة تحت السيطرة وداخل نطاق الخدمة بالفعل من خطر المخلفات الفضائية والشظايا المهددة لفاعليتها، وذلك عن طريق تحويل مسار الأقمار الصناعية بعد إيقاف عملها بشكلٍ تام حتى يتسنى له تغيير مسارها بعيدًا عن الشظايا المحتملة للاصطدام بها، إلا أن هذه العملية لا تلقى جدوى كبيرة أيضًا ذلك وأنه قد صرح أحد العلماء المختصين بأبحاث الفضاء وتطبيقاته، أن هذه العملية قد تصلح لثلاث مراتٍ فقط بينما لا تلقى قبولاً لو تم تكرارها أكثر من ذلك بما يشي أننا مقبلون على أزمة حقيقية تخلقها هذه الشظايا، خاصة وأنه من المتوقع زيادتها بشكل قد لا يصلح معه ليس فقط عدم إطلاق أي رحلات فضائية مرة أخرى بل والحفاظ على فاعلية عمل الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء بالفعل.
خاتمة
لا بد وأن هناك كارثة محتملة تحدق بالأقمار الصناعية العاملة الموجود في الفضاء بالفعل، من خلال المخلفات الفضائية والشظايا المعدنية الناتجة عن اصطدام الأقمار الصناعية ببعضها، أو عن طريق تفكك الأقمار القديمة منتهية الصلاحية وانفصال أجزاءها عن بعضها، مما يعني هذا أن مستقبل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في خطر، ولذلك فإن العلماء يعملون على قدمٍ وساق محاولين تفادي أي خلل بتقنيات الاتصالات أو بفاعلية الأقمار الصناعية لا في الوقت الحالي ولا المستقبل سواء القريب منه أو البعيد، وذلك من أجل الحفاظ على تلك الطفرة التكنولوجية التي أضفت لحياة الناس أبعادًا جديدة من غير الممكن الاستغناء عنها.
أضف تعليق